ماذا بعد الاتفاق التجاري الإطاري بين واشنطن وبكين؟
05:39 - 12 يونيو 2025
وسط تصاعد الضبابية الاقتصادية العالمية وتنامي مخاوف المستثمرين من انزلاق جديد في الحرب التجارية بين واشنطن وبكين، جاءت ملامح الانفراج الأخيرة بين الطرفين لتبث شيئاً من الطمأنينة في الأسواق العالمية.
التصريحات الصادرة بعد محادثات لندن، شكّلت خطوة أولى نحو تبديد حالة عدم اليقين التي خيّمت طويلاً على مستقبل العلاقات الاقتصادية بين أكبر اقتصادين في العالم، منذ أن أطلق الرئيس الأميركي دونالد ترامب الرصاصة الأولى في حربه التجارية.
ورغم أن الاتفاق لا يزال في إطاره المبدئي، إلا أنه يُنظر إليه كمؤشر على استعداد متبادل للتهدئة، ومحاولة لإعادة ترتيب قواعد الاشتباك التجاري وفق آليات أكثر انضباطاً.
ما الذي تم التوصل إليه؟
- توصلت الولايات المتحدة والصين إلى إطار عمل يعيد الهدنة في حربهما التجارية بعد يومين من المفاوضات الماراثونية في لندن.
- يأتي هذا الاختراق في وقت متأخر من يوم الثلاثاء بعد اتفاق تم التوصل إليه في جنيف الشهر الماضي بهدف تخفيف التوترات التجارية بين القوتين الاقتصاديتين العظميين في العالم، والتي تعثرت بسبب الخلافات بشأن صادرات المعادن النادرة الصينية وضوابط التصدير الأميركية.
- وزير التجارة الأمريكي هوارد لوتنيك، يقول إن الفريق الأميركي سيقدم الاتفاق إلى الرئيس دونالد ترامب.. ورغم أنه لم يقدم مزيدا من التفاصيل، إلا أنه أضاف أنه يتوقع أن "يتم حل موضوع المعادن الأرضية النادرة والمغناطيس.. في هذا الإطار".
- نائب وزير التجارة الصيني لي تشنغقانغ ، وصف محادثات لندن بأنها "عقلانية ومتعمقة وصريحة"، وقال إن الجانبين اتفقا على تنفيذ التوافق الذي تم التوصل إليه في جنيف وفي مكالمة هاتفية بين ترامب والرئيس الصيني شي جين بينج الأسبوع الماضي، وفقا لوكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا).. وأعرب عن أمله في أن يكون التقدم المحرز في لندن "مفيدا لتعزيز الثقة بين الصين والولايات المتحدة".
ما موقف ترامب؟
من جانبه، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب ، الأربعاء، إن الصين ستزود الولايات المتحدة بالمعادن النادرة مقدما كجزء من اتفاقية تجارية.
ونوه ترامب في منشور على موقع "تروث سوشيال" بأن العلاقة بين أكبر اقتصادين في العالم "ممتازة" ، مضيفاً: "نحن نحصل على إجمالي 55 بالمئة من الرسوم الجمركية، والصين تحصل على 10 بالمئة". وأضاف أن الصين ستوفر المغناطيسات وأي معادن نادرة ضرورية مقدما، وأن الولايات المتحدة ستقدم في المقابل تنازلات معينة مثل السماح للطلاب الصينيين بالالتحاق بالكليات والجامعات الأميركية.
وقال الرئيس الأميركي إن الاتفاق يخضع للموافقة النهائية معه ومع الرئيس الصيني شي جين بينغ، مضيفا أنه ينوي العمل بشكل وثيق مع شي لفتح الصين أمام التجارة الأميركية، واصفا هذا الاحتمال بأنه "فوز كبير لكلا البلدين".
ما الخطوة التالية؟
أما لجهة الخطوات المقبلة، تشير الكاتبة الصحافية الصينية، سعاد ياي شين هوا في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أن "الانتقال من الإطار المبدئي إلى اتفاق نهائي يتطلب الدخول في مفاوضات تفصيلية تشمل قضايا كالرسوم الجمركية، تأمين التكنولوجيا، واتفاقيات الاستثمار. كما يُتوقع تأسيس فرق عمل مشتركة لمعالجة ملفات مثل الاقتصاد الرقمي والزراعة والخدمات المالية".
وبوجه عام، ترى أن الاتفاق يشكل نقطة تحول نحو استقرار العلاقات الاقتصادية بين أكبر اقتصادين عالميين، ودفعة قوية لتعافي الاقتصاد العالمي وتعزيز التنمية الشاملة.
وتلفت إلى أن الاتفاق الإطاري المبدئي بين الصين والولايات المتحدة لا يمثل فقط مؤشراً إيجابياً للعلاقات الثنائية، إنما يحمل أيضاً دلالات استراتيجية على المستوى العالمي.
وتضيف:
- شهدت المحادثات التجارية بين الجانبين استمرارًا لسبع ساعات في اليوم الأول، وسط أجواء إيجابية ورغبة واضحة في التفاهم، قبل أن يعلن نائب وزير التجارة الصيني، لي تشنغقانغ، بعد نهاية اليوم الثاني عن أن الطرفين توصلا إلى إطار اتفاق مبدئي بعد يومين من المفاوضات، دون الكشف عن تفاصيل.. ويؤسس هذا الإنجاز لآليات تواصل أكثر انتظامًا، مما يقلل من احتمالات سوء الفهم والأزمات.
- الاتفاق يعكس التزام الطرفين بحل الخلافات وتعزيز التعاون، ما يطمئن الأسواق العالمية ويعزز ثقة المستثمرين في مستقبل العلاقات التجارية.
