سوريا.. حكومة جديدة في مهمة إنقاذ وسط خسائر اقتصادية صادمة
05:27 - 01 أبريل 2025أبصرت الحكومة السورية الجديدة النور في لحظة فارقة بتاريخ البلاد، بعد سنوات طويلة من الصراع والاضطراب السياسي. وتضم هذه الحكومة 23 وزيرًا، وتضع في مقدمة أولوياتها إطلاق عملية إعادة الإعمار، وإصلاح مؤسسات الدولة، وإنعاش الاقتصاد المنهك.
ومع ذلك، فإن الطريق أمامها ليس مفروشًا بالورود، بل يواجه تحديات هائلة تتراوح بين تحقيق الأمن والاستقرار، وإعادة اللاجئين، ورفع العقوبات الدولية، وجذب الاستثمارات، ووقف نزيف الليرة السورية.
فقد بلغت خسائر الاقتصاد السوري أرقامًا صادمة؛ حيث قُدّرت خسائر قطاع النفط والغاز وحده بنحو 115 مليار دولار، بينما تكبد القطاع الزراعي خسائر بقيمة 16 مليار دولار، والصناعة 25 مليار دولار. أما قطاع السياحة، الذي كان يدرّ 8.5 مليار دولار سنويًا قبل الحرب، فقد تلاشى تقريبًا.
تشكيلة الحكومة: رهان على الكفاءات والشباب
يرى المستشار الاقتصادي والسياسي أسامة القاضي خلال حديثه في برنامج بزنس مع لبنى على سكاي نيوز عربية أن الحكومة الجديدة تمتاز برشاقتها ومهنيتها، قائلًا: "إنها حكومة بلا وزراء بلا حقائب، ولا تخضع لمحاصصات سياسية تقليدية، بل تضم شخصيات ذات كفاءة حقيقية".
وقال: "اللافت في التشكيلة هو الحضور القوي للشباب، حيث هناك 12 وزيرًا تقل أعمارهم عن 45 عامًا، مما يمنحها طابعًا حيويًا متجددا".
العقوبات الدولية والاستثمارات: طريق وعر أمام الاقتصاد
يرى القاضي أن رفع العقوبات، خاصة الأميركية، يشكل تحديًا رئيسيًا أمام الحكومة، إذ إن العقوبات الغربية تُكبّل الاقتصاد وتمنع تدفق الاستثمارات الأجنبية.
ولكنه القاضي يعتقد أن وجود وزراء خريجي جامعات غربية، مثل وزير الاقتصاد ووزير المالية وحاكم المصرف المركزي، الذين تلقوا تعليمهم في الولايات المتحدة وبريطانيا، قد يساعد في بناء جسور تفاوضية مع الدول الصناعية الكبرى.
وأضاف القاضي: "نجاح الحكومة يعتمد على قدرتها على إقناع المجتمع الدولي برفع العقوبات أو على الأقل تخفيفها، وهذا يتطلب انسجامًا بين الفريق الاقتصادي، خصوصًا بين وزير الاقتصاد ووزير المالية وحاكم المصرف المركزي، لضمان تقديم رؤية اقتصادية متكاملة وجاذبة للمستثمرين".
الملف الأمني...عقبة أساسية أمام التعافي الاقتصادي
لا يمكن الحديث عن إنعاش الاقتصاد دون معالجة الملف الأمني، حيث يوضح القاضي أن وزير الداخلية الجديد يواجه مهمة شاقة في بسط الأمن والاستقرار، وهو شرط أساسي لجذب الاستثمارات وعودة رأس المال السوري المهاجر.
وقال: "لا استثمارات عربية أو دولية دون بيئة أمنية مستقرة، ولهذا فإن نجاح الحكومة في إعادة الثقة مرتبط بقدرتها على تحقيق الأمن".
واقترح القاضي سن قوانين جديدة تُسهّل دخول المستثمرين، من خلال نموذج "النافذة الواحدة"، بحيث يتمكن المستثمر من إتمام معاملاته في جهة واحدة، مما يخفف من البيروقراطية ويحفّز رؤوس الأموال العربية والدولية على الدخول إلى السوق السورية.
الليرة السورية..هل من أمل في الاستقرار؟
تعاني الليرة السورية من تدهور متواصل، لكن القاضي يرى أن استقرارها ليس مستحيلًا، مشيرًا إلى أن "السوق السوداء شهدت حالة نادرة حيث كان سعر الصرف فيها أقل من السعر الرسمي للبنك المركزي بعد ثلاثة أشهر من الثورة، وهو أمر لم يحدث في تاريخ سوريا".
وأوضح أن الحل يكمن في ضخ استثمارات حقيقية في الاقتصاد، قائلًا: "لا يمكن معرفة القيمة العادلة لليرة السورية دون ضخ 10 إلى 20 مليار دولار على الأقل في السوق، فالتوازن بين العرض والطلب هو المعيار الحقيقي لقيمة العملة، وليس المضاربات العشوائية".
كما اقترح إصدار فئات نقدية جديدة، مثل ورقة 5000 ليرة، للحد من المضاربات ومنع عمليات غسيل الأموال.
إعادة الإعمار: هل يكفي 900 مليار دولار؟
يشير القاضي إلى أن الرقم المقدر لإعادة الإعمار، البالغ 900 مليار دولار، ليس أكثر من رقم تحفيزي، ويقول: "لا تحتاج الحكومة إلى توفير كل هذا المبلغ دفعة واحدة، بل يمكنها الاعتماد على المستثمرين العقاريين العرب والغربيين عبر نظام BOT (البناء والتشغيل وإعادة الملكية)، حيث يقوم المطورون ببناء المشاريع وتشغيلها لفترة معينة، قبل أن تعود ملكيتها للدولة دون أن تتحمل الحكومة أعباء مالية ضخمة".
وأكد أن هذا النموذج يتطلب تنسيقًا وثيقًا بين وزارة الاقتصاد ووزارة الأشغال العامة، بالإضافة إلى استغلال شبكة العلاقات التي يتمتع بها وزير السياحة الجديد مع دول الخليج، خصوصًا المملكة العربية السعودية، لعقد شراكات استثمارية مجدية.
استقطاب المستثمرين السوريين: الفرص والمخاوف
تحدّث القاضي عن المستثمرين السوريين في الخارج، مؤكدًا أن لديهم رغبة قوية في العودة والاستثمار، لكنهم بحاجة إلى ضمانات واضحة. وأوضح أن حكومة تسيير الأعمال السابقة لم تكن قادرة على تقديم مثل هذه الضمانات، ولكن الآن هناك فرصة حقيقية لاتخاذ قرارات جريئة تسهّل دخول المستثمرين وتحمي مصالحهم.
وأضاف: "عقدنا لقاءً مع أكثر من 100 رجل أعمال سوري داخل دمشق، وكان هناك اهتمام واسع بالاستثمار، ولكن التحدي يكمن في توفير بيئة قانونية وأمنية مستقرة".
هل تنجح الحكومة في اختبار المستقبل؟
لا شك أن الحكومة السورية الجديدة أمام اختبار صعب، فهي مطالبة بمعالجة ملفات اقتصادية وأمنية معقدة، في ظل إرث ثقيل من الدمار والأزمات.
وبينما تبدو التحديات هائلة، فإن نجاحها يعتمد على قدرتها على تحقيق الاستقرار، وإطلاق إصلاحات حقيقية، وبناء شراكات اقتصادية تفتح الباب أمام الاستثمارات الخارجية والداخلية.
الأيام القادمة وحدها ستكشف ما إذا كانت هذه الحكومة قادرة على تحويل الوعود إلى واقع ملموس.