هل يسهم "الفوسفات" في إخراج اقتصاد تونس من أزماته؟
17:09 - 20 مارس 2024لسنوات عديدة ظل الفوسفات مصدراً للعملة الأجنبية بالنسبة لتونس، غير أن الأحداث المتعاقبة التي شهدتها البلاد منذ العام 2011 أسهمت في تراجع الإنتاج بشكل لافت، وبما انعكس على موارد الدولة من العملة الصعبة.
محطات عديدة شكلت عقبات في طريق إنتاج الفوسفات بالبلاد، من بينها الإضرابات التي سجلها القطاع منذ 2011، وبما في ذلك إضرابات شركة فوسفات قفصة، وتوقف عمليات الاستخراج من منطقة الحوض المنجمي (مصدر إنتاج الفوسفات بالبلاد) تحت وطأة الاحتجاجات، علاوة على مشكلات تشغيلية.
تُظهر البيانات تراجعاً واسعاً في حجم الإنتاج التونسي من الفوسفات، والذي كان يصل إلى نحو 8.5 مليون طن في العام 2010، ليتراجع إلى ما دون الأربعة ملايين طن بعد ذلك.
وفي سياق مساعي الدولة التونسية لمعالجة الأوضاع الاقتصادية المتفاقمة، فإنها تتبنى خططاً رامية للاستفادة من ذلك المورد الرئيسي واستعادة المعدلات الإنتاجية السابقة تدريجياً، بداية من الوصول لعتبة الخمسة ملايين طن خلال العام الجاري 2024 مقارنة مع 3.2 مليون طن في العام الماضي 2023.
وكانت صادرات تونس من الفوسفات قد التقطت الأنفاس العام الماضي محققة أفضل مستوياتها منذ نحو 10 سنوات، بواقع 187 ألف طن تقريباً في أول تسعة أشهر من العام، بزيادة ضعف معدلات نفس الفترة من 2022.
قطاع رئيسي
من جانبه يؤكد أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية، رضا الشكندالي، أن الفوسفات من أهم القطاعات الحيوية في تونس، حيث إن:
- القطاع يٌشَّغِل الآلاف من العائلات التونسية، خاصة في منطقة الحوض المنجمي القريبة من الحدود الجزائرية.
- المصدر الوحيد لتشغيل الشباب في تلك المنطقة، لا سيما أنها منطقة نائية تعاني من ضعف البنية التحيتة، وليست بها شركات أو قطاعات كبيرة، فالأمل الوحيد للشباب في هذه المنطقة هو العمل في قطاع الفوسفات.
- تستخرج الأسمدة التي تعد المادة الأساسية في الزراعة من الفوسفات، فكان يتم استيراده من الخارج بالعملة الصعبة، ولكن بعد عودة إنتاجه مرة أخرى ستتوقف الدولة عن استيراده.
- استثمار الفوسفات التونسي وتحويله إلى أسمدة، حيث إنه قابل للتحويل بنسبة كبيرة، كما أنه أمر مطلوب على المستوى الدولي.
- يمكن بذلك توفير العملة الصعبة التي أثرت بشكل كبير على الاقتصاد في الآونة الأخيرة.
- يعود إنتاج الفوسفات على البنك المركزي التونسي بعوائد هائلة تقدر تقريباً بمليار دينار سنويًا، مما يسهم في تقليص العجز التجاري وتماسك قيمة الدينار، إضافة إلى إسهامه في تراجع معدلات التضخم.
ويوضح في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن تونس كانت تنتج حوالي 8 ملايين طن سنوياً، ولكن بعد العام 2011 تراجعت معدلات الإنتاج إلى النصف تقريباً لتصل إلى 3 ملايين طن أو أقل من ذلك، وهذا يرجع إلى عدة عوامل من بينها إرهاق كامل لشركة "فوسفات قفصة" الحكومية، بما شهدته من ضغط كبير في الموظفين مما أسهم في إضعاف الشركة، ووجود حالة من الاحتقان الاجتماعي في منطقة الحوض المنجمي، مع عجز الدولة في التصدي لهذه الاحتجاجات وعدم قدرتها على الإمساك بزمام الأمور.
كما أن الآلات التي يتم استخراج الفوسفات بها قديمة ومتهالكة، علاوة على تهالك السكك الحديدية التي تنقل الفوسفات للمجامع الكيمائية لتصديره عبر الموانئ التونسية، بحسب الشكندالي في معرض حديثه عن أبرز معوقات الإنتاج، مشدداً على أهمية إعادة هيكلة هذه السكك أو استبدالها بأخرى حديثة.
تراجع الإنتاج
يلفت الاقتصادي التونسي في الوقت نفسه إلى تأثير الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي مرَّت بها الدولة التونسية، والتي أسهمت في تفاقم الأزمة بالنسبة لإنتاج الفوسفات، مشيراً إلى أن جميع هذه الأسباب جعلت إنتاج الفوسفات يتراجع بنسبة كبيرة.
ويضيف: "الفوسفات عنصر مهم من العناصر التي يمكن أن تؤسس رؤية اقتصادية متكاملة لـ برنامج إنقاذ مالي"، مشيراً إلى مقترحات قدمها لرئاسة الجمهورية في هذا الصدد، من أهم بنودها:
- ضرورة إنتاج الفوسفات تحت رقابة الجيش الوطني.
- تأمين نقل الفوسفات إلى المجامع الكيمائية وكذلك الموانئ، إضافة إلى استبدال السكك الحديدية المتهالكة.
- توجيه المبلغ المتبقي من الاقتراض المباشر من البنك المركزي وهو 4 مليار دينار من أصل 7 مليار دينار، كانت قد استخدمت الدولة منها 3 مليار دينار لتسديد مستحقات ديون خارجية، منها 150 مليون يورو التي اقترضتها الحكومة في السوق المالية الدولية، لاستخدامها في تغيير الآلات في شركة "فوسفات قفصة".
