هل تعيد 5000 ميغاواط إضاءة منازل السوريين وتحقق أمل التعافي؟
04:46 - 30 مايو 2025في خطوة تُعد أول تطبيق عملي لرفع العقوبات الأوروبية والأميركية عن دمشق، وقّعت الحكومة السورية، اتفاقاً استثمارياً في قطاع الطاقة مع تحالف يضم أربع شركات كبرى من قطر وتركيا والولايات المتحدة، محوّلة التصريحات الدبلوماسية إلى مشاريع على الأرض.
يهدف الاتفاق إلى توسيع شبكة الكهرباء بقدرة إضافية تصل إلى 5000 ميغاواط، في توجه قد تضاعف حجم الإمدادات الكهربائية الحالية. هذا التقارب الاستثماري المتعدد الأطراف، من دول عربية وإقليمية وغربية، يعكس تحول النظرة إلى سوريا كبيئة استثمارية أكثر استقراراً. فهل يشكل هذا الاتفاق نقطة تحول حقيقية تعيد النور إلى منازل السوريين بعد سنوات الظلام؟ وهل تُنهي دمشق بـهذا الاتفاق عصر العزلة لتدخل مرحلة الشراكة والاستثمارات الدولية؟
وذكرت شركة أورباكون القابضة القطرية في بيان صدر الخميس أن سوريا وقعت مذكرة تفاهم مع تحالف من شركات عالمية بقيادتها لتطوير مشروعات كبرى لتوليد الكهرباء باستثمارات أجنبية تقارب سبعة مليارات دولار، حسبما نقلت رويترز. وتشمل المذكرة بناء أربع محطات غاز لتوليد الكهرباء تعمل بنظام الدورة المركبة بطاقة إجمالية أربعة آلاف ميغاوات بالإضافة إلى محطة طاقة شمسية بقدرة ألف ميغاوات في جنوب سوريا".
جدول زمني للتنفيذ
ومن المرجح أن يبدأ البناء بعد إبرام الاتفاقات النهائية والانتهاء من الاتفاق على الجوانب المالية، ومن المستهدف الانتهاء من البناء في غضون ثلاثة أعوام بالنسبة لمحطات الغاز، وأقل من عامين لمحطة الطاقة الشمسية.
وكانت الشركة القابضة القطرية، والتي ستتولى وحدتها "UCC Concession Investments" دور المطور الرئيسي للمشروع، أعلنت عن توقيع الاتفاق تحت عنوان "إحياء الطاقة في سوريا". مشيرة إلى أن الاتفاق يشمل التعاون مع ثلاث شركات أخرى هي: "Kalyon GES Enerji Yatirimlari" التركية، و"Cengiz Enerji"، و"Power International USA"، وذلك ضمن إطار خطة لإعادة تأهيل البنية التحتية للطاقة في سوريا.
انعكاسات مباشرة على الواقع الاقتصادي المعيشي
ووصف وزير الطاقة السوري محمّد البشير، خلال مؤتمر صحفي عقد مع الرئيس التنفيذي لشركة أورباكون القابضة رامز الخياط، الاتفاق بـ “الأول في حجمه ونوعه وقيمته في سوريا".
وقال البشير: "توفير إمدادات الغاز سيساهم في زيادة توليد الكهرباء وعدد ساعات التشغيل، الأمر الذي ينعكس على الواقع المعيشي للناس، فاليوم يتم تشغيل الكهرباء بحدود أربع ساعات يومياً بسبب التوليد القليل، وبعد زيادة التوريدات في الأسابيع القليلة القادمة سيصل عدد ساعات التشغيل إلى حوالي 10 ساعات يومياً، وسينعكس ذلك على الواقع الاقتصادي وواقع التنمية الشاملة، وستسهم المشاريع المتوقع إنجازها خلال ثلاث سنوات في تحقيق الاستقرار والاستدامة، وتحقيق أمن الطاقة في سوريا خلال الفترة القادمة".
