العقوبات الأوروبية المحتملة.. كيف تؤثر على اقتصاد إسرائيل؟
10:36 - 29 مايو 2025
في خضم التصاعد الحاد للصراع في غزة، برزت دعوات أوروبية متزايدة إلى اتخاذ إجراءات حازمة ضد الحكومة الإسرائيلية، في محاولة للضغط على تل أبيب لوقف العمليات العسكرية وإفساح المجال لحل سياسي.
طالبت بعض تلك الأصوات بفرض حظر على توريد الأسلحة، إلى جانب دعوات لفرض عقوبات اقتصادية تستهدف المسؤولين الذين يعرقلون مساعي السلام، في خطوة نادرة تشير إلى تغير ملموس في الموقف الأوروبي من الأزمة.
تتزامن هذه الدعوات مع مراجعات حثيثة لاتفاقيات الشراكة والتجارة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، وسط تصاعد قلق دول غربية عديدة من المعاناة الإنسانية المتفاقمة في غزة.. فما هي الأبعاد الاقتصادية والسياسية المحتملة لأي عقوبات قد تؤثر بدورها بشكل مباشر على العلاقات التجارية الواسعة بين أوروبا وإسرائيل؟
وكانت إسبانيا قد دعت أخيراً إلى "فرض حظر على توريد الأسلحة إلى الحكومة الإسرائيلية لإنهاء الحرب في غزة "، وذلك خلال الاجتماع الوزاري لمجموعة مدريد في العاصمة الإسبانية قبيل أيام.
واقترح وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس، الأحد خلال المؤتمر، فرض عقوبات مستهدفة على الأفراد "الذين يعرقلون حل الدولتين". وقال في بداية الاجتماع: "يجب أن نتفق جميعاً على حظر مشترك للأسلحة"، مضيفاً: "إن آخر ما يحتاجه الشرق الأوسط الآن هو الأسلحة".
وأفاد بأن بلاده ستقترح تعليق الشراكة التجارية بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل على الفور ، والتي تقوم بروكسل حاليا بمراجعتها.
ويشير تقرير لـ " دويتشه فيله" إلى أن إسبانيا، إحدى أشدّ منتقدي إسرائيل في الاتحاد الأوروبي، والتي كانت قد أغضبت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو العام الماضي عندما اعترفت رسميًا بفلسطين كدولة. كما اعترفت أيرلندا وسلوفينيا والنرويج بفلسطين في العام 2024.
وأكد ألباريس أن "لا شيء مما تتم مناقشته هنا موجه ضد دولة إسرائيل"، لكنه أضاف أن "الشعب الفلسطيني له نفس الحق في السلام والأمن مثل الشعب الإسرائيلي".
وجاء الاجتماع الأخير الذي انعقد في مدريد في الوقت الذي انضم فيه عدد من حلفاء إسرائيل الغربيين إلى الدعوات الدولية التي تطالبها بالتراجع عن هجومها العسكري.
وإلى جانب الموقف الإسباني، فقد عبرت فرنسا أيضاً قبيل أيام عن استعدادها لفرض مزيد من العقوبات الوطنية على إسرائيل، قائلة إن مستوى المعاناة الإنسانية في غزة لا يطاق.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية كريستوف لوموان في مؤتمر صحافي أسبوعي: "لن نتردد في اتخاذ إجراءات أخرى، بما في ذلك فرض عقوبات وطنية مستهدفة". وأكد أنهم "مستعدون" لاتخاذ "إجراءات ملموسة" إذا واصلت إسرائيل هجومها على غزة، كما أكد أن "لا شيء مستبعد" فيما يتعلق بالعقوبات، رغم أنه أضاف أن هذه العقوبات سوف تتم مناقشتها على "المستوى الأوروبي".
وتنضم كندا والمملكة المتحدة إلى الموقف الفرنسي. وقال زعماء الدول الثلاثة في بيان مشترك بشأن الوضع في غزة والضفة الغربية -نشره موقع الحكومة البريطانية- إن الدول المذكورة تعارض أية محاولة لتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية، و"يجب على إسرائيل وقف بناء المستوطنات غير القانونية التي تقوض بقاء الدولة الفلسطينية وأمن الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء.. ولن نتردد في اتخاذ المزيد من الإجراءات، بما في ذلك فرض عقوبات محددة".
مواقف أوروبية
من لندن، يقول الخبير الاقتصادي، أنور القاسم، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن المواقف الشعبية الأوروبية تتقدم كثيراً على المواقف السياسية لدول أوروبا في ما يتعلق بالحرب الإسرائيلية على غزة، وما يؤكد ذلك رضوخ هذه الحكومات لمطالب الشارع الأوروبي بالتلويح بفرض عقوبات.
ويضيف: "بات مؤكدا الآن أن 17 دولة من دول الاتحاد قررت على إعادة النظر في الاتفاق، لأن الإلغاء الكلي يتطلب إجماعًا، فيما يمكن إلغاء أجزاء من الاتفاق بالأغلبية"، مشيراً إلى أن "الدرع الأميركي الواقي لإسرائيل في المحافل الدولية يتراجع حاليًا في أوروبا، ويمكن أن يتراجع كذلك في الأمم المتحدة".
