كيف يؤثر "خطر الركود" على اتجاهات أسعار الفائدة الأوروبية؟
08:25 - 09 أبريل 2025
طوفان من القرارات الحمائية يهز النظام التجاري العالمي، مع تصاعد وتيرة الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على شركاء بلاده التجاريين.
أطلقت هذه السياسات المثيرة للجدل موجة من القلق عبر الأسواق، وأحيت شبح الركود الاقتصادي الذي بات يلوح في الأفق، مهدداً بتباطؤ عالمي قد يمتد إلى قلب أوروبا.
وفي مواجهة هذا الخطر المتصاعد، يجد البنك المركزي الأوروبي نفسه مضطراً لإعادة النظر في وتيرة أدواته النقدية، وسط تساؤلات ملحة بشأن كيفية تفاعل صانعي السياسة النقدية مع تزايد احتمالات الانكماش.
في هذا السياق، يعتقد المستثمرون والاقتصاديون بأنه من المرجح للغاية أن يخفض البنك المركزي الأوروبي تكاليف الاقتراض الأسبوع المقبل ومرة أخرى في يونيو؛ وذلك في ظل مخاطر فرض التعريفات الجمركية الشاملة التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بدفع الكتلة إلى الركود.
ويقدر المستثمرون احتمالات خفض أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية بنسبة 90 بالمئة في اجتماع البنك المركزي الأوروبي المقبل لتحديد أسعار الفائدة في 17 أبريل، مقارنة باحتمالات بنسبة 70 بالمئة قبل إعلانات ترامب عن التعريفات الجمركية في ما يسمى "يوم التحرير" في 2 أبريل. ويتوقع المستثمرون خفضين آخرين بحلول نهاية هذا العام، مع احتمال خفض ثالث، وفق بيانات بلومبرغ.
ونقل تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، عن رئيس أبحاث الاقتصاد الكلي في شركة بيكتيت لإدارة الثروات، فريدريك دوكروزيت، قوله:
- إن خفض أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية في أبريل، والذي سيكون الخفض السابع على التوالي، وخفض آخر في يونيو "أصبحا قرارا لا يحتاج إلى تفكير".
- إن أي قرار آخر سيكون "كارثة".
- السؤال الرئيسي هو ما إذا كانت التوقعات قد تصبح قاتمة إلى الحد الذي يضطر البنك المركزي الأوروبي إلى التحول إلى تخفيضات أكبر لتحفيز الاقتصاد أو تقديم دعم السيولة.
كما نقل عن الرئيس العالمي للاقتصاد الكلي في شركة أموندي لإدارة الأصول، محمود برادان، قوله:
- "أصبح النمو فجأةً المشكلة الرئيسية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك أوروبا".
- "سيتفوق هذا على المخاوف بشأن التضخم، وهو أمرٌ أكثر إلحاحاً في الولايات المتحدة. وهذا يشير إلى تخفيف السياسات في أوروبا".
ووفق التقرير، تمثل المشاعر الجديدة تحولا جذرياً عن التوقعات الأكثر تشدداً بعد خفض البنك المركزي الأوروبي لأسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية في مار.
في ذلك الوقت، مهد صانعو أسعار الفائدة في فرانكفورت الطريق أمام توقف محتمل لتخفيضات الفائدة في أبريل، مؤكدين أن السياسة النقدية أصبحت "أقل تقييدا بشكل ملموس".
لكن إعلان ترامب عن الرسوم الجمركية جعل التوقعات أكثر قتامة، وأثار اضطراباً في الأسواق. وقدّر معهد كولونيا للأبحاث الاقتصادية أن الرسوم الجمركية الشاملة البالغة 20 بالمئة، التي أعلنت الولايات المتحدة أنها ستفرضها على واردات الاتحاد الأوروبي، قد تُلحق أضرارًا اقتصادية بقيمة 750 مليار يورو بمنطقة اليورو خلال فترة ولاية ترامب الكاملة الممتدة لأربع سنوات.
قلق متزايد
من لندن، يقول الخبير الاقتصادي الدكتور أنور القاسم، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- إن "الاتجاه العام داخل أروقة البنك المركزي الأوروبي يشير إلى قلق متزايد من أن التعريفات الجمركية الأميركية والإجراءات الانتقامية المحتملة قد تُعيد التضخم إلى مسار تصاعدي، مما قد يغيّر اتجاه سياسة أسعار الفائدة المتوقعة."
- "كذلك هناك مخاوف داخل الاتحاد الأوروبي من أن يؤدي ارتفاع الإنفاق الحكومي، وخصوصاً في مجالات الدفاع والسياسات المالية التوسعية، إلى زيادة الضغوط السعرية، ما قد يعيق جهود خفض التضخم ويؤجل الوصول إلى أهداف الاستقرار المالي."
- "رغم قيام البنك المركزي الأوروبي بخفض أسعار الفائدة في الفترة الماضية، إلا أن الباب لا يزال مفتوحاً لمزيد من التخفيضات المحتملة، وإن كان البعض لا يزال يتوقع خفض الفائدة مرة واحدة فقط بدلاً من ثلاث مرات كما تشير بعض التوقعات، وذلك حفاظاً على استقرار السوق."
ويتوقع خبراء الاقتصاد في باركليز أن يخفض البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة بمقدار النصف من 2.5 إلى 1.25 بالمئة فقط في أكتوبر، وسيعود إلى تدابير السياسة النقدية غير التقليدية مثل شراء السندات في النصف الثاني من العام. كما يتوقع البنك بأن تدخل منطقة اليورو في حالة ركود في الربع الثاني من العام، ويستمر ذلك حتى نهاية عام 2025.
