هل أفرغت تعريفات ترامب موانئ أميركا وأنعشت نظيرتها الصينية؟
13:12 - 02 مايو 2025
في سياق المشهد التجاري العالمي المتأثر بالتوترات الجيوسياسية، تبرز الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين كعامل محوري يعيد تشكيل ديناميكيات حركة الشحن الدولية.
وتشير أحدث التقارير إلى ظهور تأثيرات ملموسة لهذه التوترات على نشاط الموانئ الأميركية، حيث يلاحظ تباطؤ في حجم البضائع المتدفقة إليها، وذلك في أعقاب فرض تعريفات جمركية أميركية تصاعدية على الواردات الصينية.
هذه التطورات تثير تساؤلات جوهرية حول مستقبل التجارة البحرية: هل نشهد تحولاً في مركز الثقل العالمي، حيث تتراجع أهمية الموانئ الأميركية لصالح نظيرتها الصينية؟ ومن يتحمل التكلفة الاقتصادية الأكبر لهذا النزاع، في ظل تباين المشهد بين موانئ تواجه تحديات جمة وأخرى تستفيد من إعادة توجيه سلاسل الإمداد؟ وهل نحن أمام مرحلة مفصلية تعيد فيها هذه "الحرب التجارية" رسم خريطة الشحن العالمية.
تباطؤ حركة الشحن في الموانئ الأميركية
يشهد حجم البضائع المتدفقة إلى الموانئ الأميركية تباطؤاً ملحوظاً، في مؤشر ينذر بتأثر الاقتصاد الأميركي بالحرب التجارية الدائرة مع الصين، فقد أفاد مشغلو موانئ حاويات ومديرو شحن جوي بانخفاض حاد في البضائع المنقولة من الصين، وذلك في أعقاب فرض تعريفات جمركية أمريكية تصاعدية على الواردات الصينية، بحسب بيانات نشرتها صحيفة "فايننشال تايمز".
ونقلت الصحيفة البريطانية عن مجموعات الخدمات اللوجستية "إن حجوزات الحاويات المتجهة إلى الولايات المتحدة انخفضت بشكل حاد منذ فرض رسوم جمركية بنسبة 145 بالمئة على الواردات الصينية".
ويعد ميناء لوس أنجلوس، الذي يستقبل الحصة الأكبر من البضائع القادمة من الصين، من بين الموانئ الأميركية الأكثر تضرراً.
ويتوقع الميناء انخفاضاً في عدد الشحنات المجدولة للوصول في الأسبوع الذي يبدأ في 4 مايو بنسبة تصل إلى الثلث مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وتظهر أحدث البيانات المتاحة من خدمة تتبع الحاويات "فيزيون" انخفاضاً بنسبة 45 بالمئة على أساس سنوي في حجوزات حاويات الشحن القياسية بطول 20 قدماً من الصين إلى الولايات المتحدة في منتصف أبريل الماضي.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا التباطؤ يمتد إلى موانئ أخرى على الساحل الغربي للولايات المتحدة، والتي تعتمد بشكل كبير على التجارة مع الصين.
تحول في مصادر الاستيراد وزيادة التكاليف
في المقابل، بدأت تظهر مؤشرات على تحول في مصادر الاستيراد، حيث يتجه المستوردون الأميركيون إلى أسواق بديلة في جنوب شرق آسيا.
ووفقاً لبيانات شركة الخدمات اللوجستية "فريتوس"، ارتفعت أسعار الحاويات بنسبة 15 بالمئة للحاوية بطول 40 قدماً من فيتنام، مقارنة بانخفاض بنسبة 27 بالمئة على الطرق الرئيسية بين الصين والولايات المتحدة.
ويعكس هذا التحول سعي المستوردين إلى تقليل اعتمادهم على الصين وتجنب تأثير التعريفات الجمركية الأميركية، وهو ما قد يؤدي إلى زيادة في تكاليف الاستيراد على المدى الطويل.
