من السلع الفاخرة إلى كوب القهوة.. تعرفة ترامب لا تستثني شيئا
07:02 - 07 أبريل 2025
عندما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الأسبوع الماضي، عن فرض رسوم جمركية شاملة على الواردات من مختلف أنحاء العالم، كان مصدر القلق الأساسي لدى الأميركيين، هو احتمال ارتفاع أسعار السيارات الفاخرة والمنتجات الغذائية المستوردة. ولكن الصورة تبدلت بسرعة، إذ تبيّن أن تأثير الرسوم الجمركية لن يقف عند حدود الكماليات، بل سيتسلل إلى تفاصيل الحياة اليومية لكل أسرة في أميركا.
فابتداءً من يوم السبت 5 أبريل 2025، دخلت الرسوم الجديدة بنسبة 10 في المئة حيّز التنفيذ، فاتحةً الباب أمام موجة من التكاليف الإضافية، التي لن تقتصر على سلع النخبة، بل ستطال مختلف جوانب الاستهلاك اليومي، فمن عبوات الحليب إلى مستحضرات التجميل، مروراً بالأحذية وصولاً إلى الأجهزة المنزلية، يواجه المصنعون والموردون الآن السؤال الأصعب: "من سيدفع الثمن؟" خصوصاً أن السيناريو الذي حدث خلال ولاية ترامب الأولى من الصعب تكراره.
فوفقاً لتقرير أعدّته "بلومبرغ" واطلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، فإن ترامب وخلال ولايته الأولى، فرض رسوماً جمركية محدودة على الصين، حيث تمكنت حينها الشركات من امتصاص تلك التكاليف دون تحميلها للمستهلكين، أما اليوم، فالأمر مختلف تماماً، إذ باتت الرسوم تطال معظم الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، ما يفرض واقعاً جديداً قد يغيّر أنماط الإنفاق، ويعيد تشكيل سلة مشتريات الأميركيين.
وفيما يلي بعض المنتجات المستوردة التي قد تشهد ارتفاعاً في الأسعار نتيجة لهذه الرسوم الجديدة، والتي لم تكن متوقعة من قبل الكثيرين:
نظارات راي بان
هذه النظارات الشمسية الشهيرة، التي طلبها سلاح الجو الأميركي لأول مرة في ثلاثينيات القرن الماضي، تُصنع في قرية جبلية صغيرة على جبال الدولوميت الإيطالية قبل شحنها إلى جميع أنحاء العالم، بما في ذلك أميركا.
ويعود ذلك إلى أن راي بان، إلى جانب علامات تجارية شهيرة أخرى، مثل أوكلي وأوليفر بيبولز وفوغ آيوير، مملوكة لشركة إيسيلور لوكسوتيكا إس إيه الفرنسية الإيطالية العملاقة في مجال النظارات، وهي أكبر شركة في هذا القطاع بقيمة سوقية تتجاوز 100 مليار يورو (110 مليارات دولار). وفي عام 2024، بلغت مبيعاتها في أميركا الشمالية ما يقرب من 12 مليار يورو.
والآن مع فرض أميركا رسوماً جمركية بنسبة 20 في المئة على الاتحاد الأوروبي، قد يصبح ارتداء الإكسسوارات الشخصية في أميركا، ومن ضمنها نظارات راي بان أكثر تكلفة بكثير.
نسبريسو
تبيع شركة نستله حوالي 14 مليار كبسولة سنوياً، من كبسولات قهوة نسبريسو في العالم، حيث لا تزال جميع هذه الكبسولات تُصنع فقط في ثلاثة مصانع في سويسرا.
وبموجب القرارات الأخيرة، فرض ترامب تعريفة جمركية بنسبة 31 في المئة على سويسرا، وهي أعلى بكثير من تلك المفروضة على الاتحاد الأوروبي، حيث سيؤدي ذلك إلى ارتفاع كبير في أسعار قهوة نسبريسو في السوق الأميركية.
وتشير أرقام نستله إلى أن مبيعات نسبريسو العالمية بلغت 6.4 مليار فرنك سويسري (7.5 مليار دولار) في عام 2024.
الشعر المستعار والرموش الاصطناعية
تُعد الصين أكبر منتج ومصدّر للشعر المستعار في العالم، حيث بلغت صادراتها حوالي 3 مليارات دولار أميركي في عام 2022. وتستحوذ الصين على حوالي 80 في المئة من سوق إكسسوارات الشعر العالمية، وفقاً لوكالة أنباء شينخوا الصينية الرسمية.
