ما هدف مايكروسوفت من برنامج ذكاء اصطناعي منعزل عن الإنترنت؟
08:21 - 17 مايو 2024في تطور كبير يشهده عالم التكنولوجيا، كشفت شركة مايكروسوفت عن أحدث نموذج للذكاء الاصطناعي التوليدي، صمم خصيصاً لوكالات المخابرات الأميركية.
وهذا النموذج الذي يعتمد على تقنية GPT-4، هو الأول من نوعه في هذه الصناعة، كونه أول برنامج للذكاء الاصطناعي التوليدي منفصل تماماً عن الإنترنت، ما سيسمح لوكالات الاستخبارات الأميركية بتحليل المعلومات السرية، دون الخوف من تسربها عن طريق الخطأ إلى الإنترنت أو تعرضها للاختراق.
18 شهراً من العمل السري
بدأت مايكروسوفت العمل على تطوير هذا المشروع السري المرتبط بالحكومة الأميركية منذ 18 شهراً، وكشف ويليام تشابيل، كبير مسؤولي التكنولوجيا في مايكروسوفت للمهام الاستراتيجية والتكنولوجيا، أن هذه هي المرة الأولى التي يكون فيها لدى العالم نموذج للذكاء الاصطناعي التوليدي، معزول وغير متصل بالإنترنت بما يسمح للحكومة أن تبقيه نظيفاً، وبعيداً عن الاختراقات التي قد تؤدي إلى تسريب معلومات سرية، فهذا النموذج موجود على شبكة خاصة لا يمكن الوصول إليها إلا من قبل أفراد تابعين للحكومة الأميركية.
نموذج لا يتعلم
وبحسب تشابيل سيكون هناك نحو 10 آلاف شخص، قادرين على الوصول والاستفادة من الخدمات، التي يوفرها النموذج الجديد للذكاء الاصطناعي التوليدي الذي قامت مايكروسوفت بتصميمه لأغراض استخباراتية، والذي سيقوم بالمساعدة في تحليل المعلومات، ولكن دون أن يتعلم من الأسئلة التي تم طرحها عليه، بمعنى أنه يمكنه قراءة الملفات ولكن لا يمكنه التعلم منها، ما سيمنع الكشف عن المعلومات السرية التي تتراكم لديه.
وتقول بلومبرغ إن نموذج مايكروسوفت للذكاء الاصطناعي التوليدي المخصص للأغراض التجسسية، يحتاج الآن للخضوع الى الاختبارات قبل البدء باستخدامه على نطاق واسع، بين وكالات الاستخبارات الأميركية.
سباق مخابراتي على الذكاء الاصطناعي
ولطالما عبّر مسؤولو الاستخبارات عن توقعهم لاستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي في عملياتهم، ولكنهم أرادوا نموذجاً قادراً على التعامل مع بيانات حساسة وخطيرة، حيث كشف شيتال باتيل مساعد مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية، لمركز المهام العابرة للحدود الوطنية والتكنولوجيا، في حديث سابق لبلومبرغ، أن العالم يخوض سباق للحصول على الذكاء الاصطناعي التوليدي في البيانات الاستخباراتية، مشيراً إلى أن أول دولة ستستخدم هذه التكنولوجيا في هذه الأمور ستفوز بالسباق.
وقامت العديد من الوكالات الاستخباراتية في العالم بالفعل، بتجربة خدمات شبيهة ببرامج مثل ChatGPT لتحسين أعمالها الكبرى عبر أتمتة المهام، ولكن مسؤولي المخابرات يريدون من أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، التعامل مع كميات هائلة من البيانات الحساسة التي تتطلب مستويات أعلى من الأمان والامتثال، نظراً للكثير من المعلومات السرية التي تحتويها، ولذلك يعد نموذج الذكاء الاصطناعي التوليدي المعزول عن الإنترنت، هو الحل الأمثل لمشكلة الأمان ضد التهديدات السيبرانية، وضمان عدم تسرب معلومات الأمن القومي الحساسة.
ثغرات البرامج العامة
ويقول خبير التحول الرقمي رولان أبي نجم، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إنه من الواضح أن مايكروسوفت ومن خلال النموذج الجديد، الذي أعلنت عنه، تريد أن تقدم نفسها كرائدة في مجال الاستثمار في خدمات الذكاء الاصطناعي التوليدي، المرتبطة بالقطاع الحكومي الأميركي، مقارنة بمنافسيها مثل غوغل، مشيراً إلى أن البرنامج الجديد من مايكروسوفت، يهدف إلى مساعدة وكالات الاستخبارات على التغلب على المشكلات الأمنية التي تعاني منها برامج الذكاء الاصطناعي التوليدي العامة المرتبطة بالانترنت، مثل شات جي بي تي أو Gemini، حيث تأخذ هذه البرنامج المعلومات التي تم تزويدها بها، وتستفيد منها في تطوير النتائج للمستخدمين، وبهذه الطريقة تصبح المعلومات الاستخباراتية، منتشرة على شبكة الإنترنت.
