كيف تهدد السياسات الحمائية مستقبل بوينغ؟
07:12 - 18 أبريل 2025تمثل شركة بوينغ رمزاً صناعياً عملاقاً يُجسّد الترابط العميق بين التجارة الدولية وسلاسل التوريد العابرة للحدود، غير أن أن هذا الترابط بات مهدداً في ظل التصاعد المستمر في النزاعات التجارية وفرض رسوم جمركية متبادلة، ما يضع ضغوطاً متزايدة على كلفة الإنتاج، ويثير مخاوف حقيقية بشأن مستقبل القدرة التنافسية للشركة على الساحة العالمية.
تواجه بوينغ اليوم بيئة تجارية معقدة، تتشابك فيها عوامل الجغرافيا السياسية مع اختناقات سلاسل الإمداد وارتفاع تكاليف المواد الأساسية، مما ينعكس سلباً على جداول التسليم ونوعية الإنتاج.
تؤدي الرسوم الجمركية المفروضة على أجزاء حيوية في طائرات بوينغ، والتي يتم تصنيع العديد منها في بلدان متعددة، إلى اضطراب في سلاسة عمليات التوريد، لتجد الشركة نفسها في مواجهة مباشرة مع ارتفاع تكاليف التشغيل وانخفاض هامش الربح.
لكن الأثر لا يتوقف عند حدود الميزانيات، بل يمتد إلى سوق العمل الأميركي نفسه، حيث ترتبط مئات الآلاف من الوظائف بشكل مباشر وغير مباشر بأنشطة بوينغ، سواء في مصانعها أو لدى الموردين المحليين والدوليين، بحسب محللين.
سلاسل التوريد
يستشهد تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" بالطائرة 787 دريملاينر من بوينغ، والتي تعد منتجاً عالمياً بامتياز، مكون من أجزاء تُجمع من مختلف أنحاء العالم: الأجنحة من اليابان، الأبواب من فرنسا، وأجزاء من جسم الطائرة تُصنع في إيطاليا قبل شحنها إلى الولايات المتحدة ليقوم العمال في ولاية ساوث كارولاينا بتجميعها.
- هذا النموذج من الإنتاج العالمي كان ممكناً بفضل اتفاقية تجارية عمرها يقارب 50 عاماً، سمحت لشركة بوينغ وغيرها من شركات صناعة الطيران الأميركية ببيع الطائرات وشراء الأجزاء من أي مكان في العالم دون رسوم جمركية.
- لكن الآن، الرسوم الجمركية العالمية التي فرضها الرئيس دونالد ترامب تهدد هذه السلسلة المعقدة من الإمداد.
- لأول مرة منذ ما يقرب من نصف قرن، ستدفع بوينغ رسوماً جمركية على استيراد تلك الأجنحة والأبواب والمكونات الأخرى.
- حالياً، هناك ضريبة جديدة بنسبة 10 بالمئة على معظم الواردات، لكنها قد ترتفع تبعاً لما يقرره الرئيس خلال فترة إعفاء مؤقتة مدتها 90 يوماً قبل فرض رسوم جمركية أعلى على معظم الدول.
رغم أن ترامب صرّح بأن الرسوم الوقائية الواسعة ستُسهم في تقليص العجز التجاري الأميركي، إلا أن هذه الرسوم ستُفرض على شركة بوينغ، أكبر مصدر للبضائع في الولايات المتحدة، والتي تُصدّر نحو 80 بالمئة من طائراتها التي تكلّف ملايين الدولارات إلى زبائن حول العالم.
الحرب التجارية التي أطلقها ترامب أدت أيضاً إلى ردود فعل انتقامية قد تُلحق الضرر ببوينغ. فقد ذكرت تقارير متضاربة يوم الأربعاء أن الصين وجهت شركات الطيران الوطنية لديها بوقف الطلبات الجديدة على طائرات بوينغ. ثم كتب ترامب على منصة "تروث سوشيال" أن الصين "تراجعت للتو عن الصفقة الكبرى مع بوينغ، وأعلنت أنها لن تتسلم الطائرات التي التزمت بها بشكل كامل، دون توضيح طبيعة الصفقة، مما زاد من حالة الغموض. ولم تُعلّق بوينغ، التي تتخذ من أرلينغتون فيرجينيا مقرًا لها، على هذه التصريحات.
