هل تُشعل رسوم ترامب فتيل أزمة إفلاسات عالمية؟
04:13 - 08 أبريل 2025
شهد الاقتصاد العالمي في الآونة الأخيرة تحولات جيوسياسية واقتصادية متسارعة، كان من أبرز ملامحها عودة التوجهات الحمائية في السياسات التجارية. وفي قلب هذه التحولات، تبرز بشكل لافت سياسات الرسوم الجمركية التي تبناها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي أثارت جدلاً واسعاً وتخوفات متزايدة بشأن تداعياتها المحتملة على استقرار الاقتصاد العالمي والشركات على اختلاف أحجامها.
فبعد فرض رسوم جمركية واسعة النطاق على سلع مستوردة من اقتصادات كبرى مثل الصين والاتحاد الأوروبي، وما تلا ذلك من إجراءات انتقامية وردود فعل سوقية حادة تمثلت في تراجعات ملحوظة في أسواق الأسهم العالمية، بات السؤال المطروح بإلحاح: هل تقف هذه الإجراءات التجارية بمثابة الشرارة التي ستُشعل فتيل أزمة إفلاسات عالمية؟
إن التداعيات الأولية للرسوم الجمركية بدأت بالفعل تلوح في الأفق، حيث يشير خبراء اقتصاد إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج على الشركات، واضطراب سلاسل الإمداد العالمية، وارتفاع محتمل في أسعار المستهلكين، الأمر الذي يضع ضغوطاً متزايدة على ربحية الشركات وقدرتها على الوفاء بالتزاماتها المالية.
أخبار ذات صلة
فعندما ترتفع أسعار كل شيء في كل مكان بسبب الرسوم الجمركية، فقد ينعكس ذلك على الشركات التي بدأت دورتها للتو وتنتهي بتسريح العمال، والإفلاسات، وارتفاع الأسعار على عملاء الشركات الباقية، بحسب تقرير نشره موقع "آكسيوس" واطلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية.
صراع لمعرفة كيفية البقاء على قيد الحياة في النظام العالمي الجديد
وأوضح التقرير أنه "من متاجر الملابس التي تحصل على كل إنتاجها من الدول الآسيوية التي تخضع لرسوم جمركية عالية، إلى الخبازين الذين تعتمد معجناتهم على (الفانيليا) المستوردة حديثاً، إلى شركات التكنولوجيا التي تحتاج بطارياتها إلى المعادن التي قطعتها الصين للتو رداً على ذلك، سيكون نهاية هذا الأسبوع صراعاً لمعرفة كيفية البقاء على قيد الحياة في النظام العالمي الجديد".
ودعا التقرير إلى تتبع مقياس "راسل 2000" وهو مقياس واسع لأسهم الشركات الصغيرة في مختلف الصناعات، منوهاً إلى انخفاضه بنسبة 20 بالمئة تقريباً هذا العام وحده، معتبراً أن هذا الانخفاض بحد ذاته لا يجعل الشركة تغلق أبوابها، ولكنه يقول شيئاً عن ثقة الجمهور في آفاقها، مستعرضاً ما كتب كين ماهوني من شركة ماهوني لإدارة الأصول يوم الجمعة: "السوق يشبه استطلاعاً في الوقت الفعلي ... هذا سيؤثر على جميع الشركات بطريقة أو بأخرى بلا شك".
شركات توقف الإنتاج وتسرح عمال
وتقدر مجموعة تجارة الإلكترونيات IPC أن تكلفة المكونات الحيوية القادمة من الخارج سترتفع بنسبة 30 بالمئة إلى 50 بالمئة. وأوقفت شركة صناعة السيارات "ستيلانتس" الإنتاج في عدة مصانع وسرحت مئات العمال. وقالت شركة "الري ليندسي كورب" إن الرسوم الجمركية ستزيد من تكلفة البضائع لديها، والتي ستمررها إلى العملاء. هؤلاء العملاء هم المزارعون، الذين يتعرضون الآن لضغوط الرسوم الجمركية الأجنبية الانتقامية على السلع الأميركية.
