كيف تتعامل بكين مع ضغوط الرسوم الجمركية المتزايدة؟
16:00 - 11 أبريل 2025
بالرغم من أن الحرب التجارية بين واشنطن وبكين لم تعد خبراً جديداً، فإن قرار دونالد ترامب الأخير برفع الرسوم الجمركية على الواردات الصينية إلى مستوى غير مسبوق (145 بالمئة) يُنذر بجولة جديدة من التصعيد، قد تتجاوز الاقتصاد لتطال الحسابات الجيوسياسية الأوسع.
وفي حين تعتبر الصين أن ما يجري ليس أكثر من "تنمر اقتصادي" وتقوم من جانبها بإجراءات للرد، تُظهر واشنطن نية واضحة في إعادة رسم موازين التجارة العالمية بقواعد جديدة.. فما طبيعة هذه الإجراءات؟ وكيف سيكون الرد الصيني؟ وماذا يعني ذلك لأسواق المال والصناعة العالمية؟
تؤكد وزارة الخارجية الصينية، أن بكين ستتخذ إجراءات "حازمة وقوية"؛ لحماية مصالحها، بعد دخول الرسوم الجمركية الصافية الإجمالية على الواردات الصينية إلى الولايات المتحدة حيز التنفيذ.
أخبار ذات صلة
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية لين جيان في مؤتمر صحافي دوري: "إذا كانت الولايات المتحدة تريد حقا حل المشكلة من خلال الحوار والتفاوض، فيجب عليها أن تظهر موقفا من المساواة والاحترام والمنفعة المتبادلة".
وفي تأكيد لتعليقات وزارة التجارة يوم الثلاثاء، قال لين إنه "إذا أصرت الولايات المتحدة على خوض حرب جمركية وحرب تجارية، فإن الصين ستقاتل بالتأكيد حتى النهاية".
ونقل تقرير لشبكة "سي إن بي سي" الأميركية، عن مديرة قسم الصين في مجموعة أوراسيا، دان وانغ، قوله إن رسوم ترامب الجمركية ستقضي فعلياً على أرباح المصدرين الصينيين بمجرد تجاوز الرسوم الجمركية الأميركية على الواردات نسبة 35 بالمئة. وأضافت أن المصدرين الصينيين لن يبيعوا منتجاتهم للولايات المتحدة بعد ذلك.
أخبار ذات صلة
وفي كتاب رسمي منفصل أصدره مكتب الإعلام بمجلس الدولة الصيني يوم الخميس، قالت السلطات الصينية:
- "إذا أصرت الولايات المتحدة على تصعيد قيودها الاقتصادية والتجارية بشكل أكبر، فإن الصين ستواجه الولايات المتحدة وتجابهها بحزم حتى النهاية".
- "تستخدم الولايات المتحدة الرسوم الجمركية كسلاح لممارسة ضغوط شديدة وتحقيق مصالح أنانية.. هذا سلوك نموذجي للأحادية والحمائية والتنمر الاقتصادي".
- رفع الرسوم الجمركية لن يساعد في حل مشاكل الفائض التجاري الأميركي، بل سيؤدي بدلا من ذلك إلى تقلبات كبيرة في الأسواق المالية، مما يؤدي إلى تفاقم الضغوط التضخمية وتقويض الصناعات الأميركية.
ومع ذلك، قالت بكين إنها تأمل أن تلتقي الولايات المتحدة "في منتصف الطريق" وترفع على الفور الحواجز التجارية الأحادية الجانب، مع التأكيد على انفتاحها على تعزيز الحوار وإدارة الخلافات وتعزيز التعاون.
وزعمت الصين أنها التزمت بشروط "المرحلة الأولى" من الاتفاق التجاري الذي أبرمه ترامب مع بكين خلال ولايته الرئاسية الأولى، بينما زعمت أن الولايات المتحدة انتهكت بعض بنوده.
وكان الاتفاق يتطلب من الصين زيادة مشترياتها من السلع الأميركية بمقدار 200 مليار دولار على مدى عامين، لكن بكين فشلت في تحقيق أهدافها مع انتشار جائحة كوفيد-19، وفق الشبكة الأميركية.
