ما الذي تنتظره "الأسهم الأوروبية" حال فوز ترامب؟
08:54 - 29 أكتوبر 2024تترقب أسواق الأسهم الأوروبية بقلق نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية 2024، حيث يُعد فوز الرئيس السابق دونالد ترامب أحد السيناريوهات الأكثر ترجيحاً التي قد تؤثر بشكل كبير على الاقتصاد العالمي، بما في ذلك الأسواق الأوروبية.
تتميز الفترة الحالية بعدد من التحديات الاقتصادية والسياسية، مما يجعلها مرحلة حرجة تتطلب تحليلًا دقيقًا للتوجهات المستقبلية.
إذا تمكن ترامب من العودة إلى البيت الأبيض، يُتوقع أن تُعزز سياسته الاقتصادية المتمثلة في التوجهات الحمائية والضغوط على حلفاء الولايات المتحدة، مما قد يؤدي إلى تقلبات كبيرة في الأسواق الأوروبية.
من جهة أخرى، تزداد المخاوف من تأثير سياساته على التجارة الدولية، وأسعار الطاقة، والبيئة، وهو ما قد يؤدي إلى تغييرات في أداء الأسهم الأوروبية.
بحسب صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، فإن احتمال فرض دونالد ترامب لمجموعة من الرسوم الجمركية الجديدة إذا فاز في الانتخابات الرئاسية يؤثر على أسهم الشركات الأوروبية الحساسة للتصدير مثل شركات صناعة السيارات ومجموعات السلع الفاخرة.
استدلت الصحيفة على ذلك، بانخفاض مجموعة مكونة من 28 سهماً من الأسهم الأوروبية الأكثر عرضة للرسوم الجمركية الأميركية جمعها باركليز بنسبة 7 بالمئة منذ أواخر شهر سبتمبر الماضي مع احتمالات فوز الرئيس الأميركي السابق في الانتخابات.
المجموعة التي تضم إل في إم إتش وفولكس فاغن وأسهم أخرى، تراجعت بنسبة 2 بالمئة منذ بداية العام، وذلك مقارنة بارتفاع بنسبة 8 بالمئة لسوق الأسهم الأوروبية الأوسع.
هذه الانخفاضات تُظهر كيف أن تعهدات الرئيس الأميركي السابق بشن حرب تجارية إذا فاز بولاية ثانية في البيت الأبيض في انتخابات الخامس من نوفمبر "تفرض المزيد من الضغوط على الصناعات التي تعاني بالفعل من اقتصادات محلية باهتة وتباطؤ الطلب من أسواقها الرئيسية في الصين".
من جانبه، فإن لوكا باوليني، كبير الاستراتيجيين في شركة بيكتيت لإدارة الأصول، يقول: "تواجه هذه القطاعات ضربة ثلاثية تتمثل في تأثير ترامب، وركود النمو في الاتحاد الأوروبي، وتباطؤ الصين".
وول ستريت
ويشير تقرير الصحيفة البريطانية المشار إليه إلى تأخر أسواق الأسهم الأوروبية عن الارتفاع الكبير الذي شهدته وول ستريت هذا العام بفضل شركات التكنولوجيا، حيث ارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بأكثر من 20 بالمئة.
ويتوقع محللون أن تعمل أجندة ترامب لخفض الضرائب على تعزيز سوق الأسهم الأميركية، لذا فإن أي ضرر يلحق بالمصدرين الأوروبيين يهدد بتوسيع الفجوة بشكل أكبر.
وقال ترامب إنه سيفرض رسوما كبيرة على السلع المستوردة، وحدد التعريفات الجمركية بنسبة 20 بالمئة لأوروبا و60 بالمئة للصين، مما دفع صندوق النقد الدولي إلى التحذير من أن سياساته من شأنها أن تعرض النمو العالمي للخطر.
وقال إيمانويل كاو، رئيس استراتيجية الأسهم الأوروبية في باركليز، إن الأسواق مدفوعة باحتمالات متزايدة تشير إليها أسواق التنبؤ بأن الجمهوريين سيحققون ما يسمى بالفوز الأحمر، حيث يسيطرون على الرئاسة ومجلسي الكونغرس.
