لماذا تفرض إسبانيا ضريبة 100% على عقارات الأجانب؟
12:44 - 16 يناير 2025
تشهد إسبانيا تحولات جذرية في سياساتها الإسكانية، حيث أعلنت الحكومة عن خطط لفرض ضريبة بنسبة 100بالمئة على شراء العقارات من قبل غير المقيمين من خارج الاتحاد الأوروبي. هذه الخطوة أثارت تساؤلات حول مدى فعاليتها في حل أزمة الإسكان في البلاد، وتأثيرها على الاقتصاد الإسباني، وخاصة قطاع السياحة الذي يعتبر من أهم ركائز الاقتصاد الإسباني.
هل تسعى إسبانيا من خلال هذه الضريبة إلى تحقيق توازن بين الحاجة الملحة لتوفير مساكن بأسعار معقولة للمواطنين، والحفاظ على جاذبية البلاد كوجهة استثمارية؟ أم أنها تخاطر بطرد المستثمرين الأجانب وتقليل الإيرادات السياحية؟، هذه الأسئلة وغيرها تطرح نفسها بقوة في ظل هذه التطورات، حيث يتصارع الاقتصاد والسياسة الاجتماعية في إسبانيا لإيجاد حلول مستدامة لأزمة الإسكان التي باتت تؤرق الكثيرين.
أخبار ذات صلة
واقترح رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، أخيراً، مجموعة من التدابير الرامية إلى تخفيف حدة نقص المساكن وارتفاع الإيجارات وارتفاع أسعار المنازل في جميع أنحاء البلاد، حيث يُنظر إلى مشتري المنازل الأجانب والسياحة الجماعية على أنهما يساهمان في الضغوط على الإسكان، بحسب تقرير نشرته شبكة "سي إن بي سي" واطلعت عليه سكاي نيوز عربة.
وأشار التقرير أن "إسبانيا تخطط لفرض ضريبة بنسبة 100 بالمئة على المنازل التي يشتريها غير المقيمين من خارج الاتحاد الأوروبي، وذلك في إطار سعيها لمعالجة أزمة الإسكان المستعصية في البلاد".
وقال سانشيز، في منتدى حول هذا الموضوع، إن الوصول إلى المسكن يمثل أحد التحديات الرئيسية التي تواجه المجتمع الإسباني، وأن هناك خطراً من الانقسام بين المجتمعات، يواجه الغرب تحدياً حاسماً: ألا يصبح مجتمعاً منقسماً إلى طبقتين، طبقة أصحاب الأثرياء والمستأجرين الفقراء"، مشيراً إلى أن أسعار المساكن في أوروبا قد ارتفعت بنسبة 48 بالمئة في العقد الماضي، أي ما يقرب من ضعف دخل الأسر المعيشية.
وأضاف: "نحن نواجه مشكلة خطيرة، ذات آثار اجتماعية واقتصادية هائلة، تتطلب استجابة حاسمة من المجتمع ككل، مع وضع المؤسسات العامة في المقدمة"، وفقًا للتعليقات التي نشرتها الحكومة.
أخبار ذات صلة
12 إصلاحاً لمواجهة أزمة الإسكان
وأعلن سانشيز عن 12 إصلاحاً مصمماً لمعالجة الأزمة، وأن مقترحات الحكومة تشمل خطة لضمان فرض ضرائب على شقق السياحة "كمشروع تجاري" واقتراحاً بفرض ضريبة بنسبة 100 بالمئة على قيمة المنازل التي يشتريها غير المقيمين من خارج الاتحاد الأوروبي. وقال: "إن مثل هذه التغييرات ستساعد على جعل الإسكان أكثر سهولة في الوصول إليه وبأسعار معقولة في جميع أنحاء إسبانيا.
وشملت التدابير الأخرى التي أعلن عنها سانشيز، خططاً لتقديم تخفيضات ضريبية للمؤجرين الذين يقدمون إيجارات بأسعار معقولة ومزيدًا من الحماية للمستأجرين الحاليين، كما أعلن عن خطط لبناء المزيد من المساكن العامة وضمان بقاء المساكن الاجتماعية الحالية ملكًا للدولة. وقال "إنه سيتم أيضاً إطلاق برنامج لتجديد المنازل الفارغة لتأجيرها بأسعار معقولة".
ولم يقدم رئيس الوزراء أي تفاصيل أخرى حول كيفية عمل الضريبة على مشتري المنازل من خارج الاتحاد الأوروبي أو يعطي أي مؤشر على موعد تقديم هذه المقترحات إلى البرلمان للموافقة عليها.
وكانت الحكومة قد أشارت إلى نيتها في محاولة الحد من ملكية المنازل الأجنبية، معلنة العام الماضي أنها ستلغي برنامج "الفيزا الذهبية"، الذي تم تقديمه في عام 2013، والذي منح حقوق الإقامة للأجانب الذين استثمروا في العقارات الإسبانية بقيمة لا تقل عن 500 ألف يورو (حوالي 513 ألف دولار).
