ما هي خيارات "آبل" للتعامل مع ضغوطات ترامب؟
04:26 - 26 مايو 2025مع تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، تجد شركة "أبل" نفسها في قلب معركة معقدة، تجمع بين الضغوط السياسية والطموحات الصناعية والتحديات الاقتصادية.
مع تهديدات إدارة ترامب بفرض رسوم جمركية مرتفعة على هواتف "آيفون"، تتكشف سلسلة من العقبات اللوجستية والتقنية والمالية، التي تجعل فكرة تصنيع "آيفون" بالكامل داخل الولايات المتحدة حلماً بعيد المنال، في ظل تعقيد سلاسل التوريد العالمية وغياب البنية التحتية والعمالة المتخصصة.
- هدد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الجمعة بفرض رسوم جمركية بنسبة 25 بالمئة على شركة آبل على أي هواتف آيفون تباع بأميركا وليست مصنعة في الولايات المتحدة.
- ترامب قال للصحافيين إن التعريفة الجمركية البالغة 25 بالمئة ستطبق أيضًا على سامسونغ، وغيرها من شركات تصنيع الهواتف الذكية. ويتوقع أن تدخل الرسوم الجمركية حيز التنفيذ بنهاية يونيو.
في السياق، نقل تقرير لـ "رويترز" يوم الجمعة عن خبراء، قولهم إن مساعي الرئيس الأميركي لجلب تصنيع هاتف آيفون الذي تنتجه شركة آبل إلى الولايات المتحدة تواجه العديد من التحديات القانونية والاقتصادية، أقلها إدخال "مسامير صغيرة" تحتاج إلى الأتمتة، أو البراغي.
العمالة
وزير التجارة الأميركي، هوارد لوتنيك، كان قد قال لشبكة "سي بي إس" الشهر الماضي إن عمل "الملايين والملايين من البشر الذين يثبتون البراغي الصغيرة للغاية لصنع هواتف آيفون" سوف يأتي إلى الولايات المتحدة وسيتم أتمتته، مما يخلق فرص عمل لعمال التجارة المهرة مثل الميكانيكيين والكهربائيين لكنه قال لاحقا لشبكة "سي إن بي سي" إن كوك أخبره أن القيام بذلك يتطلب تكنولوجيا غير متاحة بعد.
ويسمح القانون، المعروف باسم قانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولية، للرئيس الأميركي باتخاذ إجراءات اقتصادية بعد إعلان حالة طوارئ تشكل تهديدا غير عادي واستثنائي للولايات المتحدة.
ونقلت رويترز عن الشريكة في شركة أكين جامب في واشنطن، سالي ستيوارت لينج، قولها: "لا توجد سلطة قانونية واضحة تسمح بفرض تعريفات جمركية خاصة بالشركات، لكن إدارة ترامب قد تحاول فرضها بموجب سلطات الطوارئ".
وقال الخبراء إن ترامب ينظر إلى قانون القوى الاقتصادية الطارئة الدولية باعتباره أداة اقتصادية مرنة وقوية لأنه ليس من الواضح ما إذا كانت المحاكم لديها السلطة لمراجعة استجابة الرئيس لحالة الطوارئ المعلنة.
وقال أستاذ القانون الدولي بجامعة ديوك، تيم ماير: "من وجهة نظر الإدارة، طالما استمر في تنفيذ طقوس إعلان حالة الطوارئ واعتبارها غير عادية أو استثنائية، فلا يوجد شيء يمكن للمحكمة أن تفعله".
ويشير التقرير إلى أن:
- نقل الإنتاج إلى الولايات المتحدة قد يستغرق ما يصل إلى عقد من الزمن.
- قد يؤدي ذلك إلى وصول سعر جهاز آيفون إلى 3500 دولار أميركي، وفقًا لما ذكره دان آيفز، المحلل في ويدبوش، في مذكرة بحثية.
- قال إيفز "نعتقد أن فكرة قيام شركة آبل بإنتاج هواتف آيفون في الولايات المتحدة هي مجرد قصة خيالية غير قابلة للتطبيق".
- حتى دون الوصول إلى هذا الحد، فإن فرض تعريفات جمركية على هواتف آيفون من شأنه أن يزيد من تكاليف المستهلكين من خلال تعقيد سلسلة التوريد والتمويل لشركة آبل، حسبما قال بريت هاوس، أستاذ الاقتصاد في جامعة كولومبيا.