إجراءات صينية
من جانبها، تقول الكاتبة الصحافية الصينية، سعاد ياي شين هوا، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- في ظل تصاعد الرسوم الجمركية، الصين قد تتخذ عدة خطوات إضافية للرد على هذه الضغوط، استناداً إلى الإجراءات التي اتخذتها بالفعل والآليات السياسية والاقتصادية المتاحة لديها.
- يشمل ذلك اتخاذ بكين المزيد من التدابير الدقيقة لزيادة الرسوم الجمركية على الواردات الأميركية إلى السوق الصينية.
- رغم أن الصين قد رفعت رسومها الجمركية على الواردات الأميركية لتجعل نسبتها وصلت إلى 84 بالمئة، لكن مازال هناك مجالا لزيادة الرسوم الجمركية على بعض السلع الأميركية التي تعتمد عليها الولايات المتحدة بشكل كبير، مثل المنتجات الزراعية والمواد الخام الطبية والمعدات شبه الموصلة.
- كما قد تتخذ الصين سياسات بشأن فرض قيود على تصدير مواد المعادن من الصين إلى السوق الأميركية، والبعض منها هو مواد أساسية للصناعات التكنولوجية والفضائية والطاقة المتجددة، والولايات المتحدة تعتمد بشكل كبير على الصين في تأمين إمداداتها من المعادن النادرة.
وتضيف: على صعيد آخر، أمام الصين خيارات كثيرة لتنويع شركائها التجاريين وتعزيز انفتاحها رفيع المستوى على العالم وتحفيز الاستهلاك الداخلي وزيادة استثماراتها في القطاعات التكنولوجية الحديثة، بما يدفع المؤسسات الصينية لرفع قدراتها التنافسية في الأسواق الدولية وتقليل اعتمادها على السوق الأميركية.
أخبار ذات صلة
وتشير إلى أن بكين -وكما أكدت وزارة التجارة الصينية يوم الخميس- لا تريد الحرب التجارية، لكنها لا تخاف منها، مشددة على أن قنوات التواصل مفتوحة أمام الجانب الأميركي، وقد دعت بكين الولايات المتحدة لحل الخلافات عبر الحوار والتنسيق "لكن الحوار من المهم أن يكون على أساس المساواة والعدالة والاحترام المتبادل.. وإذا استمرت الولايات المتحدة في سياساتها الخاطئة، فإن الصين ستقاتل مع الولايات المتحدة حتى النهاية"، وفق الكاتبة الصحافية الصينية.
أوراق ضغط صينية
خبير الاقتصاد الدولي، الدكتور علي الإدريسي، يقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إنه في مواجهة الرسوم الجمركية المتزايدة التي تفرضها الولايات المتحدة، تمتلك الصين عدة أدوات للرد والتأثير على العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين، يمكن تعزيزها في المرحلة المقبلة، من بينها:
- زيادة الرسوم الجمركية على الواردات الأميركية.. فقد رفعت الصين رسومها الجمركية الانتقامية على السلع الأميركية بالفعل إلى 125 بالمئة، كرد مباشر على الرسوم الأميركية الأخيرة المفروضة على المنتجات الصينية، ونوهت بإنها ستكون الأخيرة وستتجاهل أي رسوم جمركية إضافية من الولايات المتحدة على المنتجات الصينية.
- إدراج الشركات الأميركية في قوائم المراقبة، فقد أضافت الصين شركات أميركية، خاصة في مجالات الدفاع والتكنولوجيا، إلى "قائمة الكيانات غير الموثوقة" و"قائمة مراقبة الصادرات"، مما يحد من تعامل هذه الشركات داخل السوق الصينية.
- تفرض الصين قيوداً على تصدير مواد نادرة وهامة، مما يؤثر على الصناعات الأميركية التي تعتمد على هذه المواد.