ولطالما كانت الولايات المتحدة الوجهة الرئيسية لصادرات الشعر المستعار الصيني، كما تُمثل الصين حوالي 70 في المئة من الإنتاج العالمي للرموش الصناعية، ومع فرض الولايات المتحدة رسوماً جمركية بنسبة 34 في المئة على البضائع الصينية، أصبحت واردات الرموش الاصطناعية والشعر المستعار إلى اميركا أكثر تكلفة.
Birkenstocks
مثل غيرها من الشركات التي ستتأثر بالرسوم الجمركية التي فرضها ترامب، ألمحت شركة تصنيع الصنادل الألمانية Birkenstocks إلى أنها ستحاول تغطية تكاليف الرسوم الأميركية الجديدة، عن طريق توزيع زيادات الأسعار على صعيد عالمي، وليس فقط على صعيد السوق الأميركية، علماً أن الأميركيتين تُعدان أكبر سوق بالنسبة لـ Birkenstocks، بإيرادات سنوية تبلغ حوالي 950 مليون يورو.
وقال مسؤولون تنفيذيون في Birkenstocks إن الشركة الألمانية امتلكت تاريخياً القدرة على اتخاذ إجراءات تسعير عالمية لتعويض ضغوط مثل الرسوم الجمركية.
أسرّة المستشفيات
تُعدّ مجموعة " Linet" في جمهورية التشيك من أبرز موردي أسرّة المستشفيات عالية التقنية. وأعلنت الشركة أنه بالنسبة لعقودها المستقبلية مع العملاء الأميركيين، فإنه سيتعين عليها رفع الأسعار والتركيز بشكل أكبر على المنتجات الفاخرة ذات الأسعار المرتفعة وهوامش الربح المرتفعة.
ووفقاً للرئيس التنفيذي توماس كولار، تُشكّل صادرات Linet إلى الولايات المتحدة حوالي 20 في المئة من مبيعاتها السنوية البالغة 370 مليون يورو.
خواتم أورا
للمهتمين بصحتهم، من المرجح أن تحقق خواتم أورا الذكية نجاحاً باهراً، حيث تتميز هذه الأجهزة الصغيرة بإمكانية تتبع النوم والنشاط ومعدل ضربات القلب تماماً كما تفعل الساعات الذكية. وتحظى أجهزة أورا بشعبية كبيرة بين المستهلكين الذين يفضلون عدم ارتداء جهاز ضخم على معصمهم.
وتعود ملكية هذه العلامة التجارية لشركة التكنولوجيا الفنلندية "أورا هيلث أوي"، ومن المؤكد أن أسعار منتجاتها سترتفع نتيجة للرسوم الجمركية الأميركية.
البوتوكس
قد يضطر الأميركيون الذين يتطلعون إلى علاجات التجميل، لدفع المزيد من المال مقابل حقن مكافحة التجاعيد. وبينما لم يُعلن ترامب بعد عن رسوم محددة على الأدوية، إلا أن هناك مخاوف من أن يكون هذا الأمر مؤقت.
وتُصنّع AbbVie Inc، الشركة المصنعة للبوتوكس، معظم إنتاجها في مدينة ويستبورت بأيرلندا. وأي زيادة في الأسعار بسبب الرسوم الجمركية ستؤثر على المستهلكين الأميركيين، خاصة أن التأمين لا يغطي البوتوكس المستخدم للأغراض التجميلية.
الشركات الأميركية أمام معضلة تمرير التكاليف
ويقول المحلل الاقتصادي محمد أبو الحسن، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إنه خلال الولاية الأولى للرئيس دونالد ترامب، كانت الرسوم الجمركية تقتصر بشكل رئيسي على الصين، وكانت محدودة النطاق، وفي تلك الفترة، تمكن العديد من الشركات، من امتصاص تأثير هذه الرسوم دون أن تمرر الزيادات إلى المستهلكين، خاصة في القطاعات التي كانت تتمتع بهوامش ربح مرتفعة، ولكن الوضع الآن مختلف تماماً، فالرسوم الجمركية الحالية تشمل مجموعة واسعة من الشركاء التجاريين حول العالم، وهو ما يعني أن الشركات لن تستطيع الامتصاص الكامل لتكاليف هذه الرسوم، مؤكداً أنه في كثير من الحالات، ستضطر الشركات إلى نقل جزء من هذه الزيادة إلى المستهلكين، فالشركات الأميركية التي تعتمد على الواردات ستواجه ضغوطاً متزايدة، خصوصاً في القطاعات التي تتسم بمنافسة عالية، حيث سيكون من الصعب تمرير التكاليف الإضافية دون فقدان العملاء.
