ما الذي ينتظر الاقتصاد البريطاني هذا العام؟
09:37 - 07 يناير 2025
تواجه بريطانيا في العام 2025 مشهداً اقتصادياً يحظى بقدر وافر من عدم اليقين، في وقت تتشابك فيه التحديات المحلية والدولية مع سياسات حزب العمال الحاكم.
يعاني الاقتصاد من ارتفاع معدلات التضخم أعلى من مستهدفات بنك إنجلترا، وضعف الثقة في ظل زيادة الضرائب على أرباب العمل. مما يضع حكومة كير ستارمر أمام اختبار حقيقي لتحقيق وعودها بتحفيز النمو وتحسين الأوضاع الاقتصادية.
على الصعيد العالمي، تُهدد السياسات الأميركية، خاصة مع عودة دونالد ترامب، بإعادة إشعال الحروب التجارية، مما يزيد من الضغوط على الاقتصاد البريطاني.
في هذا السياق، وضمن مجموعة من "الأسئلة الاقتصادية الكبرى في 2025" التي طرحها، يشير تقرير لصحيفة "الغارديان البريطانية" إلى وعود حزب العمال البريطاني بشأن "اقتصاد أقوي" وما إن كان الحزب الحاكم قادراً على تنفيذها على أرض الواقع.
أخبار ذات صلة
بحسب التقرير، فإنه بعيدا عن الإشارة إلى التعافي، أظهرت أحدث البيانات استقرار الناتج المحلي الإجمالي في المملكة المتحدة، مع ضعف الثقة، حيث تستعد الشركات لزيادة قدرها 25 مليار جنيه إسترليني في مساهمات التأمين الوطني لأصحاب العمل في أبريل.
وباعتبار أن حزب العمال استبعد كل وسيلة أخرى لجمع الإيرادات، فقد كان هذا أحد المجالات القليلة التي كان بوسع وزيرة الخزانة راشيل ريفز اللجوء إليها لتمويل الخدمات العامة. ولكن هذا كان سبباً في تأجيج ردود فعل عنيفة ــ وأسس لرواية مفادها أن حزب العمال ألحق ضرراً فادحاً بالاقتصاد.
ويشير التقرير إلى أن:
- ارتفاع أقساط التأمين الوطني ليس العامل الوحيد المؤثر. فقد كان من المتوقع بالفعل أن يتباطأ النمو الاقتصادي، مع استقرار أسعار الفائدة عند 4.75 بالمئة وقلق البنك المركزي بشأن التضخم.
- إن ما ستؤول إليه الأمور في الأشهر القليلة المقبلة سيكون حاسما في ترسيخ سمعة حزب العمال الاقتصادية.
- لا يتوقع خبراء التنبؤ ة تباطؤاً، فهم يتوقعون نمواً بنسبة 1.3 بالمئة في العام 2025. ويتوقع مكتب مسؤولية الميزانية 2 بالمئة، حيث يعمل الإنفاق العام الأعلى لريفز على تعزيز الطلب.
- من شأن النمو القوي للأجور الحقيقية أن يمنح المستهلكين بعض القوة الشرائية التي يحتاجون إليها بشدة.
من بين الأسئلة الأخرى التي طرحها التقرير، ما يتعلق بثورة الذكاء الاصطناعي وما إن كانت "فقاعة"؟ فضلاً عن سؤال ذات صلة بالاقتصادات الأوروبية، وهل تستعيد حيويتها؟ وهل يستيقظ صناع السياسات الاقتصادية على حالة طوارئ مناخية؟
فيما يأتي السؤال الملح: هل تؤدي رسوم ترامب الجمركية إلى إشعال حرب تجارية؟ وهو السؤال الذي تتحدد بناءً على إجابته بشكل عملي في عهد ترامب الكثير من الأمور، ليس فقط للاقتصاد البريطاني والأوروبي، بل للاقتصاد العالمي ككل.
ومن المتوقع أن ينتعش الاقتصاد البريطاني بنسبة 1.7 بالمئة في العام 2025 لكن القضايا الجيوسياسية تلوح في الأفق، بحسب أحدث تقرير للتوقعات الاقتصادية لشركة KPMG.
ووفق التقرير الذي اطلع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" عليه، فإنه بينما تتطلع المملكة المتحدة إلى المزيد من النمو في العام 2025، فإن العام قد يجلب معه تحديات متجددة ناجمة عن ارتفاع وتيرة التضخم، وزيادة الاحتكاكات التجارية (بالنظر إلى السياسات التجارية المرتقبة للرئيس الأميركي دونالد ترامب)، وتفاقم حالة عدم اليقين الاقتصادي. وسوف يعتمد التأثير النهائي على استجابات السياسات والتفاعل بين هذه الاتجاهات على نطاق عالمي.
تأثير السياسات الأميركية
في هذا السياق، يشير خبير الشؤون السياسية والاقتصادية، الدكتور حميد الكفائي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن الاقتصاد البريطاني يتوقع أن ينمو بنسبة 1.7 بالمئة خلال هذا العام، مقارنة بنحو 1 بالمئة في العام الماضي، مشيراً إلى أن هذه الزيادة مدفوعة بعدة عوامل رئيسية.
