مفتاح الانتعاش.. خطوة واحدة قد تغير مستقبل الاقتصاد السوري
14:40 - 31 ديسمبر 2024تتطلع سوريا إلى لملمة شتات اقتصادها الذي دمرته سنوات الصراع الطويلة، فبعد ما يقرب من 14 عاماً من الحرب، أصبحت معظم البنى التحتية للمعالم الاقتصادية للبلاد، من آبار نفط وغاز وطرق وشبكات كهرباء وأراض زراعية في حالة خراب. وفي الوقت ذاته، انهارت قيمة العملة السورية إلى مستويات قياسية، وباتت احتياطيات البنك المركزي من العملات الأجنبية مستنفدة تقريباً.
والآن، وبعد سقوط نظام بشار الأسد، يسعى زعماء سوريا الجدد إلى إعادة بناء اقتصاد السوق الحرة، وإحياء صناعة النفط، وإقامة شراكات دولية، ولكن كل هذا لن يكون سهلاً، فبحسب تقرير أعدته صحيفة "نيويورك تايمز" اطلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، هناك اتفاق واسع النطاق بين أوساط الخبراء على أن الخطوة الأكثر أهمية في إعادة بناء اقتصاد سوريا، لا يمكن اتخاذها إلا من قبل الولايات المتحدة التي يجب عليها رفع العقوبات التي قطعت سوريا عن التجارة والاستثمار الدوليين، فمن دون هذه الخطوة ستبقى عملية إعادة بناء الاقتصاد المدمر بطيئة ومؤلمة بالنسبة للسوريين.
رفع العقوبات أولوية
وبهدف معاقبة نظام الأسد، فرضت الولايات المتحدة في عام 2019 قيوداً تستهدف التدفقات المالية إلى سوريا، إلا أن هذه القيود أصبحت اليوم تعرقل بشدة تدفق الأموال التي تحتاجها البلاد لإحياء عملية إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية، فالأسر والمنظمات الإغاثية لا تستطيع إرسال المساعدات إلى سوريا، وهو الأمر الذي ينطبق أيضاً على المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، في حين أن النظام المصرفي السوري بحاجة ملحة إلى خطوة رفع العقوبات، من أجل العمل بكفاءة والمضي قدماً بشكل صحيح. كما أن جذب الشركات الأجنبية والخبرات اللازمة لإعادة البناء، يبقى مستحيلاً دون اتخاذ هذه الخطوة الأساسية.
أوراق أخرى بيد واشنطن
وبحسب تقرير "نيويورك تايمز" فإنه لدى واشنطن أوراقا اقتصادية أخرى، يمكن أن تلعبها في سوريا، حيث إن مراكز إنتاج النفط والآبار العاملة المتبقية تقع في شمال شرق سوريا، وهي منطقة تسيطر عليها جماعات تدعمها الولايات المتحدة.
ووفقاً لـ ديفيد غولدوين، وهو مسؤول كبير في مجال الطاقة في إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، فإن الحكومة السورية ستحتاج بوضوح، إلى إثبات أنها تمتلك هذه الموارد ولديها الحق في بيعها وقادرة على ضمان أمن المنشآت وإصلاح بنيتها التحتية وتشغيلها، في حين يقول جوشوا لانديس، المدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما، إن هذه الحقول تنتمي إلى الحكومة في دمشق ويجب إعادتها إلى سيطرتها، مشيراً إلى أن النفط كان يوفر في السابق حوالي نصف عائدات سوريا، فقبل الحرب، أنتجت سوريا 383 ألف برميل من النفط يومياً، أما الآن فتنتج أقل من 90 ألف برميل، وفقاً للبنك الدولي.
أما الخبير الاقتصادي السوري ورئيس دائرة الاقتصاديين العرب، سمير عيطة، فرأى أن النظام الاقتصادي بأكمله في سوريا لا يعمل، مشدداً على أن خطوة رفع العقوبات، أو حتى الإعفاءات المؤقتة، تشكل أولوية حالياً.
أميركا تدرس خياراتها
بدوره أشار تقرير أعدته "وول ستريت جورنال" واطلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أنه بينما يسعى زعماء سوريا الجدد إلى إعادة بناء الاقتصاد، فإنهم يواجهون مجموعة من التحديات، بما في ذلك إقناع القوى الغربية برفع العقوبات واستعادة السيطرة على قطاع النفط في البلاد، فالغرب لا يزال حذراً من التعامل مع زعماء سوريا الجدد الذين كانوا يرتبطون في السابق بعلاقة مع تنظيم القاعدة قبل أن يتم قطعها.
ونقل التقرير عن شخص مطّلع على الأمر، قوله إن الولايات المتحدة تدرس خيارات لتخفيف بعض العقوبات بشكل مؤقت، بهدف توفير المساعدات اللازمة لسوريا، لافتاً في هذا السياق إلى تصريحات باربرا ليف، مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، خلال لقائها بالحكومة السورية الجديدة في ديسمبر 2024، عندما تجنبت الحديث المباشر عن رفع العقوبات، لكنها أكدت أن بلادها لديها الحرية لتقديم بعض المساعدة المبكرة لتعافي سوريا، في حين يسعى الاتحاد الأوروبي للحصول على مزيد من التأكيدات من الحكومة الجديدة قبل رفع العقوبات.
