مصر 2030.. الصادرات والسياحة مفتاح التربع على عرش إفريقيا
03:58 - 10 يونيو 2025
في سباق اقتصادي محموم نحو الريادة الإفريقية، تضع مصر نصب أعينها أهدافاً طموحة تتخطى سقف التوقعات، معتمدة على قطاعي التصدير والسياحة كركيزتين أساسيتين لتحقيق قفزة نوعية في مواردها الدولارية.
بخطة استراتيجية متكاملة تستهدف مضاعفة الإيرادات والوصول إلى صادرات بقيمة 145 مليار دولار وسياحة تدر أكثر من 45 مليار دولار سنوياً بحلول 2030، تسعى القاهرة إلى اعتلاء قمة اقتصادات القارة الإفريقية.
التحول نحو اقتصاد تنافسي مُنتج
أكد رئيس مركز العدل للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، الدكتور كريم عادل، خلال مشاركته في برنامج "بزنس مع لبنى" على سكاي نيوز عربية أن الاستراتيجية الوطنية لتنمية الصادرات، التي أطلقتها الدولة المصرية ضمن برنامج الإصلاح الهيكلي، تمثل خطوة فارقة في توجه الدولة نحو اقتصاد تنافسي منتج.
وقال: "الدولة تستهدف وصول قيمة صادراتها إلى 145 مليار دولار بحلول عام 2030، من خلال تعزيز مساهمة الصناعة، خاصة الصناعات التحويلية والوسيطة، في الناتج المحلي الإجمالي".
وأوضح عادل أن الحكومة حددت 16 تحدياً داخلياً تعيق تنفيذ الاستراتيجية، أبرزها الإجراءات البيروقراطية والبيئة التشريعية، إضافة إلى 10 تحديات خارجية ترتبط باشتراطات الدول المستوردة، مثل اشتراطات الجودة في دول الاتحاد الأوروبي.
واعتبر أن التركيز على الصناعات ذات الميزة النسبية مثل الصناعات النسيجية، والكيماوية، والدوائية، والحاصلات الزراعية، يعكس وعياً حكومياً بضرورة استثمار الموارد المحلية القادرة على المنافسة عالمياً.
الاستقرار النقدي والطاقي شرط للنجاح
وحذّر عادل من أن غياب الاستقرار في سعر الصرف وأسعار الطاقة يشكلان عقبة رئيسية أمام المصنعين والمصدرين. وأضاف: "بدون استقرار بيئة الاقتصاد الكلي، يصعب على القطاع الإنتاجي وضع رؤى استراتيجية واضحة للنفاذ إلى الأسواق الخارجية".
وأشار إلى أن برنامج دعم المصدرين الجديد يشكل خطوة مهمة لمعالجة إشكاليات صرف المستحقات المتأخرة، وتوسيع قاعدة المستفيدين. وقال: "البرنامج يعد حافزاً مهماً للقطاع الصناعي للمساهمة في تحقيق أهداف الدولة التصديرية بحلول عام 2030".
تحفيز القطاع الخاص.. قاطرة النمو
شدد كريم عادل على أن القطاع الخاص هو قاطرة النمو والتنمية، ويمتلك من القدرات البشرية والمالية والتكنولوجية ما يفوق إمكانات القطاع الحكومي. وأوضح أن تمكين القطاع الخاص من خلال الحوافز المالية وغير المالية، ورفع حدود الإعفاءات الضريبية، من شأنه أن يُسرّع عملية دمج الاقتصاد غير الرسمي، الذي يشكل نحو 80 بالمئة من حجم الاقتصاد الكلي.
وتابع: "دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة هو محور أساسي في تحقيق الأهداف الاقتصادية، لاسيما في ما يتعلق بزيادة الصادرات وتنشيط السياحة".
السياحة... رهان مصر على الريع المستدام
تسعى مصر لمضاعفة عائداتها السياحية ثلاث مرات لتصل إلى 45 مليار دولار بحلول 2030، ضمن خطة متكاملة لتحديث البنية التحتية وتطوير المنتج السياحي.
وأوضح عادل أن الدولة تبنّت استراتيجية تقوم على تطوير الأماكن الأثرية، مشيراً إلى أن افتتاح المتحف المصري الكبير يمثل محطة تاريخية لتعزيز الجذب السياحي.
وقال: "هناك حاجة ملحة لزيادة منح التراخيص السياحية على مستوى المحافظات كافة، لما تمتلكه من تنوع طبيعي وثقافي يتيح أنماطاً جديدة من السياحة مثل الصحراء والدينية والثقافية وسياحة اليخوت".
