كيف تؤثر "حرب الرسوم" على توقعات النمو في الصين؟
06:43 - 10 أبريل 2025
يضع تصاعد نبرات الحرب التجارية من جديد الاقتصاد الصيني في قلب العاصفة؛ فمع تجدد التعريفات الأميركية الإضافية، وتوسيع نطاق القيود المختلفة على ثاني أكبر اقتصاد في العالم، تجد بكين نفسها أمام تحدٍ مزدوج؛ احتواء التداعيات المباشرة على صادراتها، والحفاظ على زخم النمو في ظل بيئة خارجية معادية.
يأتي ذلك بينما سيناريو التصعيد الحالي لا يهدد فقط أداء قطاع التصنيع الصيني، بل يطال سلاسل الإمداد المتشابكة التي تشكل العمود الفقري لاقتصاد البلاد.
ومع اعتماد ملايين الوظائف على انسياب الصادرات، تتصاعد المخاوف من تباطؤ أعمق، في وقت تسعى فيه القيادة الصينية جاهدة لتنشيط الطلب المحلي وتعزيز استقلالها التكنولوجي.
الموقف الأميركي
في أقل من أسبوع، تضاعفت الرسوم الجمركية الأميركية على السلع القادمة من الصين، فيما ردت بكين بمزيد من الرسوم والقيود على الشركات الأميركية.
قال الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الأربعاء، إنه وافق على تعليق مؤقت لمدة 90 يوما للرسوم الجمركية الإضافية التي فرضها على مجموعة من الدول التي كانت على استعداد للتفاوض مع الولايات المتحدة يوم الأربعاء، وهي أول إشارة إلى أن الرئيس يتراجع عن شفا حرب تجارية شاملة.
وقال ترامب في منشور على موقع "تروث سوشيال": "بناءً على حقيقة أن أكثر من 75 دولة اتصلت بممثلي الولايات المتحدة، بما في ذلك وزارات التجارة والخزانة ومكتب الممثل التجاري الأميركي، للتفاوض على حل.. وأن هذه الدول لم تقم، بناءً على اقتراحي القوي، بالرد بأي شكل من الأشكال ضد الولايات المتحدة، فقد أذنت بوقف مؤقت لمدة 90 يومًا، وتعريفة متبادلة مخفضة بشكل كبير خلال هذه الفترة، بنسبة 10 بالمئة، سارية المفعول أيضاً على الفور".
لكن ترامب بدأ منشوره بإضافة المزيد من الرسوم الجمركية على الصين. وكتب: "نظراً لعدم احترام الصين للأسواق العالمية، أرفع بموجب هذا التعريفة الجمركية المفروضة من الولايات المتحدة الأمريكية على الصين إلى 125 بالمئة، اعتبارًا من الآن".
من جانبها، ستفرض الصين رسوما جمركية إضافية بنسبة 50 بالمئة على السلع الأميركية، بالإضافة إلى 34 بالمئة التي أعلنت عنها بالفعل، في رد انتقامي على الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس ترامب في الحرب التجارية المتصاعدة بين أكبر اقتصادين في العالم.
وستؤثر الرسوم الجمركية الشاملة، التي ستشمل رسوما إضافية يتم فرضها على جميع السلع الأميركية اعتبارا من الخميس بنسبة 84 بالمئة، على الصادرات الأميركية من الآلات وأشباه الموصلات والزراعة وغيرها من السلع.
وقال خبراء اقتصاديون إن إجمالي الرسوم الجمركية الصينية على السلع الأميركية سيتجاوز 100 بالمئة بمجرد دخول رسوم يوم الخميس حيز التنفيذ. كما تأثرت نسبة كبيرة من الصادرات الأميركية من المنتجات الزراعية والطاقة وغيرها برسوم إضافية منفصلة فُرضت سابقاً، وفق صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية.
كيف تتأثر بكين؟
وتبعاً للتأثيرات المباشرة للرسوم على الاقتصاد الصيني، راجعت عدد من المؤسسات توقعاتها للنمو بالنسبة لثاني أكبر اقتصاد في العالم. وأصبحت سيتي غروب، يوم الثلاثاء واحدة من أولى شركات الاستثمار التي تخفض توقعاتها للنمو في الصين بسبب تصاعد التوترات التجارية مع الولايات المتحدة.
- خفض محللو سيتي توقعاتهم للناتج المحلي الإجمالي للصين إلى 4.2 بالمئة هذا العام، بانخفاض 0.5 نقطة مئوية، حيث يرون "مجالًا ضئيلًا للتوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة والصين بعد التصعيدات الأخيرة"، وفق ما نقلته شبكة "سي إن بي سي" الأميركية.
