لا غنى عنه.. هذا المبلغ يجب أن يتوفر دائماً في محفظتك
10:00 - 08 يونيو 2025
في زمن تتسارع فيه وتيرة المدفوعات الإلكترونية بشكل غير مسبوق، ومع الانتشار الواسع للمحافظ الرقمية وتطبيقات الدفع عبر الإنترنت، بدأت الحاجة إلى النقود الورقية تتراجع تدريجياً، حيث لم يعد حمل الأموال ضرورة يومية كما كان في السابق.
ولكن ورغم التحول الكبير نحو المدفوعات الإلكترونية، يظل الاحتفاظ بمبلغ نقدي في متناول اليد، خياراً عملياً لا يمكن الاستغناء عنه، خصوصاً في بعض المواقف اليومية أو الطارئة، فمهما تقدّمت التكنولوجيا، تبقى النقود الورقية بمثابة شبكة أمان مالية في العديد من الحالات، سواء عند غياب أجهزة الدفع الإلكتروني في بعض الأماكن، أو في حال انقطاع الإنترنت أو حتى عند الحاجة إلى تصرّف سريع في لحظة حرجة.
ووسط هذا المشهد المتغيّر، تتجه الأنظار إلى مسألة أساسية تتعلّق بقيمة النقود التي يجب حملها في المحفظة لمواجهة المفاجآت اليومية، حيث يشير عدد من الخبراء الماليين إلى أن المبلغ النقدي المثالي يختلف من شخص إلى آخر، لكنه غالباً ما يتراوح بين 20 إلى 100 دولار أو ما يعادل هذه القيمة بالعملات المحلية لكل بلد، حيث يتيح هذا المبلغ تغطية النفقات الأساسية المفاجئة.
النقد في المحفظة من واشنطن إلى سيول
وأظهر تقرير نشرته شبكة "CNBC" واطّلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن الأميركيين ورغم الانتشار الواسع لوسائل الدفع الرقمية، ما زالوا يحتفظون بمبالغ نقدية صغيرة في محفظتهم، إذ كشفت دراسة استقصائية حديثة أجراها مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، حول أنماط استخدام الأموال في البلاد، أن متوسط المبلغ النقدي الذي يحمله المواطن الأميركي في محفظته يبلغ نحو 67 دولاراً.
أما في أوروبا، فقد أظهرت دراسة للبنك المركزي الأوروبي نُشرت في عام 2024، أن متوسط المبلغ النقدي الذي يحمله الأفراد في محفتظهم ضمن مناطق التكتل يبلغ 59 يورو، في حين تُظهر بيانات صادرة عن شركة "Statista" للإحصاءات، أن الغالبية العظمى من المستهلكين اليابانيين، يحتفظون بمبالغ نقدية تتراوح بين 33 و133 دولاراً أميركياً في محفتظهم.
وفي كوريا الجنوبية، كشف مسح أجراه بنك كوريا في عام 2024، أن المواطنين في البلاد يحملون في محفظتهم ما معدّله 47.3 دولاراً أميركياً، وذلك رغم اعتمادهم المتزايد على تطبيقات الدفع الإلكتروني والمحافظ الرقمية.
الكاش لا غنى عنه
ويرى خبراء التخطيط المالي، أن حمل مبلغ نقدي صغير لا يزال فكرة ذكية، حتى في ظل الانتشار المتزايد لأدوات الدفع الرقمي، حيث يقول كريستوفر راند، وهو مُخطط مالي مُعتمد في سان دييغو، إن المبلغ النقدي الذي ينبغي وضعه في المحفظة، يختلف من شخص إلى آخر تبعاً لروتينه اليومي، لكنه يتراوح عادةً بين 50 و100 دولار.
أما ميليسا كارو، وهي مُخططة مالية مُعتمدة في نيويورك، فتقول إن حمل ما بين 60 و80 دولاراً نقداً يُعد خياراً احتياطياً عملياً، فهذا المبلغ يمكن استخدامه للإكراميات، أو المشتريات اليومية الصغيرة، أو في حال تعرّضت أدوات الدفع الرقمية لأي خلل مفاجئ.
بدورها تؤكد ليزلي بيك، المخططة المالية المعتمدة في نيوجيرسي، أن حمل النقود لا يعني التخلي عن الوسائل الرقمية، بل الاستعداد للحظات التي قد تتوقف فيها تلك الوسائل عن العمل، مشيرة إلى أنه يجب الاحتفاظ بما لا يقل عن 50 دولاراً في المحفظة لحالات الطوارئ.