كيف أثّر قانون قيصر على سوريا؟
يقول الدكتور عارف دليلة وهو أستاذ الاقتصاد السياسي وعميد كلية الاقتصاد في جامعة دمشق سابقاً، في حديث خاص لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن العلاقات الاقتصادية، المالية أو السلعية، بين سوريا والولايات المتحدة لم تكن ذات شأن هام للاقتصادين، بينما كانت العلاقات السياسية وإيحاءاتها للدول الأخرى والشركات والفاعلين الاقتصاديين هي الأكثر أهمية، حيث كانت تتصف في الغالب، بالسلبية، لأسباب يتقاسمها الطرفان، ومن هنا تأتي أهمية العقوبات الاقتصادية، كمؤثر سلبي جداً على التطور الاقتصادي لسوريا، عموماً، وعلى أبعاده الاجتماعية بالأخص، مشيراً إلى أن قانون "قيصر" الذي بدأ تطبيقه في عام 2019، ورغم أنه كان مصاغاً بشكل جيد جداً ليتفق مع الغرض المعلن منه وهو "حماية الشعب السوري ومعاقبة الأجهزة القمعية ومسؤوليها الفاسدين"، إلا أنه أدى من حيث آثاره التطبيقية إلى واقع سلبي ثقيل تحمله المواطنون والاقتصاد والمؤسسات الخدماتية والاجتماعية، بينما لم تهتز شعرة واحدة من المرتكبين الذين لم يفقدوا القدرة على إحداث المزيد من الأذى للشعب.
وبحسب دليلة فإنه مع تنصل المرتكبين المقصودين في نصوص قانون "قيصر" من المسؤولية ورميهم لمفاعيل العقوبات على الشعب السوري، تم إلحاق المزيد من الأذى بالشعب والبنية التحتية ومستوى المعيشة، والخدمات الاجتماعية التي تدهورت بشكل فظيع، حيث انهار سعر صرف العملة السورية من 500 ليرة للدولار عام 2019 إلى 15000 ليرة بعد خمس سنوات، أي قبل شهر من سقوط النظام، مؤكداً أن النصوص الموجودة في القانون، ليست بحد ذاتها هي المسؤولة عما حدث، وإنما الواقع الذي لم يؤخذ بعين الاعتبار.
ماذا تحتاج سوريا لإنقاذ اقتصادها؟
بدوره قال المستشار الاقتصادي السياسي الدكتور أسامة القاضي في مداخلة له ضمن برنامج " Business مع لبنى" على "سكاي نيوز عربية"، إن الحكومة السورية تحتاج للقيام بحزمة كبيرة من الخطوات العاجلة لإنقاذ اقتصاد البلاد، حيث يجب العمل على إعادة هيكلة البنك المركزي والسياسات المصرفية ورفع العقوبات الاقتصادية عن البلاد، إضافة إلى وضع اليد على النفط السوري، فهذه المشكلة يجب أن تُحل فوراً لكونها ستدر دخلاً سريعاً على البلاد، مشيراً إلى أن الإجراءات المتعلقة بالأمن والأمان والتعديلات والتشريعات القانونية التي تختص بالقطاع العقاري مهمة جداً في مرحلة إعادة الإعمار، إذ أن جميع القوانين يجب أن تكون جاذبة للاستثمارات بشكل كبير.
وشدد القاضي على ضرورة تبني الحكومة السورية لخطة بعيدة المدى، تضمن توفير تنمية متوازنة بين جميع المحافظات والقطاعات، على أن تكون ثلاثية "التعليم والتصنيع والتكنولوجيا"، على رأس الأولويات بالنسبة لسوريا، خصوصاً أن مجال التصنيع يخلق فرصاً عمل كثيرة.
رؤيا اقتصادية مخططة بعناية
من جهته قال أستاذ الدراسات الدولية الدكتور شاهر الشاهر، في مداخلة له ضمن برنامج " Business مع لبنى" على "سكاي نيوز عربية"، إن سوريا الجديدة بحاجة إلى كل شيء، مذكراً بمقولة "أن رأس المال جبان" بمعنى أنه إذا كنا نريد أن نبني أولاً علينا أن نؤمّن الأمان، لافتاً إلى أن الأمور في هذا المجال تسير في سوريا بأفضل من المتوقع.
وأكد الشاهر أنه على الحكومة السورية الانتقالية العمل على تلبية احتياجات المواطنين العاجلة، بما يشمل توفير المساعدات الأساسية من نفط وغاز وخبز. وأشاد بالتطمينات التي تقدمها الحكومة لتأمين احتياجات المواطنين ورواتبهم، واصفاً إياها بالخطوة الإيجابية، ومع ذلك، شدد على ضرورة وضع رؤية اقتصادية مدروسة ومخططة بعناية، معتبراَ أن هذه المسؤولية تقع بشكل رئيسي على عاتق الحكومة السورية.