ويستطرد: "بعد ما يزيد عن 19 شهرًا من الحرب تتقدم هولندا، التي كانت على الدوام إلى جانب إسرائيل، وتعلن خطًا أحمر ضد استمرار عدوانها، وتطالب بإعادة النظر في اتفاقيات الشراكة مع إسرائيل. كما أن زعماء فرنسا، وبريطانيا، وكندا، رفعوا شعار؛ "كفى"، وأعلنوا نيتهم فحص فرض عقوبات على إسرائيل إذا لم توقف حربها.
وأعلنت 25 دولة غربية قلقها الشديد من الوضع الذي يعيشه الفلسطينيون في غزة. وعمليًا أعلنت بريطانيا تجميد مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة مع إسرائيل وفرض عقوبات على زعماء المستوطنين. كما أعلنت السويد نيتها فرض عقوبات على وزراء إسرائيليين، خصوصًا دعاة التجويع والتهجير.
ويتابع: في حال اعتمد مبدأ "إعادة النظر" فإنه لا يعرض للخطر فقط أهم اتفاقيات التجارة لدولة إسرائيل، والتي تبلغ قيمتها نحو 50 مليار يورو سنويًا، بل إنها تضع علامة استفهام على جميع الاتفاقيات الأخرى بين إسرائيل والدول الأوروبية .
ما هي الآثار المحتملة؟
ويشير تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" إلى أنه:
- "لم تتضح بعد الآثار الكاملة لإعادة النظر في التجارة".
- لكن الدول المعنية تُعدّ من أهم شركاء إسرائيل التجاريين، إذ استحوذت على حوالي 31 بالمئة من صادراتها العام الماضي و37 بالمئة من وارداتها، وفقًا لبيانات المكتب المركزي للإحصاء في البلاد.
ووفق البيانات الأوروبية الرسمية، فإن إسرائيل هي الشريك التجاري الـ 31 للاتحاد الأوروبي، حيث تمثل ما يقرب من 0.8 بالمئة من إجمالي تجارة الاتحاد الأوروبي في السلع مع العالم في العام 2024. وإسرائيل هي ثالث أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي في منطقة البحر الأبيض المتوسط، بعد المغرب والجزائر.
والاتحاد الأوروبي هو أكبر شريك تجاري لإسرائيل، حيث يمثل 32 بالمئة من إجمالي تجارة إسرائيل في السلع مع العالم في عام 2024. ونسبة 34.2 بالمئة من واردات إسرائيل جاءت من الاتحاد الأوروبي، بينما 28.8 بالمئة من صادرات البلاد ذهبت إلى الاتحاد الأوروبي.
بلغ إجمالي التجارة السلعية بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل 42.6 مليار يورو في العام 2024. وبلغت قيمة واردات الاتحاد الأوروبي من إسرائيل 15.9 مليار يورو، تتصدرها الآلات ومعدات النقل (7 مليارات يورو، بنسبة 43.9 بالمئة)، والمواد الكيميائية (2.9 مليار يورو، بنسبة 18 بالمئة)، والسلع المصنعة الأخرى (1.9 مليار يورو، بنسبة 12.1 بالمئة).
أما صادرات الاتحاد الأوروبي إلى إسرائيل، فبلغت 26.7 مليار يورو، وتتصدرها الآلات ومعدات النقل (11.5 مليار يورو، بنسبة 43 بالمئة)، والمواد الكيميائية (4.8 مليار يورو، بنسبة 18 بالمئة)، والسلع المصنعة الأخرى (3.1 مليار يورو، بنسبة 11.7بالمئة).
بلغ حجم التجارة البينية في الخدمات بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل 25.6 مليار يورو في عام 2023. ومثلت واردات الاتحاد الأوروبي من الخدمات 10.5 مليار يورو، في حين بلغت الصادرات 15.1 مليار يورو.
عقوبات محددة
من بروكسل، يقول خبير الشؤون الأوروبية، محمد رجائي بركات، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "لكي تكون العقوبات مؤثرة بحق على الجانب الإسرائيلي، أرى أنه من الضروري أن تتبنى فرنسا ودول أخرى عقوبات محددة بشكل أحادي أولاً، ولكن الأهم من ذلك هو وقف بيع الأسلحة لإسرائيل ووقف كافة أشكال المبادلات التجارية والاقتصادية معها".
ويشدد على أهمية تحرك الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بشكل موحد وتعليق أو إلغاء اتفاقية الشراكة مع إسرائيل، معتبراً أن "ذلك من شأنه أن يضغط بشكل فعلي على الحكومة الإسرائيلية التي ما زالت ماضية في سياساتها، متجهة نحو الإبادة الجماعية في قطاع غزة وتهجير سكانه".
ويشير إلى ضرورة أن تتخذ بريطانيا خطوة فاعلة بسحب الطائرات التي أرسلتها للجيش الإسرائيلي، والتي ساعدته في عمليات الكشف والاستهداف داخل فلسطين، بما في ذلك التعرف على الأطفال في قطاع غزة، مستطرداً: "إذا كانت الدول الأوروبية، وبخاصة بريطانيا، جادة في الضغط على الحكومة الإسرائيلية، فعليها أن تتبنى عقوبات اقتصادية جريئة، وتلوّح بوقف المبادلات التجارية بين الجانبين".