هل تحل أدوات الذكاء الاصطناعي محل المبرمجين؟
09:50 - 02 أبريل 2025
مع تزايد سيطرة الذكاء الاصطناعي على مهام البرمجة، بدأ بعض خبراء الصناعة بإعطاء الأولوية لمهارات أخرى. وفي الآونة الأخيرة، يتساءل الكثيرون: ما فائدة تعلم البرمجة إذا كان الذكاء الاصطناعي قادراً على ذلك؟ أدوات مثل ChatGPT قادرة على توليد الشيفرة البرمجية، فلماذا نهتم بتعلم البرمجة أصلًا؟
فإذا كنتَ قد فكرتَ في هذا، فأنتَ لستَ وحدك.. وإليك الحقيقة: قد يكون الذكاء الاصطناعي قوياً، لكن البرمجة أصبحت الآن أكثر أهمية من أي وقت مضى!
تقرير لموقع medium يقول "أنت بحاجة إلى البرمجة لإتقان الذكاء الاصطناعي":
- تخيل أن ChatGPT يُنشئ لك جزءاً من الشيفرة البرمجية.. وعندما تُشغّله تجد أن شيئًا ما لا يعمل.. فماذا الآن؟
- إذا كنت لا تجيد البرمجة، فستواجه مشكلة.
- يمكن للذكاء الاصطناعي المساعدة في البرمجة، لكن استكشاف الأخطاء وإصلاحها وتحسين الشيفرة البرمجية يعود إليك! فهم آلية عمل الشيفرة البرمجية ضروري لتصحيح أخطاء الذكاء الاصطناعي وتحسين مخرجاته.
- كذلك، الذكاء الاصطناعي ليس مثالياً، فقد يُنتج أخطاءً أو أكواداً غير فعّالة. وحده من لديه معرفة برمجية قادر على تحديد هذه المشاكل وإصلاحها. حتى المنصات منخفضة البرمجة أو الخالية منها تتطلب من المطورين تخصيصها وتحسينها.
كذلك فإن الذكاء الاصطناعي يتعلم من الماضي.. لكن الابتكار يأتي من البشر، وهو ما يشير إليه التقرير أيضاً، والذي يوضح أن:
- البرمجة لا تقتصر على كتابة قواعد اللغة فحسب، بل تشمل أيضاً حل المشكلات والتفكير المنطقي.
- يستطيع الذكاء الاصطناعي توليد حلول بناءً على البيانات المتاحة، لكنه لا يستطيع الابتكار.
- لن يأتي الإنجاز التكنولوجي الكبير القادم من الذكاء الاصطناعي، بل سيأتي من إنسان يعرف كيفية الاستفادة منه.
- يعمل الذكاء الاصطناعي وفق أنماط، لكن حل المشكلات الإبداعي والتفكير الإبداعي مهارات بشرية.
- إذا كنت ترغب في بناء شيء مبتكر، فأنت بحاجة إلى مهارات البرمجة لتنفيذ أفكارك.
كما أن أدوات الذكاء الاصطناعي لا تزال بحاجة إلى مبرمجين، ذلك أن الذكاء الاصطناعي، والتعلم الآلي، وعلم البيانات، كلها مبنية على البرمجة. للعمل مع الذكاء الاصطناعي، ستحتاج إلى معرفة لغات البرمجة.. حتى الحوسبة السحابية، وإدارة قواعد البيانات، والأتمتة تتطلب البرمجة.
وبالتالي، فمن تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي إلى تحسين البرمجيات، تعد البرمجة جوهر الصناعات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي. كما يدمج تطوير الويب والتطبيقات أدوات الذكاء الاصطناعي، إلا أن البرمجة تبقى أساسيةً للاستفادة منها على أكمل وجه.
تقدم لافت
من جانبه، يشير أستاذ علم الحاسوب وخبير الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المعلومات في السيليكون فالي كاليفورنيا، الدكتور حسين العمري، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أنه:
- رغم التقدّم اللافت في تقنيات الذكاء الاصطناعي، إلا أنه لا يعمل بمعزل عن البرمجة، بل يقوم عليها في جوهره ويعتمد على المبرمجين في كل مرحلة من مراحل تطويره.
- صرّحت العديد من الشركات التقنية الكبرى بأن نسبة كبيرة من الشيفرات البرمجية تُنتَج حالياً باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، لكن ذلك لم يُلغِ دور المبرمج البشري، ولن يُلغيه في المستقبل القريب.
- الذكاء الاصطناعي أصبح أشبه بمساعد ذكي يُنجز المهام التكرارية والمملة، مما يمنح المبرمجين مساحة أكبر للتركيز على الإبداع، وصياغة الخوارزميات، وحل المشكلات المعقّدة.