ونقل التقرير عن الشريك في شركة Clyde & Co والمستشار العام السابق في هيئة الطيران الفيدرالية، كين كوين، قوله: "لقد تسببت هذه الرسوم والقيود التجارية في فوضى عارمة في قطاع الطيران والصناعات الجوية العالمية... وهي ضارة ومدمرة فقط."
- بوينغ ليست الشركة الوحيدة التي تواجه تداعيات هذه السياسة؛ فشركة إيرباص الأوروبية التي تملك منشأة تجميع في ولاية ألاباما قالت إنها تقيّم الآثار المحتملة.
- كما أن مورّدين دوليين يصنّعون كل شيء من المحركات إلى معدات الهبوط يواجهون خطر الاضطراب.
- يؤكد الخبراء أن فرض الرسوم بشكل شامل يُرهق أكبر المصدرين الأميركيين دون جدوى.
ويقول المدير العام لشركة Leeham Company للاستشارات في مجال الطيران، سكوت هاميلتون: "أتفق تماماً على أن هناك دولاً، وعلى رأسها الصين، تعاملت مع الولايات المتحدة بشكل غير عادل في التجارة، لكن لا يمكن التصرف بعشوائية. لا يمكنك استخدام مطرقة ثقيلة... بل يجب أن تتعامل مع هذه الأمور بحذر ودقة."
في عام 2024، صدّرت الصناعات الجوية الأميركية ما قيمته 136 مليار دولار من البضائع، مما ساعد في تقليص العجز التجاري الأميركي بنسبة 13 بالمئة، وفقًا لشركة Morningstar . وجاء قطاع الطيران ثانياً بعد النفط من حيث حجم الصادرات.
ضربة قوية
وبدوره، يلفت رئيس قسم الأسواق العالمية في Cedra Markets، جو يرق، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن قرار الصين بوقف استيراد طائرات بوينغ يُعد ضربة قوية ومؤثرة للشركة، ومن المتوقع أن يكون له تداعيات كبيرة على سوق العمل الأميركي وعلى حجم الصادرات الأميركية، خصوصاً أن الصين كانت ستمثل حوالي 25 بالمئة من صادرات بوينغ في قطاع الطيران. كما تشير بعض التقديرات إلى أن الصين ستشكل نحو 20 بالمئة من حجم قطاع الطيران العالمي خلال العقدين المقبلين، ما يجعل هذا القرار خطوة استراتيجية مؤذية لبوينغ.
ويضيف: "الصين لم تكتفِ بوقف استيراد الطائرات فقط، بل أصدرت أوامر بتجميد شراء قطع الغيار ومستلزمات الطيران من الولايات المتحدة، وهو ما سيفاقم التأثير الاقتصادي ويهدد آلاف الوظائف الأميركية المرتبطة بسلسلة التوريد"، لافتاً إلى أن بوينغ أساساً كانت تمر بمرحلة صعبة؛ نتيجة مشاكل سابقة في بعض الطرازات مثل 737 ماكس، مما زاد من الضغوط على الشركة. لذلك، قد تجد الحكومة الأميركية نفسها مضطرة للتدخل لدعم بوينغ مالياً إذا تصاعدت الأزمة، باعتبارها واحدة من ركائز الصناعات الأميركية.
ويوضح أن:
- الآثار لن تقتصر على بوينغ فقط، بل ستمتد إلى المنافسة مع إيرباص، خاصة في ظل سعي الصين لتطوير صناعة طائرات محلية.
- الحرب التجارية المتصاعدة بين بكين وواشنطن تضر الطرفين، لكن بوينغ تمثل أوضح مثال على الضرر الذي يمكن أن يلحق بالصناعات الأميركية الثقيلة، التي تعتمد على التصدير بشكل كبير.
