إلى أين تتجه أسعار الذهب مع تزايد الاضطرابات التجارية؟
04:41 - 28 مايو 2025تعيش الأسواق المالية العالمية حالة من الترقب والقلق، في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية والتجارية التي تلقي بظلالها على توجهات المستثمرين. وبينما تتزايد المخاوف من فرض رسوم جمركية أميركية جديدة وتتصاعد الأزمات في مناطق عدة حول العالم، يتلألأ الذهب كملاذ آمن يلجأ إليه الأفراد والمؤسسات والدول في أوقات الأزمات وعدم اليقين.
هذه الظروف، التي تعززت بقرارات البنوك المركزية في الأسواق الناشئة بزيادة حيازاتها من الذهب، دفعت مؤسسات مالية كبرى إلى مراجعة توقعاتها لسعر المعدن النفيس ورفع تقديراتها لمستويات قياسية محتملة.
في هذا السياق، يتزايد زخم التوقعات بأن الذهب قد يشهد قفزات سعرية في الأشهر المقبلة، مع ترجيح عدد من المحللين استمرار قوة الطلب على الذهب مدفوعاً بالمخاطر الاقتصادية والجيوسياسية المتزايدة، إلى جانب ضعف الدولار العالمي. وبينما يبقى الغموض مسيطراً على المشهد، يجتمع الخبراء على أن الذهب لا يزال في صدارة الخيارات الاستثمارية كأداة للتحوط من الأزمات والتقلبات.
أحدث التقديرات
- رفعت سيتي غروب السعر المستهدف للذهب لثلاثة أشهر من 3150 دولاراً للأونصة إلى 3500 دولار، بزيادة قدرها 11 بالمئة.
- في إطار رفع السعر المستهدف، أشارت المجموعة إلى استمرار مخاطر الرسوم الجمركية الأميركية والمخاوف بشأن الميزانية الأميركية كأسباب تدفع المستثمرين على الأرجح إلى البحث عن ملاذ آمن في الذهب .
- المحللون في سيتي غروب أشاروا أيضاً إلى المخاطر الجيوسياسية خارج الولايات المتحدة مثل الحرب في أوكرانيا وتصاعد التوترات في الشرق الأوسط كأسباب تجعل المعدن النفيس خياراً جذاباً للمستثمرين في الوقت الحالي.
يأتي تعديل توقعات سيتي غروب في أعقاب تصاعد التوترات التجارية العالمية ، لا سيما مع تجدد تهديدات الولايات المتحدة بفرض رسوم جمركية . وقد دفعت هذه التطورات المستثمرين إلى تقليل تعرضهم للمخاطر في الأسهم والتحول إلى السلع والمعادن النفيسة ، التي تُعتبر تقليديًا أدوات تحوط من التضخم وملاذات آمنة من التقلبات.
أبرز العوامل الداعمة
من جانبه، يقول الرئيس التنفيذى لمركز كوروم للدراسات الاستراتيجية، طارق الرفاعي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن رفع سيتي غروب توقعاتها لسعر الذهب على المدى القصير يعكس تضافر عوامل تعزز جاذبية الذهب كملاذ آمن.
ويحدد في هذا السياق مجموعة من العوامل الرئيسية وراء المراجعة الصعودية، بداية من أثر تصاعد التوترات التجارية، إذ أدت التهديدات الأخيرة للإدارة الأميركية بفرض تعريفة جمركية بنسبة 50 بالمئة على واردات الاتحاد الأوروبي إلى تفاقم حالة عدم اليقين في التجارة العالمية. وعلى الرغم من تأجيل التنفيذ إلى يوليو (بدلاً من يونيو)، إلا أن مجرد الإعلان قد أثر بالفعل على معنويات السوق، مما دفع المستثمرين نحو الذهب كأصل وقائي.