أخبار ذات صلة
وفي السياق ألقت رسوم ترامب الجمركية والإجراءات اللاحقة من الدول الأخرى بظلالها على محافظ المستثمرين، حيث تراجعت الأسواق بشكل كبير في جميع أنحاء العالم عقب الإعلانات، وامتدت عمليات البيع إلى يوم الإثنين، فيما كان ترامب وإدارته متشبثين بموقفهم، طبقاً لتقرير نشرته شبكة (سي إن بي سي) واطلعت عليه سكاي نيوز عربية، حيث قال الرئيس الأميركي "لن يكون الأمر سهلاً" وحث الأميركيين على "الصمود" في منشور على موقع Truth Social .
وأشار التقرير إلى أن الاتحاد الأوروبي يستعد أيضاً لفرض رسوم جمركية تستهدف ما يصل إلى 28 مليار دولار من الواردات الأميركية، مما يمثل أحدث تصعيد في هذا الصراع. وكانت الصين وكندا قد أعلنتا أيضاً عن إجراءات انتقامية الأسبوع الماضي.
ومع هذه الخسائر السوقية، والارتفاع المتوقع في أسعار المستهلكين، وزيادة خطر حدوث ركود بسبب الرسوم الجمركية، من الصعب حقاً رؤية ما هو "النصر" بالنسبة لترامب الذي قال إن "الحروب التجارية جيدة وسهلة الفوز" طبقاً لتقرير الشبكة الأميركية.
الأسواق توسع الخسائر
وأوضح التقرير أن الأسواق توسع الخسائر، حيث انخفضت العقود الآجلة للأسهم الأميركية الإثنين، ليشكل ثالث يوم من الخسائر بعد يومين من تراجع تاريخي لسوق الأسهم. ووسعت أسواق آسيا والمحيط الهادئ عمليات البيع الاثنين حيث أثارت المخاوف بشأن حرب تجارية عالمية مزاجاً ينفر من المخاطرة. وقادت أسواق هونغ كونغ الخسائر في المنطقة. كما انضمت العملات المشفرة إلى تراجع السوق.
وقال وزير التجارة الأميركي هوارد لوتنيك "سوف تظل الرسوم بالتأكيد سارية لأيام وأسابيع، يحتاج الرئيس إلى إعادة ضبط التجارة العالمية. الجميع لديهم فائض تجاري ولدينا عجز تجاري." لكن وزير الخزانة سكوت بيسنت استبعد مخاوف الأميركيين بشأن ركود محتمل وشأن خطط التقاعد الخاصة بهم، قائلاً: "إن الرئيس دونالد ترامب وإدارته يبنون الأسس الاقتصادية طويلة الأجل للازدهار".
الرسوم رفعت احتمالية حدوث ركود اقتصادي
في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أكد المستشار والخبير الاقتصادي الدولي عامر الشوبكي أن الرسوم الجمركية الواسعة النطاق التي تتراوح بين 10 و49 بالمئة أثارت مخاوف اقتصادية عالمية عميقة، مشيراً إلى أن هذه الرسوم رفعت احتمالية حدوث ركود اقتصادي عالمي إلى نحو 60 بالمئة، كما زادت من فرص ارتفاع معدلات الإفلاس بين الشركات في مختلف دول العالم، إلى جانب توقعات بارتفاع التضخم في الولايات المتحدة إلى 4 بالمئة.
وقال الشوبكي إن تأثيرات هذه الرسوم على الشركات والاقتصادات ستكون ملموسة، خصوصاً أن العديد من الشركات الأميركية تعتمد على سلاسل توريد عالمية، وتشمل مدخلات إنتاج مستوردة من دول مثل كمبوديا وفيتنام وأوروبا وأوضح أن بعض هذه المدخلات ستُفرض عليها رسوم جمركية تتراوح بين 46 و49 بالمئة، ما سيؤدي إلى ارتفاع كبير في تكاليف الإنتاج داخل الولايات المتحدة، بينما تُفرض رسوم تصل إلى 20 بالمئة على واردات أخرى من دول أوروبية، إلى جانب الواردات التي تأتي من كندا والمكسيك ومن جميع دول العالم.
