الخليج وأميركا.. شراكة تجارية في مواجهة التحديات العالمية
06:01 - 13 مايو 2025تعتبر العلاقات بين الولايات المتحدة ودول الخليج من بين أبرز الشراكات الدولية، فهي علاوة على كونها علاقة متجذرة فإنها ترتكز على توازنات دقيقة تجمع بين الدبلوماسية الفاعلة والمصالح الاستراتيجية المشتركة.
منذ عقود، شكّلت دول الخليج محوراً حيوياً في حسابات واشنطن السياسية والاقتصادية، ليس فقط بسبب ثرواتها السيادية وموقعها الجغرافي، بل أيضاً لدورها المتنامي في أسواق الطاقة العالمية والتكنولوجيا والاستثمار وأيضاً فعاليتها وتأثيراتها الإقليمية والدولية.
هذه العلاقات، التي تتجاوز الطابع التقليدي للتعاون، تقوم على شبكة معقدة من المصالح المتبادلة، تمتد من التنسيق الأمني والعسكري إلى الشراكات الاقتصادية والاستثمارية في قطاعات حيوية كالبنية التحتية، والصناعات المتقدمة، والذكاء الاصطناعي. وقد أضفت التحولات الإقليمية والدولية بعداً إضافياً على هذا التعاون، في ظل سعي دول الخليج لتنويع شراكاتها وتوسيع حضورها في الساحة العالمية، دون التفريط في صلتها الوثيقة بالحليف الأميركي.
في هذا السياق، تأتي جولة الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي تشمل ثلاث دول (السعودية والإمارات وقطر) كترجمة فعلية لهذا الترابط المتين، الذي لا يُقاس فقط بحجم الصفقات والعقود، بل يتجلى في الرسائل السياسية العميقة والتفاهمات الاستراتيجية بعيدة المدى.
التبادل التجاري
تكشف البيانات الرسمية الصادرة عن مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة الأميركية طبيعة العلاقات التجارية بين واشنطن والدول الثلاث التي تشملها جولة الرئيس ترامب الخليجية، على النحو التالي:
التبادل التجاري بين الولايات المتحدة والسعودية في 2024
- بلغ إجمالي تجارة السلع الأميركية مع المملكة العربية السعودية ما يُقدر بنحو 25.9 مليار دولار في عام 2024.
- بلغت صادرات السلع الأميركية إلى المملكة في عام 2024 ما قيمته 13.2 مليار دولار، بانخفاض قدره 4.8 بالمئة (670.1 مليون دولار) عن عام 2023.
- بلغ إجمالي واردات السلع الأميركية من السعودية 12.7 مليار دولار في عام 2024، بانخفاض قدره 19.9 بالمئة (3.2 مليار دولار) عن عام 2023.
- بلغ فائض تجارة السلع الأميركية مع المملكة العربية السعودية 443.3 مليون دولار في عام 2024، بزيادة قدرها 121.6 بالمئة (2.5 مليار دولار أميركي) عن عام 2023.
التبادل التجاري بين الولايات المتحدة والإمارات في 2024
- بلغ إجمالي تجارة السلع الأميركية مع الإمارات العربية المتحدة ما يُقدر بنحو 34.4 مليار دولار في عام 2024.
- بلغت صادرات السلع الأميركية إلى الإمارات في عام 2024 ما قيمته 27.0 مليار دولار، بزيادة قدرها 8.5 بالمئة (2.1 مليار دولار) عن عام 2023.
- بلغ إجمالي واردات السلع الأميركية من الإمارات في عام 2024 ما قيمته 7.5 مليار دولار، بزيادة قدرها 12.9 بالمئة (854.7 مليون دولار) عن عام 2023.
- بلغ فائض تجارة السلع الأميركية مع الإمارات 19.5 مليار دولار في عام 2024، بزيادة قدرها 6.9 بالمئة (1.3 مليار دولار أميركي) عن عام 2023.
التبادل التجاري بين الولايات المتحدة وقطر في 2024
- بلغ إجمالي تجارة السلع الأميركية مع قطر حوالي 5.6 مليار دولار في عام 2024.
- بلغت صادرات السلع الأميركية إلى قطر في عام 2024 ما قيمته 3.8 مليار دولار، بانخفاض قدره 18.3 بالمئة (850.8 مليون دولار) عن عام 2023.
- بلغ إجمالي واردات السلع الأميركية من قطر 1.8 مليار دولار في عام 2024، بانخفاض قدره 10.3 بالمئة (210.3 مليون دولار ) عن عام 2023.
- بلغ فائض تجارة السلع الأميركية مع قطر 2 مليار دولار في عام 2024، بانخفاض قدره 24.5 بالمئة (640.5 مليون دولار) عن عام 2023.
شراكة استراتيجية
ولا يمكن قراءة مسار التبادل التجاري بين الولايات المتحدة ودول الخليج بمعزل عن السياق الأوسع للعلاقات بين الجانبين، والتي تتجاوز الأرقام والصفقات إلى شراكات استراتيجية راسخة تتشابك فيها المصالح الاقتصادية مع الأبعاد الأمنية والسياسية.