- تبدأ بكين تحقيقات لمكافحة الإغراق ضد منتجات أميركية، وعلّقت استيراد بعض المنتجات الزراعية من شركات أميركية محددة، مما يؤثر على المصدرين الأميركيين.
- قدمت الصين شكاوى رسمية إلى منظمة التجارة العالمية، تطعن في قانونية الرسوم الجمركية الأميركية، وتسعى للحصول على دعم دولي لموقفها.
- تسعى الصين لتعزيز الطلب الداخلي وتقليل الاعتماد على الواردات الأمريكية، بالإضافة إلى توسيع علاقاتها التجارية مع دول أخرى لتقليل تأثير الإجراءات الأميركية.
ويضيف: "تستخدم الصين هذه الأدوات في إطار استراتيجية شاملة للرد على الضغوط التجارية الأميركية، مع التأكيد على استعدادها للتفاوض والحوار، شريطة الاحترام المتبادل واتخاذ خطوات بنّاءة من الطرفين".
دعم الأسواق الصينية
وبموازاة ذلك، تعمل الصين على ترتيب البيت من الداخل، وحماية أسواقها من تبعات الحرب التجارية. وبحسب تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، فإن الصين تحشد "فريقا وطنيا" للقتال على الخطوط الأمامية في الحرب التجارية؛ إذ تعمل الصناديق والشركات المملوكة للدولة على تعزيز أسواق الأسهم من خلال عمليات شراء أسهم منسقة ضخمة.
أصدرت شركة "سنترال هويجين"، وهي صندوق ثروة سيادي، بياناً نادراً أعلنت فيه نفسها عضوًا في "الفريق الوطني"، وهو مصطلح يُطلق على المؤسسات الصينية التي تتعاون لدعم سوق الأسهم.
تعهّدت الشركة بزيادة حصصها في الأسهم، وسرعان ما انضمت إليها شركة "تشاينا تشنغتونغ هولدينغز"، وهي جهة لإدارة الأصول الحكومية، معلنةً أنها ستستثمر 100 مليار يوان (13.6 مليار دولار) في أسواق الأسهم.
كما تعهّدت شركة "تشاينا ريفورم هولدينغز" بضخ 80 مليار يوان.
كذلك أعلن "المجلس الوطني لصندوق الضمان الاجتماعي"، الخاضع لوزارة المالية، أنه سيزيد أيضًا من حجم استثماراته.
وفي السياق نفسه، خففت "الإدارة الوطنية للرقابة المالية" القيود المفروضة على عمليات شراء الأسهم من قبل شركات التأمين، التي تُعدّ معظمها مملوكة للدولة.
كشفت أكثر من 100 شركة من أكبر الشركات المدرجة في البورصة في الصين، بما في ذلك شركة النفط المملوكة للدولة سينوبك، وشركة تشاينا موبايل، وموتاي عن تعهدات بإعادة شراء أسهمها.
ونقل التقرير عن منج لي، استراتيجي الأسهم الصينية لدى يو بي إس للأوراق المالية، قوله:
- الصين شنت حركة منسقة تضمنت قيام شركة سنترال هويجين بزيادة حيازاتها من صناديق الاستثمار المتداولة، وتشجيع الجهات التنظيمية لكل من الشركات المملوكة للدولة والشركات الخاصة على القيام بعمليات إعادة شراء.
- "الأمر لا يقتصر على حجم تدفقات الأموال"؛ فقد أصدر بنك هويجين المركزي وبنك الشعب الصيني إعلانات فور اتضاح صدمة الرسوم الجمركية الإضافية، مما عزز التوقعات بخفض سعر الفائدة في السوق.
ركز المحللون على احتمال المزيد من التحفيز المحلي في الأسابيع والأشهر المقبلة مع تصاعد الحرب التجارية وتعرض أهداف الناتج المحلي الإجمالي للضغوط، حيث اقترح لو من نومورا أنه يمكن إجراء تخفيضات "رفيعة المستوى" في أسعار الفائدة قبل وقت أقرب من المتوقع.