- ارتفاع الأجور: وافقت حكومة حزب العمال على مطالب النقابات برفع الأجور، بعد أن كانت مجمدة لفترة طويلة من قبل حزب المحافظين.
- خفض أسعار الفائدة: يتوقع أن يقوم بنك إنكلترا المركزي بخفض أسعار الفائدة ثلاث مرات هذا العام، مما سيقلل من حوافز التوفير ويدفع المستهلكين إلى زيادة الإنفاق.
ويحذر الدكتور الكفائي من تأثير السياسات الأميركية؛ إذ يمكن أن يؤدي رفع التعرفات الجمركية من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى تقليص نمو الاقتصاد البريطاني إلى 1.3 بالمئة هذا العام.
كما يشير في الوقت نفسه إلى توقعات بارتفاع معدل التضخم إلى 2.4 بالمئة هذا العام، بدفع من زيادة الضرائب على أرباب العمل وارتفاع الأجور (..).
أخبار ذات صلة
ويخلص الكفائي إلى أن الاقتصاد البريطاني سيستفيد من سياسات حكومة العمال التي تركز على تحفيز الإنفاق، رغم التأثيرات السلبية المحتملة على التضخم. ويرى أن معدل التضخم الحالي، وإن كان أعلى من الهدف الحكومي البالغ 2 بالمئة، يظل ضمن مستويات مقبولة ولا يشكل عائقاً أمام خفض أسعار الفائدة واستمرار النمو الاقتصادي.
ويختم حديثه بالتأكيد على أن الاقتصاد البريطاني سيكون في وضع أفضل في 2025 مقارنة بالعام الماضي، بفضل السياسات الاقتصادية المحفزة لحكومة العمال، على حد وصفه.
وأظهر استطلاع رأي لما يقرب من مئة خبير اقتصادي، نشرته صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، مجموعة من التوقعات بشأن أداء الاقتصاد البريطاني في العام الجديد، ومن بين أبرز الأفكار التي خلص إليها، ما يلي:
- زيادة الإنفاق الحكومي والإنفاق الاستهلاكي من شأنها أن تعيد النمو إلى الاقتصاد البريطاني في العام 2025، مما يساعده على التفوق على نظرائه الأوروبيين الأكثر عرضة لخطر عدم الاستقرار السياسي والحروب التجارية الجديدة.
- لكن الأسر لن تشعر بتحسن كبير، حيث سيتباطأ نمو الأجور وسيعمل ارتفاع معدلات البطالة على تأجيج القلق.
- في الوقت نفسه، سيظل التضخم ثابتاً فوق 2 بالمئة، الأمر الذي يحد من نطاق قدرة بنك إنكلترا على خفض أسعار الفائدة، حيث تشعر الشركات بتأثيرات ارتفاع الضرائب.
- الإجماع الواضح هو أن بريطانيا سوف تستمر في التخلف عن الاقتصاد الأميركي الأكثر ديناميكية، وأن نمو الناتج المحلي الإجمالي سوف يكون بطيئا للغاية.
تراجعات واضحة
على الجانب الآخر، يقول الخبير الاقتصادي، أنور القاسم، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن الاقتصاد البريطاني يشهد تراجعات واضحة وسط تعقيدات اقتصادية متزايدة، في وقت يعاني فيه من ارتفاع معدلات التضخم فوق الهدف المحدد، واستقرار أسعار الفائدة عند مستويات مرتفعة، بالإضافة إلى غياب مؤشرات نمو اقتصادي قوي.
ويلفت إلى أن حكومة كير ستارمر تواجه تحديات اقتصادية كبيرة، قد تكون أكثر تعقيداً من التحديات السياسية، مشدداً على أن وعود ستارمر بتحفيز الاقتصاد لم تؤتِ ثمارها حتى الآن، ما يزيد من الضغوط السياسية عليه.
أخبار ذات صلة
ويضيف: "التحذيرات المتزايدة بشأن احتمالية فقدان الكثير من الوظائف تُثير مخاوف إضافية وتؤكد هشاشة الوضع الاقتصادي". كما يتطرّق إلى أن الزيادات الضريبية الكبيرة التي فرضتها الحكومة مؤخراً قوبلت بانتقادات ورفض واضح من قبل بعض دوائر الأعمال، مشدداً على أن تلك السياسات، إلى جانب الخطاب الاقتصادي الصارم، أسهمت في تراجع ثقة المستهلكين والشركات بشكل ملحوظ، ما يعكس حالة القلق العام تجاه مستقبل الاقتصاد البريطاني.
وعلى الصعيد الدولي، يلفت إلى أن تصاعد الحروب التجارية العالمية يشكل تهديداً إضافياً للاقتصاد البريطاني في 2025، مشيراً إلى أن عودة دونالد ترمب إلى الساحة السياسية الأميركية قد تجدد التوترات التجارية، خاصة مع أوروبا والصين. كما أن عدم وضوح الرؤية الاقتصادية العالمية يزيد من التحديات أمام بريطانيا، ويجعلها في وضع اقتصادي حساس للغاية هذا العام.
ويختتم تصريحه بالتأكيد على أهمية اتخاذ إجراءات عاجلة وفعالة لدعم الاقتصاد وتعزيز الثقة بين الشركات والمستهلكين، للتخفيف من وطأة التحديات التي تواجه البلاد في ظل بيئة اقتصادية معقدة.