تحديات تقنية ولوجستية
يقول أستاذ علم الحاسوب وخبير الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المعلومات في السيليكون فالي كاليفورنيا، الدكتور حسين العمري، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن تصنيع هواتف آيفون داخل الولايات المتحدة يواجه مجموعة معقدة من العقبات الاقتصادية والتقنية واللوجستية، مما يجعل هذا الهدف صعب التحقيق في المستقبل القريب، مُحدداً مجموعة من أبرز هذه التحديات:
أولاً- تعقيد سلسلة التوريد العالمية: تعتمد شركة آبل على شبكة ضخمة من الموردين تمتد عبر 28 دولة، تشمل أكثر من 187 مورّدًا (تشير مصادر أخرى إلى أن شبكة التوريد الكاملة لآبل أوسع من ذلك) لتوفير حوالي 2700 مكون مختلف لكل جهاز آيفون.. وإعادة بناء هذه الشبكة داخل الولايات المتحدة سيتطلب سنوات من العمل واستثمارات ضخمة، مع احتمال حدوث اضطرابات في الإنتاج.
ثانياً- نقص العمالة الماهرة: الرئيس التنفيذي لـشركة آبل، تيم كوك، كان قد أشار إلى أن الولايات المتحدة تفتقر إلى العدد الكافي من العمال المهرة القادرين على التعامل مع متطلبات تصنيع الأجهزة الإلكترونية الدقيقة، مقارنة بالصين التي تمتلك وفرة في هذه القوى العاملة.
ثالثاً- ارتفاع التكاليف: تقديرات المحللين تشير إلى أن تصنيع آيفون بالكامل في الولايات المتحدة قد يستغرق عقداً من الزمن، وقد يؤدي إلى ارتفاع سعر الجهاز إلى حوالي 3500 دولار، مقارنة بالسعر الحالي الذي يبلغ حوالي 1200 دولار.
رابعاً- تحديات تقنية: حتى المهام البسيطة مثل تثبيت البراغي الصغيرة في أجهزة آيفون تتطلب أذرع روبوتية متقدمة غير متوفرة حاليًا في الولايات المتحدة، مما يزيد من صعوبة نقل خطوط الإنتاج.
خامساً- الضغوط السياسية والرسوم الجمركية: هدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 25 بالمئة على أجهزة آيفون المصنعة خارج الولايات المتحدة، في محاولة للضغط على شركة آبل لنقل الإنتاج محلياً. ومع ذلك، يرى الخبراء أن مثل هذه الإجراءات قد تؤدي إلى زيادة أسعار الأجهزة للمستهلكين وتعقيد سلسلة التوريد بدلاً من تحفيز الإنتاج المحلي.
سادساً- البنية التحتية الصناعية المحدودة: الولايات المتحدة تفتقر إلى البنية التحتية المتكاملة اللازمة لتصنيع الأجهزة الإلكترونية على نطاق واسع، مما يجعل من الصعب منافسة الكفاءة والسرعة التي تتمتع بها المصانع في الصين والهند.
ويضيف: بينما تسعى الولايات المتحدة لتعزيز التصنيع المحلي، فإن التحديات المرتبطة بتصنيع آيفون داخل البلاد تجعل من هذا الهدف طموحًا بعيد المنال في الوقت الراهن. قد يتطلب الأمر سنوات من الاستثمار في البنية التحتية وتدريب القوى العاملة لتقريب هذا الحلم من الواقع.
تحمل التكلفة
وإلى ذلك، ذكر تقرير لشبكة "سي إن بي سي" الأميركية، أن محللين يرون أنه من المرجح أن يكون من المنطقي أكثر بالنسبة لشركة آبل أن تتحمل التكاليف بدلاً من نقل الإنتاج إلى الولايات المتحدة.
وكتب محلل سلسلة التوريد في آبل، مينغ-تشي كو، على منصة "إكس": من ناحية الربحية، من الأفضل بكثير لآبل أن تتحمل عبء ضريبة جمركية بنسبة 25 بالمئة على أجهزة آيفون المباعة في السوق الأميركية، بدلاً من إعادة خطوط تجميع الآيفون إلى الولايات المتحدة.