ودعا إلى الاستفادة من التجارب الدولية مثل النموذج الفرنسي، من خلال التعاون مع شركاء عالميين في تطوير المنشآت السياحية والترويج لها.
الاستثمار الأجنبي وتحويلات المغتربين: منابع إضافية للدولار
أكد كريم عادل أن توفير العملة الصعبة لقطاع الصناعة يأتي في صدارة أولويات البنك المركزي، بالتوازي مع توفير السلع الاستراتيجية وخدمة الدين الخارجي. وأشار إلى أن الدولة باتت تعتمد بشكل متزايد على تحويلات المصريين في الخارج كمصدر رئيسي للنقد الأجنبي، واصفاً إياها بـ"الحصان الأسود" في الاقتصاد المصري.
كما لفت كريم عادل إلى أهمية تعزيز تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، مشيراً إلى أن جذب الاستثمارات يتطلب استقراراً سياسياً وتشريعياً، إلى جانب بيئة أعمال جاذبة قائمة على الشفافية والحوكمة.
قناة السويس.. من ممر ملاحي إلى محور لوجستي عالمي
في سياق خطط تعظيم العوائد الدولارية، تستهدف الحكومة رفع إيرادات قناة السويس إلى 26 مليار دولار سنوياً. وفي هذا الصدد، شدد عادل على ضرورة تنويع مصادر دخل القناة، وعدم الاكتفاء بتحصيل رسوم العبور.
وقال: "الاستفادة من الموقع الجغرافي الاستراتيجي للقناة يتيح تحويلها إلى مركز عالمي للخدمات اللوجستية والتموينية، وصيانة وتصنيع السفن، على غرار تجربة موانئ دبي".
وأشار إلى أن استقطاب استثمارات عربية ودولية في منطقة القناة سيُعزز من قدرة مصر على مواجهة التحديات الخارجية، ويدعم استدامة الإيرادات.
برامج دعم غير مسبوقة للقطاعين التصديري والسياحي
خصصت الحكومة المصرية حزمة بقيمة 78 مليار جنيه لتحفيز القطاع الخاص على الإنتاج والتصدير، إلى جانب 75 مليار جنيه لتوفير احتياجات القطاع التصديري ودعم الإنتاج الصناعي. كما تم تخصيص 8.4 مليار جنيه لدعم الاستثمار السياحي وزيادة الطاقة الاستيعابية للغرف الفندقية.
وتستند هذه البرامج إلى رؤية شاملة تهدف إلى رفع معدل نمو قيمة الصادرات بنسبة 20 بالمئة سنوياً، وزيادة مصادر النقد الأجنبي إلى 300 مليار دولار بحلول عام 2030.
الطريق إلى الصدارة الإفريقية: فرص وتحديات
بحلول عام 2025، أصبحت مصر ثاني أكبر اقتصاد في إفريقيا، وثالث أكبر دولة مصدّرة في القارة. وبينما تُظهر الأرقام تفاؤلاً بإمكانية تصدر الترتيب بحلول 2030، إلا أن تحقيق ذلك يظل مشروطاً باستمرار الإصلاحات، وتجاوز العقبات البنيوية التي ما زالت تعرقل التنمية.
وبحسب عادل، فإن قدرة مصر على تحقيق هذه الأهداف الطموحة مرهونة بتضافر الجهود بين الدولة والقطاع الخاص، واستغلال الإمكانات الكامنة في القطاعات الإنتاجية والخدمية، خاصة مع تحول العالم نحو سلاسل قيمة أكثر تعقيداً، وتغير أنماط الاستهلاك والسياحة بعد جائحة كورونا.
فرصة تاريخية على المحك
تقف مصر اليوم أمام فرصة تاريخية لإعادة صياغة موقعها الاقتصادي في القارة الإفريقية والعالم. الرهان على التصدير والسياحة ليس مجرد هدف اقتصادي، بل هو مشروع وطني شامل يعكس طموحات شعب ومقدرات أمة.
وفي ظل الإرادة السياسية والدعم المؤسسي الواضح، ومع رؤية تحليلية دقيقة كما طرحها الدكتور كريم عادل، فإن الطريق إلى قمة إفريقيا الاقتصادية لم يعد مجرد حلم، بل هدف واقعي في متناول اليد، بشرط الاستمرار في الإصلاح، والاستثمار في الإنسان، وتمكين القطاع الخاص كأحد أعمدة الاقتصاد الحديث.