حاملو الأصول الرقمية يواجهون مخاطر أمنية متزايدة
07:34 - 28 مايو 2025شهد العالم خلال السنوات الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا في جرائم الاحتيال الرقمي، التي باتت تشكل تهديدًا متزايدًا للأفراد والمؤسسات على حد سواء، إذ تعتمد هذه الجرائم على استغلال التقنيات الحديثة وأساليب الاحتيال المتطورة مثل التصيّد الاحتيالي، والبرمجيات الخبيثة، والتزييف العميق، مما يجعلها أكثر تعقيدًا وصعوبة في الكشف والملاحقة.
يهدد انتشار هذه الظاهرة بتآكل الثقة الرقمية لدى المستخدمين، خاصة مع تنامي قدرة المجرمين على خداع ضحاياهم عبر الإنترنت بطرق مبتكرة ومتجددة. كما تتأثر مجالات متعددة بالاحتيال الرقمي، من بينها القطاع المصرفي، التجارة الإلكترونية، والأنظمة الحكومية، حيث تتنوع الأساليب بين سرقة الهوية، الابتزاز الإلكتروني، واختراق الحسابات الشخصية والمؤسسية.
ويبرز تأثير هذه الجرائم في زيادة الخسائر المالية وتعطيل الأعمال، إضافة إلى آثارها النفسية والاجتماعية على الضحايا، مما يستدعي تطوير آليات حماية متقدمة وتعزيز الوعي الأمني في مواجهة هذه التحديات المتنامية.
وفي ظل هذا المشهد، برزت العملات الرقمية كحقل جديد يحمل فرصًا مالية واعدة، لكنه في الوقت نفسه عرضة لمخاطر الاحتيال الرقمي بطرق جديدة ومتطورة. حيث يتحمل مستخدمو هذه الأصول مسؤولية كاملة عن حماية محافظهم الرقمية، في ظل غياب إطار تنظيمي موحد، مما يجعلهم هدفًا رئيسيًا للهجمات الإلكترونية والابتزاز. ومع تزايد حجم المعاملات الرقمية، تتصاعد الجرائم المنظمة التي تستهدف هذه العملات، ما يستوجب تعزيز الحماية التقنية والتشريعية لضمان أمان المستثمرين واستقرار الأسواق الرقمية.
العملات المشفرة
في هذا السياق، ذكر تقرير لـ "بلومبيرغ" أنه:
مع تسجيل عملة البيتكوين أرقام قياسية جديدة، يتزايد عدد المستثمرين الذين يؤمنون بحلم أن يديروا أموالهم بشكل مستقل دون الاعتماد على البنوك التقليدية (أن يكونوا بنوكهم الخاصة) عبر العملات الرقمية، التي تتيح تحويل الأموال بسرعة وسرية خارج النظام المالي التقليدي. لكن هذا الحلم يواجه تحديات كبيرة، لا سيما ضعف الوعي بتكاليف حماية هذه الأصول الرقمية في عالم يفتقر إلى النقد المادي.
ويضيف التقرير:
- شهد العام 2025 ارتفاعًا ملحوظًا في عمليات اختراق منصات تبادل العملات المشفرة، إلى جانب موجة متصاعدة من محاولات خطف مسؤولي شركات العملات الرقمية.
- كان آخر هذه الحوادث هجومًا مسلحًا في وضح النهار بالعاصمة الفرنسية باريس، ما أثار مخاوف واسعة حول أمن هذه الأصول. حيث سجلت قاعدة بيانات مختصة 23 حادثة اختطاف هذا العام مقارنة بست حالات فقط في العام السابق، مع وقوع حالات تعذيب جسدي شديد دفعت الحكومة الفرنسية إلى بحث حلول عاجلة رغم سجلها الجيد نسبيًا في جرائم العنف.
- هذا التحول في مشهد الجريمة لا يقتصر على فرنسا فقط، بل هو ظاهرة عالمية.
