متى يُمكن لـ "الهند" أن تصبح قوة عظمى؟
19:14 - 15 يوليو 2024لدي اعتقاد راسخ أنه في العام 2047، عندما تحتفل البلاد بمرور 100 عام على الاستقلال، فإن بلدي سوف تكون الهند المتقدمة.". هكذا خاطب رئيس وزراء الهند، ناريندرا مودي، شعبه في يوم الاستقلال العام الماضي.. فهل طموحه قابل للتحقيق؟
يقول الاقتصادي البريطاني، مارتن وولف، في مقال له في صحيفة "فاينانشال تايمز"، إن هذا الطموح بالفعل قابل للتحقق، مشدداً على أنه "من المرجح أن تصبح الهند قوة عظمى بحلول ذلك الوقت، باقتصاد ضخم مثل اقتصاد الولايات المتحدة".. فكيف قد تصل الهند إلى هناك؟ وما هي التحديات التي ستواجهها؟ وماذا قد يعني ذلك للعالم؟
وحلّلَ كاتب المقال التحدي المتمثل في التحول إلى دولة ذات دخل مرتفع، من خلال مقارنة الهند بأفقر دولة مصنفة على أنها "متقدمة" من قِبَل صندوق النقد الدولي ، وهي اليونان:
- في العام 2023، كان نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الهند عند تعادل القوة الشرائية أقل قليلاً من ربع نظيره في اليونان.
- إذا نما نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في اليونان بنسبة 0.6 بالمئة فقط (اتجاهه في الفترة 1990-2029، وفقاً لتوقعات صندوق النقد الدولي) ونما نصيب الفرد في الهند بنسبة 4.8 بالمئة (اتجاهه في الفترة 1990-2029)، فإن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الهند لن يتجاوز 60 بالمئة من نظيره في اليونان في العام 2047.
- وإذا كان نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الهند سيعادل نظيره في اليونان بحلول العام 2047، فإن معدل نمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الهند لابد وأن يرتفع إلى 7.5 بالمئة سنوياً.
- ولن يكون معدل النمو هذا أقل كثيراً من معدل النمو الذي حققته الصين في الفترة من 1990 إلى 2012، عندما حققت معدلاً سنوياً مذهلاً بلغ 9 بالمئة.
وفي سياق متصل، تشير توقعات الأمم المتحدة إلى أن عدد سكان الهند سوف يبلغ بحلول العام 2050 نحو 1.67 مليار نسمة، مقابل 1.32 مليار نسمة في الصين و380 مليون نسمة في الولايات المتحدة.
ومع وجود عدد سكان يزيد على أربعة أمثال هذا العدد، فلن يكون من الصعب على الهند أن تنافس الناتج الاقتصادي الإجمالي الأميركي، وفق كاتب المقال.
والواقع أنه إذا كان الناتج المحلي الإجمالي الهندي ينمو بنسبة 5 بالمئة فقط سنوياً حتى العام 2047 (وهو أقل كثيراً من معدل النمو السنوي الذي بلغ 6.3 بالمئة في الفترة 1990-2029)، وكان الناتج المحلي الإجمالي الأميركي ينمو بنسبة 2.3 بالمئة (وهو معدل النمو الذي بلغ 2029-1990، على أساس مماثل)، فإن اقتصاد الهند (وفقاً لتعادل القوة الشرائية) سوف يعادل اقتصاد الولايات المتحدة.
- ولكن في حالة الهند، فإن الولايات المتحدة سوف تظل أكثر تقدماً من الناحية التكنولوجية، وسوف تتمتع بإنتاجية أعلى كثيراً.
- ومن غير المرجح أيضاً أن تضاهي براعة التصنيع في الهند براعة الصين: ذلك أن حصة قطاعها الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي ليست أقل كثيراً من حصة الصين فحسب، بل إنها في انحدار بالفعل.
- ولكن الحجم مهم: فمع تعداد سكانها الضخم واقتصادها الكبير، سوف تصبح الهند قوة عظمى، لا تضاهي الصين أو الولايات المتحدة بالكامل، ولكنها بلا شك قوة عظمى.
ولكن ما الذي قد يمنع حدوث ذلك؟
يُعدد كاتب المقال الأسباب التي قد تمنع حدوث ذلك السيناريو، على النحو التالي:
- قد يكون أحد الأسباب هو تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي المذكور في تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي في أبريل 2024.
- قد يتفاقم تأثير ومدى هذا التباطؤ الهيكلي (مع تباطؤ الصين وعناصر التغيير الديموغرافي) بسبب القفزة الكبيرة في الحمائية الناجمة عن إعادة انتخاب دونالد ترامب المحتملة.
- على المدى الأبعد ، قد تؤثر أزمة المناخ على النمو الاقتصادي ، فضلاً عن الرفاهية البشرية على نطاق أوسع.
- كما أن الحرب بين القوى العظمى بعيدة كل البعد عن أن تكون غير قابلة للتصور.
