الحرب في غزة تُثقل كاهل دول الجوار.. تحديات اقتصادية عميقة
11:15 - 07 أكتوبر 2024
مع مرور عام على الحرب في غزة، فإن تداعيات هذا الصراع تمتد بعمق لتشمل اقتصادات دول الجوار، حيث لم تقتصر التأثيرات على الجانب السياسي والأمني فحسب، بل انعكست أيضًا بوضوح على الأداء الاقتصادي في عدد من الدول المجاورة مثل لبنان وسوريا ومصر والأردن وسوريا.
هذه الدول تواجه بالفعل تحديات اقتصادية متراكمة، وجاء الصراع ليضيف أعباءً جديدة ومخاطر على استقرار اقتصاداتها. فإلى جانب التأثيرات الخاصة بكل دولة، كانت هناك تأثيرات مشتركة بين دول الجوار نتيجة لزيادة حالة عدم اليقين، بما في ذلك على الصعيد التجاري، إذ تأثرت حركة السلع والبضائع، سواء تلك القادمة أو المغادرة من وإلى الموانئ الحيوية في المنطقة، نتيجة لعديد من العوامل بما في ذلك التوترات في البحر الأحمر.
وتشهد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سلسلة من التحديات المتواصلة، بالنظر إلى أن "الصراع في غزة وإسرائيل تسبب في معاناة إنسانية جمة"، وفق تقرير تقديرات صندوق النقد الدولي الأخير في أبريل الماضي، والذي شدد على أن الانقطاعات في حركة الشحن عبر البحر الأحمر والتخفيضات في إنتاج النفط أفضت إلى تفاقم مواطن الضعف الناشئة عن مستويات الدين المرتفعة وتكاليف الاقتراض الكبيرة".
تشير تقديرات الصندوق إلى أنه في 2025، من المتوقع أن يسجل النمو ارتفاعا إلى 4.2 بالمئة بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث يفترض أن ينحسر تأثير هذه العوامل المؤقتة بالتدريج.
أخبار ذات صلة
ومن شأن الصراع في غزة وإسرائيل أن يؤدي إلى تفاقم عدم اليقين الراهن، إذ تظل مدة الصراع وتأثيره محاطين بضبابية كبيرة، بحسب الصندوق، الذي أكد في وقت سابق على أن الصراعات تؤثر سلبا على النشاط الاقتصادي في بعض البلدان الهشة منخفضة الدخل.
ومن المقرر أن يصدر صندوق النقد الدولي توقعاته الاقتصادية المحدثة لجميع البلدان والاقتصاد العالمي في وقت لاحق من أكتوبر بالتزامن مع انعقاد اجتماعات الخريف لصندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن.
خسائر واسعة
وفي هذا السياق، أشار مدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، الدكتور مصطفى أبو زيد، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى التداعيات الاقتصادية الكارثية التي طالت الاقتصاد الفلسطيني بسبب الحرب، فقد خسر ما يقرب من 97 بالمئة من ناتجه المحلي الإجمالي، ما يعادل حوالي 18.5 مليار دولار، وفقًا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة والبنك الدولي. هذه الأرقام توضح بجلاء حجم الانهيار في المنظومة الاقتصادية الفلسطينية بعد تدمير معظم البنى التحتية والمرافق والخدمات الحيوية.
وأضاف أبو زيد أن تأثير الحرب امتد إلى دول الجوار، بما في ذلك الاقتصاد المصري الذي تأثر جزئياً نتيجة هذه التوترات الجيوسياسية. لكنه أوضح أن الاقتصاد المصري، بحكم تنوع موارده، يمتلك قدرة أفضل على التكيف.
وفيما تعرضت إيرادات قناة السويس لضغوط، إلا أن السياحة والصادرات والاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة كانت عوامل مساعدة في دعم تدفقات النقد الأجنبي. بالإضافة إلى ذلك، يتمتع الاقتصاد المصري بقدرات إنتاجية وتصنيعية مع استقرار نسبي في سعر الصرف، رغم الضغوط التضخمية الناجمة عن التضخم المستورد والمحلي.
وأكد على قدرة الاقتصاد المصري في مواجهة هذه التحديات، مشيرًا إلى الارتفاع الأخير في الاحتياطي النقدي الذي بلغ أكثر من 46 مليار دولار، وتأمين المخزون الاستراتيجي من السلع لفترات زمنية آمنة، ما يعزز قدرة الاقتصاد على التعامل مع الأزمات الحالية.
أما بشأن تداعيات استمرار الحرب في المنطقة، فقد أوضح أبو زيد أن الأزمة ستؤدي إلى انهيار اقتصادي متزايد في فلسطين ولبنان وسوريا، مما يستدعي دعمًا ماليًا دوليًا كبيرًا لإعادة الإعمار وتبني برامج إصلاح اقتصادي تعيد تلك الاقتصادات إلى مسار النمو.