وفي هذا الإطار، تكتسب العلاقات الخليجية–الأميركية عمقاً خاصاً يعكسه التنسيق المتواصل في الملفات الإقليمية والدولية، وهو ما يتجلى في التصريحات الرسمية والمواقف المتبادلة. وفي هذا السياق، يقول الخبير الاقتصادي، عضو المجلس الاستشاري الوطني لمعهد CISI، وضاح الطه، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن اختيار الرئيس الأميركي دونالد ترامب لثلاث دول خليجية، من بينها دولة الإمارات العربية المتحدة، يعكس تزايد أهمية وتأثير هذه الدول على مستوى المنطقة والسياسة العالمية.
ويشير إلى أن مؤشرات "القوة الناعمة" عالمياً، التي تعتمد على الدبلوماسية والعلاقات التجارية وغيرها من العوامل غير العسكرية، تبرز مكانة متقدمة لكل من الإمارات والسعودية وقطر، مما يوضح عمق التأثير الإقليمي لهذه الدول.
ويوضح أن الاستقرار السياسي والاقتصادي في دول مجلس التعاون، خاصة الإمارات والسعودية وقطر، مدعوم بوجود صناديق سيادية كبرى تُصنّف ضمن الصناديق على مستوى العالم، مضيفاً أن هناك رؤية اقتصادية واضحة تدفع نحو بناء علاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة، خصوصاً في الجانب الاستثماري، حيث تسعى هذه الدول لتعزيز استثماراتها في قطاعات واعدة مثل الذكاء الاصطناعي، من خلال إنشاء مراكز بيانات وبنية تحتية رقمية، إلى جانب مجالات أخرى مثل الصحة، الصناعة، العقارات، والبنية التحتية.
ويشدد الطه على أن ما يجري هو تعزيز لعلاقة طويلة الأمد واستراتيجية بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون، وفي مقدمتها السعودية والإمارات.
العلاقات الاقتصادية
تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" يشير إلى أن جولة ترامب الخليجية تأتي لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع دول الخليج.
ونقل عن المفاوض المخضرم في شؤون السلام في الشرق الأوسط، والذي يعمل حالياً في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، دينيس ب. روس، قوله: "إن زيارة الشرق الأوسط حالياً تُعنى بالاقتصاد.. من الواضح أن تركيز ترامب وأولويته منصبّان بشكل أكبر على الجانب الاقتصادي والمالي".
ويشير التقرير إلى أن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر تدير أصولًا تُقدر بتريليونات الدولارات حول العالم، وقد أصبحت هذه الدول قوى دبلوماسية ومالية يُحسب لها حساب.
اتفاقيات استثمارية كبرى
من السعودية، يقول المحلل والكاتب الاقتصادي، عبدالله القحطاني، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إنه "من المتوقع أن تؤدي الزيارة إلى توقيع اتفاقيات استثمارية كبرى، خاصة بعد إعلان الإمارات عن إطار استثماري بقيمة 1.4 تريليون دولار على مدى 10 سنوات في الولايات المتحدة. وكذلك السعودية (التي تعهدت بحزمة 600 مليار دولار مع أميركا تشمل استثمارات ومشتريات)، وقطر تسعى أيضاً لتوسيع استثماراتهما في القطاعات الاستراتيجية.
ويشير إلى أن "دول الخليج تسعى إلى تنويع شراكاتها الاقتصادية، خاصة مع الصين، التي أصبحت الشريك التجاري الأول للمنطقة. ومع ذلك، ستظل العلاقات الاقتصادية مع واشنطن قوية بفضل الاعتماد الأمني والسياسي على الولايات المتحدة". لكنه في الوقت نفسه يلفت إلى التحديات الناجمة عن الرسوم الجمركية الأميركية، والتي قد تؤثر على أسواق الخليج، خاصة أسعار السلع مثل السيارات والإلكترونيات، مما يتطلب تفاهمات لتخفيف الأعباء الاقتصادية، مشيراً إلى توقعات بأن تتوصل الأطراف إلى حلول وسط للحفاظ على استقرار العلاقات التجارية.
ويضيف: "العلاقات الاقتصادية ستظل مرتبطة بالتحالفات الأمنية (..) وفي وقت تسعى فيه واشنطن للحفاظ على نفوذها في المنطقة وسط تنافس مع قوى مثل الصين وروسيا"، منبهاً إلى أنه على الرغم من التركيز الاقتصادي، الا أن الزيارة قد لا تحقق تغييرات جذرية فورية في العلاقات الاقتصادية، لكنها ستعزز الثقة المتبادلة وتضع أسساً لشراكات طويلة الأمد، على حد تعبيره.
ويشدد على أن جولة ترامب التي تشمل ثلاث دول خليجية تهدف إلى تعزيز الاستثمارات والصفقات التجارية مع التركيز على الطاقة والذكاء الاصطناعي، ومع الاستفادة من العلاقات الشخصية مع قادة الخليج، مؤكداً أن العلاقات الاقتصادية بين واشنطن ودول الخليج ستشهد تعزيزاً للشراكات، مع تحديات تتعلق بالرسوم الجمركية والتوازن مع شراكات دولية أخرى.