- وقالت شركة Natixis، يوم الاثنين، إنها خفضت توقعاتها لنمو الناتج المحلي الإجمالي في الصين إلى 4.2 بالمئة هذا العام، من 4.7 بالمئة في السابق.
- لم يخفض مورغان ستانلي وغولدمان ساكس توقعاتهما بعد، لكنهما حذرا هذا الأسبوع من تزايد المخاطر السلبية لتوقعاتهما - حيث يتوقع كلاهما حاليا نموا بنسبة 4.5 بالمئة.
وكانت الصين قد أعلنت في مارس أن هدفها الرسمي للنمو سيكون حوالي 5 بالمئة في 2025، لكنها أكدت أنه لن يكون من السهل تحقيق هذا الهدف.
ونقل التقرير عن كبير الاقتصاديين في شركة غوتاي جونان الدولية، هاو تشو، قوله:
- "المشكلة الرئيسية هي تزايد حالة عدم اليقين بشأن الاقتصاد".
- "الرؤية المستقبلية للنمو قد تراجعت بشكل ملحوظ، في حين أن الرسوم الجمركية الأميركية ترتفع".
ضغوط غير مسبوقة
تقول الكاتبة الصحافية الصينية، سعاد ياي شين هوا، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن فرض الولايات المتحدة لرسوم جمركية إضافية على الواردات الصينية سيكون له تأثيرات متعددة على الاقتصاد الصيني، تشمل صدمات قصيرة الأجل وتعديلات هيكلية طويلة الأمد في الصناعات الصينية المعنية.
وتضيف:
- نلاحظ أن الصادرات الصينية تواجه ضغوطًا غير مسبوقة، إذ أصبحت المنتجات الصينية المُصدّرة إلى الولايات المتحدة تصطدم بحواجز جمركية هي الأعلى في التاريخ، تتجاوز نسبة 100 بالمئة، مما ينعكس سلباً على القدرة التنافسية للمنتجات الصينية، خاصة تلك الكثيفة العمالة مثل المنسوجات والأثاث وبعض المنتجات الإلكترونية.
- القطاعات الصينية التي تعتمد بشكل كبير على التصدير، كالإلكترونيات الاستهلاكية والمنسوجات، ستتأثر بشكل كبير نتيجة هذه السياسات.
- هذه التطورات قد تُلقي بظلالها على معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني.
- "تحقيق أهداف النمو للعام 2025 سيتطلب مزيداً من الدعم للسياسات الاقتصادية المحلية، خاصة في ظل التراجع الملحوظ في الطلب العالمي".
لكنها تؤكد في الوقت نفسه أن موقف الصين تجاه السياسات الأميركية في هذا الشأن واضح وثابت، مشيرة إلى تأكيدات بكين بشأن موقفها الرسمي حيال عدد من القضايا الاقتصادية والتجارية المهمة في العلاقة مع الولايات المتحدة، بالإشارة إلى أن هذه العلاقة تُعد عنصراً أساسياً في العلاقات الصينية-الأميركية، كما أنها تصب في مصلحة التنمية الاقتصادية العالمية.
وتستطرد: "خلال السنوات الماضية، شهدنا تصاعداً مستمراً في السياسات الحمائية الأميركية، حيث اتخذت الولايات المتحدة سلسلة من الإجراءات لفرض قيود على الاقتصاد الصيني، وهو ما يُعد انتهاكًا للحقوق المشروعة للصين.. بينما بكين لا ترغب في الانخراط في حرب تجارية، إلا أن حقوقها المشروعة لا يمكن التنازل عنها. وفي حال استمرت الولايات المتحدة في تصعيد القيود، فإن الصين ستتخذ جميع الإجراءات الضرورية لمواجهة هذه التحديات".
وتوضح الكاتبة الصحافية الصينية أن "بكين تمتلك الأدوات والعزيمة الكافية للرد على أي تصعيد أميركي يهدد مصالحها الاقتصادية".
هل يمكن حل الأزمة؟
ويعتقد بعض خبراء الاقتصاد بأن هناك أملا في أن تتمكن بكين وواشنطن من التراجع والتفاوض بمجرد أن تتضح الأضرار الناجمة عن الحرب التجارية.
ونقل تقرير صحيفة "فايننشال تايمز" عن كبير الاقتصاديين الآسيويين في بنك إتش إس بي سي، فريد نيومان، قوله: "إنهم أشبه بمقاتلَين محترفَين في حلبة مصارعة، ونحن في الجولة الأولى، وهم يستعرضون عضلاتهم، وكلٌّ منهم لا يزال يشعر بالانتعاش". وأضاف: "لكن مع الجولة السابعة أو الثامنة أو التاسعة، سينهك كلا الجانبين نفسيهما، وأعتقد بأنهما سيبدآن البحث عن الحكم".