أخبار ذات صلة
العلاقات الدولية
الباحث في العلاقات الدولية، الدكتور محمد عطيف، يقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- الصين تنظر إلى هذه الرسوم كتهديد مباشر لمصالحها الاقتصادية ومكانتها كقوة صاعدة ومن ثم، فإن ردودها، بما في ذلك فرض رسوم مضادة أو استخدام أدوات استراتيجية مثل تقييد تصدير المعادن الأرضية النادرة، تعبر عن محاولة لتعزيز قوتها النسبية وردع الولايات المتحدة عن مزيد من التصعيد.
- يمكن أن نفهم هذا من زاوية العلاقات الدولية، على أن بكين تسعى إلى موازنة النفوذ الأمريكي من خلال تعميق تحالفاتها الاقتصادية مع أطراف أخرى، مثل الدول المشاركة في مبادرة الحزام والطريق، ودعم النظام التجاري متعدد الأطراف عبر منظمة التجارة العالمية، في محاولة لاحتواء الأحادية الأميركية المتزايدة.
- إضافة إلى ذلك، يظهر هذا التفاعل عناصر واضحة من لعبة المحصلة الصفرية، حيث تسعى كل من واشنطن وبكين إلى تقليل خسائرهما وتعظيم مكاسبهما على حساب الطرف الآخر، ما يُعزز منسوب التوترات الجيوسياسية.
الصين تختار مواجهة قرارات ترامب
ويستطرد: من الواضح أن الحرب التجارية لم تعد اقتصادية بحتة، بل أصبحت أداة ضمن سياسة الاحتواء الاستراتيجي التي تنتهجها الولايات المتحدة للحد من صعود الصين، خصوصا في مجالات التكنولوجيا المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي وشبكات الجيل الخامس. في المقابل، تستغل الصين نقاط ضعف الاقتصاد الأميركي، بما في ذلك القطاعات الزراعية، كوسيلة للضغط السياسي.
ويشدد على أنه في خضم هذا الصراع التجاري، فإن الرد الصيني لا يقتصر على الإجراءات الاقتصادية، بل يمتد إلى توظيف أدوات دبلوماسية تجمع بين التصعيد والتهدئة. فبينما تستخدم بكين الرسوم المضادة أو القيود التجارية في لحظات التصعيد، فإنها في الوقت ذاته تبين استعداداً لتقديم تنازلات محدودة ضمن مفاوضات ثنائية تهدف إلى إدارة الصراع، لا إنهائه. كما تعمل الصين على تعزيز علاقاتها مع حلفاء تقليديين للولايات المتحدة مثل ألمانيا واليابان، في محاولة لعزل واشنطن دبلوماسيا وتقويض جبهة الضغط الموحدة.
أخبار ذات صلة
ووفق عطيف، فإن استمرار هذا الصراع من شأنه أن يؤدي إلى تداعيات عميقة على النظام الدولي، حيث يهدد بتآكل المبادئ الليبرالية التي يقوم عليها النظام التجاري العالمي، ويدفع الدول إلى تبني سياسات حمائية أو التوجه نحو تشكيل تكتلات اقتصادية بديلة. كما أن الدول النامية قد تجد نفسها مضطرة إلى الاصطفاف خلف إحدى القوتين، ما يعقد من فرصها في الحفاظ على سيادتها الاقتصادية والسياسية.
وبشكل عام، يعكس الرد الصيني مزيجا من واقعية سياستها الخارجية، من خلال السعي إلى حماية المصالح الوطنية وتعزيز القوة النسبية؛ فضلا عن محاولتها لاستثمار الاعتماد المتبادل والمؤسسات الدولية، من خلال دبلوماسيتها الاقتصادية الهادئة. وبالتالى، إن الحرب التجارية القائمة بين وشنطن وبكين لا تختزل في أدوات الاقتصاد، بل تمثل حلقة من حلقات إعادة تشكيل النظام الدولي، حيث تسعى الصين إلى ترسيخ مكانتها كقوة عالمية ضمن معادلة أكثر توازنا واستقرارا من وجهة نظرها.