الكاش الاستراتيجي
ويقول خبير الإدارة الضريبية حسان حاطوم، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الاحتفاظ بالنقد يظل ضرورة استراتيجية، خصوصاً مع احتمالات تعطل البنية التحتية الرقمية، التي قد تتعرض لهجمات سيبرانية أو أعطال تقنية، كما أن بعض الفئات العمرية مثل كبار السن، قد لا يكونون متمكنين بشكل كامل من الدفع الإلكتروني، فيصبح النقد هو الوسيلة الأساسية لهم، مشيراً إلى أن تحديداً حجم الأموال التي يجب حملها في المحفظة، يتعلق بالعادات الشخصية وطبيعة الوظيفة أو النشاط الذي يمارسه كل فرد، فلا توجد قاعدة موحّدة تنطبق على الجميع، ولكن بشكل عام يُنصح بأن لا يتجاوز المبلغ النقدي الموجود في المحفظة حاجز الـ 120 دولاراً كحد أقصى.
توازن بين الأمان والخطر
وبحسب حاطوم فإن المبلغ المثالي للنقد في المحفظة يجب أن يمثل توازناً بين سهولة التعامل المالي اليومي والأمان الشخصي، فحمل مبلغ كبير من الكاش يعرض صاحبه لمخاطر السرقة أو الفقد، ومن هنا فإن الأموال في المحفظة يجب أن تبقى ضمن حدود معقولة، على أن يُعاد تعبئتها باستمرار وفقاً للحاجة اليومية، مشدداً على أن الاحتفاظ بمبلغ نقدي وإن كان صغيراً، يحمل فائدة نفسية لا يُستهان بها، إذ يمنح الفرد شعوراً بالجاهزية والطمأنينة في مواجهة حالات الطوارئ، وهي ميزة لا تقلّ أهمية عن القيمة النقدية نفسها.
الكاش في مواجهة الكوارث
بدوره يقول المحلل الاقتصادي جان خوري، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن ما لا يدركه كثيرون هو أن النقود الورقية تؤدي دوراً حيوياً في ما يُعرف بخطط الاستجابة للكوارث، فبعد انقطاع الكهرباء أو الإنترنت تتوقف أجهزة الدفع الإلكتروني، وحتى البطاقات المصرفية تصبح عديمة الجدوى، ولذلك هناك دول مثل نيوزيلندا وكوريا الجنوبية واليابان، أدرجت توصية في كتيّبات الاستعداد للطوارئ المنزلية، بضرورة ترك مبلغ نقدي أساسي في متناول اليد، واعتبر خوري أن الاحتفاظ بـ 100 دولار في المحفظة ليس فقط نصيحة مالية، بل جزءٌ من ثقافة الجاهزية التي بدأت تنتشر عالمياً بعد ازدياد التهديدات السيبرانية والكوارث البيئية.
شبكة أمان في الحياة اليومية
ويرى خوري أن النقود الورقية لا تزال تؤدي دوراً محورياً كشبكة أمان في الحياة اليومية، رغم الاعتماد المتزايد على الدفع الرقمي، ففي عدد من الكوارث الطبيعية والانهيارات السيبرانية، اضطرت حكومات إلى إصدار توصيات صريحة بضرورة الاحتفاظ بمبالغ نقدية في المحفظة، وعلى سبيل المثال، بعد الأعاصير التي اجتاحت سابقاً ولاية فلوريدا وأجزاء من اليابان، أو إثر الهجمات السيبرانية التي عطّلت أنظمة الدفع في كندا وأوكرانيا، دعت السلطات المحلية المواطنين إلى الاحتفاظ بسيولة نقدية، تكفي لتغطية احتياجاتهم الأساسية لعدة أيام، تحسّباً لأي توقف طويل في البنية التحتية المالية، وهذه الخطوة تعكس وعياً متزايداً بأن الأمان المالي لا يُقاس فقط بالبنية الرقمية، بل بوجود بدائل فورية قابلة للتطبيق عندما تتوقف التكنولوجيا فجأة.
وشدد خوري على أن الغاية من الاحتفاظ بالكاش، ليست في استبدال الدفع الإلكتروني به، بل بتعزيز قدرة الفرد على الصمود في المواقف غير المتوقعة، فكما نحتفظ بإطارات احتياطية في السيارة رغم تطور وسائل المساعدة على الطريق، كذلك ينبغي أن نتعامل مع النقود الورقية كأداة دعم لا يُستهان بها، تضمن الاستقلالية والاستجابة السريعة، عند تعطل البنية التحتية المالية لأي سبب كان.