هروب المستثمرين
وإلى ذلك، يقول الخبير الاقتصادي المتخصص في الشؤون الصينية، الدكتور جعفر الحسيناوي، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- "من المؤكد أن رفع التعرفة الجمركية على البضائع الصينية المصدّرة إلى الولايات المتحدة سيكون له آثار سلبية واضحة على الاقتصاد الصيني".
- هذا القرار سيؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع الصينية، ما ينعكس مباشرة في حالة من الكساد في الأسواق العالمية نتيجة لتراجع القدرة الشرائية.
- على الجانب الآخر، فإن المصنعين والمستثمرين قد يعيدون النظر في استمرار نشاطهم داخل الصين، متجهين نحو أسواق جنوب شرق آسيا التي توفّر بيئة أكثر استقرارًا وأيدي عاملة منخفضة التكلفة، تفادياً بشكل نسبي للأعباء الجمركية المرتفعة.
ويستطرد: وبذلك، فإن الخسارة ستكون مزدوجة للاقتصاد الصيني؛ فمن جهة، فقدان جزء من الإنتاج الصناعي المحلي الذي يعود بمردودات اقتصادية كبيرة، ومن جهة أخرى، ارتفاع معدلات البطالة نتيجة تسريح أعداد كبيرة من العمال، ما يؤدي أيضًا إلى خسارة كفاءات ومهارات فنية تم تطويرها على مدار أكثر من 25 عاماً.
وبحسب غولدمان ساكس، فإن الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة تمثل نحو 3 نقاط مئوية من إجمالي الناتج المحلي للصين. ويشير البنك إلى أن ذلك يشمل 2.35 نقطة مئوية من القيمة المضافة المحلية و0.65 نقطة مئوية من الاستثمار الصناعي المرتبط بها.
ومن المتوقع أن تعلن الصين عن بيانات التجارة لشهر مارس يوم الاثنين، والناتج المحلي الإجمالي للربع الأول في 16 أبريل.
وقال كبير الاقتصاديين في شركة نومورا، تينغ لو، في تقرير يوم الثلاثاء إن البنك يتوقع الآن انخفاض صادرات الصين بنسبة 2 بالمئة هذا العام، وهو أسوأ من توقعاتهم السابقة بعدم حدوث تغيير.
لكنه أبقى على توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي للعام الجاري عند 4.5 بالمئة. وقال: "نظراً للوضع المتقلب للغاية، من المستحيل تقدير تأثير الحرب التجارية الأميركية الصينية المستمرة على الاقتصاد الصيني بشكل معقول"، مضيفًا أن توقعاته أخذت في الاعتبار بالفعل توترات أسوأ بكثير، وفق ما نقلته شبكة "سي إن بي سي" الأميركية في تقرير لها.
توقعات النمو
ويلفت خبير العلاقات الاقتصادية الدولية، الدكتور علي الإدريسي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن:
- التعريفات الجمركية تؤثر بشكل كبير على توقعات النمو في الصين، خاصة عندما تُفرض من قبل شركاء تجاريين رئيسيين مثل الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي.
- الصين تعتمد بشكل كبير على الصادرات لدفع عجلة النمو الاقتصادي، وبالتالي فإن فرض تعريفات جمركية يعني ارتفاع أسعار السلع الصينية في الأسواق الخارجية، مما يقلل من قدرتها التنافسية، وبالتالي ينخفض الطلب عليها.
- تأثير غير مباشر على الإنتاج والاستثمار من حيث انخفاض الصادرات يؤثر سلباً على قطاعات التصنيع، ما يؤدي إلى تراجع الإنتاج، وخفض العمالة، وتقليل الاستثمارات في هذه القطاعات فبعض الشركات الصينية قد تؤجل أو تلغي خطط التوسع بسبب عدم اليقين.
- ارتفاع التوترات التجارية يخلق بيئة غير مستقرة، ما يؤدي إلى خروج بعض الاستثمارات الأجنبية من الصين أو توجيهها لدول أخرى ذات تكاليف أقل أو مخاطر أقل.. وهذا يقلل من تدفق رؤوس الأموال ويؤثر على سوق الأسهم الصينية واليوان.
ويضيف أن الشركات العالمية قد تنقل خطوط الإنتاج إلى دول أخرى لتجنب التعريفات، ما يفقد الصين دورها كمركز صناعي عالمي في بعض القطاعات.
ويؤكد الإدريسي أن الرد الصيني والتبعات الاقتصادية على القرارات الأميركية بفرض تعريفات مضادة، يؤدي إلى تصعيد النزاع التجاري، ويزيد من الأعباء الاقتصادية على الشركات والمستهلكين المحليين. وأخيراً خفض التوقعات من قبل المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والتي غالباً ما تخفض توقعات النمو للصين إذا تصاعدت النزاعات التجارية واستمرت التعريفات.