إعادة تشكيل خريطة التجارة العالمية
وتتجاوز تداعيات هذه الحرب التجارية التأثيرات الآنية، لتمتد إلى إعادة تشكيل محتملة لخريطة التجارة العالمية. فقد أظهر استطلاع رأي أجرته أخيراً غرفة التجارة الدولية في أكثر من 60 دولة، بعد الإعلان عن الرسوم الجمركية الأميركية، توقعات بتأثر التجارة بشكل دائم، بغض النظر عن نتيجة المفاوضات التجارية المستقبلية بين الولايات المتحدة والصين.
ومع ذلك، هناك مبادرات أميركية لبدء مفاوضات تجارية مع الصين في تطور جيد لهذه الحرب، حيث أعلنت الصين أنها تُقيّم المبادرات الأميركية، في خطوة قد تمهد الطريق أمام أكبر اقتصادين في العالم للشروع في محادثات تهدف إلى حلحلة الحرب التجارية التي هزت الأسواق المالية وألقت بظلالها على النشاط الاقتصادي العالمي، وفقاً لتقرير نشرته شبكة "سي إن بي سي" واطلعت عليه سكاي نيوز عربية.
وصرح متحدث باسم وزارة التجارة الصينية في بيان الجمعة بأن مسؤولين أميركيين كباراً تواصلوا أخيراً "عبر الأطراف المعنية عدة مرات"، معربين عن أملهم في بدء مفاوضات مع الصين بشأن الرسوم الجمركية.
وأكدت الوزارة ضرورة إلغاء الرسوم الجمركية أحادية الجانب، مشيرة إلى أن عدم القيام بذلك سيُعد " انعداماً للصدق" من جانب واشنطن وتقويضاً للثقة المتبادلة بين الجانبين، وفقاً لتقرير الشبكة الأميركية.
الشركات الأميركية تلغي طلباتها من الصين
وقال الخبير الاقتصادي علي حمودي في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "لا أحد يربح في حرب تجارية شاملة، فالآن الشركات الأميركية تلغي طلباتها من الصين، وتؤجل خطط التوسع، وتترقب مفاجآت السياسة التجارية التي يخطط الرئيس دونالد ترامب لفرضها عليها لاحقاً، ويبدو أن الضرائب الضخمة وغير المتوقعة التي فرضها ترامب على الواردات ستؤدي على الأرجح إلى رفوف فارغة وارتفاع في الأسعار للمستهلكين الأميركيين، ربما في غضون أسابيع".
كما قد يؤدي ارتفاع التكاليف وعدم اليقين المسبب للشلل إلى عواقب اقتصادية وخيمة، فالمستهلكون الأميركيون في أسوأ حالاتهم منذ تفشي كوفيد-19 قبل خمس سنوات، والآن تتزايد مخاطر الركود، بحسب تعبيره.
وأضاف حمودي: "في الأسابيع القليلة المقبلة، قد نبدأ برؤية نقص في السلع من المرجح أن يتركز في فئات تعتمد فيها الولايات المتحدة بشكل كبير على التصنيع الصيني، حيث لا توجد الكثير من البدائل، وبالتأكيد بدائل سريعة. من بينها: الأثاث، ومنتجات الأطفال، والسلع البلاستيكية، بما في ذلك الألعاب، ونحن نعلم أن إنفاق المستهلكين يُمثل حوالي 70 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، لذا إذا توقف المستهلكون عن التسوق، فقد تتفاقم التداعيات الاقتصادية، وقد نشهد بالفعل ركوداً في أميركا خلال الـ 12 شهراً القادمة".
وذكر أن الولايات المتحدة والصين تُمثلان معاً حصةً كبيرةً من الاقتصاد العالمي، حوالي 43 بالمئة بالمئة هذا العام على سبيل المثال، وأضاف: "وإذا انخرطتا في حرب تجارية شاملة تُبطئ نموهما، أو حتى تدفعهما إلى الركود، فمن المرجح أن يُلحق ذلك الضرر باقتصادات الدول الأخرى من خلال تباطؤ النمو العالمي، كما يُرجح أن يُعاني الاستثمار العالمي".