وتضع بورصة العملات المشفرة بولي ماركت الآن احتمالات فوز ترامب بالرئاسة عند 62 بالمئة، مقارنة بـ 48 بالمئة قبل شهر. وقال كاو "خلال الشهر الماضي، انطلقت تجارة ترامب بكامل قوتها".
صفقات ترامب
كما أسهم انتعاش ما يسمى "صفقات ترامب" في تعزيز الدولار في الأسابيع الأخيرة وأضاف النشاط إلى عمليات البيع في سوق الخزانة الأميركية، نظراً لأن أجندته المدفوعة بالرسوم الجمركية من المتوقع أن تؤدي إلى زيادة التضخم وأسعار الفائدة.
وتحصل شركات مدرجة في سلة باركليز على أكثر من 30 بالمئة من إيراداتها في الولايات المتحدة، بما في ذلك شركة دايملر للشاحنات، ومجموعة الكيماويات أركيما، ودياجيو. ومع ذلك، يرى بعض المحللين أن حالة التشاؤم التي تسود الأسواق الأوروبية مبالغ فيها.
ووفق هيو جيمبر، استراتيجي السوق العالمية في جي بي مورغان لإدارة الأصول، فإن الأسواق الأوروبية تتداول بخصم 40 بالمئة مقارنة بالولايات المتحدة، وهو ما يعكس جزئيا التهديد بتجدد الأعمال العدائية التجارية. وأضاف: "يبدو أن هذه السلبية تنعكس الآن بشكل جيد في الأسعار".
وقال مارك شارتز، مدير المحفظة الاستثمارية في جانوس هندرسون، إنه يتوقع ارتفاعا أوسع في الأسهم في أعقاب فوز الجمهوريين، وهو ما من شأنه أن يفيد الأسهم الأوروبية أيضا. وأضاف "إذا حصلنا على فائز حاسم، فسيكون ذلك داعما للأسواق".
تأثيرات واسعة
في حديث خاص لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" يقول الدكتور نضال الشعار الخبير الاقتصادي وكبير الاقتصاديين في شركةACY ، نضال الشعار:
- تتجاوز قيمة التجارة الخارجية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية التريليون دولار. ويتمتع الاتحاد الأوروبي بفائض في مجال البضائع، بينما يعاني من عجز في مجال الخدمات.
- لذلك، فإن أية عملية رفع للرسوم والتعريفات الجمركية الأميركية ستشكل صدمة للشركات الأوروبية المصدرة، ما يستدعي من الاتحاد الأوروبي التعامل مع هذه الصدمة بكل الوسائل المتاحة.
- ويضيف: هذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها الاتحاد الأوروبي لزيادة في الرسوم الجمركية؛ فقد فرض الرئيس ترامب في ولايته الأولى رسوماً بنسبة 25 بالمئة على واردات الصلب و10 بالمئة على الألومنيوم.
في ذلك الوقت، لم يكن الاتحاد الأوروبي مستعداً للتعامل مع هذه الرسوم، واكتفى بردود انتقامية بسيطة. أما اليوم، يبدو أن الاتحاد الأوروبي أكثر جاهزية للتعامل مع الرسوم المقترحة، وأعتقد أنه سيغامر برد قاسٍ تجاه الولايات المتحدة إذا أصرت على فرض هذه الرسوم، واعتبرتها بمثابة عقوبات، وفق الشعار.
ويشدد على أنه في حال قيام ترامب بفرض هذه الرسوم التي يتعهد بها، فمن الطبيعي أن تنخفض مبيعات الشركات الأوروبية، ما سيؤدي حتماً إلى تراجع أسعار أسهمها بشكل مباشر.
كما ستواجه الشركات الأوروبية مشكلة إضافية إذا نفذ ترامب هذه الخطوة؛ حيث ستقوم الشركات الصينية بتصريف بضائعها بأسعار أقل، مما سيشكل منافسة حادة للبضائع الأوروبية، وسيؤدي ذلك إلى تراجع إضافي في مبيعاتها، إضافة إلى التراجع الناتج عن التعريفات الجمركية الأميركية.