وأثار نقص المساكن وارتفاع الأسعار - والتصور القوي بأن ملاك المنازل لقضاء العطلات والإيجارات السياحية يؤججان المشكلة - رد فعل قوي في إسبانيا، فضلاً عن الاضطرابات في مناطق الجذب السياحي على طول الساحل الجنوبي وجزر الكناري وفي مدن مثل برشلونة وأليكانتي، وفقاً لتقرير الشبكة الأميركية.
أخبار ذات صلة
اقتصاد اسبانيا يعتمد على السياحة لتعزيز النمو
ويعتمد اقتصاد إسبانيا على السياحة لتعزيز النمو وخلق فرص العمل، حيث يمثل القطاع أكثر من 13 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي وحوالي ثلاثة ملايين وظيفة. بحسب بيانات المعهد الوطني الإسباني للإحصاء، INE، بلغ عدد السياح الدوليين الوافدين إلى إسبانيا في الأشهر الـ 11 الأولى من عام 2024 أعلى مستوى له على الإطلاق، متجاوزاً 88.5 مليون.
وقالت مارتي ويجفيلاارس، كبير الاقتصاديين في منطقة اليورو لدى رابوبانك: "لا تؤدي السياحة فقط إلى زيادة الإنفاق الاستهلاكي، بل إن ارتفاع معدلات إشغال أماكن الإقامة يؤدي أيضاً إلى زيادة قياسية في الاستثمارات في الفنادق، نتوقع أن يتراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي في إسبانيا إلى حد ما في المستقبل، حيث من المتوقع أن يفقد نمو قطاع السياحة بعض قوته. لكن من المتوقع أن يظل النمو قوياً وأعلى من منطقة اليورو في الأرباع والسنوات القادمة.
وفي حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية، قال الخبير الاقتصادي علي حمودي: "تواجه إسبانيا أزمة إسكان وعدم القدرة على تحمل التكاليف لمواطنيها منذ بعض الوقت، لذا فإن الخطة التي وضعتها إسبانيا الآن هي معالجة أزمة الإسكان بفرض ضريبة بنسبة 100بالمئة على المنازل التي يشتريها الأجانب من خارج الاتحاد الأوروبي مثل المملكة المتحدة".
ردع المستثمرين الأجانب
وكانت إسبانيا ولا تزال منذ فترة طويلة وجهة شهيرة لمشتري المنازل لقضاء العطلات من خارج الاتحاد الأوروبي، حيث يتدفق المقيمون في المملكة المتحدة والولايات المتحدة والمغرب لشراء العقارات في أماكن مثل إيبيزا وماربيا وبرشلونة، بحسب حمودي، الذي يرى بأن هدف الحكومة من هذه الخطة هو ردع المستثمرين الأجانب في العقارات من خلال خلق "عدم اليقين والضوضاء" باقتراح قانون لديه فرص ضئيلة ليقرها البرلمان ليصبح قانوناً.
وأضاف: "واستهدفت قائمة التدابير الحكومية أيضاً الشقق السياحية، والتي طالما ألقي عليها اللوم في تقليص المعروض من الإيجارات وترك السكان المحليين خارج السوق. لذا فإن الهدف من وضع القواعد المنظمة لهذه الإيجارات هو تشديدها في حين سترتفع الضرائب التي يدفعونها. وكما تعتقد الحكومة الآن، ليس من العدل أن يدفع أولئك الذين يمتلكون ثلاث أو أربع أو خمس شقق للإيجار قصير الأجل ضرائب أقل من الفنادق، كما أن الدستور الإسباني ينص على أن لكل الإسبان الحق في التمتع بمنزل (لائق ومناسب). ومن الناحية النظرية على الأقل، فإن الحكومة ملزمة بالسماح للمواطنين بممارسة هذا الحق".
وبالنسبة للتأثيرات الاقتصادية لصناعة السياحة في إسبانيا، وخاصة بعد خطط إنهاء التأشيرة الذهبية الإسبانية، لفت الخبير الاقتصادي حمودي إلى أنه لو تمت خطة إنهاء التأشيرة سيكون بمثابة ضربة قوية خاصة للمتقاعدين من المملكة المتحدة الذين يتطلعون إلى الانتقال إلى إسبانيا. قد تقدم لهم إسبانيا طقساً دافئاً، ولكن هذا قد لا يكون جذاباً إذا لم تكن الضرائب مشجعة ومرحبة بهم، لذا أعتقد أن فرض ضريبة بنسبة 100 بالمئة على العقارات التي يشتريها غير المقيمين من شأنه أن يسحق جاذبية التقاعد في إسبانيا للبريطانيين بين عشية وضحاها.
والأمر لا يتعلق بالتكلفة فقط، بل بالمنافسة، إذ تقدم فرنسا والبرتغال وفلوريدا مناخاً دافئاً ومع مثل هذه الضريبة المرتفعة، فإن قيمة المقارنة أفضل بكثير. لذلك فإن إسبانيا تخاطر بوضع نفسها خارج هذه السوق المهم وخسارة المتقاعدين البريطانيين الذين يقودون حركة الاقتصادات المحلية، بحسب تعبيره.