ويتابع القاسم: "من المعروف أن البنك المركزي الأوروبي يحدد سعر الفائدة المرجعي بهدف تحقيق استقرار الأسعار، والمتمثل في الحفاظ على معدل التضخم عند حدود 2 بالمئة على المدى المتوسط"، مشيراً إلى تداعيات حالة عدم اليقين السائدة، ومع احتمال عودة الضغوط التضخمية خلال النصف الثاني من العام 2025.
بينما يحذر العديد من المحللين من أن الضربة التي قد تلحق بالنمو في منطقة اليورو بسبب الحرب التجارية الوشيكة سوف تتجاوز بكثير أي تهديدات تضخمية محتملة. ومن ثم، فمع تزايد خطر الركود الاقتصادي، يُتوقع على نطاق واسع انخفاض أسعار الفائدة بشكل أسرع من المتوقع سابقاً.
التباطؤ الاقتصادي
ويقول خبراء الاقتصاد، إن التباطؤ الاقتصادي المتوقع الناجم عن الرسوم الجمركية، إلى جانب التداعيات الناجمة عن تقلبات السوق، من المرجح أن يشكل عبئا على الأسعار لدرجة أنها قد تفوق التأثير التضخمي لأي تدابير انتقامية من جانب الاتحاد الأوروبي، وفق تقرير لـ "رويترز".
ويشير التقرير إلى أن الاضطرابات التي تشهدها الأسواق هائلة إلى درجة أن الركود أصبح الآن احتمالاً حقيقياً، وقد يصبح دعم النمو قريباً مصدر قلق أكبر من التضخم، الذي تجاوز هدف البنك المركزي الأوروبي على مدى السنوات الأربع الماضية.
وقد دعا عدد من صناع السياسات المؤثرين في البنك المركزي الأوروبي، بما في ذلك بييرو سيبولوني وفرانسوا فيليروي دي جالهاو ويانيس ستورناراس، إلى المزيد من تخفيف السياسات في البيئة الحالية، ولم يعارض أي من الصقور الرئيسيين ذلك.
وحذر محافظ البنك المركزي اليوناني يانيس ستورناراس ــ وهو واحد من 26 شخصا لهم حق التصويت في المجلس الحاكم للبنك المركزي الأوروبي ــ في مقابلة مع صحيفة فاينانشيال تايمز من أن الحرب التجارية الوشيكة من شأنها أن تعرض كتلة العملة لصدمة "طلب سلبي" كبيرة من شأنها أن تخلق ضغوطا انكماشية كبيرة.
وقال كبير الاقتصاديين في مجموعة أكسا للاستثمار، جيل مويك "إن التباطؤ في الاقتصاد الحقيقي وانخفاض أسعار الطاقة وقوة اليورو من شأنها أن تساعد في تسريع عملية الانكماش في أوروبا".
الحمائية الأميركية
من بروكسل، يفند خبير الشؤون الأوروبية، محمد رجائي بركات، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" تصريحات رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، بشأن تداعيات الأزمة الناجمة عن فرض الولايات المتحدة الأميركية رسوماً جمركية متبادلة على البضائع الأوروبية، وإمكانية اتخاذ خطوات مماثلة من قبل الاتحاد الأوروبي على الواردات الأميركية، قائلاً:
- لاغارد شددت في تصريحاتها على ضرورة أن يتحلى الاتحاد الأوروبي بالاستقلالية في اتخاذ قراراته الاقتصادية، مع التركيز على أهمية الحفاظ على مستويات منخفضة للتضخم داخل دول الاتحاد.
- رئيسة المركزي الأوروبي ألمحت إلى احتمال لجوء البنك المركزي الأوروبي إلى أدواته النقدية، مثل خفض سعر الفائدة، كإجراء وقائي –لدعم النمو- لتجنب مزيد من الارتفاع في معدلات التضخم والأسعار في دول الاتحاد الأوروبي نتيجة التوترات التجارية الراهنة.
تعكس تصريحات لاغارد مؤشرات واضحة على تزايد القلق داخل دوائر صنع القرار الأوروبي من أن السياسات الحمائية الأميركية قد تؤدي إلى موجة تضخمية جديدة في منطقة اليورو، خاصة في ظل تعافٍ اقتصادي لا يزال هشًا بعد سلسلة من الأزمات. ويُفهم من تلويح المركزي الأوروبي بخفض أسعار الفائدة أنه يسعى لاستخدام أدواته النقدية كخط دفاع أولي لتفادي اضطرابات أكبر، في حال تصاعدت التوترات التجارية وأثرت على استقرار الأسعار وسلاسل الإمداد.
كما تكشف هذه التصريحات عن توجّه أوروبي متصاعد نحو تعزيز ما يُعرف بـ"السيادة الاقتصادية"، في مواجهة الضغوط الخارجية، لا سيما من واشنطن وبكين. ويدفع هذا التوجه بروكسل إلى مراجعة سياساتها التجارية وإعادة هيكلة شراكاتها الاستراتيجية، في محاولة لضمان هامش أوسع من الاستقلالية الاقتصادية. في هذا السياق، يواجه البنك المركزي الأوروبي معادلة صعبة، تجمع بين ضرورة الحفاظ على استقرار الأسعار، وبين التصدي لتداعيات قرارات تجارية دولية قد تُضعف نمو القارة.