الشرق الأوسط والرسوم الأميركية.. ما الفرص المحتملة؟
05:09 - 10 أبريل 2025
لم تكتفِ إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفتح جبهة اقتصادية ضد الصين، بل وجهت أنظارها نحو القارة الأوروبية، التي تحوّلت تدريجيًا إلى الهدف الثاني في حرب تجارية فرضت قواعد جديدة على الاقتصاد العالمي.
تحت شعار "صنِّع حيث تبيع"، فرضت الولايات المتحدة تعريفات جمركية قاسية على صادرات الاتحاد الأوروبي، في خطوة قال عنها الخبير الاقتصادي المصري الدكتور محمد أنيس خلال مداخلته مع برنامج "بزنس مع لبني " على سكاي نيوز عربية إنها "مؤشر على تحوّل عميق في النظام الاقتصادي العالمي، وتدفع أوروبا لإعادة رسم تحالفاتها الصناعية خارج حدودها".
الرسوم الجمركية تشعل المشهد الأوروبي
فرضت إدارة ترامب رسومًا جمركية بنسبة 20 بالمئة على السلع الأوروبية، في مقابل 104 بالمئة على الواردات الصينية. ورغم أن الأرقام تُظهر أن بكين كانت الهدف الأول، فإن التصعيد ضد أوروبا حمل دلالات سياسية واقتصادية لا تقل خطورة.
ورأى الدكتور محمد أنيس، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والتشريع، أن "الحرب التجارية التي أطلقها ترامب لم تعد مجرد نزاع مرحلي، بل تحوّلت إلى ما يشبه بداية حرب اقتصادية شاملة، قد تتغير فيها قواعد اللعبة التي تحكم الاقتصاد العالمي منذ أكثر من ثلاثة عقود".
من شعار "صنّع حيث التكلفة" إلى "صنّع حيث تبيع"
أوضح أنيس في تصريحاته لبرنامج "بزنس مع لبنى"، أن الولايات المتحدة كانت، منذ التسعينات، تلتزم بقواعد العولمة التي تقضي بنقل التصنيع إلى أماكن منخفضة التكلفة، لكن إدارة ترامب قلبت هذا المفهوم رأسًا على عقب، حين سعت لإعادة التصنيع إلى الداخل الأميركي، مستفيدة من كونها أكبر سوق استهلاكي في العالم.
وقال أنيس: "ترامب لم يكن يسعى إلى كسب جولة تجارية ضد الصين أو أوروبا، بل أراد تغيير قواعد اللعبة الاقتصادية العالمية برمتها، لأن استمرار العجز التجاري والموازين في أميركا بلغ مستويات تهدد موقعها كقوة اقتصادية عالمية".
وأشار إلى أن هذا التوجه "فرض على دول كبرى مثل الصين وأوروبا أن تعيد حساباتها الاقتصادية، لا سيما في ظل تهديدات ترامب المستمرة بفرض مزيد من الرسوم على قطاعات حيوية، كصناعة السيارات والصلب".
أوروبا أمام خيارات معقدة
رأى أنيس أن أوروبا وجدت نفسها في موقف صعب، إذ لم تكن مستعدة لمواجهة اقتصادية مباشرة مع واشنطن.
وأوضح أن القيود الجمركية الجديدة "صعّبت دخول المنتجات الأوروبية إلى السوق الأميركية، مما أجبر صناع القرار الأوروبيين على البحث عن حلول بديلة، بينها نقل جزء من صناعاتهم إلى الشرق الأوسط لتجاوز الحواجز الجمركية".
وأكد أنيس أن هذا السيناريو قد يتحول إلى واقع قريبًا: "أظن أن الاتجاه الأوروبي سيكون نحو التصنيع في دول مجلس التعاون الخليجي، مثل الإمارات، للاستفادة من القدرات اللوجستية وتسهيلات التصدير، وإعادة شحن هذه المنتجات إلى الأسواق الأميركية والصينية".
حرب الرسوم... سلاح اقتصادي غير تقليدي
لم تقتصر الحرب التجارية على الرسوم فقط، بل برزت إمكانية لجوء الصين إلى "السلاح غير التقليدي" في هذه المعركة، بحسب وصف محمد أنيس، في إشارة إلى احتمال تسييل السندات الأميركية التي تمتلكها بكين.
واعتبر أنيس أن "استخدام الصين لهذا السلاح سيشكل تصعيدًا خطيرًا، لأن السندات الأميركية تعتبر أحد الأعمدة المالية للنظام النقدي العالمي".
وأضاف: "أي خطوة من هذا النوع قد تُربك الاقتصاد الأميركي، وتدفع واشنطن بدورها إلى استخدام أدوات رد قاسية، مما يزيد من احتمالات الانفجار الاقتصادي العالمي".
الخسائر تتضاعف... والأزمة تمتد
أدت سياسات ترامب الجمركية إلى خسائر اقتصادية واسعة النطاق شملت العالم بأسره:
• 1.4 تريليون دولار خسائر في التجارة العالمية
• 330 مليار دولار خسائر مباشرة في القطاعات التجارية
• 10 تريليونات دولار خسائر في أسواق الأسهم العالمية
• 18 بالمئة تراجع في أسعار النفط
وأكد أنيس أن هذه الخسائر "لا تعكس فقط شدة الحرب، بل تُنذر أيضًا بأن الاقتصاد العالمي قد يواجه حالة ركود حقيقية إذا استمر التصعيد".
الشرق الأوسط في قلب العاصفة... وفرصة محتملة
رغم أن الشرق الأوسط لم يكن مستهدفًا مباشرًا في سياسات ترامب الجمركية، فإن تأثيرات الحرب التجارية وصلت إلى المنطقة.
وحذر أنيس من أن "أي ركود عالمي سيؤدي إلى انخفاض أسعار النفط، ويضع ضغوطًا على اقتصادات الدول غير النفطية في المنطقة".
في المقابل، رأى أن هناك فرصة أمام دول الخليج لتكون بديلًا صناعيًا واستثماريًا، قائلاً: "هناك قطاعات لوجستية متطورة في دول مثل الإمارات، ويمكن أن تتحول إلى مراكز صناعية إقليمية للشركات الأوروبية والصينية، شرط أن تتمكن من اجتذاب الاستثمارات المباشرة وتوفير بيئة إنتاج مرنة".
وضعت حرب ترامب التجارية أوروبا أمام واقع جديد لم تعتد عليه: التعامل مع واشنطن كخصم اقتصادي مباشر. وبينما تتعثر المؤسسات الأوروبية في إيجاد رد جماعي واضح، يبدو أن طريقها نحو التصنيع في مناطق بديلة، مثل الشرق الأوسط، قد يكون الخيار الوحيد لمواجهة القيود الأميركية.
وكما قال الدكتور محمد أنيس، فإن ما يجري ليس مجرد معركة تعريفات جمركية، بل بداية لعصر اقتصادي مختلف، قد يعيد ترتيب القوى الكبرى، ويخلق فرصًا غير متوقعة لدول لم تكن في الحسبان.