حكم قاسي ضد لوبان.. إقصاء سياسي أم عدالة قانونية؟
04:52 - 02 أبريل 2025
في تحول دراماتيكي على الساحة السياسية الفرنسية، حكم القضاء الفرنسي بالإدانة على مارين لوبان، زعيمة حزب التجمع الوطني اليميني المتشدد، بتهمة اختلاس أموال عامة تقدر قيمتها بأربعة ملايين دولار، ما أدى إلى إحداث هزة عنيفة في الأوساط السياسية والاقتصادية في البلاد.
كما شمل الحكم السجن الفعلي لمدة عامين، بالإضافة إلى منعها من الترشح للانتخابات الرئاسية لمدة خمس سنوات، ما يفتح بابًا واسعًا للشكوك حول مستقبلها السياسي، ويحمل في طياته تداعيات ثقيلة على حزبها وأنصارها.
إدانة تقلب الموازين السياسية: بين العدالة السياسية وتصفية الحسابات
لطالما كانت مارين لوبان أحد أبرز المنافسين للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في السباقات الانتخابية السابقة، حيث وصلت إلى الجولة الثانية في الانتخابات الرئاسية مرتين.
اليوم، ومع إدانتها بهذه التهم الخطيرة، يطرح السؤال حول ما إذا كانت هذه الإدانة مجرد تطور قانوني عادي، أم أنها جزء من حملة سياسية تهدف إلى إقصائها من المشهد السياسي الفرنسي بشكل نهائي.
الأوساط السياسية الفرنسية منقسمة بشدة حول هذا الحكم. فالمؤيدون يعتبرون أنه يأتي في إطار تطبيق العدالة ويعكس أن السلطة القضائية قادرة على محاسبة المسؤولين عن استخدام الأموال العامة بشكل غير قانوني. بينما يرى معارضو الحكم أن هذه القضية ليست سوى جزء من "إعدام سياسي" مدبر بهدف تدمير مستقبل حزب اليمين المتطرف في فرنسا، وإبعاد لوبان عن الساحة الانتخابية.
ناصر زهير: "إدانة لوبان قد تساهم في تعزيز شعبية اليمين المتطرف"
في مقابلة مع برنامج "بزنس مع لبنى" على سكاي نيوز عربية، قدم ناصر زهير، رئيس قسم الشؤون الاقتصادية والدبلوماسية بالمنظمة الأوروبية للسياسات، تحليلاً عميقًا لما يحدث، محذرًا من أن هذه القضية قد تساهم في تعزيز شعبية اليمين المتطرف في فرنسا.
وقال زهير: "إذا تم تصوير هذه القضية على أنها استهداف سياسي ممنهج، فإن ذلك قد يضاعف شعبية لوبان وحزبها بين فئات واسعة من الشعب الفرنسي. لا سيما في سياق الشعور العام بالإحباط من الطبقة السياسية التقليدية في فرنسا."
وأشار زهير إلى أن اليمين المتطرف قد ينجح في تسويق نفسه على أنه "الضحية" التي تستهدفها المؤسسة السياسية في فرنسا، ما قد يخلق تأثيرًا عكسيًا يُفضي إلى تعزيز شعبيته.
وأوضح قائلًا: "هذه القضية تحمل أبعادًا سياسية معقدة، ومن غير المستبعد أن يستخدمها اليمين المتطرف في إطار معركته لتوسيع قاعدته الشعبية."
أزمة جديدة في فرنسا: الانقسامات السياسية والاقتصادية تتعمق
من الناحية السياسية، أوضح زهير أن قضية مارين لوبان ستعمق الانقسامات داخل المجتمع الفرنسي، موضحا: "هذه الإدانة لن تقتصر على تأثيرها على لوبان وحزبها فقط، بل ستؤثر على العملية الانتخابية بشكل عام. فرغم أن ماكرون قد يحقق انتصارًا في إقصاء أحد أبرز منافسيه، إلا أن المجتمع الفرنسي سيشهد مزيدًا من الاستقطاب السياسي بين القوى التقليدية من جهة، والتيارات الشعبوية من جهة أخرى."
