شبح أزمات جديدة يخيم على القطاع المصرفي الأميركي
14:28 - 04 مارس 2024مر عام على أزمة المصارف الإقليمية في الولايات المتحدة الأميركية في مارس 2023، في وقت يطارد فيه القطاع المصرفي عدداً من المشكلات والمخاوف التي تجعله مهدداً بشبح أزمات مُتجددة تطفو على السطح.
في هذا الإطار، ذكرت صحيفة اكسبريس تريبيون، أن تداعيات جائحة كورونا لا تزال تطارد قطاع العقارات الأميركي وبالتبعية المصارف الأكثر تعرضاً للقطاع، إذ لا تزال مباني المكاتب الكبيرة، التي تم إخلاؤها مباشرة بعد تفشي الفيروس القاتل، فارغة مع اعتماد نموذج العمل عن بُعد، ما تسبب في خسائر فادحة لأصحاب المباني الشاهقة وجعل من الصعوبة بمكان عليهم سداد التمويل المصرفي.
وأضافت الصحيفة أن اندلاع الحرب في أوكرانيا في فبراير 2022 أدى أيضًا لأزمة أخرى بارتفاع التضخم في جميع أنحاء العالم، ما أجبر عديداً من البنوك المركزية، بما في ذلك بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، على رفع أسعار الفائدة إلى مستويات قياسية، وأدى هذا إلى تعميق الأزمة العقارية والمصرفية في أكبر اقتصاد في العالم، والذي ظل لفترة طويلة بطلاً للرأسمالية.
وقالت الصحيفة إن:
- الاضطراب المالي الناجم عن القطاع العقاري يؤثر على عدد من البنوك الإقليمية والصغيرة في أميركا، كما يهز بشدة المؤسسات المالية الكبيرة.. ولكن يعتقد بأنها نجت من الأزمة.
- لكن الاضطرابات الأخيرة التي شهدها مصرف نيويورك كوميونيتي وبنك أوزورا الياباني، أثارت مخاوف كبيرة من أن بعض البنوك ربما بدأت تشعر بتداعيات تراجع قطاع العقارات التجارية.
- أعلن مصرف نيويورك كوميونيتي، بشكل غير متوقع في نهاية يناير الماضي عن خسارة للربع الرابع من عام 2023 وخفض الأرباح بأكثر من الثلثين.
- انخفض سعر السهم بنسبة 38 بالمئة تقريبًا في ذلك اليوم، وهو أكبر انخفاض منذ 30 عاماً منذ إدراجها، وصل السهم إلى أدنى مستوى له منذ 23 عامًا.
القروض العقارية
وذكرت مجلة الأعمال العالمية فورتشن ومقرها الولايات المتحدة، أن بعض القروض العقارية التجارية تم الحصول عليها من البنوك الكبرى مثل جيه بي مورغان، وبنك أوف أميركا، وويلز فارغو وسيتي، بينما تثار مخاوف من أن تضرب الأزمة المجال المصرفي الإقليمي بشدة.
وكان رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، قد ألقى المزيد من الأخبار السيئة لصناعة العقارات التجارية في اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة (FOMC)، ففي حين أنه حذر من أن خفض سعر الفائدة في شهر مارس قد لا يحدث، إلا أن بنك الاحتياطي الفيدرالي أزال الجملة التالية من بيان السياسة: "النظام المصرفي الأمريكي سليم ومرن".
بينما يقول المتشككون إن بنك الاحتياطي الفيدرالي لم يعد يعتقد بأن "النظام المصرفي الأميركي سليم ومرن"، ما أثار التساؤلات هل هذه علامة على الاضطرابات الاقتصادية الأخيرة، أم أنها كانت مجرد كذبة من قبل، والآن بدأت قطع الدومينو المصرفية تتساقط مرة أخرى.
علامات استفهام حول التخفيض الأول لسعر الفائدة
نقلت الصحيفة عن المحلل المالي المستقل عدنان أغار، قوله:
- إن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي قد أخر على ما يبدو التخفيض الأول في سعر الفائدة القياسي حتى مايو 2024، مقارنة بالجدول الزمني المتوقع سابقًا في مارس 2024، مما أثر بشدة على الشركات والأسر لأنها تعتمد بشكل كبير بشأن التمويل البنكي.
- إن فرص العمل الجديدة في الولايات المتحدة ظلت أعلى من المتوقع، مع عدم وجود تأثير كبير من سيناريو المعدل المرتفع، وقد أجبر هذا الوضع البنك المركزي على الاستمرار في تأجيل خفض سعر الفائدة لفترة طويلة.
- إن أسعار الفائدة المرتفعة تلحق ضرراً بالغاً بالأسر، حيث يتخلفون عن سداد القروض بما في ذلك تمويل الرهن العقاري، فيعمل عدد كبير من الموظفين في الولايات المتحدة بأجور يومية أو أسبوعية، والبنوك هي الخاسر النهائي في هذا السيناريو.
أزمة القطاع العقاري تهدد البنوك
من جانبه، أوضح الرئيس التنفيذي بشركة VI Markets، أحمد معطي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن القطاع المصرفي في أزمة خلال الفترة الحالية بسبب ارتفاع أسعار الاقتراض في القطاع العقاري، في ظل ارتفاع الفائدة في الولايات المتحدة الأميركية ووصولها إلى 5.25 بالمئة، الأمر الذي يمثل تهديدًا للقطاع العقاري وبالتالي أزمة بالقطاع المصرفي.