ويشرح أبو الحسن أن المستهلكين يميلون إلى تغيير سلوكهم الشرائي في الأوقات الاقتصادية الصعبة، مما يعني أن العلامات التجارية التي ستتأثر بالرسوم، قد تجد نفسها أمام تحديات أكبر في الحفاظ على حصتها في السوق، فزيادة أسعار منتجات شهيرة مثل نظارات "راي بان" وكبسولات "نسبريسو" وغيرها من المنتجات المماثلة، قد تدفع جزءاً كبيراً من المستهلكين في السوق الأميركية، إلى البحث عن بدائل أرخص، خصوصاً إذا ما استمر ارتفاع الأسعار على المدى الطويل، لافتاً إلى أنه مع تراجع الطلب، قد تواجه بعض الشركات تحديات في تحقيق الأرباح، مما قد ينعكس سلباً على نموها.
ويكشف أبو الحسن أن بيانات حديثة تم نشرها، تُظهر أن أكبر مجموعات السلع المتأثرة برسوم ترامب الجمركية، هي الهواتف التي تصل فاتورة استيرادها إلى 100 مليار دولار تقريباً، ثم أجهزة كمبيوتر بفاتورة تصل قيمتها إلى 90 مليار دولار، ومن ثم قطع غيار أجهزة كمبيوتر بفاتورة قيمتها 52 مليار دولار، وبطاريات بقيمة 29 مليار دولار، مشدداً على أن ارتفاع الأسعار، لن يشمل فقط منتجات الأدوات الكهربائية بل أيضاً الألبسة والأحذية، فبحسب "معهد بيترسون للاقتصاد الدولي" تستورد أميركا نحو 90 في المئة من الأحذية المباعة في البلاد، وهذا يعني حكماً أن معظم المستهلكين هناك سيتأثرون بتضخم أسعار الأحذية المستوردة، التي ستخضع الآن لرسوم جمركية أعلى، وهو ما ينطبق أيضاً على العديد من أصناف المواد الغذائية مثل القهوة والموز والأفوكادو.
هل ستؤدي رسوم ترامب إلى ركود اقتصادي؟
من جهتها تقول الكاتبة والصحفية في المجال الاقتصادي باتريسيا جلاد، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الرسوم الجمركية الجديدة أو ما بات يُعرف بالرسوم الجمركية المتبادلة، هي أكبر بكثير مما كانت عليه خلال العهد الأول لترامب، عندما أثّرت على نحو 1.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، فالرسوم الحالية ستؤثر على ما يقرب من 10.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما سيجعل من مخاطر الركود مرتفعة للغاية في أميركا، مشيرة الى أنه رغم ذلك فمن الصعب جداً الجزم بما إذا كانت الرسوم الجديدة ستدفع الولايات المتحدة إلى حالة ركود، ويعود ذلك جزئياً إلى عدم وضوح مدة استمرارها، وقد رأينا منذ ساعات أن تايوان أعلنت أنها ستبدأ مفاوضات مع أميركا، انطلاقاً من مبدأ "صفر رسوم" بين البلدين، وهو ما يسعى ترامب بالفعل لتحقيقه من البداية.
الأثاث ليس بمنأى عن الرسوم
وترى جلاد أنه من شبه المؤكد أن كل شيء تقريباً سيرتفع سعره في الولايات المتحدة، على الأقل خلال الفترة القصيرة المقبلة، فهذه الرسوم تطال منتجات يستخدمها الأميركيون يومياً، في حين أن البدائل المحلية إما غير متوفرة، أو أغلى ثمناً من الأساس، وهو ما سيعقّد الأمور أكثر، لافتةً إلى أنه حتى أسعار الأثاث ستشهد ارتفاعاً، حيث أن الصين وفيتنام تزوّدان الولايات المتحدة بأكثر من نصف احتياجاتها من الأثاث المستورد، ما يشير إلى أن غرف الجلوس وغرف النوم وحتى المطابخ قد تصبح أغلى ثمناً، ليس فقط نتيجة الكلفة الإضافية على الاستيراد، بل أيضاً بسبب محدودية البدائل المحلية وانخفاض طاقتها الإنتاجية أمام الطلب المرتفع.
وتشير جلّاد إلى أن السوق الأميركية ستمر في مرحلة انتقالية قد تدوم لعدة أشهر، وفي هذه الفترة قد نشهد تحوّلاً مؤقتاً في أولويات المستهلكين، من الإنفاق على الكماليات إلى التركيز على الأساسيات، وذلك إلى أن تتضح معالم التأثير الحقيقي لهذه الرسوم على المدى المتوسط.