بدوره، قال الرئيس التنفيذي لشركة أورباكون: "سيتم تمويل المشروع من خلال البنوك الإقليمية والدولية، إضافة لضخ رأس المال المطلوب للمشروع من قبل الشركات وجميعهم سيساهمون بذلك، ونأمل أن يتم الانتهاء من المشاريع قبل الموعد المحدد، وبأعلى نوعية لتمكين الشعب السوري من العودة إلى الحياة الطبيعية، وتحول سوريا من دولة لديها عجز في الطاقة إلى دولة مصدرة لها".
وبعد حرب استمرت قرابة 14 سنة، يعاني قطاع الكهرباء في سوريا من أضرار جسيمة في الشبكة والمحطات بالإضافة إلى البنية التحتية المتهالكة والنقص المستمر في الوقود، إذ لا يزيد الإنتاج يوميا على 1.6 غيغاوات مقابل 9.5 غيغاوات قبل 2011.
من العزلة إلى الانفتاح
في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أكد الباحث الاقتصادي المختص بالشأن السوري عصام تيزيني في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن اتفاقية الطاقة في سوريا تمثل تحولاً نوعياً، إذ وصفها بأنها "اتفاقية ذات قيمة عالية جداً لتحسين واقع الطاقة في البلاد، وتشكل إنجازاً كبيراً من شأنه إخراج سوريا من عزلتها، وفتح آفاق اقتصادية ومعيشية واسعة".
وأشار تيزيني إلى أن "سوريا اليوم لا تنتج سوى نحو 10بالمئة فقط من حاجتها الفعلية من الكهرباء، وبالتالي فإن من أبرز النتائج الأولية المتوقعة لتطبيق الاتفاقية هي تأمين ما بين 8 إلى 12 ساعة تغذية كهربائية يومياً، وهو ما سينعكس إيجاباً على حياة المواطنين بشكل مباشر وفي وقت قريب".
وأضاف أن "الأثر الأهم لهذه الاتفاقية لا يقتصر على البعد الخدمي، بل يكمن في كونها بوابة لعودة سوريا إلى العالم، وانخراطها في مسارات التطور والنمو، بعد أن بقيت مغلقة على العالم المتحضر لأكثر من ستة عقود، نتيجة تحالفات النظام السابق مع دول هامشية وغير منتجة".
ولفت إلى أن "الاتفاقية تمهّد لتفاهمات مقبلة، وتعزز فرص سوريا للحاق بركب الدول المتقدمة، ليس فقط من حيث الإمداد الكهربائي التدريجي الذي توفره الـ 5000 ميغاواط، بل من حيث الخروج المعنوي من الظلام والانفتاح على مستقبل جديد".
وختم بالقول: "إضافة 5000 ميغاواط إلى نحو 2000 ميغاواط متاحة حالياً، سيساهم بشكل كبير في استعادة الكهرباء إلى مستويات شبه طبيعية، ويمثل خطوة جوهرية على طريق التعافي الاقتصادي والخدمي".
التأسيس لانطلاقة تنموية جديدة في قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات
من جهته، قال خبير الاقتصاد الصناعي السوري نضال رشيد بكور في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "يشكل رفع العقوبات عن قطاع الطاقة في سوريا نقطة انعطاف حاسمة حيث يتزامن مع تدفّق أولي لاستثمارات دولية نوعية، لا سيما في إنتاج الكهرباء والبنية التحتية الحيوية. الوصول إلى هدف 5000 ميغاواط قد يعيد التوازن لشبكة الطاقة المتهاوية ويؤسس لانطلاقة تنموية جديدة في قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات".
وأضاف بكور: "هذا التحول لا يُعد فقط تغييراً تقنياً، بل هو استعادة لبيئة الأعمال وفتحٌ لسوق استثماري كان مغلقاً لعقد من الزمن، بهذه الإضافة الجديدة لشبكة الكهرباء السورية سيكون هناك ببساطة فرق بين الظلام والنور لملايين العائلات بعد سنوات من التقنين القاسي وانهيار الخدمات، فتأتي استثمارات الطاقة كرسالة أمل ملموسة للسوريين".
وأكد بكور أن ما يحدث اليوم لا يعيد فقط الإضاءة إلى المنازل، بل يُعيد الإحساس بالحياة الطبيعية ويهيئ الأرضية لتعافٍ مجتمعي واقتصادي شامل، وقال: "نحن أمام فرصة لتجاوز منطق البقاء إلى منطق البناء".