من آسيا إلى وول ستريت.. الأسواق تنزف أمام رسوم ترامب
07:06 - 08 أبريل 2025
في وقت تتأرجح فيه الأسواق العالمية بين الذعر والتخبط، أشعل الرئيس الأميركي دونالد ترامب شرارة أزمة مالية وتجارية جديدة عبر فرض حزمة رسوم جمركية واسعة النطاق، أعادت إلى الأذهان أجواء الأزمات المالية الكبرى، وخلقت فوضى اقتصادية تزداد تعقيدًا يوماً بعد يوم.
ومع نزيف مؤشرات الأسهم، وانهيار الأسواق الآسيوية، وتعاظم احتجاجات الداخل الأميركي، يتعاظم السؤال: هل يقود ترامب الاقتصاد الأميركي إلى نقطة اللاعودة؟
بداية "دموية" في آسيا... وصدمة في وول ستريت
يصف جو يرق، رئيس قسم الأسواق العالمية في Markets Caedra، خلال حديثه الى برنامج بزنس مع لبنى على سكاي نيوز عربية ان ما حدث منذ بداية الأسبوع بـ"ا الدموي "، مؤكداً أن الأسواق الآسيوية شهدت تراجعات تاريخية لم تُسجل منذ عقود، موضحا: "الافتتاح كان دموياً. مؤشر نيكي 225 الياباني هبط بأكثر من 7 بالمئة، والأسهم الصينية سقطت بقوة، وأسهم التكنولوجيا انهارت أمام أعيننا".
يرى يرق أن سياسات ترامب تتحمل اللوم المباشر عن الانخفاض الحاد في السوق نتيجة تراجع الأسهم الصينية واندفاع الأسهم التكنولوجية. جاء هذا بسبب رد فعل مفاجئ من الصين تجاه الإجراءات الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة: "الرهان في الأسواق كان أن ترامب يفرض رسومًا دون رد... لكن الرد الصيني كان صاعقًا، مما تسبب في حالة من الذعر دفعت المستثمرين إلى الهروب الجماعي".
ويضيف: "شهدنا تراجعًا تجاوز 13 بالمئة في سوق تايوان وحدها. الضغوط الحالية تشبه تلك التي ضربت الأسواق خلال أزمة 1997. وكأننا أمام إعادة بث لحلقات مالية مؤلمة".
"نظام عالمي جديد"... وعودة مؤشر الخوف
كما حذر يرق من أن العالم يقف على أعتاب إعادة تشكيل النظام المالي الدولي، مدفوعاً بقرارات أحادية من واشنطن، وقال: "المستثمرون الآن في حالة رعب. مؤشر VIX، مؤشر الخوف، عاد إلى مستويات أزمة كورونا. شهية المخاطرة تراجعت، والكل يهرب نحو أدوات الدين الثابت".
ولفت إلى أن أسواق الأسهم الأميركية دخلت مرحلة تصحيح عنيف، مع فقدان مؤشرات مثل S&P 500 وناسداك أكثر من 20 بالمئة من قيمتها منذ فبراير الماضي.
وقال "ترامب فتح بابًا جديدًا في التاريخ الاقتصادي العالمي. رسوماته الجمركية تحولت من أداة ضغط إلى صاعق لأزمات متعددة الأوجه".
السندات الأميركية الملاذ الأخير
يرى يرق أن الوضع الحالي دفع كبار المستثمرين إلى الاحتماء بأدوات العائد الثابت، وعلى رأسهم المستثمر الشهير وارن بافيت الذي يحتفظ بأكثر من 330 مليار دولار نقدًا، موضحا "العائد على السندات الأميركية بين 3.5 و4 بالمئة، مما يجعلها أكثر أمانًا من الذهب، خاصة مع قوة الدولار وعدم اليقين السياسي".
وبينما تُظهر مؤشرات الأسواق تراجعاً في المعادن والذهب، يبدو أن الملاذ الوحيد في هذه المرحلة هو السيولة والسندات، ما يُعمق التخوف من ركود طويل الأمد.