ويضيف: "الذكاء الاصطناعي يحتاج إلى مبرمجين.. فالذكاء الاصطناعي ليس كياناً مستقلاً، بل هو نتاج لتقنيات معقدة وخوارزميات تحتاج إلى من يُصمّمها، يُطوّرها، ويُراقب أداءها.. كما أن تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي يتطلب إتقان لغات برمجة مثل Python، وامتلاك فهم عميق لهندسة البيانات، الخوارزميات، وتصميم الأنظمة الذكية. لذا، فالمبرمج اليوم ليس فقط كاتبًا للأكواد، بل مهندسًا للذكاء".
وشدد على أن أدوات مثل GitHub Copilot وChatGPT صحيح أنها سهّلت عملية البرمجة، ووفّرت للمطورين مساعدين ذكيين، إلا أن هذه الأدوات لا تستبدل الإنسان، بل تعزّز إنتاجيته، فهي لا تفهم السياق الكامل للمشاريع، ولا تستطيع اتخاذ قرارات منطقية أو أخلاقية، وهي بحاجة لمن يُوجّهها ويفحص نواتجها.
كما أن كثيراً من أدوات الذكاء الاصطناعي المتاحة للمستخدمين والمطورين تتطلب إلماماً بالبرمجة لتخصيصها أو دمجها مع أنظمة أخرى، مما يجعل البرمجة بوابة لفهم وتوظيف هذه الأدوات بفعالية.
المهارات الهجينة تقود سوق العمل
وإلى ذلك، يوضح العمري أن سوق العمل اليوم يبحث عن المبرمج الذي يجمع بين البرمجة وفهم الذكاء الاصطناعي – مبرمج قادر على تطوير تطبيقات تعتمد على الرؤية الحاسوبية، معالجة اللغات الطبيعية، تحليل البيانات الضخمة، أو حتى أتمتة الأنظمة الصناعية باستخدام الروبوتات والذكاء الاصطناعي.
وبناء على ذلك، يشير إلى أن:
- تعلم البرمجة لا يفقد أهميته، بل يزداد قيمة في ظل الذكاء الاصطناعي.
- الأدوات الذكية تغيّر شكل وطريقة البرمجة، لكنها لا تُلغي الحاجة إلى المبرمجين.
- من يتقن البرمجة ويفهم الذكاء الاصطناعي سيكون في صدارة سوق العمل المستقبلي.
- إذا كنت تفكر في بدء رحلتك، فابدأ الآن بلغة مثل بايثون، وادمجها مع تعلم مفاهيم الذكاء الاصطناعي مثل التعلم الآلي أو تحليل البيانات وستكون أمامك فرصٌ ممتازة.
- الذكاء الاصطناعي هو المستقبل، لكن المبرمجين هم من يصنعونه.
نصيحة تعلم البرمجة
في هذا السياق، ينقل تقرير لـ "بيزنس إنسايدر" اطلع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" عليه، عن المديرة التنفيذية في شركة سيسكو، ليز سينتوني، قولها "إن نصيحة "تعلم البرمجة" لا تزال صالحة في عالم التكنولوجيا اليوم".
قالت سينتوني، التي عملت كمهندسة برمجيات في بداية مسيرتها المهنية، وشهدت تحولات عديدة خلال عملها في سيسكو لمدة 25 عاماً تقريباً، إن مهاراتها في البرمجة ساعدتها على تحليل المشكلات اليومية المملة. وأضافت أن إحدى نقاط قوتها هي قدرتها على تحليل المشكلة، وتفكيكها، وجمع البيانات، ووضع فرضيات، واختبارها.
وتشدد على ضرورة تطوير مفاهيم أساسية، مثل البرمجة، لمواجهة تحديات اليوم، لأن العالم اليوم لا يقتصر على حل مشاكل علوم الحاسوب الخطية.
وتضيف: "نحن نعمل على إيجاد الحلول، حيث يمكن أن تكون البيانات منظمة وغير منظمة أيضاً، حيث نحتاج إلى أداة، حيث نحتاج إلى وكيل لمواصلة التعلم والتفكير بنفسه أيضاً".
- آلاف الموظفين يعملون على هذه الأنواع من "المشاكل المُملة"، وهذا يشمل العديد من مهام سير العمل المتكررة.
- لمعالجة هذه الأنواع من المشاكل، يحتاج الموظفون إلى معرفة كيفية دراسة التكنولوجيا المتاحة، سواءً كانت تعلماً آلياً أو ذكاءً اصطناعياً توليدياً، ومعرفة متى وأين يُطبقونها.
- المعرفة العملية" في هذه السيناريوهات "قيّمة للغاية".
- البرمجة ليست المهارة القيّمة الوحيدة، بل إن القدرة على التفكير الإبداعي ضرورية أيضاً. وذلك يتطلب تعلم أكثر من مجرد الخلفية التعليمية.
في السياق ذاته، يرى الكاتب والمفكر جون نوتون، في مقال نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية، أن البرمجة تُعد مهنةً نخبوية بكل المقاييس، وهي من بين المجالات الأكثر تأثرًا بتطورات الذكاء الاصطناعي، إلى جانب العديد من المهن المماثلة. لكن هل يعني ذلك الاستغناء عن المبرمجين؟ الإجابة، وفقًا للتجارب المستمدة من مساعدين رقميين في مجال البرمجيات، هي بالنفي.