- السرقات التقليدية للبنوك تراجعت بأكثر من 80 بالمئة منذ التسعينيات (..) في المقابل، برزت جرائم جديدة تتلاءم مع التطورات التكنولوجية، مثل الهجمات الإلكترونية على المحافظ الرقمية التي ارتفعت بنسبة 17 بالمئة العام الماضي.
ويلفت التقرير إلى تصاعد الهجمات الجسدية على أصحاب العملات الرقمية وعائلاتهم، حيث أصبح الابتزاز المباشر أسهل وأكثر ربحية. في وقت تساعد فيه أخطاء بسيطة على وسائل التواصل الاجتماعي في كشف مواقع الضحايا للمجرمين، الذين باتوا أكثر تنظيمًا وتخطيطًا باستخدام التكنولوجيا.
تحوّلات
الخبير التكنولوجي، محمد سعيد، وهو العضو المنتدب لشركة IDT للاستشارات والنظم التكنولوجية، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن:
- التحول نحو الأصول الرقمية والعملات المشفرة قد غيّر شكل العلاقة بين الأفراد والأنظمة المالية.
- أصبح كل فرد اليوم بمثابة بنك متنقل، يتحمل مسؤولية كاملة عن حماية أمواله وإدارة أصوله الرقمية بنفسه، في ظل غياب الكيانات الوسيطة كالتي يوفرها النظام المصرفي التقليدي.
- النظام اللامركزي الذي تقوم عليه العملات المشفرة يجعل مسؤولية الأمان تقع بالكامل على عاتق المستخدم، مما يرفع من مستوى المخاطر الأمنية التي يتعرض لها الأفراد، خصوصًا مع تصاعد وتيرة الجرائم الإلكترونية المتعلقة بالكريبتو.
- جرائم الكريبتو تطورت بشكل لافت خلال السنوات الأخيرة، فمن اختراقات بسيطة في البدايات، إلى عمليات إجرامية منظمة تقدر بمليارات الدولارات.
- في النصف الأول من عام 2024 وحده، بلغت قيمة السرقات نحو 1.38 مليار دولار، أي ما يعادل ضعف ما سُجل في نفس الفترة من العام الماضي.
ويلفت إلى تزايد حالات الابتزاز التي تستهدف مالكي العملات الرقمية، ما يعكس تحولًا في استراتيجية المجرمين، الذين باتوا يركزون على الأفراد مباشرة بدلاً من استهداف المؤسسات المالية المحصنة.
وينوّه سعيد بأن أدوات الجريمة الرقمية أصبحت أكثر تطورًا، حيث تشمل اختراق المحافظ الرقمية، والتصيد الاحتيالي، والبرمجيات الخبيثة، بالإضافة إلى تقنيات جديدة مثل "تسميم العناوين" التي تهدف إلى خداع المستخدمين وتحويل الأموال إلى جهات غير صحيحة.
كما يؤكد أن "غياب التنظيمات القانونية الواضحة في العديد من الدول يفتح المجال أمام الاحتيال، خاصة في ظل المشاريع الرقمية الجديدة التي قد تختفي فجأة دون أي رقابة"، مضيفاً أن الجريمة التقليدية التي كانت تعتمد على السطو المسلح تحوّلت إلى جريمة رقمية تُنفذ أحيانًا بضغطة زر، ما يستدعي وعيًا أعلى لدى المستثمرين.
ويشدد الخبير التكنولوجي على ضرورة اتخاذ المستثمرين للاحتياطات اللازمة، مثل استخدام المحافظ الباردة وتفعيل المصادقة الثنائية، وتوخي الحذر من الروابط والرسائل المشبوهة. كما دعا إلى دور أكبر للجهات التنظيمية الدولية في سنّ تشريعات تحمي المستثمرين وتوفر لهم منظومة أمان شبيهة بتلك التي يقدمها النظام المصرفي التقليدي.