- إصدار عفو جبائي على الأموال التي تتداول في السوق الموازية بالعملة الصعبة.
- تمكين التونسيين بالخارج من فتح حسابات بالعملة الصعبة في البنوك التونسية بعوائد مناسبة، والاستمتاع بعوائد تلك الحسابات، مما يسهم في تماسك الدينار التونسي، وكذلك التحكم في معدلات التضخم.
ويشدد الخبير الاقتصادي التونسي على أن معدل النمو سيشهد تحسنًا كبيرًا إذا أخذت الدولة في اعتبارها العوامل السابقة، إلى جانب الحصول على مزيدٍ من العملة الصعبة لتسديد الديون الخارجية، وتزويد الاقتصاد بما يلزم من مواد أساسية ومواد أولية ونصف مصنعة لعملية الإنتاج.
ويتابع الشكندالي: إذا استمرت الحكومة في الطريق الموازية التي اتخذتها في العام 2023، عندما فضلت تسديد ديونها على الاقتصاد الحقيقي، ونتج عن ذلك تراجع في معدلات النمو الاقتصادي، وفقدت الدولة عديد من المواد الجبائية، فذلك يؤدي إلى انكماش اقتصادي يضر بالبلاد ويؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم المالي ووقف الإنتاج.
خطة عمل
وأقرت الحكومة التونسية خطة عمل للنهوض بقطاع الفوسفات ومشتقاته، لجهة رفع الطاقة الإنتاجية مع دخول المشاريع الجديدة حيز الإنتاج الفعلي على غرار مشروع أم الخشب ومغاسل الرديف ومشروع توزر. هذا إلى جانب والعمل المشترك على معالجة الإشكاليات المتعلقة بالمشاريع المعطلة، حسبما ذكرت وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة، فاطمة الثابث شيبوب، الأسبوع الماضي خلال تنصيب مدير عام شركة فسفاط قفصة عبد القادر عمايدي ومدير عام المجمع الكيمائي التونسي الهادي يوسف.
وأكدت الوزيرة –بحسب بيان رسمي صادر عن الوزارة- على مزيد بذل الجهود لتحقيق الانتعاشة المرجوة ومزيد اشعاع الشركتين على محيطهما الخارجي. وأفادت بأن المجمع الكيمائي التونسي يمثل قاطرة للتنمية بولاية قابس والجهات المجاورة له(قفصة وصفاقس) ويحرص على معالجة الإشكاليات البيئية المطروحة فيما يتعلق بالانبعاثات الغازية والإفرازات السائلة باعتماده على الأساليب التكنولوجية الحديثة مشيرة أن مشروع تثمين مادة الفسفوجيبس سيحقق قيمة مضافة عالية إضافة إلى إحداث مواطن شغل جديدة مباشرة وغير مباشرة مع المحافظة علي البيئة والمحيط.
الفوسفات مصدر دخل قومي
وفي سياق متصل، يقول الكاتب والباحث التونسي، نزار الجليدي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن إنتاج الفوسفات في تونس يُعد أحد الأضلع الثلاثة للإنتاجية التونسية التي تعول على "السياحة والفلاحة والفوسفات".
ويضيف: الاقتصاد التونسي مرَّ منذ 2011 بعديد من التحديات، إذ تراجعت عديد من المجالات تراجعًا كبيرًا وحققت أرقامًا مؤسفة، كان أهمها الفوسفات بعدما دخل والفساد وأزمات الإنتاج، ليصبح عبئًا على الدولة بعدما كان منتجًا وطاقة دخل كبيرة للدولة.
ويؤكد أن تونس تراجعت في السنوات الأخيرة في إنتاج الفوسفات بعدما كانت من أوائل الدول المنتجة والمصدرة له، مشيراً في الوقت نفسه إلى ضعف البنية التحتية لآليات العمل في القطاعات المرتبطة بالفوسفات.
ويشير إلى أن الدولة التونسية تعود بقوة إلى الإنتاج مرة أخرى وحماية هذا القطاع، لا سيما بعدما أصدرت تشريعات جديدة إلى جانب عديد من القرارات التي من شأنها حماية هذا القطاع من المتدخلين والنقابات التي استطاعت بكل الأشكال أن تجعل منه مجالًا للابتزاز اللا مشروع.
ويذكر أن قرارات الدولة الحاسمة تفسر التحسن الملحوظ في الإنتاج والدخل إلى جانب التحكم في إدارة الإنتاج والمصاريف، لافتًا إلى أن الدولة لن تعول على خصخصة القطاعات الحيوية، كما أنها ستحافظ على المؤسسات الوطنية، كما تعمل على دعم القطاع في الفترة المقبلة.
ويشير إلى أن إنتاج تونس من الفوسفات في العام 2010 كان يصل إلى ما يزيد عن ثمانية ملايين طن، غير أن هذا المعدل تراجع بعد ذلك، وفي السنوات الخمس الأخيرة بلغ نحو 11 مليون طن.
لكنه يعتقد بأن الاقتصاد التونسي سوف يشهد طفرة حقيقية في الفترة المقبلة، وهذا يرجع لعدة أسباب تمثلت فيه:
- الحالة الأمنية التي تشهدها الدولة في الوقت الراهن.
- سداد الديون الخارجية.
- خلق مُناخ جاذب للاستثمارات الجديدة.
- تعديل التشريعات القائمة من مجلسي النواب والوزراء.
- دعم القوانين الميسرة للحالة الاقتصادية.
- ارتفاع قيمة المداخيل من قطاع السياحة فضلًا عن تحويلات التونسيين بالخارج.