كيف تؤثر "العقوبات الثانوية" الأميركية على الاقتصاد الروسي؟
18:10 - 14 يونيو 2024تبنت وزارة الخزانة الأميركية توسعاً كبيراً في برنامج العقوبات الثانوية على روسيا، وقالت إنها سوف تتعامل الآن مع أية مؤسسة مالية أجنبية تتعامل مع كيان روسي خاضع للعقوبات وكأنها تعمل بشكل مباشر مع القاعدة الصناعية العسكرية التابعة للكرملين.
من شأن مجموعة جديدة من الإجراءات توسيع نطاق الأمر التنفيذي الذي أصدره البيت الأبيض والذي منح وزارة الخزانة في ديسمبر الماضي سلطة تطبيق عقوبات ثانوية على المؤسسات المالية الأجنبية إذا تبين أنها تعمل لصالح أو بالنيابة عن أي من الكيانات البالغ عددها 1200 التي تعتبرها وزارة الخزانة جزءا من قطاع الدفاع الروسي.
وبعد التغيير الذي تم الإعلان عنه الأربعاء الماضي، سيرتفع هذا العدد إلى أكثر من 4500 وسيشمل تقريباً جميع الكيانات الروسية التي تم فرض عقوبات عليها بالفعل، حتى لو كان ذلك لأسباب أخرى غير الدعم المباشر للحرب في أوكرانيا. وتشمل هذه البنوك مثل سبيربنك وVTB، أكبر المقرضين في البلاد.
ووفق تقرير لصحيفة "فاينانشال تايمز"، يعكس توسيع العقوبات الثانوية وجهة نظر الولايات المتحدة بأن الكرملين حول روسيا إلى اقتصاد حرب بعد عامين من الحرب في أوكرانيا.
وقالت وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين: "إننا نعمل على زيادة المخاطر التي تواجهها المؤسسات المالية التي تتعامل مع اقتصاد الحرب الروسي ونقضي على مسارات التهرب، ونقلل من قدرة روسيا على الاستفادة من الوصول إلى التكنولوجيا والمعدات والبرمجيات وخدمات تكنولوجيا المعلومات الأجنبية.. وفي كل يوم، تواصل روسيا رهن مستقبلها لمواصلة حربها الظالمة التي اختارتها ضد أوكرانيا".
- يعتقد المسؤولون الأميركيون أنه نتيجة للأمر التنفيذي الذي صدر في ديسمبرالماضي، أصبحت البنوك في بلدان ثالثة مترددة في التعامل مع العملاء الروس ذوي المخاطر العالية.
- انخفض تدفق الواردات المرتبطة بالحرب إلى روسيا في بداية عام 2024، حيث أصبح تمويل التجارة عبر الحدود في تلك السلع أكثر خطورة، حتى بالنسبة للبنوك التي ليس لها روابط بالولايات المتحدة.
ونقلت الصحيفة عن خبيرة التجارة والعقوبات في مركز أبحاث الأمن الأميركي الجديد، إميلي كيلكريس، قولها: "تهدف العقوبات الثانوية إلى توسيع قدرة الولايات المتحدة على متابعة التحايل من قبل الجهات الفاعلة التي ليس لها أية علاقة قانونية مع الولايات المتحدة"، موضحة أن هذا يعني أن الولايات المتحدة يمكنها فرض عقوباتها على الأشخاص الذين لا يخضعون للقانون الأميركي.
ما التأثير المحتمل؟
من جانبه، يقول الاستاذ بكلية موسكو العليا للاقتصاد، رامي القليوبي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- منذ الأيام الأولى للحرب في أوكرانيا كانت الولايات المتحدة وبريطانيا في طليعة الدول المواجهة لروسيا، من خلال فرض أكبر العقوبات عليها.
- فعلياً العقوبات الأميركية لا تؤثر كثيراً على روسيا!
- الضربات الحقيقية للاقتصاد الروسي تمثلت في العقوبات الأوروبية؛ نظراً للقرب الجغرافي والتقارب الاقتصادي والتجاري على عكس الولايات المتحدة التي تقع بعيداً عن القارة العجوز وبالتالي لم تكن لها تجارة مع روسيا.
لكنه يشير إلى أن العنصر الرئيسي شديد الخطورة في عقوبات أميركا ضد روسيا تمثل في التلويح الدائم بالعقوبات الثانوية ببند التعامل مع روسيا وذلك على عكس أوروبا التي تكتفي بالعقوبات المباشرة، ولذلك هناك دول كثيرة تعزف مصارفها عن إجراء معاملات مالية مع روسيا خشية من العقوبات الأميركية.