من بين تلك العوامل أيضاً المخاطر الجيوسياسية، إذ اشتدت التوترات الجيوسياسية المستمرة، بما في ذلك الصراعات في الشرق الأوسط وآسيا، مما دفع المستثمرين إلى البحث عن ملاذ آمن في الذهب. وغالباً ما تؤدي مثل هذه النقاط الساخنة الجيوسياسية إلى زيادة الطلب على الأصول التي يُنظر إليها على أنها مستقرة في أوقات الأزمات.
يضاف إلى ذلك الطلب المادي القوي، لا سيما وأن واردات الصين من الذهب قد ارتفعت بشكل كبير، حيث أظهرت أرقام أبريل زيادة كبيرة مقارنة بالأشهر السابقة. يُعزى هذا الارتفاع إلى كلٍّ من الطلب على الاستثمار واستهلاك المجوهرات، مما يشير إلى طلب أساسي قوي على الذهب في الأسواق الرئيسية.
كما تواصل البنوك المركزية، وخاصةً في الأسواق الناشئة، تنويع احتياطياتها من خلال زيادة حيازاتها من الذهب. يدعم هذا الاتجاه الطلب الهيكلي على الذهب ويؤكد دوره في النظم المالية العالمية.
وبحسب بيانات الجمارك الصينية، فقد ارتفعت واردات الصين من الذهب بنسبة 73 بالمئة في أبريل مقارنة بالشهر السابق لتصل إلى 127.5 طن متري، وهو المستوى الأعلى في 11 شهراً.
الملاذ الآمن
بدورها، تشير خبيرة أسواق المال، حنان رمسيس، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن "الذهب لا يزال يُعد الملاذ الآمن الأول لكل من الدول والأفراد، لأنه الأقل تذبذباً والأكثر موثوقية"، مردفة: "خلال الفترة الماضية، لاحظنا أن الصين قامت بشراء كميات كبيرة من الذهب، في حين قلصت حيازاتها من سندات الخزانة الأميركية، الأمر الذي انعكس مباشرة على أسعار الدولار وأدى إلى تراجعها عالمياً.
وتشدد على أنه مع استمرار تصاعد التوترات الجيوسياسية في مناطق عدة حول العالم، يعود الذهب ليؤكد مكانته كأحد أفضل أدوات الاستثمار الآمن، خاصة في أوقات عدم اليقين وغياب وضوح الرؤية الاقتصادية.
وتضيف: رغم خفض أسعار الفائدة في العديد من الدول، وثباتها في أخرى، يبقى الذهب في صدارة الخيارات الاستثمارية، كونه لا يتأثر كثيرًا بالتقلبات، ويُعتبر ملاذًا آمنًا للقيمة.. حتى مع حدوث بعض التصحيحات السعرية، يظل الذهب قادراً على تجاوز مستويات المقاومة، ويستعيد عافيته سريعاً.
كما تشير إلى أنه لا توجد مؤشرات حالياً على أي توجه من البنوك المركزية للتخلص من احتياطيات الذهب كما حدث سابقًا في التسعينيات عندما قامت سويسرا ببيع كميات ضخمة، مما أدى حينها إلى انهيار أسعار الذهب.
ثلاثة سيناريوهات
وحدد تقرير لـ "سي بي إس نيوز" ثلاثة سيناريوهات رئيسية لأسعار الذهب في يونيو. أولها سيناريو استقرار الأسعار، في ظل ترقب اجتماع الاحتياطي الفيدرالي في 17 يونيو، حيث يُتوقع أن تبقى الفائدة دون تغيير بنسبة تصل إلى 94 بالمئة، وفقاً لأداة FedWatch التابعة لمجموعة CME.
يشير بن نادلستين من شركة Monetary Metals، إلى أن أي تغيير في توجهات الفيدرالي أو نبرة حديثه عن خفض الفائدة مستقبلاً قد يؤثر على سوق الذهب. كما يُتوقع أن تبقى الأسعار متماسكة حتى بعد اجتماع الفيدرالي، مع مراقبة تطورات ملف الرسوم الجمركية، الذي قد يشكل عاملاً إضافياً لتحريك السوق.