وفي مقابل هذا، يأمل البعض أن تعيد الذكاء الاصطناعي إشعال فتيل النمو الاقتصادي. لكن هذا أمر مشكوك فيه.
نمو الصادرات
وأضاف الاقتصادي البريطاني في مقاله أن النقطة الحاسمة هنا هي أن الهند سوف تحتاج إلى أن ينمو اقتصادها بما لا يقل عن ضعف سرعة نمو الناتج العالمي. وهذا يعني أن صادراتها سوف تضطر أيضاً إلى النمو بما لا يقل عن ضعف سرعة نمو الناتج العالمي إذا كانت لا تريد أن تنخفض نسبة التجارة: وإلا فإن الاقتصاد سوف يصبح أكثر انغلاقاً.
وفيما يزعم البعض أن "الصادرات لم تكن مهمة للنمو الهندي". لكن الصادرات كانت في الواقع حاسمة، ليس فقط لأنها تدفع ثمن الواردات الضرورية، وتزيد من المنافسة وتوفر الوصول إلى المعرفة العالمية.
ويشار إلى أن حصة الهند في صادرات السلع العالمية (باستثناء التجارة داخل الاتحاد الأوروبي) كانت 2.2 بالمئة فقط في عام 2022 ، مقابل 17.6 بالمئة للصين. حتى صادراتها من الخدمات التجارية لم تتجاوز 4.4 بالمئة من الإجمالي العالمي، وهو أقل بكثير من حصة الولايات المتحدة البالغة 12.8 بالمئة والصين 6 بالمئة.
نقاط قوة
- فضلاً عن ذلك فإن الهند تتمتع بنقاط قوة بالغة الأهمية:
- تتمتع الهند بعلاقات طيبة مع الغرب، الذي تشكل له أهمية استراتيجية.
- بوسعها أن تكون ما يطلق عليه صندوق النقد الدولي "دولة الرابط" في الاقتصاد العالمي.
- الهند قادرة على الاضطلاع بدور قيادي في تحرير التجارة على المستويين المحلي والعالمي.
- تتمتع الهند بميزة الشتات الهندي، الذي يتمتع بنفوذ هائل، وخاصة في الولايات المتحدة. وليس أقلها أهمية أن الموارد البشرية التي تمتلكها الهند تمنحها القدرة على تنويع الاقتصاد وترقيته بمرور الوقت. ولابد أن تستغل الهند هذه الميزة.
الهند.. فرص وتحديات
من جانبه، قال أستاذ العلاقات الدولية، أيمن سمير، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الهند هي أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، وهناك توقعات بأن تكون قضية السكان أكبر مشكلة للاقتصاديات الكبرى في العقود المقبلة، سواء بالنسبة للولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو الصين.
وتابع: "الهند أصبحت الدولة الأولى في العالم سكانياً بأكثر من 1.4 مليار نسمة، ورغم التحديات التي ترتبط بهذا المحور، إلا أن ثمة مزايا تضيفها اليد العاملة، ومع زيادة مستوى التعليم، خاصةً الفني والتكنولوجي، فأصبح الآن المهندسون والمبرمجون الهنود من أكثر العناصر البشرية التي تلعب دوراً في الاقتصاد الهندي، وحتى العالمي".
وبحسب موقع صندوق الأمم المتحدة للسكان فقد بلغ عدد سكان الهند 1,441.7 مليار نسمة، متخطية الصين التي سجلت 1,425.2.
الهند أصبحت الاقتصاد الخامس في العام الماضي بعد أن أزاحت بريطانيا إلى المرتبة السادسة، وهي أكبر دولة تمارس الديمقراطية، وتدير الانتخابات بنمط غربي، بالتالي الهند تتسق قيمها السياسية، والديمقراطية مع الدول المتقدمة، ودول العالم الأول، بحسب سمير.
واستكمل: "كل هذا يضع الهند في مكانة متميزة جداً أعلى حتى من الدول الآسيوية الأخرى ذات الكثافة السكانية، والعوائد الاقتصادية الكبيرة.. كما أن هناك توجهاً عالمياً للاستثمار في الهند، على غرار مشروع الممر الاقتصادي الذي أيده الرئيس الأميركي جو بايدن لنقل البضائع الهندية إلى أوروبا عن طريق الإمارات والسعودية والأردن وكذلك إسرائيل إلى ميناء بيرايوس في اليونان ومنها إلى كل الدول الأوروبية".
نقل البضائع الهندية إلى أوروبا، وعمل الممر الاقتصادي سيكون نقلة كبيرة للهند تساوي النقلة التي حدثت بانفتاح الغرب والولايات المتحدة على الصين منذ العام 1972، كما أشار أستاذ العلاقات الدولية، والذي لفت أيضاً إلى أن الهند تنتظر نقلة كبيرة جداً في التجارة، وربما يصبح الناتج القومي الهندي في 2030 إلى ما يزيد عن السبعة تريليون دولار.
