ما الذي تعنيه الانتخابات الأميركية للأسهم الصينية؟
12:50 - 24 أكتوبر 2024تعتبر الانتخابات الرئاسية الأميركية واحدة من أبرز الأحداث السياسية التي تحظى بمتابعة دقيقة من مختلف الأطراف الاقتصادية حول العالم، ولا سيما الأسواق المالية الكبرى مثل الصين، فمع كل دورة انتخابية، تتغير حسابات القوى العالمية وتتأثر العلاقات التجارية والاقتصادية بين الدول، مما يجعل هذه الانتخابات ليست مجرد حدث داخلي يخص الولايات المتحدة، بل مسألة استراتيجية تؤثر على موازين القوى الاقتصادية العالمية.
بالنسبة للصين، تأتي الانتخابات الأميركية في مرحلة حساسة يشهد فيها الاقتصاد العالمي تغييرات عميقة نتيجة للتوترات التجارية والتكنولوجية بين بكين وواشنطن، والتي تفاقمت بشكل ملحوظ خلال ولاية دونالد ترامب السابقة. ففوز ترامب مجددًا بالرئاسة يمكن أن يعيد إشعال تلك التوترات، مع احتمال تصاعد النزاع حول التجارة، التكنولوجيا، وحقوق الملكية الفكرية، وغير ذلك.
ترامب معروف بتبنيه سياسة "أميركا أولاً"، التي تمثلت في فرض تعريفات جمركية مشددة على الواردات الصينية، وفرض قيود على الشركات الصينية العاملة في الولايات المتحدة، ما أدى إلى حالة من عدم اليقين في الأسواق الصينية.
الأسواق الصينية قد تكون من بين الأكثر تأثراً بنتائج الانتخابات، إذ أن التوجهات السياسية للرئيس الأميركي الجديد ستحدد شكل العلاقات التجارية بين البلدين. وإذا ما تم إعادة انتخاب ترامب، فإن المستثمرين قد يتوقعون المزيد من السياسات الحمائية التي تهدف إلى تقويض المنافسة الصينية في الأسواق الأميركية والعالمية.
الأسهم الصينية
لكن كريستوفر وود، من جيفريز، إن فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية من شأنه أن يؤدي إلى عمليات بيع في الأسهم الصينية، تخلق بدورها بعد ذلك فرصة للشراء عند الانخفاض.
في مقابلة مع بلومبيرغ تي في، قال رئيس استراتيجية الأسهم العالمية إن المستثمرين قلقون بشكل مفرط من المعارضة الصاخبة للمرشح الجمهوري لبكين.
بينما أكد ترامب أنه سيفرض معدل تعريفة بنسبة 60 بالمئة على جميع الواردات الصينية إلى الولايات المتحدة تحت إدارته - كجزء من تعهد أوسع بفرض رسوم جمركية شاملة على جميع المنتجات الأجنبية - يعقتد وود بأنه مجرد "هراء إلى حد كبير".
ويشير إلى أن المنتقدين لا ينتبهون إلى سجل ترامب مع الصين. وفي رأيه، من غير المرجح أن يرفع الرئيس السابق التعريفات الجمركية بقدر ما يروج له.
وتابع: "لقد نسي الناس أن دونالد ترامب أبرم الصفقة التجارية الكبرى مع الصين في يناير 2020. لقد تم إبرام صفقة تجارية، وكان كل شيء على ما يرام، ودونالد ترامب يخوض تلك الحملة الرئاسية بوصفه الرجل الذي تفاوض على أفضل صفقة تجارية مع الصين".
لقد حد الاتفاق فعلياً من المزيد من التصعيد إلى حرب التجارة بين البلدين (الولايات المتحدة والصين)، مما يتطلب من بكين شراء 200 مليار دولار إضافية من الصادرات الأميركية، وفق تقرير لبيزنس إنسايدر.