- في نهاية المطاف، من سيدفع الثمن الحقيقي لهذه الحرب التجارية هو العامل الأميركي من خلال فقدان الوظائف، والمستهلك من خلال ارتفاع نسب التضخم.
وضع الطائرات
وبحسب "بلومبيرغ"، تستعد حوالي 10 طائرات بوينغ 737 ماكس للانضمام إلى أساطيل شركات الطيران الصينية، بما في ذلك طائرتان لكل من شركة طيران جنوب الصين، وشركة طيران الصين المحدودة، وشركة طيران شيامن، وذلك وفقاً لبيانات مجموعة رحلات الطيران. وبعض هذه الطائرات متوقفة بالقرب من قاعدة مصنع بوينغ في سياتل، بينما يوجد بعضها الآخر في مركز في تشوشان شرق الصين، وفقاً لموقع شركة تتبع الإنتاج .
وقال بعض الأشخاص إن إجراءات التسليم والدفع لبعض هذه الطائرات ربما اكتملت قبل أن تدخل التعريفات الجمركية المتبادلة التي أعلنتها الصين في 11 أبريل حيز التنفيذ في 12 أبريل، وقد يُسمح لهذه الطائرات بدخول الصين على أساس كل حالة على حدة.
وبالنسبة لشركة بوينغ، تُعدّ هذه المواجهة انتكاسة جديدة في أحد أكبر أسواق مبيعات الطائرات في العالم. وصرحت شيلا كاهياوغلو، المحللة في جيفريز، في مذكرة بحثية: "هناك على الأرجح بعض الأمل في أن يكون هذا الأمر مؤقتاً ويمنح الصين ورقة تفاوض في أي مفاوضات".
ضغوط كبيرة
من جانبه، يقول خبير أسواق المال، محمد سعيد، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن شركة "بوينغ" تواجه حالياً ضغوطاً كبيرة لا تقتصر فقط على النزاعات التجارية، بل تمتد أيضاً إلى تبعات داخلية مؤثرة، أبرزها الإضراب الطويل الذي سبق وأن نفذه العاملون بالشركة مؤخراً، والذي لم يتم إنهاؤه إلا بعد مفاوضات صعبة، مشدداً على أن هذا الإضراب ألقى بظلاله على إنتاج الشركة ونتائج أعمالها بشكل بالغ.
وفيما يتعلق بتأثير النزاعات التجارية، يشير إلى أن سلاسل الإمداد لدى "بوينغ" شديدة التعقيد، وتعتمد على عدد كبير من الموردين حول العالم، وهو ما يجعلها عرضة مباشرة لتأثير الرسوم الجمركية المتزايدة، لا سيما في ظل التصعيد الأخير بين الولايات المتحدة والصين. ويضيف: "الرسوم الجمركية تؤدي إلى ارتفاع كبير في تكاليف الإنتاج، وفي بعض الحالات تعذر الحصول على مكونات أساسية، ما يؤثر على السيولة ويُضعف القدرة الإنتاجية".
ويتحدث سعيد عن إعلان الصين مؤخراً إلغاء استلام عدد كبير من الطائرات التي كانت شركات الطيران الصينية قد تعاقدت على شرائها من "بوينغ"، معتبراً أن هذا القرار يمثل ضربة موجعة للشركة التي تعتمد في الأساس على التصدير. ويحذر من أن استمرار هذا الوضع سيؤثر بشكل مباشر على تنافسية "بوينغ"، خصوصاً في ظل التقارب الصيني-الأوروبي، والذي قد يعزز من حصة "إيرباص" في السوق، ويفتح المجال كذلك أمام دخول شركات صينية جديدة في مجال تصنيع الطائرات.
ويشدد خبير أسواق المال العالمية على أن تراجع أداء "بوينغ" لا يؤثر فقط على الشركة نفسها، بل يمتد إلى سوق العمل الأميركي، نظراً لضخامة العمالة المباشرة وغير المباشرة المرتبطة بها، والتي تتجاوز نصف مليون عامل. كما أن نتائج أعمال الشركة تشكل جزءاً لا يُستهان به.