أخبار ذات صلة
وتطرق مدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية إلى الأزمة اللبنانية، مشيرًا إلى أن الاقتصاد اللبناني يعاني منذ سنوات من أزمة مالية خانقة أدت إلى انهيار العملة الوطنية وتآكل قدرتها الشرائية، بالإضافة إلى معدلات تضخم مرتفعة وتراجع الناتج المحلي الإجمالي. وقد تسبب هذا الوضع في زيادة معدلات الفقر وتدهور الاحتياطي النقدي في المصرف المركزي. وأضاف أن الحرب الحالية في غزة وامتدادها إلى لبنان سيفاقمان الوضع الاقتصادي في بيروت بسبب الأضرار الكبيرة في البنى التحتية بالجنوب على وجه خاص، مما يضيف مزيدًا من الأعباء على اقتصاد مثقل بالأصل بالأزمات.
وعن الاقتصاد السوري، أشار أيضاً إلى أن الحرب المستمرة منذ سنوات أضعفت الاقتصاد السوري بشكل كبير، حيث فقدت الليرة السورية كامل قيمتها، وأصبح الاقتصاد منهكًا في ظل السيطرة المحدودة للنظام السوري على الأراضي، مما حال دون الاستفادة الكاملة من الموارد الإنتاجية المتاحة."
ومؤخراً حذر البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، من أن الحرب والطقس المتطرف يؤثران على النمو الاقتصادي في دول يغطيها البنك، مشيرا إلى أن الأزمة الآخذة في التصاعد في الشرق الأوسط تفاقم الأزمة السياسية والاقتصادية في لبنان وتضر بدول مجاورة مثل الأردن ومصر.
وذكر البنك في تقرير نصف سنوي أن التعديل الهبوطي لنمو الناتج المحلي الإجمالي بالمنطقة التي يغطيها البنك طفيف إلا أنه ثاني تعديل بالخفض في تلك المنطقة التي تشمل اقتصادات ناشئة في أوروبا ووسط آسيا والشرق الأوسط وإفريقيا.
لبنان تحت وطأة الحرب
وفي تصريح خاص لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أكد الخبير الاقتصادي، جاسم عجاقة، أن لبنان يواجه تداعيات الحرب الحالية بشكل حاد، مشيرًا إلى الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية، بما في ذلك تدمير المنازل والطرق. وأضاف أن الدمار الذي لحق بالجنوب اللبناني هو انعكاس لما شهدته غزة من تدمير شامل للبنية التحتية، مقدرًا حجم الخسائر المباشرة وغير المباشرة في لبنان بمليارات الدولارات، خاصة مع تدهور أوضاع قطاعات حيوية مثل الزراعة والسياحة.
وأشار إلى أن لبنان تكبد خسائر كبيرة بسبب فقدان الفرص الاقتصادية، ومنها انتهاء الموسم السياحي الصيفي بشكل مبكر، مما حرم الاقتصاد من موارد حيوية للعديد من القطاعات مثل الاستثمار والأعمال وقطاع الطيران.
وأضاف أن التداعيات السلبية من المتوقع أن تمتد على المدى المتوسط والطويل، خاصة في ظل تعرض القطاع الزراعي في جنوب لبنان للقصف، مما يستدعي وقتًا طويلًا لإعادة تأهيل الأراضي المتضررة واستعادة قدرتها على الإنتاج.
وتحدث عجاقة أيضًا عن تأثير ملف المهاجرين، مشيرًا إلى ظهور احتياجات جديدة لاستيعابهم، سواء من حيث المدارس أو أماكن الإقامة، وهو ما يفرض ضغوطًا إضافية على الموازنة العامة بسبب نفقات غير متوقعة. وأشار إلى سيناريو أكثر صعوبة قد يواجهه لبنان في حال فرض إسرائيل حصارًا عسكريًا كاملًا، مما قد يؤدي إلى نقص في ثلاث سلع أساسية هي المواد الغذائية والأدوية والمحروقات، وهو ما سيكون كارثيًا خاصة مع اقتراب فصل الشتاء، مما يضع لبنان في موقف اقتصادي عصيب على كافة المستويات الرسمية وغير الرسمية.
وعلى صعيد الدول المجاورة، أشار عجاقة إلى أن الحرب أثرت أيضًا على دول مثل مصر، حيث تأثر القطاع السياحي وإيرادات قناة السويس، كما تأثرت الأردن سلبًا في قطاع السياحة، بينما كانت سوريا تعتمد على لبنان كقاعدة لوجيستية لاستيراد احتياجاتها."
فقدت قناة أكثر من 50 إلى 60 بالمئة من إيراداتها خلال نحو 8 أشهر الماضية، وفق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي قدر الخسائر بأكثر من 6 مليارات دولار.