في السياق نفسه، وصف محلل UBS، ديفيد فوغت، الرسوم الجمركية المحتملة بنسبة 25 بالمئة بأنها "عنوان صادم"، لكنه أشار إلى أنها ستكون "عائقاً بسيطاً" أمام أرباح آبل، موضحاً أن ذلك سيخفض الأرباح السنوية للشركة بمقدار 51 سنتاً للسهم الواحد، مقارنةً بالتوقعات السابقة التي قدرت الانخفاض بـ34 سنتاً للسهم في ظل المشهد الحالي للرسوم الجمركية.
ويؤكد الخبراء منذ فترة طويلة أن تصنيع آيفون في الولايات المتحدة أمر مستحيل عملياً في أسوأ الحالات، أو مكلف للغاية في أفضل الأحوال، بحسب التقرير.
عقبات متشابكة
المستشار الأكاديمي في جامعة سان خوسيه الحكومية في كاليفورنيا، أحمد بانافع، يقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن عديداً من العقبات تحول دون تصنيع "آيفون" بالكامل في الولايات المتحدة الأميركية، مما يجعلها فكرة بعيدة المنال في الوقت الحالي. هذه العقبات متشابكة وتتعلق بالعديد من الجوانب الاقتصادية واللوجستية والعمالية.
ويشير إلى أن أبرز تلك العقبات ترتبط بالعقبات المتعلقة بسلسلة التوريد العالمية المعقدة (لجهة الاعتماد العالمي على سلسلة توريد معقدة، علاوة على عوامل التخصص والكفاءة، إذ تتركز صناعة المكونات التقنية المتقدمة في دول مثل تايوان (المعالجات والكاميرات الخلفية)، وكوريا الجنوبية (الشاشات والمودم)، واليابان (التخزين)، والصين (الغالبية العظمى من المكونات والبطاريات). تتميز هذه الدول بوجود بنية تحتية متخصصة للغاية وكفاءة عالية في الإنتاج الضخم لهذه المكونات.
كما يُبرز "صعوبة التغيير" كعقبة، ذلك أن تغيير هذه السلاسل العالمية المعقدة يتطلب سنوات طويلة من التطوير وقد يؤدي إلى اضطرابات كبرى وخسائر مالية هائلة إذا حدث بشكل متسرع.
كما يلفت كذلك إلى "التكلفة الباهظة للإنتاج"، مشدداً على أن تكاليف العمالة في الولايات المتحدة تعد أعلى بكثير منها في دول مثل الصين، في وقت تشير فيه التقديرات إلى أن تكلفة تجميع واختبار جهاز آيفون في الولايات المتحدة قد تصل إلى 200 دولار أميركي للجهاز الواحد، مقارنة بـ 40 دولاراً في الصين، مستطرداً: "يتوقع الخبراء أن سعر هاتف الآيفون قد يتضاعف 3 مرات أو أكثر إذا جرى تصنيعه بالكامل في الولايات المتحدة.. وهذا السعر المرتفع قد يجعله غير تنافسي في السوق".
كما يتحدث بانافع عن تكاليف البنية التحتية، على اعتبار أن إنشاء بنية تحتية كاملة لتصنيع جميع مكونات الآيفون في الولايات المتحدة سيتطلب استثمارات ضخمة ومليارات الدولارات. بخلاف المشكلات المرتبطة بنقص العمالة الماهرة والخبرة المتخصصة، وكذلك البنية التحتية والمصانع المتخصصة، إذ لا توجد في الولايات المتحدة البنية التحتية والمصانع المتخصصة والجاهزة لإنتاج جميع مكونات الآيفون بالكميات الهائلة المطلوبة. وبناء مثل هذه المصانع وتجهيزها يتطلب وقتًا وجهدًا واستثمارات ضخمة.
علاوة على الكفاءة اللوجستية، بحيث تتمتع الدول الآسيوية، وخاصة الصين، بكفاءة لوجستية عالية وسلاسل توريد متكاملة ومتجذرة في صناعة الإلكترونيات، مما يقلل من التعقيدات والتكاليف.
ويشير بانافع في السياق نفسه إلى أن بعض الدول تقدم حوافز حكومية وتسهيلات لشركات التصنيع، مما يجعلها وجهات جذابة للإنتاج الضخم، وأنه على الرغم من المحاولات السياسية لتعزيز التصنيع المحلي (مثل دعوات دونالد ترامب)، فإن الواقع الاقتصادي واللوجستي يجعل تحقيق ذلك أمرًا صعبًا للغاية على المدى القصير والمتوسط.