هذه السابقة تُظهر أيضًا أن ترامب على استعداد للتفاوض مع بكين. على سبيل المثال، اقترح أن تقبل الصين رسوماً أعلى إذا تمكن ترامب من تخفيف القيود المفروضة على تكنولوجيا أشباه الموصلات الأميركية المتقدمة. يأتي ذلك في وقت زادت فيه ضوابط تصدير الرقائق في السنوات الأخيرة وسط قلق متزايد بشأن الأمن القومي.
ويقول قال وود: "ترامب ليس واحدًا من هؤلاء الرجال المسؤولين عن الأمن القومي في واشنطن الذين يعتقدون بأن الصين تشكل تهديدًا للهيمنة الأميركية".
ومن ثم، فمن المرجح أن ينظر ترامب إلى زيادة تجارة أشباه الموصلات على أنها مفيدة للأعمال التجارية الأميركية، حيث أثبتت السوق الصينية المقطوعة بالفعل أنها تشكل تحديًا لبعض شركات تصنيع الرقائق الرائدة، مثل إنفيديا.
السياسات الحمائية
يقول الخبير الاقتصادي وكبير الاقتصاديين في شركة "ACY"، الدكتور نضال الشعار، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- لا شك أن الصين ومنذ سنوات تعاني من السياسات الحمائية التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية ضدها، ثم لاحقاً انضم إليها الاتحاد الأوروبي، الذي بدأ في انتهاج سياسات حمائية أيضاً، ولكنها أقل شدة من سياسات الولايات المتحدة الأميركية.
- كل تصريحات ترامب السابقة عندما كان رئيساً، وحالياً كمرشح، تتمحور حول الاستمرار في النهج الحمائي ذاته مع التلويح بتصعيد أشد، مثل فرض رسوم جمركية على البضائع الصينية تصل إلى 60 بالمئة.
- هذا النهج سبب استياءً كبيراً لدى الساسة الصينيين بالإضافة إلى الدول الداعمة للصين مثل روسيا والهند وبعض أعضاء مجموعة "بريكس"، الذين اعتبروا أن الولايات المتحدة الأميركية تتبع سياسة عدائية تجاه الصين.
- السياسة الحمائية التي يقترحها ترامب لن تكون خالية من النتائج السيئة والسلبية على الاقتصاد الصيني، ولكن أيضاً على الاقتصاد الأميركي؛ فالولايات المتحدة الأميركية هي الشريك التجاري الأكبر للصين، وتعتمد بشكل كبير على الاستيراد من الصين، وبالتالي فإن رفع الرسوم على البضائع الصينية سيؤدي حتماً إلى ارتفاع عام في الأسعار في الولايات المتحدة، وسيخلق حالة تضخمية صعبة لن تتمكن الحكومة الأميركية بكل أدواتها من التغلب عليها.
ويشدد على أنه لا يوجد بديل جاهز للبضائع الصينية بتكلفة أقل، حيث يعتمد المستهلك الأميركي بشكل كبير على هذه البضائع، مضيفاً:"وأعتقد بأن ترامب وأعضاء حملته الانتخابية يدركون تماماً هذا التأثير، وبالتالي فإن التلويح بهذا النهج لا يخرج عن كونه أسلوباً شعبوياً لأهداف انتخابية".
كما يوضح الشعار أن ترامب بطبيعته شخص براغماتي ويدرك تماماً أبعاد هذه السياسات، وبالتالي في وقت ما بعد فوزه بالرئاسة سيجنح إلى التفاوض، ومزج الأمور الاقتصادية مع السياسية. ومن المتوقع أن ينتج عن ذلك توليفة جديدة تقلل من الآثار السلبية لهذا الصراع، وتكون مرضية للطرفين. وبالطبع، ستنتهج دول الاتحاد الأوروبي هذا النهج. ها هو رئيس وزراء إسبانيا يطالب ويدعو للتفاوض مع الصين لتحقيق استقرار أكبر في العلاقات التجارية والاقتصادية.