وقبل نهاية العام الماضي، قال صندوق النقد الدولي إن الصراع في غزة وإسرائيل يسبب معاناة إنسانية هائلة. وبالإضافة إلى التأثير المباشر، فإن الصراع سيكون له عواقب وخيمة على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على نطاق أوسع، مع تأثيرات على كل من الناس والاقتصادات.
وأفاد الصندوق بأنه لا شك أن إسرائيل والضفة الغربية وغزة هي الأكثر تضررا. لكن التأثير الاقتصادي يمتد إلى ما هو أبعد من منطقة القتال. فالدول المجاورة مصر والأردن ولبنان تعاني بالفعل من تداعيات اقتصادية. وفي خضم المخاوف بشأن خطر التصعيد، ألغى الزوار السفر إلى المنطقة، مما أثر بشدة على شريان الحياة لهذه الاقتصادات. فالسياحة، التي شكلت ما بين 35 بالمئة إلى ما يقرب من 50 بالمئة من صادرات السلع والخدمات في هذه الاقتصادات في عام 2019، تشكل مصدرا حاسما للعملة الأجنبية والعمالة.
وكان صندوق النقد الدولي قد خفض توقعاته لنمو اقتصاد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، خلال العام الجاري، بشكل طفيف إلى 2.7 بالمئة، مقابل 2.9 بالمئة في تقديراته السابقة التي أصدرها في يناير، وذلك في ظل الضغوط الناتجة عن استمرار الحرب في غزة وتوترات حركة الشحن في البحر الأحمر.
تداعيات واسعة النطاق
وفي تصريح خاص لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أكد المحلل الاقتصادي الأردني، حسام عايش، أن الحرب المستمرة على غزة وامتدادها إلى لبنان، مع احتمال توسعها إلى حرب إقليمية تشمل دول المنطقة وربما أبعد، تسببت في تداعيات اقتصادية وسياسية واجتماعية سلبية على دول المنطقة.
وأضاف أن هذه التداعيات قد تمتد إلى نطاق عالمي إذا اندلعت حرب موسعة تؤدي إلى توقف تصدير النفط أو الغاز، مما يؤثر على حركة التجارة العالمية، ويعيد العالم مرة أخرى إلى موجة من ارتفاع معدلات التضخم وارتفاع الأسعار، مما قد يؤجل المضي قدماً في المزيد من قرارات خفض أسعار الفائدة التي ينتظرها العالم لتخفيف تكلفة التجارة والديون.
وأوضح أن أبرز مظاهر التداعيات الاقتصادية للحرب على المنطقة تتمثل في تراجع النشاط السياحي وتباطؤ النمو الاقتصادي، بالإضافة إلى تأثر حركة التجارة الخارجية لدول المنطقة، مما ينعكس سلبًا على مستويات المعيشة، لا سيما في حال تصعيد العمليات العسكرية واتساع نطاق الحرب. وأضاف أن هذا الوضع سيؤدي إلى ركود اقتصادي وربما انكماش في اقتصاديات المنطقة، مع حالة من عدم اليقين وتعليق الخطط والمشاريع الاقتصادية المختلفة، بما في ذلك المشاريع المشتركة العربية.
وعلى صعيد الاقتصاد الأردني، أشار عايش إلى أن الأردن يعاني بشكل مباشر من تداعيات الحرب على غزة، حيث تراجع النشاط السياحي وتأثرت حركة التبادل التجاري، خاصة مع الدول الآسيوية غير العربية مثل الهند، التي تستورد الفوسفات والأسمدة من الأردن. كما تراجعت الصادرات الأردنية في هذا المجال، مما أثر سلبًا على النمو الاقتصادي، بالإضافة إلى تراجع معدلات الاستثمار بصورة كبيرة.
وتطرق أيضًا إلى تأثر العلاقات التجارية الإقليمية للأردن، مشيرًا إلى تراجع حجم التبادل التجاري مع الضفة الغربية، التي تعاني من الأوضاع الحالية، مما أدى إلى انخفاض حجم الصادرات الأردنية إلى فلسطين، فضلًا عن التأثير السلبي على التبادل التجاري مع لبنان."
وقال صندوق النقد الدولي، الخميس، إن تصعيد الصراع في الشرق الأوسط قد تكون له تداعيات اقتصادية كبيرة على المنطقة والاقتصاد العالمي، لكن أسعار السلع الأولية لا تزال أقل من أعلى مستوياتها في العام الماضي.
وصرحت جولي كوزاك، المتحدثة باسم الصندوق في إفادة صحفية بأن صندوق النقد يتابع عن كثب الوضع في جنوب لبنان "بقلق بالغ" وقدمت تعازيها في القتلى هناك. وأضافت "احتمال تصعيد الصراع يزيد من المخاطر وحالة عدم اليقين وقد تكون له تداعيات اقتصادية كبيرة على المنطقة وخارجها".