ترامب يقود الاقتصاد إلى "عزلة منهجية"
من جانبه، يرى شريف عثمان، رئيس شركة Poise للاستثمارات، أن إدارة ترامب الحالية تنتهج سياسة اقتصادية "منفلتة"، قد تُجبر الاقتصاد الأميركي على دفع أثمان باهظة مستقبلاً، رغم ما قد يبدو من مكاسب آنية، مضيفا "قد تحقق الرسوم توازناً محدوداً في الميزان التجاري على المدى القصير، لكن الأثر التراكمي سيكون كارثيًا.
وأضاف أن ارتفاع في الأسعار، يعني عودة التضخم مجددا، وتعطل سلاسل الإمداد، وربما ركود شامل".
ويحذر عثمان من أن الولايات المتحدة تتجه نحو عزلة اقتصادية منهجية نتيجة هذه السياسات، في ظل سعي قوى اقتصادية كبرى مثل الصين والاتحاد الأوروبي إلى بناء تكتلات بديلة: "الصين أطلقت اليوان الرقمي، ووسّعت تحالفاتها المالية... ما يعني خروج أكثر من ثلث التجارة الدولية من تحت سيطرة الدولار الأميركي. هذا تغير جذري في النظام الاقتصادي العالمي".
الاحتجاجات تشتعل... وأميركا على فوهة الغضب
لم يتوقف تأثير سياسات ترامب عند أسواق المال، بل انتقل سريعاً إلى الشارع الأميركي، حيث شهدت البلاد احتجاجات واسعة خلال عطلة نهاية الأسبوع، حملت طابعًا اقتصاديًا وسياسيًا في آنٍ معًا.
وبهذا الصدد، قال عثمان "الاحتجاجات التي اندلعت ليست فقط نتيجة انهيار الأسواق، بل أيضاً بسبب الشعور العام بأن هناك اعتداء على الحريات، وقرارات اقتصادية تصدر من أشخاص غير منتخبين كإيلون ماسك، دون محاسبة".
وأضاف أن هذا المناخ الغاضب قد يُنتج ضغطًا شعبياً منظماً، له تأثير سياسي مباشر، كما حدث في "احتلال وول ستريت" عام 2011، أو الاحتجاجات ضد حرب فيتنام: "إذا استمرت المظاهرات، وانضمت إليها اتحادات عمالية أو مؤسسات تعليمية أو حتى قطاع الأعمال، فإن ذلك قد يُعيد توجيه السياسات الأميركية برمّتها".
الفيدرالي بين المطرقة وسندان ترامب
في خضم هذه العاصفة، يجد رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي جيروم باول نفسه في موقف لا يُحسد عليه، حيث يواجه ضغوطًا مباشرة من البيت الأبيض لخفض الفائدة، في وقت لا يزال التضخم فيه عنيدًا.
وقال عثمان إن "ترامب يضغط لتخفيض الفائدة لدعم الأسواق، لكن باول يعلم أن التضحية بمحاربة التضخم الآن ستكون خطأً كارثيًا".
في حين تشير الأسواق إلى أن الفيدرالي قد يُجبر على تنفيذ ما يصل إلى خمس تخفيضات متوقعة في سعر الفائدة، رغم أن التوجه السابق كان لتخفيضين فقط.
المستهلك الأميركي... الضحية الكبرى
وسط كل هذه المتغيرات، يبقى المستهلك الأميركي هو الطرف الأضعف في هذه المعادلة. فارتفاع الأسعار، ونقص السلع في المتاجر، وزيادة معدلات البطالة المتوقعة، تُنذر بأزمة معيشية قد تكون الأشد منذ الأزمة المالية العالمية.
قال عثمان: "الأسواق الكبرى مثل Walmart بدأت تشهد نقصًا في سلع أساسية كالموز والطماطم... وهذا مؤشر خطير يُنذر بموجة تضخم استهلاكي قد تُصيب كل بيت أميركي".
وتابع قائلا: "ما يحدث الآن ليس مجرد أزمة عابرة... بل قد يكون بداية لتحول بنيوي في طبيعة الاقتصاد الأميركي، وعلاقاته مع العالم".
بين التصعيد الجمركي، وهلع الأسواق، وغضب الشارع، يبدو أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد أطلق شرارة أزمة قد يصعب احتواؤها سريعًا.
فهل تنجح واشنطن في تفادي الانهيار، أم أننا بصدد إعادة رسم الخريطة الاقتصادية للعالم، من قلب وول ستريت؟