نقطة قوة البرنامج الجديد
ويشرح أبي نجم، أن بيانات أجهزة المخابرات تحتوي على صور أقمار اصطناعية وفيديوهات ومعلومات سرية وفائقة الدقة، وفي حال تم منحها لبرامج مثل شات جي بي تي أو Gemini، فإن هذه البرامج ستأخذ هذه البيانات وتحللها، وتظهر نتائجها لعموم المستخدمين، وهو الأمر الذي لا يمكن أن تسمح به وكالات الاستخبارات، ولذلك فإن ما قامت به مايكروسوفت ولأول مرة في العالم، هو توفير برنامج للذكاء الاصطناعي التوليدي غير مرتبط بشبكة الإنترنت العالمية، بل بشبكة خاصة سرية يمكن الوصول إليها من قبل أفراد الحكومة الأميركية والمخابرات، مشيراً إلى أن نقطة القوة في البرنامج الجديد، هي أنه لا يتعلم من البيانات التي تم تزويده بها، ما يعاني أنه يعالج كل حالة على حدة، وبالتالي فإن نجاح أي عملية لاختراقه ورغم صعوبة حدوث هذا الأمر، يعني أن الجهة المخترقة لن تتمكن من الحصول على أي معلومة سرية.
برنامج للمهام الحرجة
من جهته، يقول المستشار في شؤون تكنولوجيا المعلومات والاتصالات عامر الطبش، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن المعلومات المتوفرة عن نموذج الذكاء الاصطناعي التوليدي الجديد، الذي خصصته مايكروسوفت لمساعدة أجهزة المخابرات الأميركية لا تزال قليلة، وهذا الأمر طبيعي ويتماشى مع الطابع السري للمشروع، حيث أتى الإعلان عنه لإظهار قدرة مايكروسوفت على طرح نموذج لا يرتبط بشبكة الإنترنت لأول مرة في العالم، وقادر على تنفيذ المهام التي توصف بالحرجة.
ويضيف الطبش، إنه عند مناقشة موضوع الذكاء الاصطناعي التوليدي، يعتقد الناس أن هذه التكنولوجيا تم ابتكارها فقط لتطوير الأعمال التجارية والصناعية، ولذلك فإنهم قد يتساءلون عن جدوى قيام مايكروسوفت بإبتكار برنامج يعمل بالذكاء الاصطناعي التوليدي، مخصص لجهة استخباراتية، حيث من المهم إدراك أن هذه التكنولوجيا وبقدراتها الفائقة على فهم وتحليل الكميات المتزايدة من البيانات الموجودة في العالم، تساعد الدول في تحقيق قفزات كبيرة في مجال الأمن والانتصار في الحروب، وهذا الأمر أثبت جدواه في عدة أحداث عسكرية شهدها العالم في السنوات والأشهر الأخيرة.
كيف يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في أمور التجسس؟
وبحسب الطبش فإن الذكاء الاصطناعي التوليدي، بات أداة مهمة لدى الدول التي تتسلح إلكترونياً في العصر الحالي، حيث تعتبر أميركا وروسيا والصين وإسرائيل وكوريا الشمالية وإيران، وهي أهم 6 دول في العالم من حيث التسلح السيبيراني، إن كان لناحية إنشاء أنظمة دفاعية سيبيرانية، أو حتى أنظمة هجومية، وبالتالي فإن الحاجة لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي، تكمن لقدرة هذه التكنولوجيا على تحليل المواد والبيانات المتوفرة أمامهم بسرعة كبيرة، تفوق سرعة البشر بـ 10 آلاف مرة.
ولفت الطبش إلى أن تحليل البيانات الاستخباراتية للحصول على النتائج المطلوبة، مهمة تأخذ وقتاً طويلاً ويتطلب تنفيذها عدد كبير من الأشخاص، ولكن اليوم بات الذكاء الاصطناعي قادراً على حل معضلة السرعة التي تتيح لجيوش العالم، التوصل لنتائج بسرعة قياسية، كما أن الإمكانات التي يوفرها الذكاء الاصطناعي، تتيح له قيادة طائرات تجسس دون طيار وإتخاذ قرارات باستهداف شخصيات محددة بعد تتبع البصمة الصوتية العائدة لهم، حتى أنه في بعض الأحيان، يتولى عمليات رصد لأشخاص معنيين بشكل يفوق قدرات البشر على ذلك.
وشدد الطبش على أن استخدام الذكاء الاصطناعي يسرع من عملية جمع المعلومات وتنفيذ المهمات، ويخفف الأعباء والأخطاء البشرية، وهذه نقطة مهمة جداً في الشؤون العسكرية والاستخبراتية.