أما السيناريو الثاني فهو "انخفاض محتمل للأسعار". فرغم أن احتمال رفع الفائدة ضئيل، إلا أن حدوثه - خصوصاً إذا ارتفع التضخم بفعل الرسوم الجمركية واستمرت قوة سوق العمل- قد يؤدي إلى تراجع أسعار الذهب مع توجه رؤوس الأموال نحو السندات الأميركية. كما أن تسوية الخلافات التجارية بشكل ودي أو وقف البنوك المركزية لشراء الذهب أو ضبط الإنفاق الحكومي الأميركي قد يدفع الأسعار للتراجع. إلا أن جيمس كورديير، الرئيس التنفيذي لشركة Alternative Options، يؤكد أن الطلب القوي من البنوك المركزية يوفر دعماً صلباً لأسعار الذهب، ما يقلل فرص حدوث هبوط حاد.
وفي السيناريو الثالث، يشير التقرير إلى احتمالية صعود الأسعار مجدداً، لا سيما في حال أظهرت البيانات الاقتصادية لشهر يونيو تباطؤاً في النمو أو ضعفاً في الأسواق، ما قد يدفع الفيدرالي إلى خفض الفائدة، وهو ما يعزز الطلب على الذهب. كما أن أي توترات جيوسياسية كبيرة أو تعثر في مفاوضات التجارة أو تصحيح في سوق الأسهم قد يدفع الأسعار نحو مستويات قياسية جديدة، وفقاً لنادلستين وكورديير.
دعم قوي
وإلى ذلك، يقول الخبير الاقتصادي عامر الشوبكي، في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن "التوقعات حول أسعار الذهب تزداد يوماً بعد يوم، وأرى أن الذهب قد يشهد دعماً قوياً على المدى القصير، نتيجة عدة عوامل اقتصادية وجيوسياسية".
ويتوقع الشوبكي أن تصل أسعار الذهب إلى 3500 دولار للأونصة خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، مقارنة بالتوقعات السابقة التي كانت تشير إلى 3200 دولار. وأن هذا التعديل في التوقعات يعود إلى زيادة الطلب على الذهب كملاذ آمن، خاصة من قبل شركات التأمين الصينية، في ظل مخاوف من تصعيد التوترات التجارية وضعف الأسواق العالمية.
كذلك، السوق قد تشهد عجزاً فعلياً في المعروض المادي من الذهب، وهو ما يدفع الأسعار للارتفاع لتشجيع المعروض وتحقيق التوازن بين العرض والطلب.
ومن بين العوامل المؤثرة أيضاً، بحسب الشوبكي، تراجع مؤشرات الدولار، ما يجعل الذهب أكثر جاذبية للمستثمرين الذين يحتفظون بعملات غير الدولار. إلى جانب ذلك، هناك مخاوف حقيقية بشأن الاستقرار المالي الأميركي، خاصة مع تزايد الدين العام بعد إقرار قانون ضريبي وإنفاقي ضخم.
هذا أدى إلى تراجع الثقة في الأصول الأميركية، وزيادة الطلب على الذهب كملاذ آمن. كما أن التوترات الجيوسياسية لا تزال قائمة، سواء بين الولايات المتحدة وإيران، أو في الحرب المستمرة في أوكرانيا، وهو ما يعزز مكانة الذهب كأداة للتحوط ضد المخاطر الجيوسياسية.
كما يلاحظ استمرار البنوك المركزية، لا سيما في الأسواق الناشئة، في شراء الذهب ضمن استراتيجيات تنويع الاحتياطيات وتقليل الاعتماد على الدولار. وهنالك بنوك كبرى، مثل بنك "أوف أميركا" و"سيتي غروب"، تتبنى توقعات متفائلة مماثلة، حيث أشار بعضها إلى إمكانية وصول الذهب إلى 3500 دولار في الفترة المقبلة. بل إن بنك ANZ الأسترالي النيوزيلندي توقع أن يصل الذهب إلى 3600 دولار للأونصة بنهاية هذا العام، مدفوعًا بمخاوف من ركود عالمي أعمق، وتوترات جيوسياسية، واضطرابات في سلاسل التوريد، وفق الشوبكي.