وأشار إلى أن عدداً من العلامات التجارية الكبرى في قطاع الألبسة، مثل نايكي ورالف لورين وكاب، شهدت انخفاضاً في قيمتها السوقية بنسبة وصلت إلى 30 بالمئة، نتيجة تأثرها المباشر بزيادة الرسوم على مدخلات إنتاجها. ولفت إلى أن هذه الشركات بدأت بإعادة تقييم استراتيجياتها المالية والتشغيلية في ظل الضغوط الجديدة.
وظائف آلاف العمال مهددة في حال قررت الشركات نقل إنتاجها
وأضاف الخبير الاقتصادي الشوبكي أن الاقتصادات الناشئة التي تعتمد بشكل كبير على التصدير إلى الولايات المتحدة، مثل كمبوديا وفيتنام، تواجه تحديات حادة، إذ باتت وظائف الآلاف من عمال المصانع مهددة في حال قررت الشركات نقل إنتاجها إلى دول أخرى لتفادي الرسوم المرتفعة، أو حتى إعادته إلى الولايات المتحدة، وهو ما تسعى إليه الإدارة الأميركية الحالية.
وحذر من أن قطاع السيارات العالمي لن يكون بمنأى عن هذه التداعيات، خاصة مع فرض رسوم بنسبة 25 بالمئة على واردات السيارات، ما قد يؤثر سلباً على شركات كبرى مثل "جنرال موتورز"، التي تعتمد على مصانع في كندا والمكسيك، لتصبح أكثر عرضة لتأثيرات هذه السياسات الحمائية.
وأكد الشوبكي أن المؤسسات المالية الدولية بدأت بإطلاق تحذيرات متزايدة من احتمال دخول الاقتصاد الأميركي في حالة ركود، مشيراً إلى أن هذه الرسوم قد تُفضي إلى موجة من حالات التخلف عن سداد الديون بين الشركات والدول على حد سواء. وقال: "إن قيمة السندات والقروض المتعثرة عالمياً ارتفعت إلى أكثر من 43 مليار دولار بعد إعلان فرض الرسوم الجمركية فقط".
وفي ما يخص الموقف الأوروبي، أوضح الشوبكي أن الاتحاد الأوروبي لم يبدِ حتى الآن رد فعل صارم، متوقعاً ألا يكون هناك رد رسمي في الوقت القريب.
التعريفات الجمركية ضربة قوية لنظام التجارة الحرة العالمي
ووصف الشوبكي هذه التعريفات بأنها "ضربة قوية لنظام التجارة الحرة العالمي"، محذراً من أنها قد تؤدي إلى حالة من "الركود التضخمي" إذا ما تزامن الركود مع ارتفاع مستويات الأسعار، ما يُنذر بتأثيرات مزدوجة ومعقدة على الاقتصاد العالمي.
وأشار إلى أن هدف إدارة ترامب من هذه الرسوم هو حماية الصناعة الأميركية، غير أن العواقب المرتقبة عالمياً ستكون كبيرة، بدءاً من تفاقم المخاوف الاقتصادية، مروراً بزيادة حالات الإفلاس، وانتهاءً باحتمال تصاعد الحروب التجارية أو إعادة التفاوض على الاتفاقيات التجارية الدولية.
واختتم الشوبكي تصريحه بالقول: “هناك أكثر من 50 دولة تعكف إلى إجراء مفاوضات مع الولايات المتحدة حول هذه الرسوم، لكن التصعيد الحقيقي جاء من الصين، التي فرضت رسوماً إضافية بنسبة 34 بالمئة على البضائع الأميركية، رداً على القرار الأميركي، وهو ما يُنذر بتحول النزاع إلى "حرب اقتصادية وتجارية" بين أكبر اقتصادين في العالم، يشكلان معاً قرابة 40 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
مخاوف من موجة إفلاسات
بدوره، قال الخبير الاقتصادي حسين القمزي في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "بعد ان أطلق الرئيس الأميركي دونالد ترامب جولة جديدة من الرسوم الجمركية الواسعة على الواردات من عشرات الدول، ضمن ما أسمته إدارته بسياسة (الرسوم المتبادلة) حدثت صدمة كبيرة في الأسواق العالمية، وثارت مخاوف متزايدة من الدخول في ركود اقتصادي عالمي، أو حتى موجة من الإفلاسات على مستوى الشركات والقطاعات المختلفة".