وأشار إلى أن ما يحدث الآن أعاد للأذهان أزمة الرهن العقاري في العام 2008، والتي كانت بسبب نفس المشكلات، لجهة إعطاء تسهيلات للمضاربين بشكل مبالغ فيه دون ضمانات، واندلعت شرارتها بإفلاس بنك "ليمان براذرز" الأميركي، لافتًا إلى انهيار بنك "سيلكون فالي" في 2023 وحل أزمته من خلال الفيدرالي الأميركي الذي كان يولي اهتماماً بالبنوك الكبرى على حساب الصغرى لكنه تعلم الدرس من أزمة 2008.
وذكر الرئيس التنفيذي لشركة VI Markets، أن ما يحدث الآن يسبب تهديداً للبنوك، لكن من المستبعد أن يسبب حالات إفلاس للبنوك الكبرى، متوقعاً أن يكون سبباً في تعثرها وليس إفلاس البنوك الصغرى.
وقال إن الكروت الائتمانية ارتفعت لأعلى مستوياتها في أميركا، وأن التخلف عن سدادها من قبل الأسر بالأخص تسبب في أزمة كبيرة، منوهًا إلى أنها تعد شبحاً يطارد البنوك لكن لن ترقى إلى حدوث إفلاسات كبرى على غرار أزمة عام 2008.
فقاعة تتزامن مع الانتخابات الرئاسية
لكن على الجانب الآخر، أشار الخبير المصرفي، محمد عبد العال، في تصريح خاص لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أن القطاع المصرفي في الولايات المتحدة الأميركية اعتاد على تصعيد تلك الأزمات، في إشارة للتقليل من مدى خطورتها.
وعلل ظهور تلك الأزمة وتصدرها المشهد في هذا التوقيت باقتراب موعد عقد الانتخابات الرئاسية الأميركية، المقرر إجراؤها في نوفمبر القادم، واصفها بأنها تمثل ضغطاً سياسياً خلال تلك الفترة وتدخل فيها التوجهات السياسية، مستطردًا: "هذه الفقاعة تظهر في أميركا ولكنها تمر ولم يكن لها أي تأثير".
وقال إن أميركا تواجه مخاطر وصفها بـ "العادية" يتعرض لها أي قطاع مصرفي في العالم، ولا ترقى إلى مخاطر استراتيجية، وأن الخطر الوحيد الذي تواجهه أميركا في الوقت الحالي ويجعل اقتصادها غير مستقر هو اقتراب الانتخابات الرئاسية، مؤكداً أن البنوك الأميركية لم تشهد أي مخاطر في الوقت الحالي، ووضعها مستقر، مستدلاً على ذلك بما يلي:
- استقرار التوجهات بالنسبة لسعر الفائدة، مستبعدًا أن يعاود مجلس الاحتياطي الفيدرالي لرفعها من جديد.
- تحجيم التضخم بشكل معقول
- وجود معدلات تشغيل جيدة.
- الوضع الجيد للدولار مع سلة العملات الرئيسية.
وذكر أن ارتفاع الأسعار الناتج عن مستويات التضخم الكبيرة وارتفاع أسعار الفائدة، أصاب القطاع العقاري القائم على الدفع من خلال الكريديت كارد وليس الدفع النقدي، خاصة في مجال التجزئة والتمويل العقاري، موضحًا أنه حينما ترتفع الفائدة تزداد نسب التعثر.
وبالتالي استبعد حدوث انهيار للقطاع العقاري في أميركا، وتكرار أزمة عام 2008، التي بدأت في أميركا عقارية وانتهت مالية في العالم كله، مشيراً إلى أنه حينما تظهر بوادر لمثل تلك المشكلة تتحرك الإدارة الأميركية كاملة (..) فهي حريصة كل الحرص أن لا تتكرر أزمة مالية في أي قطاع سواء كان عقاري أو تكنولوجي.
مخاطر تواجه البنوك الأميركية
في هذا الصدد أشار الخبير المصرفي، رمزي الجرم، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أن أزمة المصارف الأميركية في مارس 2023 جاءت على أثر إفلاس بعض البنوك لتنتشر عدوى الأزمة المالية بين البنوك وبعضها، لافتًا إلى أنها مازالت ممتدة حتى الآن.
ونوه إلى أن هناك تداعيات سلبية على الاقتصاد الأميركي وقطاع المصارف بشكل خاص، ما يؤدي إلى انخفاض كفاءتها وتصنيفها، مُعددًا بعض المخاطر التي يواجهها القطاع المصرفي الأميركي:
- ارتفاع سعر الفائدة الذي يؤدي إلى زيادة كلفة الاقتراض.
- أزمة ارتفاع الدين التي بدأت تطفو على السطح من جديد (..) بما لها من انعكاسات واسعة (..).
- استمرار الفيدرالي الأميركي في طباعة الدولار، وهو ما يؤدي إلى ضعف العملة الأميركية.
وبحسب وزارة الخزانة الأميركية، فإن إجمالي الدين العام للحكومة الفيدرالية الأميركية ارتفع إلى 34.001 تريليون دولار.
وأكد الجرم أن استقرار المصارف الأميركية يرتبط بسعر الفائدة، موضحاً أن الفائدة المرتفعة تقلل من قيمة العملة، فحينما كانت الفائدة منخفضة في الولايات المتحدة الأميركية كان الاقتصاد يسير بشكل أفضل.
يأتي ذلك بالنظر إلى تعثر الكثيرين في سداد قروضهم العقارية، وكذلك مع تعذر الحصول على تمويلات جديدة في ظل ارتفاع معدلات الفائدة.