ويختتم حديثه بالإشارة إلى أنه بالرغم من كل الحراك السياسي والاقتصادي الذي سينشأ بعد فوز ترامب، لا بد للصين أن تعدل من سياسات الدعم للقطاع الصناعي والخدمي والتجاري، وأن تحاول تجنب عمليات الإغراق التي تقوم بها منذ عقود، وأن تميل نحو مفهوم المشاركة في التجارة الدولية بدلاً من السيطرة عليها.
منافس مشاكس
مدير مركز رؤية للدراسات، بلال شعيب، يقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إنه أياً كان رئيس الولايات المتحدة الأميركية، ستظل الصين منافساً قوياً ومشاكساً للولايات المتحدة، خاصة وأن الاقتصاد الثاني عالمياً هو الاقتصاد الصيني. وبالطبع، يمكن لرئيس من خلفية ديمقراطية أو جمهورية أن يكون له تأثير في الجانب السياسي ورؤية الملف السياسي، لكن من الناحية الاقتصادية، يبقى الوضع الخاص بالاقتصاد الصيني ثابتاً.
تعتمد الصين بشكل كبير على قطاع الصناعة، فهي اقتصاد واعد ويحتل المرتبة الثانية عالمياً، مما يشكل تهديداً كبيراً على هيمنة الولايات المتحدة.
ويضيف: اليوم تحاول الصين تعزيز مكانتها اقتصادياً وسياسياً من خلال الانضمام إلى عدد من التحالفات، مثل العمل كعنصر فاعل ورئيسي مع روسيا وعدد من الدول الأخرى. بالتالي، يسعى الاقتصاد الصيني لفرض سطوته وكسر هيمنة القطب الواحد التي تسيطر عليها الولايات المتحدة، وذلك عبر الدخول في تحالفات وشراكات مالية واقتصادية مع عدة دول.
أما من ناحية الولايات المتحدة، فإنها تنظر إلى الملف الصيني برؤية سياسية تتسم بالتوتر، حيث تحاول إيقاف النمو السريع والمتزايد للصين من خلال مضايقاتها في بحر الصين الجنوبي والتحالف مع عدد من الدول الصغيرة في المنطقة، بحجة أن الصين تسيطر على الموارد الطبيعية مثل الغاز الطبيعي والبترول في هذه المنطقة. لذلك، تسعى الولايات المتحدة لإقامة علاقات وشراكات عسكرية للرد على الصين، وفق شعيب.
ويستطرد: في المقابل، تحاول الصين تعزيز نفوذها عبر تحالفات مثل تحالف البريكس، الذي يهدف إلى القضاء على هيمنة الدولار وهيمنة القطب الواحد في المعاملات المالية والتجارية. ومن هنا، فإن وجود رئيس أميركي من الجمهوريين أو الديمقراطيين لا يغير كثيراً في السياق الاقتصادي، ولا في التأثير الاقتصادي الكبير والمتسارع لدولة الصين.
خطة ترامب
أما الخبير الاقتصادي المتخصص في الشؤون الصينية، جعفر الحسيناوي، فيشير في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن خطة ترامب في حالة فوزه بالرئاسة الأميركية تنطلق على مجموعة من المؤشرات أهمها:
- زيادة الضرائب لدعم خزانة الدولة محليا ومواجهة الواردات الخارجية دوليا من خلال فرض رسوم جمركية تصل إلى 60 بالمئة على الواردات الصينية وهذا يعني إلحاق الضرر بالاقتصاد الصيني.
- تقليص التبادل التجاري مع الصين إلى نسب عالية (..).
- إعادة الصناعات إلى الولايات المتحدة الأميركية مع خفض تكاليف الإنتاج اعتمادا على فرض الرسوم الجمركية لتعويض السلع الصينية منخفضة الأسعار.
إلا أنه يشير إلى أن هذه الإجراءات ربما تكون نتائجها سلبية على المستهلك الأميركي الذي يتحمل أعباء زيادة الرسوم الجمركية من خلال زيادة أسعار السلع فضلا عن توجيه الصناعات الصينية إلى أسواق بديلة كونها صناعات ذات أسعار منخفضة بالمقارنة مع المنتجات الأميركية.