- كما يُتوقع أن يؤدي إلى تخفيض الرسوم الجمركية وتخفيف القيود على التكنولوجيا، مما يحسّن بيئة الأعمال للشركات متعددة الجنسيات.
وتستطرد الكاتبة الصحافية الصينية: تحسين العلاقات بين الصين وأميركا يُسهم في تقليل مخاطر "فك الارتباط" بين الاقتصادين، ويعزز استقرار سلاسل التوريد العالمية. كما يدعم نمو التجارة العالمية المتباطئ، ويرفع الطلب العالمي، بما ينعكس إيجاباً على الدول المصدّرة. ويؤدي انخفاض حالة عدم اليقين إلى تحفيز الاستثمار العابر للحدود، خاصة في قطاعات مثل الطاقة الجديدة، الذكاء الاصطناعي، والبنية التحتية الخضراء.
كيف ينظر المستثمرون للاتفاق؟
لكن وبينما يقول المفاوضون الأميركيون إن قمة لندن تُمثل تقدماً، إلا أن المستثمرين وقادة الأعمال ما زالوا حذرين، بحسب تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز"، أفاد بأن:
- للمرة الثانية خلال الأسابيع الأخيرة، أشاد المفاوضون الأميركيون بهدنة في المواجهة التجارية بين إدارة ترامب والصين بعد انتهاء المحادثات الماراثونية في لندن يوم الثلاثاء.
- مع ذلك، لدى قادة الأعمال والمستثمرين القلقين تساؤلات كثيرة: ما المكاسب التي تحققت؟ (لم تُنشر التفاصيل الكاملة بعد). هل حققت المحادثات تقدمًا ملموساً، أم أنها مجرد إعادة ضبط لما تم الاتفاق عليه في الاجتماع الأخير في سويسرا؟ ولعل الأهم من ذلك كله، هل سيصمد هذا الانفراج - ويسفر عن المزيد من الصفقات؟
كما أن هناك أسباب كثيرة للحذر، فعلى سبيل المثال في ختام محادثات الشهر الماضي، صرّح وزير الخزانة سكوت بيسنت، أحد كبار المفاوضين الأميركيين، بإحراز " تقدم ملموس " في المفاوضات. لكن هذا الزخم سرعان ما تلاشى بعد أن تبادل الجانبان الاتهامات بانتهاك بنود الاتفاق.
من بين الجهات التي يُرجّح أن تظل حذرة في ظلّ حالة عدم اليقين، الاحتياطي الفيدرالي. وقد احتسبت سوق العقود الآجلة يوم الأربعاء خفضاً واحداً فقط لأسعار الفائدة هذا العام، انخفاضًا من نحو أربعة خفض في أبريل.
من جانبه، يوضح الكاتب والباحث السياسي والاقتصادي نادر رونغ هوان، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن:
- الاجتماعات التي عقدت بين المسؤولين الصينيين والأميركيين في لندن هذه المرة جاءت بهدف تنفيذ التوافقات التي توصل إليها رئيسا البلدين خلال مكالمتهما الهاتفية الأخيرة قبل أيام.
- كما تُعد هذه الاجتماعات ضمن آلية التشاور التجاري التي تم تأسيسها خلال محادثات جنيف الشهر الماضي، والتي تهدف إلى تعزيز التفاهم وتقليص سوء التقدير وسوء الفهم، إلى جانب إيجاد حلول للقضايا العالقة بين الطرفين، وخاصة الخلافات التجارية.
- الأهم من ذلك، أن الهدف الأساسي هو التوصل إلى حلول قائمة على الاحترام المتبادل، والمساواة، وتحقيق المكاسب المشتركة.
وفيما تم التوصل لإتفاق مبدئي إطاري، يشدد على أن بكين من جانبها تُبدي نية صادقة للتعاون، وتتمسك في الوقت ذاته بمبادئها، مردفاً أنه "إذا أكدت الولايات المتحدة التزامها بالسير في نفس الاتجاه مع الصين، فإن ذلك سيكون خطوة إيجابية ومهمة لنشر الطاقة الإيجابية الداعمة لنمو الاقتصاد والتجارة على المستوى العالمي."
تندرج هذه التطورات في إطار حركة أوسع تعكس سعي بكين وواشنطن إلى تجاوز حالة الجمود التي طبعت العلاقات الاقتصادية بينهما في السنوات الأخيرة، ذلك أن إحياء آليات التشاور، وإن كان في صورة اتفاق إطاري مبدئي، يشير إلى رغبة متبادلة في تقليص التوترات وضبط الإيقاع التجاري ضمن قواعد أكثر استقراراً.
ومن اللافت أن هذه اللقاءات تأتي أيضاً كمؤشر على تحوّل تدريجي نحو نمط من "التنافس المنضبط" قد يسمح بإدارة الخلافات دون تفجيرها. وفي هذا السياق، لا تبدو أهمية الاتفاق محصورة في مضمونه الظاهر، بل في كونه اختباراً مبكراً لإمكانية بناء ثقة متبادلة قابلة للتطور، وسط بيئة دولية تتسم بعدم اليقين وتصاعد النزاعات الجيوسياسية.
ومع أن الطريق لا يزال طويلاً أمام تسوية الملفات المعقدة كأمن التكنولوجيا وسلاسل الإمداد الحساسة، إلا أن مجرد العودة إلى طاولة الحوار بآليات واضحة يشكل تحوّلاً لافتًا في مسار العلاقة بين أكبر اقتصادين في العالم.