ما العوامل التي تعزز الاستثمار في الطاقة النووية؟
11:40 - 27 مايو 2025
تبرز الطاقة النووية كلاعب رئيسي يعود إلى الواجهة بعد سنوات من التراجع والتردد، ذلك أن الضغوط المتزايدة لتحقيق أهداف الحياد الكربوني، وضمان أمن الطاقة، وتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء بفعل الثورة التكنولوجية والرقمية، تفرض واقعاً جديداً يدفع الحكومات والشركات الكبرى لإعادة التفكير في مصادر الطاقة المستدامة والآمنة.
تحت هذا الزخم، تتجه الأنظار إلى الطاقة النووية كمصدر نظيف ومستقر وقادر على تلبية الاحتياجات المتنامية للصناعات الحيوية ومراكز البيانات العملاقة، خاصة مع تصاعد الحاجة لتوفير الطاقة بشكل موثوق وآمن. ومع تسارع الاستثمارات والدعم الحكومي، وتزايد رهانات كبريات شركات التكنولوجيا على المفاعلات النووية الصغيرة، يبدو أن العالم يقف أمام منعطف حاسم لإعادة تعريف مزيج الطاقة العالمي.
لكن هذا التحول لا يخلو من التحديات؛ إذ تطرح قضايا السلامة، وإدارة النفايات النووية، والتكاليف الباهظة، إضافة إلى الأطر التنظيمية الصارمة، علامات استفهام حول قدرة القطاع على تجاوز العقبات الراهنة وتحقيق طموحاته الكبرى.
نمو متوقع
ويشير تقرير لغولدمان ساكس، إلى أنه "من المتوقع أن يشهد قطاع الطاقة النووية نمواً كبيراً مع انتعاش الاستثمار في مختلف أنحاء العالم بعد فترة طويلة من الركود".
وبحسب تقرير لشبكة "سي إن بي سي" الأميركية، فقد عانت الصناعة النووية من سنوات من نقص الاستثمار في أعقاب حادث فوكوشيما النووي في اليابان عام 2011. لكن القطاع يمر الآن بنقطة تحول حيث تتفق الحكومات في جميع أنحاء العالم على أن الطاقة النووية ستلعب دورًا رئيسيًا في الانتقال إلى طاقة تنبعث منها كميات أقل من الكربون، وفقًا لغولدمان.
- ارتفع الاستثمار العالمي في الطاقة النووية بشكل سريع خلال السنوات الأربع الماضية، بمعدل نمو مركب بلغ 14 بالمئة مقارنة بنحو 1 بالمئة قبل عام 2020، وفقا للبنك الاستثماري.
- أصبحت البيئة السياسية مواتية أيضا، مع توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب على عدة أوامر تنفيذية يوم الجمعة الماضي تهدف إلى تسريع نشر الأسلحة النووية.
خمسة عوامل
المستشار الاقتصادي وخبير الطاقة، عامر الشوبكي، يقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الطاقة النووية تعود إلى صدارة مشهد الطاقة العالمي، بعد سنوات من التراجع، مدفوعة بجملة من العوامل المتداخلة التي تُعيد رسم خارطة الاستثمارات الاستراتيجية، مبرزاً خمسة محركات أساسية تُعزز هذا الانتعاش، على النحو التالي:
- أولاً- التوسع الهائل في تطبيقات الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات حول العالم، إذ تُشير التوقعات إلى زيادة استهلاك الكهرباء في هذا القطاع بأكثر من 160 بالمئة بحلول العام 2030 مقارنة بعام 2023، وهذا يدفعنا إلى البحث عن مصادر طاقة نظيفة وموثوقة، لتصبح الطاقة النووية خياراً استراتيجياً لا يمكن تجاهله.
- ثانياً- دخول عمالقة التكنولوجيا مثل أمازون ومايكروسوفت وغوغل على خط الاستثمار المباشر في المفاعلات النووية الصغيرة، وهو تطور لافت يعكس توجهات رأس المال العالمي نحو حلول طاقة مستدامة تخدم خطط الحياد الكربوني لهذه الشركات العملاقة.
- ثالثاً- التشريعات المحفزة والدعم الحكومي في الدول الكبرى، مثل قانون ADVANCE Act في الولايات المتحدة، الذي يسعى إلى تسريع تطوير المفاعلات النووية المتقدمة وتبسيط الإجراءات التنظيمية.
- رابعاً- التقدم الكبير في تكنولوجيا المفاعلات النووية الصغيرة SMRs، التي أصبحت أكثر مرونة وأقل تكلفة، وتتيح فرصاً حقيقية لدول كثيرة لتبني الطاقة النووية دون الحاجة إلى مشاريع ضخمة ومعقدة.
- خامساً- الالتزامات الدولية المتزايدة بتحقيق الحياد الكربوني، حيث تُدرك الدول أن الطاقة النووية قد تكون الخيار الوحيد لتحقيق أهدافها المناخية دون المساس بأمن الطاقة واستقرار الشبكات الكهربائية.