كما نوه زهير إلى أن هذا الحكم يأتي في وقت حساس، إذ أن فرنسا تمر بتحديات اقتصادية جسيمة، فضلاً عن تحولات جيوسياسية قد تؤثر على مكانتها في الاتحاد الأوروبي.
وأشار إلى أن الوضع الاقتصادي الفرنسي يزداد تعقيدًا في ظل التضخم المرتفع، والنمو البطيء، مما يزيد من صعوبة تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي وعد بها ماكرون.
"الاحتجاجات المتزايدة قد تُعطل قدرة الحكومة على تقديم حلول للأزمات الاقتصادية، وبالتالي قد يؤدي ذلك إلى تأثيرات سلبية على صورة فرنسا على الصعيد الدولي"، بحسب تعبير ناصر زهير.
الانتخابات المقبلة: هل ستظل لوبان قوة مؤثرة في السياسة الفرنسية؟
أما عن تأثير الإدانة على المستقبل السياسي للوبان، فقال زهير: "إقصاء لوبان من السباق الرئاسي قد يفتح المجال أمام شخصيات جديدة في التيار اليميني المتطرف. ومع وجود فراغ سياسي في حزبها، قد يظهر قيادي جديد يمتلك القدرة على مواصلة مسيرة الحزب في المستقبل."
وفي هذا السياق، رجح زهير أن الحزب قد يجد نفسه مضطرا لإجراء تغييرات جذرية على هيكله القيادي، لا سيما مع ظهور وجوه شابة قادرة على التفاعل مع مطالب الشارع الفرنسي.
من جهة أخرى، لا يُستبعد أن تحاول لوبان بعد قضاء العقوبة القانونية العودة إلى الساحة السياسية بقوة أكبر، مستفيدة من شعبيتها المتزايدة بين فئات واسعة من الشعب الفرنسي الذين يشعرون بالغضب إزاء النخبة السياسية الحاكمة.
تأثيرات على فرنسا داخل الاتحاد الأوروبي: متغيرات استراتيجية وتحديات دبلوماسية
على الصعيد الأوروبي، يرى زهير أن هذه الأزمة قد تؤثر أيضًا على دور فرنسا داخل الاتحاد الأوروبي. ويقول: "فرنسا تمثل ركيزة أساسية في الاتحاد الأوروبي، خاصة أنها تمتلك القوة النووية الوحيدة في الاتحاد، ولا يمكن الاستهانة بموقعها الاستراتيجي."
وأضاف: "لكن في ظل الوضع السياسي المتأزم داخليًا، قد يتأثر وزن فرنسا داخل الاتحاد الأوروبي، حيث قد تجد نفسها في مواجهة ضغوط أكبر من الدول الأخرى التي يقودها اليمين المتطرف، مثل إيطاليا والسويد."
وذكر زهير أيضًا أن القضايا الداخلية قد تؤثر على قدرة فرنسا على تحقيق تحالفات استراتيجية في المستقبل. وأشار إلى أن التحولات في التوجهات السياسية داخل فرنسا قد تقود إلى تحولات في السياسات الأوروبية الكبرى، ما قد يعقد مستقبل الاتحاد الأوروبي في السنوات القادمة.
فرنسا أمام اختبار سياسي واقتصادي صعب
مع إدانة مارين لوبان، يدخل النظام السياسي الفرنسي مرحلة جديدة مليئة بالتحديات. فبينما يواجه الرئيس ماكرون تهديدات من التيارات اليمينية التي تزداد قوة، يبدو أن البلاد على وشك مرحلة من الفوضى السياسية التي قد تعوق قدرة الحكومة على تنفيذ الإصلاحات الضرورية.
وفي ظل الأزمات الاقتصادية المتفاقمة، ستواجه فرنسا تحديات متعددة في السعي للحفاظ على استقرارها الداخلي وأمنها الاقتصادي على الساحة الدولية.
الأنظار ستكون مشدودة إلى تطورات هذه القضية في الأسابيع والأشهر القادمة، حيث سيتعين على فرنسا اتخاذ قرارات استراتيجية حاسمة حول كيفية إدارة هذه العاصفة السياسية التي قد تشكل ملامح المستقبل القريب للبلاد.