تآكل الثقة
وفي سياق متصل، يشير تقرير حديث لشركة Jumio إلى أن الثقة الرقمية تتآكل بشكل كبير بسبب انتشار المعلومات المضللة وعمليات الاحتيال باستخدام تقنيات "التزييف العميق.
أجرت الشركة دراسة سنوية رابعة شملت 8001 مستهلكًا بالغًا من الولايات المتحدة، والمكسيك، والمملكة المتحدة، وسنغافورة، وكشفت الدراسة عن خوف متزايد من أن الاحتيال المدعوم بالذكاء الاصطناعي يشكل تهديدًا أكبر للأمن الشخصي مقارنة بسرقة الهوية التقليدية، مما أدى إلى ارتفاع مستوى الشكوك تجاه كل ما يُنشر على الإنترنت.
تنتشر أنظمة الاحتيال كخدمة (Fraud-as-a-Service) بسرعة، مما يمكّن حتى المحتالين المبتدئين من استخدام هويات اصطناعية، وفيديوهات مزيفة، واستيلاء على الحسابات عبر شبكات الروبوتات. ويواجه المستخدمون حاليًا رسائل احتيالية، ومحتوى معدّل على وسائل التواصل الاجتماعي، ووثائق هوية رقمية مزورة.
وكشف التقرير أن 69 بالمئة من المستهلكين العالميين أصبحوا أكثر تشككًا في المحتوى عبر الإنترنت مقارنة بالعام الماضي، بسبب الاحتيال المدعوم بالذكاء الاصطناعي.
وأظهرت الدراسة استعداد المستهلكين لقضاء وقت أكثر في عمليات التحقق من الهوية الشاملة، خاصة في القطاعات الحساسة مثل البنوك والرعاية الصحية. ومع ذلك، يؤكد المدير التنفيذي لشركة Jumio، روبرت بريغي، أن بناء عالم رقمي موثوق يتطلب تعليم المستهلكين بشفافية، لأن التكنولوجيا وحدها لا تكفي، وأن الشركات يجب أن تكسب ثقة المستخدمين في الإجراءات الأمنية المتبعة.
مخاطر عامة
في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، يؤكد استراتيجي الأسواق المالية في شركة First Financial Markets، جاد حريري، أن المخاطر الأمنية في القطاع المصرفي تظل قائمة رغم التقدم التكنولوجي، مشيرًا إلى أن الحلول المتاحة تقلل من هذه المخاطر لكنها لا تقضي عليها تمامًا.
ويوضح أن الثغرات الأمنية قد تُكتشف لاحقًا، مما قد يؤدي إلى حوادث مثل سرقة المحافظ الرقمية، سواء في البنوك التقليدية أو في عالم العملات الرقمية، مشيراً إلى أن الجرائم المرتبطة بالعملات المشفرة قد تكون أسهل تنفيذًا نظرًا لصعوبة تتبع الجناة وغياب الأدلة الواضحة، مما يجعل من الصعب تحديد المسؤولين عن هذه الجرائم.
ويضيف أن التكنولوجيا قد تسهل تنفيذ هذه الجرائم، لكنها في الوقت نفسه تعقد من عملية تتبعها، خاصة عندما يكون المتورطون جهات ذات طابع سيادي مثل دول أو حكومات أو شركات كبرى.
ويحذر حريري من أن المحافظ الرقمية التي تحتوي على مبالغ كبيرة، مثل تلك التي تتجاوز المليون دولار أو حتى المليار دولار، معرضة بشكل أكبر لخطر السرقة وتهديدات أمنية قد تطال حياة الأفراد، مستشهدًا بحادثة تعرضت فيها ابنة أحد رؤساء شركات العملات الرقمية للسرقة والاضطهاد في إحدى الدول الأجنبية.
كما يؤكد أن المخاطر الأمنية ستظل موجودة، لكن يمكن تقليلها مع مرور الوقت من خلال تعزيز إجراءات الأمان والتقنيات المستخدمة في حماية الأصول الرقمية.