ويختتم الشعار حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" بقوله: في تصوري، يدرك كل من الاتحاد الأوروبي وإدارة ترامب العواقب المحتملة من الناحيتين التجارية والسياسية. وأعتقد بأن التفاوض والحصول على استثناءات سيكون المسار الذي سيعتمده ترامب، خصوصاً أنه قادر على تغيير آرائه عندما يرى احتمال الفشل أو حدوث ضرر في علاقاته الدولية، باعتباره شخصاً براغماتياً وعملياً. لذا، أرى أن هناك فرصة للوصول إلى نوع من التسوية التي ترضي الطرفين.
التعريفات الجمركية
ووفق تقرير لـ "بلومبيرغ"، فإن مخاطر التعريفات التجارية المحتملة الناتجة عن فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية قد تم تسعيرها بالفعل في أسهم المصدرين الأوروبيين الرئيسيين.
هذا ما يؤكده الاستراتيجيون في بنك باركليز، إذ كتب فريق البحث بقيادة إيمانويل كاو في مذكرة يوم الأربعاء الماضي: "كانت المخاوف المتعلقة بالتعريفات الجمركية بمثابة ضغط على أسهم الاتحاد الأوروبي". ويقدرون أن الحرب التجارية الشاملة يمكن أن تؤدي إلى انخفاض كبير في نمو أرباح السهم.
"كانت مخاوف التعريفات الجمركية بمثابة عبء على الأداء النسبي لأسهم الاتحاد الأوروبي حتى الآن هذا العام. وفي حالة اندلاع حرب تجارية كاملة، فقد نشهد عبئًا "يصل إلى رقم واحد على نمو ربحية السهم"، حيث تكون ألمانيا وإيطاليا والسلع الرأسمالية والسيارات والمشروبات والتكنولوجيا والمواد الكيميائية الأكثر عرضة للخطر.
وأشار بنك باركليز إلى أن بعض الشركات الأوروبية نقلت إنتاجها إلى الولايات المتحدة منذ عام 2018، وهو ما قد يحد إلى حد ما من تأثير سياسة ترامب التجارية على السوق ككل إذا انتُخب. لكنه لا يزال قلقا بشأن الآثار الجانبية في هذه الحالة.
على الجانب الآخر، أشارت المذكرة إلى انتعاش أسواق أوروبا في حالة فوز نائبة الرئيس كامالا هاريس. ومن شأن سياستها أيضًا أن تعزز الطاقة النظيفة والمتجددة في المنطقة، والتي لم تحقق أيضًا أداءً جيدًا في ظل فرص فوز ترامب.
تحذيرات أوروبية
من جانبه، يقول رئيس قسم الأسواق العالمية في Cedra Markets، جو يرق، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، حذّرت من عودة ترامب إلى البيت الأبيض، وتداعيات ذلك على أوروبا، مشيرةً إلى أن ذلك قد يُحدث تأثيرات سلبية كبيرة على أوروبا، خاصةً إذا ما قام بتطبيق سياساته التي يطرحها، وهي سياسات حماية الاقتصاد الأميركي، التي تتضمن فرض ضريبة إضافية (تعرفات) بنسبة 20 بالمئة على السلع المستوردة (..). واعتبرت لاغارد أن عودة ترامب ستؤدي إلى آثار كارثية على العلاقات الاقتصادية، نظرًا لحجم التعاون الاقتصادي الكبير بين أمريكا وأوروبا.
- هذه السياسات الحمائية وزيادة الضرائب على المنتجات المستوردة ستؤثر بشكل كبير على الأسواق الأوروبية، لا سيما على الشركات التي تعتمد على التصدير إلى الولايات المتحدة.
- هذه السياسات لن تضر الاقتصاد الأوروبي فقط، بل ستنعكس أيضًا على الاقتصاد الأميركي نفسه، حيث سيتحمل المستهلك الأمريكي عبء هذه الضرائب بشكل غير مباشر.
ويضيف: بينما تترقب الدول نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، يراقب العالم بأسره بقلق شديد لأن هذه الانتخابات ستحمل آثارًا كبيرة على الاقتصاد العالمي، بما في ذلك الاقتصادين الأميركي والأوروبي.
أسواق الأسهم ليست منأى عن تلك التداعيات، ذلك أن عديداً من الشركات سوف تتأثر "بشكل مباشر" بسياسات ترامب الحمائية، لكونها أكثر تعرضاً لتلك السياسات من خلال أنشطتها التصديرية المختلفة.