وأوضح أن القطاع الصناعي هو أكثر المتضررين، حيث شهدت الشركات المصنعة ارتفاعاً حاداً في تكاليف المواد الأساسية، وانقطاعات في سلاسل التوريد، وتراجعاً في الطلب العالمي، مشيراً إلى أن شركات تصنيع السيارات من مثل ستيلانتس ولاندروفر وجاكوار علّقت الإنتاج وسرّحت عمالاً، وقال: "في حين حذّرت جمعيات صناعية من تآكل تنافسية المصانع الأميركية وفقدان وظائف بالجملة. توقفت في أوروبا وآسيا بعض الشحنات الصناعية، وتعرّضت اقتصادات تصديرية مثل فيتنام وكمبوديا وبنغلاديش لضغوط كبيرة بسبب الرسوم المرتفعة المفروضة على صادراتها إلى السوق الأميركية".
أما القطاع التكنولوجي فلم يكن أحسن حالاً، إذ تعتمد شركات التكنولوجيا على سلاسل توريد معقّدة عبر آسيا وأوروبا، بحسب القمزي، الذي ذكر على سبيل المثال أن شركة "آبل" تواجه ارتفاعاً كبيراً في تكلفة إنتاج أجهزة "آيفون" ما قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير أو تأجيل الإطلاقات الجديدة، وأن شركات إلكترونيات أخرى، وخصوصاً الصغيرة، تواجه خطر الإفلاس إذا لم تتمكن من تعويض هذه التكاليف أو إيجاد بدائل توريد أرخص.
القطاع الزراعي في عين العاصفة
وأضاف: إن الزراعة وقطاع الأغذية في عين العاصفة، حيث يعتمد المزارعون الأميركيون على التصدير كمصدر رئيسي للدخل. ومع فرض رسوم انتقامية من دول أخرى، وارتفاع تكاليف المستلزمات، تراجع دخل المزارعين، وأصبح كثير منهم قاب قوسين أو أدنى عن الإفلاس، بحسب مسؤولين، كما تتأثر شركات معدات الزراعة والموزعين أيضاً نتيجة انخفاض الطلب".
وأشار الخبير الاقتصادي القمزي إلى توقعات خبراء الاقتصاد والتمويل الذين يحذرون من تسارع وتيرة الإفلاس عالمياً في حال استمرت الحرب التجارية، وقال: " جي بي مورغان رفع توقعاته لحدوث ركود عالمي في 2025 إلى 60 بالمئة كما سجّلت الأسواق المالية زيادات حادة في حجم الديون المتعثرة، وبلغت قرابة 43 مليار دولار في أسبوع واحد، وهو أعلى مستوى في أكثر من عام. ويشير ذلك إلى تصاعد خطر إفلاس الشركات، خاصة تلك المثقلة بالديون أو التي تعمل بهوامش ربح ضيقة".
وهناك تقديرات أخرى تشير إلى أن استمرار الحرب التجارية قد يؤدي إلى زيادة الإفلاسات العالمية بنسبة 7–8 بالمئة خلال 2025، ما يعني آلاف حالات الفشل التجاري، خصوصاً في قطاعات مثل التجزئة، التصنيع، والبناء، طبقاً لما قاله القمزي.
وختم بقوله: "في حين أن موجة الإفلاسات لم تتحقق بشكل كامل بعد، إلا أن الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب تؤدي بوضوح إلى ضغوط مالية غير مسبوقة على العديد من الشركات حول العالم. وإذا استمرت هذه السياسات دون تخفيف أو تفاوض، فأعتقد ان العالم قد يواجه فعلياً موجة إفلاسات عالمية تعمّ مختلف القطاعات".