في تقدير نوتون، فإن الأمر لا يتعلق باختفاء البرمجة، وإنما بنهاية شكلها التقليدي كما نعرفه. ويستشهد برؤية تيم أوريلي، أحد أبرز المراقبين لصناعة التكنولوجيا، الذي يؤكد أن الذكاء الاصطناعي لن يحل محل المبرمجين، لكنه سيعيد تشكيل أدوارهم. وهو تحول قد يطال العديد من المهن النخبوية الأخرى، بغض النظر عن اللغة التي يتحدثها أصحابها.
زخم كبير
من جانبه، يقول المستشار الأكاديمي في جامعة "سان خوسيه" الحكومية في كاليفورنيا، أحمد بانافع، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن تعلم البرمجة لا يزال يحظى بزخم كبير رغم الطفرة الهائلة في الذكاء الاصطناعي، بل يمكن القول إن البرمجة أصبحت أكثر أهمية في العصر الرقمي الحالي.
ومع ذلك، فإن طبيعة المهارات المطلوبة بدأت تتغير، حيث أصبح التركيز لا ينحصر فقط على كتابة الأكواد البرمجية بشكل يدوي، وإنما توسّع ليشمل فهم كيفية التعامل مع أدوات الذكاء الاصطناعي، وتوجيهها، والاستفادة منها في تطوير البرمجيات بشكل أكثر كفاءة.
وحول "لماذا لا يزال تعلم البرمجة مهماً في عصر الذكاء الاصطناعي؟" يُعدد بانافع بعضاً من العوامل الرئيسية في هذا السياق، على النحو التالي:
أولاً- التحكم في أدوات الذكاء الاصطناعي بدلاً من الاعتماد الكلي عليها
- على الرغم من التطور السريع في تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل GitHub Copilot و ChatGPT Code Interpreter، فإن هذه الأدوات لا تزال غير قادرة على استبدال المبرمج البشري بالكامل. فهي قد تساعد في كتابة الأكواد وتصحيحها، لكنها لا تفهم الاحتياجات البرمجية المعقدة بنفس العمق الذي يمتلكه المبرمج.
- لذلك، يبقى العنصر البشري ضرورياً لتحديد المشكلات البرمجية، وصياغة الحلول، وتحليل الأداء، والتأكد من أن الكود يعمل بكفاءة ووفق المتطلبات المحددة.
ثانياً- الطلب المتزايد على تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي نفسها
- لا يمكن تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي بدون برمجة؛ فهي تعتمد على خوارزميات متقدمة تتطلب خبرة في لغات البرمجة مثل بايثون (Python) وجافا (Java) وسي++ ، بالإضافة إلى الإلمام بمفاهيم التعلم العميق (Deep Learning) والتعلم الآلي.
- بالتالي، فإن البرمجة لا تزال من أهم المهارات المطلوبة في مجالات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات.
ثالثاً- التعامل مع الأنظمة المعقدة التي تتجاوز قدرة الذكاء الاصطناعي
- لا يزال هناك العديد من المجالات البرمجية التي تتطلب معرفة عميقة لا يستطيع الذكاء الاصطناعي التوليدي التعامل معها بكفاءة، مثل أنظمة التشغيل، شبكات الحاسوب، الأمن السيبراني، وقواعد البيانات الضخمة.
- هذه الأنظمة تحتاج إلى مهندسين قادرين على فهم تعقيداتها، وإجراء تحسينات مستمرة عليها، ومعالجة المشكلات التقنية التي قد لا يكون للذكاء الاصطناعي حلول دقيقة لها.
رابعاً- التكامل بين البرمجة والذكاء الاصطناعي لتعزيز الإنتاجية
- بدلاً من أن يكون الذكاء الاصطناعي بديلًا عن المبرمجين، أصبح أداة قوية تعزز من إنتاجيتهم. فمن خلال الاستفادة من قدراته في تحليل الأخطاء، واقتراح التحسينات، وتسريع عملية التطوير، يستطيع المبرمجون تحقيق نتائج أسرع وأكثر كفاءة، مما يجعل تعلم البرمجة ضرورة لمواكبة التطورات الحديثة في المجال.
ومن ثم فإن تعلم البرمجة لم يفقد أهميته، بل تطور ليصبح أكثر شمولاً وتركيزاً على التفاعل مع الذكاء الاصطناعي، وفهم الخوارزميات، وتحليل البيانات، وتصميم الأنظمة.
ولذلك -وفق بانافع- فإن الأشخاص الذين يسعون إلى تعلم البرمجة اليوم يجب أن يركزوا على كيفية توظيف الذكاء الاصطناعي لصالحهم بدلاً من القلق بشأن استبدالهم به، لأن المستقبل لن يكون خالياً من البرمجة، بل سيكون مليئاً بالفرص الجديدة لأولئك الذين يتقنون استخدامها بذكاء.