وتوقعت وكالة "ستاندارد آند بورز" تجاوز الاقتصاد الهندي نظيره الياباني ليصبح ثاني أكبر الاقتصادات في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بحلول عام 2030، نظراً للتسارع الكبير المتوقع للنمو الهندي خلال السنوات المقبلة بدعم من إنفاق الطبقة المتوسطة في البلاد.
وبين سمير أن الهند تحتفظ بعلاقات طيبة مع الولايات المتحدة من جانب، ومع الصين وروسيا من جانب آخر، فالهند هي الدولة التي تستطيع أن تقوم بدبلوماسية "مبدعة" في العالم، على حد وصفه؛ فهي عضو في البريكس بقيادة الصين وروسيا، ولها علاقات عملاقة مع الولايات المتحدة، ومن الممكن أن تنضم في يوم من الأيام إلى دول المجموعة الصناعية الكبرى في العالم.
وأضاف: "رئيس الوزراء الهندي، نارندرا مودي، يستطيع أن يكون صباحاً في البيت الأبيض، ومساءً في الكرملين مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهذه الوضعية بالنسبة لدولة عملاقة مثل الهند تعتبر معجزة دبلوماسية حقيقية في السياسة الخارجية"، وفق أستاذ العلاقات الدولية.
وأضاف، أن هناك ميزة نسبية تتمتع بها الهند أيضاً فيمكن أن تتحول الفترة القادمة إلى مصدر لسلاسل الإمداد، وأن تكون ورشةً كبيرة جداً للتصنيع في العالم، لكن هناك أيضاً بعض التحديات، ومنها: ما زال بعض الملايين يعانون من الفقر، وهناك مشكلة حدودية بين الهند والصين على منطقة لاداخ، وهي منطقة حدودية يحدث فيها اشتباكات دائماً بين الجيشين الهندي، والصيني.
وهناك خلاف تاريخي بين الهند وباكستان، كل هذه التحديات قد تعرقل الهند من أن تصبح دولة عظمى، وفق سمير، الذي اختتم حديثه بالإشارة إلى أنه في نهاية المطاف إذا تعددت أقطاب العالم في العقد المقبل أو الذي يليه فالهند سوف تكون ضمن هذه الأقطاب الجديدة.
مقومات الدولة العظمى
وإلى ذلك، لفت خبير العلاقات الدولية، أحمد سيد أحمد، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أن الهند بالفعل لديها كل مقومات الدولة العظمى، وقد تصبح كذلك خلال سنوات، فمن الناحية الاقتصادية فهي قوة كبيرة جداً الآن في النظام الدولي.
الهند قوة اقتصادية صاعدة، ولديها تجربة تنموية مهمة ومميزة، ونمت بشكل كبير في الفترة الأخيرة، وحققت معدلات نمو عالية، بجانب وضع اقتصادي على الخريطة الدولية، فالهند تمتلك مساحة شائعة، وبها عدد كبير من السكان، بالإضافة إلى القوة التكنولوجية، والاستثمارات الضخمة، بحسب أحمد سيد أحمد.
الهند أيضاً في طريقها لامتلاك القوة العسكرية الشاملة، وهي الآن قوة نووية ضمن النادي النووي. وأفاد خبير العلاقات الدولية بأن الهند تتبنى سياسة عدم الانحياز، وعضو في البريكس وتجمع شنغهاي وهي مرشحة للحصول على العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي.
وتابع: القوة العظمى هي التي تمتلك كل مقومات القوى الشاملة الاقتصادية والعسكرية والسياسية والثقافية، وهذا المفهوم ينعكس على الولايات المتحدة الأميركية، وقد يرتبط بشكل ما ونسبي على القوة الثانية وهي الصين، التي تمتلك القوى العسكرية الضخمة والاقتصادية، خاصةً مع عضويتها في مجلس الأمن الدولي، إذ لديها حق الفيتو.
واستطرد: "حتى الآن يمكن القول إن الهند في الوقت الحالي قوة اقتصادية، ولكن ليست عظمى؛ لأنه ليس لديها كل المقومات، إذ تشهد معدلات كبيرة في الفقر، فضلاً عن القوة العسكرية التي لا تضاهي القوى الأميركية والروسية والصينية".
كما تابع أحمد قائلاً: "الهند أيضاً تعتبر من دول العالم الثالث، ولكن لديها تأثير سياسي كبير، خاصةً فيما يتعلق بأدوارها في الصراعات، والأدوار الدولية، وتحتاج إلى المزيد من الوقت والجهد لتصبح قوة عظمى، التي تنطبق على الولايات المتحدة، التي لديها إمكانيات اقتصادية وعسكرية ضخمة، ومنخرطة في الكثير من الصراعات عالمية، بجانب حق الفيتو، بالإضافة إلى تأثيرها على النظام الاقتصادي الدولي، من خلال البنك الدولي، وصندوق النقد، وغيرها من المؤسسات".