لكنه في المقابل يشير إلى أن هناك تحديات لا يمكن إنكارها؛ مثل ارتفاع التكاليف الرأسمالية لبناء المفاعلات، والمخاوف المتعلقة بإدارة النفايات النووية والسلامة العامة، إضافة إلى الإجراءات التنظيمية المعقدة التي قد تُعيق التنفيذ السريع.
ويستطرد: "نشهد تحولاً استراتيجياً عميقاً؛ فالطاقة النووية اليوم ليست مجرد خيار بين البدائل، بل أصبحت ركناً أساسياً في مستقبل الطاقة العالمي، خاصة مع هذا الزخم الاستثماري الكبير من القطاعين العام والخاص، والطلب المتزايد على الكهرباء بفعل الثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي"، منبهاً إلى أن العالم أمام فرصة تاريخية لإعادة تعريف مزيج الطاقة، والطاقة النووية قد تعود لتكون حجر الزاوية في هذا التحول.
تطور في الولايات المتحدة
ويشار إلى أنه بموجب أوامر تنفيذية جديدة، أمر الرئيس الأميركي دونالد ترامب هيئة التنظيم النووي الأميركية بإكمال ترخيص أي مفاعلات جديدة خلال 18 شهراً، ومراجعة قواعد التعرض للإشعاع التي وصفها البيت الأبيض بأنها "مبالغ بها". وأكد أنه سيفك "القيود" عن الصناعة النووية لتسريع بناء المحطات الجديدة وتقليل الاعتماد على اليورانيوم الأجنبي.
هذه الخطوة -بحسب تقرير لصحيفة واشنطن بوست- تأتي في ظل تزايد الطلب على الطاقة النووية، خاصة مع استثمار شركات التكنولوجيا في المفاعلات الصغيرة المعيارية (SMRs) لتلبية احتياجات مراكز البيانات الضخمة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي.
لكن الخبراء حذروا من أن تسريع عملية الترخيص لن يحل مشاكل اقتصادية وتقنية عميقة تعرقل تطوير هذه المفاعلات، مستشهدين بتجربة محطة "فوغتل" في جورجيا التي تأخرت سبع سنوات وتجاوزت ميزانيتها بـ17 مليار دولار.
الأوامر التنفيذية تشمل أيضاً توجيه وزارة الطاقة والدفاع ببناء مفاعلات في الأراضي الفيدرالية لتوفير الطاقة لمراكز البيانات والقواعد العسكرية، وتعزيز سلاسل التوريد المحلية لوقود المفاعلات.
مع ذلك، أعرب خبراء ومسؤولون سابقون عن مخاوفهم من أن تدخل البيت الأبيض قد يعرّض السلامة العامة للخطر، ويضعف استقلالية هيئة التنظيم النووي، ويقود إلى تسريع إنشاء مفاعلات متقدمة دون التأكد من سلامتها.
إرنست مونيز، وزير الطاقة الأميركي السابق، حذر من أن تقليص استقلالية هيئة التنظيم النووي قد يؤدي إلى تسريع نشر المفاعلات مع عيوب في السلامة، ما قد يتسبب في حوادث تعيد فرض قيود صارمة تعيق مستقبل الطاقة النووية.
ويرى بعض الباحثين أن إعادة تقييم قواعد الإشعاع قد تكون ضرورية، لكنها عملية معقدة تستغرق سنوات وتتطلب بيانات ضخمة وتنسيقاً بين عدة وكالات، محذرين من أن الإسراع في هذه العملية دون أساس علمي قد تكون له عواقب وخيمة.
عودة قوية
استاذ الاقتصاد الدولي، الدكتور علي الإدريسي، يقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن قطاع الطاقة النووية يشهد عودة قوية إلى واجهة الاستثمار العالمي، بعد سنوات من التراجع، مدفوعاً بجملة من العوامل الاستراتيجية والبيئية.
ويستشهد بتقديرات غولدمان ساكس، التي تشير إلى أنه من المتوقع أن يشهد هذا القطاع نموًا كبيرًا خلال الفترة المقبلة، في ظل توجه عالمي متسارع نحو الطاقة النظيفة، مشيراً إلى أن أحد أبرز العوامل المحفزة هو التزام الدول بالتحول إلى الحياد الكربوني، حيث توفر الطاقة النووية مصدرًا ثابتًا ومنخفض الانبعاثات مقارنة بالفحم والغاز. كما أدى عدم استقرار أسواق الطاقة التقليدية، وخاصة بعد الحرب في أوكرانيا، إلى إعادة التفكير في بدائل أكثر أمانًا واستدامة.
ويضيف: "تسهم أيضاً التطورات التكنولوجية في بناء مفاعلات نووية صغيرة وآمنة (SMRs)، في جذب استثمارات جديدة، إلى جانب دعم حكومي متزايد في شكل تمويل وتسهيلات تنظيمية"، مشدداً على أن الطاقة النووية تمثل خيارًا استراتيجيًا يجمع بين الأمان البيئي والأمن الطاقي، ما يجعلها محط أنظار المستثمرين مجددًا حول العالم.