ويوضح الاستاذ بكلية موسكو العليا للاقتصاد أنه بصرف النظر عن العقوبات الجديدة، فقد أثبتت التجربة في العامين الماضيين أن العقوبة الاقتصادية على قوى كبرى مثل روسيا لا يمكن أن تؤدي إلى شطبها من الخريطة الاقتصادية، وبالتالي سيناريو نجاح العقوبات على دول صغيرة لن ينجح أو يتكرر مع دولة كبرى مثل روسيا دائماً ما ستجد سبلاً ومنافذاً للخروج من هذه العقوبات.
العلاقات مع الصين
وعين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التكنوقراطي أندريه بيلوسوف وزيرا للدفاع الشهر الماضي في تغيير مفاجئ لرؤسائه الأمنيين. وقال الكرملين إن التعديل الوزاري يهدف إلى جعل إنفاق روسيا الدفاعي القياسي البالغ 10.8 تريليون روبية (120 مليار دولار) أكثر كفاءة وأقل عرضة للعقوبات الغربية.
ومن خلال توسيع نطاق العقوبات الثانوية، تعمل الولايات المتحدة على زيادة المخاطر التي تواجهها المؤسسات المالية في البلدان الأخرى التي تتعامل مع روسيا ــ وخاصة الصين، التي اقتربت من موسكو منذ الحرب في أوكرانيا.
وطلب بوتين من نظيره الصيني شي جين بينغ تعزيز العلاقات بين القطاعات المالية في البلدين خلال زيارته الرسمية لبكين الشهر الماضي، وفقًا لأشخاص مطلعين على الأمر.
ونقلت "فاينانشال تايمز" عن مصادر، قولهم إنه على الرغم من أن الصين وروسيا تناقشان حماية عدد صغير من البنوك الصينية التي ستتعامل مع نظرائها الروس، إلا أن نطاق العلاقات المقترحة لا يزال أقل من طلبات موسكو، وهي إشارة إلى أن المخاوف من عقوبات أمريكية ثانوية محتملة لا تزال مرتفعة في بكين.
وفي الشهر الماضي، قال نائب وزير الخارجية الأميركي كيرت كامبل للصحافيين: "أعتقد بأن ما نركز عليه في المقام الأول هو الشركات الصينية التي شاركت بطريقة منهجية في دعم روسيا.. لقد نظرنا أيضًا عن كثب إلى المؤسسات المالية".
وإلى جانب توسيع العقوبات الثانوية، أعلنت وزارة الخزانة عن عقوبات جديدة. وتشمل الشركات المدرجة حديثاً بورصة موسكو، التي تقول إنها تدير أكبر أسهم روسيا، والدخل الثابت، والمشتقات، والعملات الأجنبية، ومنتجات سوق المال.
ووفقًا لوزارة الخزانة، فإن هذا يأتي في أعقاب الإجراءات التي أعلنها بوتين والتي تهدف إلى جذب رؤوس الأموال إلى روسيا من "الدول الصديقة" من خلال البورصة.
استمرارية الحرب
الكاتب والباحث الروسي، ديمترى بريجع، يشير في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن توسيع العقوبات على روسيا يعني أن الحرب مستمرة لوقت أطول فيما يخص الصراع الروسي الأوكراني.
ويضيف: "ثمة ترقب واسع للمرحلة المقبلة في الولايات المتحدة الأميركية، وكيف ستأتي نتائج الانتخابات الرئاسية في نوفمبر، وكيف تؤثر على السياسة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة الأميركية"، موضحاً أن العقوبات الأخيرة تعد رسالة أخيرة قبيل الانتخابات الأميركية من قبل إدارة جو بايدن بشأن استمرار دعمها لأوكرانيا وأنها لن تغير سياستها ومستمرة في فرض العقوبات.
ويشير الكاتب والباحث الروسي، إلى أن إدارة بايدن تتبنى السياسة الأكثر تهجماً على روسيا وتشدداً معها، وفي ظل إدارة بايدن السياسة الأميركية تحولت إلى سياسة عدائية ضد روسيا مع عدم إيجاد حلول للأزمة مع أوكرانيا، موضحاً أن هذا الأمر يعني أن إدارة بايدن تريد الاستثمار في هذا النهج السياسي الحالي ووضع صعوبات أمام الإدارة القادمة في حال فوز ترامب في الانتخابات.