انخفاض كبير في أحجام وأسعار الحاويات
أما عن قطاع الشحن البحري، فاضح الخبير الاقتصادي حمودي أن هذه الحرب التجارية ستؤدي إلى "انخفاض كبير في أحجام وأسعار الحاويات قريباً، وربما بشكل كبير، وقد تكون أحد العوامل التي ستؤدي إلى فترة ذروة ضعيفة للغاية هذا العام - على غرار ما أدى إليه التقدم المدفوع بالرسوم الجمركية في عام 2018 من انخفاض طفيف في أسعار الحاويات والطلب عليها في عام 2019، ومن المتوقع أن يكون تأثير الرسوم الجمركية الأخيرة التي فرضتها إدارة ترامب هو الأشد على شحن الحاويات".
من منظور الشحن، سيكون قطاع الحاويات هو الأكثر تضرراً، وتم إعفاء العديد من ناقلات النفط والبضائع السائبة الجافة حتى الآن من زيادات الرسوم الجمركية، لكن معظم البضائع المشحونة في حاويات ستواجه زيادات في رسوم الاستيراد، بحسب حمودي، الذي يرى أنه في حال أدت زيادات الرسوم الجمركية إلى نمو صفري في واردات الحاويات الأميركية، قد يؤدي ذلك إلى تراجع في حجم الحاويات المتداولة عالمياً بنسبة 0.5 نقطة مئوية".
بدوره، قال مستشار الاقتصاد الدولي عامر الشوبكي في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "أدت الرسوم الجمركية المرتفعة التي فرضتها إدارة ترامب بنسبة 145 بالمئة على الصين إلى تراجع كبير في الواردات الصينية إلى الموانئ الأميركية، وهو ما انعكس في انخفاض نشاط الموانئ الرئيسية مثل لوس أنجلوس، في المقابل فإن الموانئ الصينية لم تنتعش، بل شهدت أيضاً تراجعاً واضحاً في النشاط الصناعي، إذ انخفض مؤشر مديري المشتريات الصناعي (بي أم آي) إلى 49 نقطة وأيضاً طلبات التصدير الجديدة انخفضت إلى 44.7 نقطة وهي من أسوأ المستويات منذ جائحة كورونا مما يدل على انكماش فعلي في نشاط التصدير.
أميركا والصين يدفعان الثمن
وحول من يدفع ثمن التعريفات الجمركية أوضح الشوبكي، أن الطرفان الولايات المتحدة والصين يدفعان الثمن، وقال: "في الصين هناك تراجع في مؤشر التوظيف الصناعي داخل المصانع المعدة بضائعها للتصدير وهذا يعكس خفض الإنتاج وتسريح العمال بينما تواجه الشركات الأميركية ارتفاعاً في أسعار المستوردات وتكاليف الإنتاج، ورغم أن الحكومة الصينية لم تعلن رسمياً عن وجود تباطئ في الناتج المحلي الإجمالي غير أن التقديرات تشير إلى أن الاقتصاد الصيني ربما يعاني من انكماش قادم. مع شكوك دائماً حول جودة وشفافية الأرقام الصينية مقارنة بنظيرتها الأميركية وحتى الدول الأخرى حول العالم".
وأكد أن هذه التوترات دفعت الكثير من الشركات الأميركية إلى تحويل سلاسل الإمداد إلى دول بديلة مثل الهند وفيتنام مما يعيد توجيه حركة الشحن نحو آسيا غير الصينية، مشيراً إلى أن هذا التحول يعيد رسم خريطة الشحن البحري لكنه يتم ببطء ويكلف الاقتصاد الأميركي كثيراً خصوصاً في الموانئ التي كانت تعتمد على الواردات الصينية.
وختم مستشار الاقتصاد الدولي الشوبكي بقوله: "إن الموانئ الأميركية تدفع ثمن شعار "أميركا أولاً" بشكل مباشر عبر انخفاض النشاط وتراجع التوظيف المحلي أما الصين لم تجني ثماراً، بل دخلت في أزمة تراجع صناعي ملموس ففي حين لم تقر رسمياً بكين بحدوث انكماش فإن المؤشرات الصناعية والطلبيات تؤكد ما ينذر بتأثيرات أوسع على الاقتصاد ما لم تتدخل الحكومة بحوافز أعمق، ومن المعروف أن الولايات المتحدة أعلنت حدوث انكماش يبلغ 0.3 بالمئة في الربع الأول من العام الحالي".