ويختم حمودي أنه "إذا أصبح هذا الاقتراح قانوناً، فقد تؤثر اللوائح الجديدة على صناعة السياحة في إسبانيا، وخاصة سوق الإيجار قصير الأجل، الذي كان محركاً مهماً لنمو السياحة في السنين الماضية. وقد يعيد أصحاب العقارات النظر في استثماراتهم في تأجير المنازل لقضاء العطلات بسبب زيادة الضرائب واللوائح الأكثر صرامة".
أخبار ذات صلة
فكرة غير فعالة
من جهته، يرى الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الله الشناوي أستاذ الاقتصاد في جامعة الزقازيق في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن فرض الضرائب على المقيمين من خارج الاتحاد الأوروبي بنسبة تصل الى 100 بالمئة هي فكرة غير فعالة، لعد ة أسباب منها:
- أن المشكلة الحقيقية في الإسكان في إسبانيا هي أنها لا تبني ما يكفي من المساكن، ولديها عدد كبير للغاية من المهاجرين من ذوي المهارات المتدنية. وربما يؤدي إغلاق البلاد أمام المغتربين الأثرياء إلى الفوز ببعض الأصوات ــ ولكنه لن يعالج المشكلة الحقيقية.
- معاناة إسبانيا من مشكلة متنامية تتعلق بعدم القدرة على تحمل تكاليف السكن، وتتفاقم مشكلة ارتفاع الإيجارات.
- تعرض سمعة إسبانيا كوجهة شعبية للسكن الثاني للخطر حيث أصبحت إسبانيا واحدة من الوجهات الأكثر شعبية للمنازل الثانية والعطلات.
- التأثير الكبير على قطاع السياحة في البلاد والذي يعد مساهما رئيسيا في اقتصاد البلاد.
وأشار الدكتور الشناوي إلى أن توقعات الخبراء باستمرار ارتفاع أسعار المساكن في إسبانيا في العام الجديد، مدفوعاً بعدة عوامل رئيسية ومنها، محدودية العرض من الإسكان، وانخفاض أسعار الفائدة، والتضخم المعتدل، والنمو السكاني، منوهاً بأن النمو السكاني يعود جزئياً إلى الهجرة، حيث يتمتع بعض الوافدين الجدد بقوة شرائية عالية للاستثمار في المساكن الفاخرة ومن شأن هذه الديناميكية أن تزيد من الطلب على المساكن، مما يدعم الضغوط على الأسعار في السوق.
مقترحات لحل أزمة الإسكان
وذكر بعض المقترحات لحل أزمة الإسكان ومنها القيام بتقديم تخفيضات ضريبية لتشجيع العرض ومن بين التدابير الأكثر فعالية لتخفيف الضغوط على السوق تقديم حوافز ضريبية للمطورين والملاك على حد سواء. مع ضرورة إصلاح قانون الأراضي إذ أن ارتفاع تكلفة الأراضي القابلة للتطوير هو أحد العوامل الرئيسية التي تجعل الإسكان أكثر تكلفة.
كما أشار إلى ضرورة تقديم مزيد من التمويل العام للإسكان الاجتماعي. وتنظيم سوق الإيجار حيث أن تنظيم أسعار الإيجار في المناطق ذات الطلب المرتفع من شأنه أن يوفر راحة فورية للمستأجرين. ومع ذلك، يجب أن يقترن هذا الإجراء بحوافز لأصحاب العقارات لضمان العرض الكافي والمتوازن، وتجنب الآثار السلبية مثل سحب المساكن من السوق. وأخيرا تشجيع التعاون بين القطاعين العام والخاص.
أي أن مشكلة الإسكان في إسبانيا تتطلب نهجاً متعدد الأوجه يجمع بين الإصلاحات القانونية والحوافز الضريبية والاستثمار الأكبر في الإسكان الاجتماعي. وبهذه الطريقة فقط يصبح من الممكن ضمان الحق في مسكن لائق للجميع، بحسب تعبيره.
وختم الخبير الاقتصادي الشناوي: "إن اقتراح إسبانيا بفرض ضريبة بنسبة 100بالمئة على مشتريات العقارات من قبل المشترين من خارج الاتحاد الأوروبي يمثل خطوة نحو معالجة أزمة الإسكان في البلاد. وفي حين تهدف السياسة الاقتصادية إلى الحد من المضاربة الأجنبية وتعزيز إمكانية الوصول إلى السكن للسكان المحليين، فإن فعاليتها على المدى الطويل لا تزال غير مؤكدة، ويشكل الانخفاض المحتمل في الاستثمار الأجنبي وعدم اليقين في السوق تحديات قوية، ولكن إذا تم استكمال السوق بتدابير قوية يمكن أن تمهد هذه المبادرة الطريق لسوق إسكان أكثر عدالة في إسبانيا".
