هل تستطيع المساعدات الحالية تجنيب غزة المجاعة؟
15:04 - 12 مارس 2024تتسابق عديد من الدول والجهات ذات الصلة من أجل إرسال المساعدات لقطاع غزة عبر الوسائل المتاحة، من أجل تجنيب القطاع حدوث مجاعة.
وتعد الإنزالات الجوية، وكذلك والممر البحري المرتقب، من الوسائل البديلة التي تهدف لرفع وتيرة إدخال المساعدات للقطاع.
وفي هذا السياق، سلط تقرير نشرته صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، الضوء على المعاناة الواسعة التي يشهدها قطاع غزة منذ خمسة أشهر، واصفاً الوضع الراهن بـ "الكارثة الإنسانية" وفق منظمات الإغاثة الدولية.
وأشار تقرير الصحيفة إلى أن:
- شمال القطاع على وجه الخصوص صار على حافة المجاعة، حيث يموت الأطفال من الجوع، بينما تأكل الأسر الأعشاب وأعلاف الحيوانات، مما يثير قلقاً دولياً.
- تؤدي عمليات التفتيش الإسرائيلية الصارمة إلى إبطاء تقدم المساعدات عبر المعابر البرية.
- تخطط الولايات المتحدة وآخرون لإرسال مساعدات إنسانية عن طريق السفن إلى غزة، كما يسقطون المساعدات من الجو.
- منظمة "أطباء بلا حدود" حثت إسرائيل على دعم تدفق الشاحنات إلى القطاع.
أدت الحرب في غزة إلى مقتل أكثر من 30 ألف شخص فلسطيني، وفقًا لمسؤولي الصحة المحليين، وتشريد 80 بالمئة من السكان.
وقال مسؤولون دوليون إن أكبر عقبة أمام تقديم المساعدات خلال الشهرين الماضيين تمثلت في انهيار الأمن والقانون الأساسي والنظام داخل غزة، وفق الصحيفة، التي أشارت إلى تعرض قوافل المساعدات الإنسانية لإطلاق النار من القوات الإسرائيلية، في حين نهب السكان المحليون اليائسون الشاحنات.
يأتي ذلك في وقت شهد فيه إنتاج الغذاء في غزة تقلصاً حاداً بسبب تدمير المخابز والمصانع والمزارع أو جعلها محظورة بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية.
بينما يواصل المسؤولون العسكريون الإسرائيليون إصرارهم على وجود ما يكفي من الغذاء في غزة، وعلى ضرورة قيام الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الأخرى بتحسين قدراتها اللوجستية داخل القطاع.
- قبل الحرب، كان يدخل قطاع غزة ما يعادل 500 شاحنة محملة بالمساعدات والوقود يوميًا، خمسة أيام في الأسبوع، لصالح السكان الذين يعتمدون بالفعل بشكل كبير على المساعدات، وفقا لأرقام الأمم المتحدة.
- انخفض هذا الرقم بشكل حاد.. وقد بلغ أعلى عدد يومي للشاحنات التي تمكنت من دخول غزة خلال الأشهر الخمسة الماضية 300 شاحنة، وهو رقم تم الوصول إليه مرة واحدة فقط، وفي أغلب الأحيان كان العدد أقل بكثير من 200 يوميًّا، وفقًا لأرقام الأمم المتحدة.
إغراق غزة بالمساعدات
قال مسؤولون من الأمم المتحدة والولايات المتحدة هذا الشهر، إن الحل الحقيقي يتطلب "إغراق" غزة بالمساعدات، ليس فقط لمساعدة سكان القطاع فحسب، بل لتقويض السوق السوداء، ومن شأن ذلك أن يحسن أمن قوافل المساعدات عن طريق إزالة أحد حوافز النهب.
- تم تنفيذ أكثر من 30 عملية إسقاط جوي للمساعدات فوق غزة خلال الحرب، من قبل دول من بينها الولايات المتحدة والأردن ومصر وفرنسا وبلجيكا وهولندا والإمارات العربية المتحدة.
- تتجنب عمليات الإنزال الجوي الاختناقات التي تؤثر على الطرق البرية، لكنها غير فعالة وفق جماعات الإغاثة، كما سقطت بعض الطرود في البحر.
- المشكلة الأكثر إلحاحًا في إرسال الإمدادات عن طريق الجو هي الكميات الصغيرة من المساعدات التي تقدمها، ووفقا للأمم المتحدة، يمكن لشاحنة واحدة أن تنقل ما بين 20 إلى 30 طنًا من المساعدات، أي 10 أضعاف الكمية التي تحملها طائرة واحدة.
وقال كارل سكاو، نائب المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي، الأسبوع الماضي: "إن الإنزال الجوي هو الملاذ الأخير ولن يمنع المجاعة".
تدمير البنية التحتية
يقول الخبير الاقتصادي، مازن أرشيد، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن:
- الحرب أدت إلى تدمير البنية التحتية الأساسية في غزة مثل المستشفيات وشبكات المياه والكهرباء.. كما أدت إلى تعطيل سلاسل الإمداد الغذائي، مما يعمق من الأزمة الإنسانية ويزيد من حدة المجاعة ونقص الخدمات الأساسية.
- تصبح المساعدات الإنسانية شريان الحياة الذي يمكن أن يخفف من وطأة الحرب على السكان المدنيين، خاصة في ظل الحصار والقيود التي تحد من وصول المساعدات.
- النقص في المساعدات الإنسانية يؤدي إلى تفاقم الأوضاع المعيشية الصعبة، حيث تقدر الأمم المتحدة ومنظمات إغاثية أخرى احتياجات غزة الإنسانية بأرقام تصل إلى مئات الملايين من الدولارات سنويًا لتوفير الغذاء والرعاية الصحية والماء النظيف والمأوى للسكان الذين تأثروا بالنزاع، خاصة أن أكثر من 80 بالمئة من السكان أصبحوا بحاجة إلى مساعدات إنسانية فورية للبقاء على قيد الحياة، مع تدمير آلاف المنازل، مما يترك عشرات الآلاف بلا مأوى.
وأوضح أنَّه لتلبية هذه الاحتياجات، لا بد أن تكون الاستجابة الإنسانية سريعة وواسعة النطاق، ولكن التحديات اللوجستية، بما في ذلك القيود على الحدود ونقاط التفتيش، تعيق وصول المساعدات.
وأشار إلى أنه بالإضافة إلى ذلك، يتطلب الوضع تنسيقًا دوليًا ودعمًا لضمان استمرارية تدفق المساعدات وتوزيعها بشكل عادل وفعال على الذين هم في أمس الحاجة إليها.
كما تابع الخبير الاقتصادي: من الضروري أيضًا النظر إلى ما وراء المساعدات الطارئة لمعالجة الأسباب الجذرية للأزمة ووضع حلول طويلة الأمد، تساعد في إعادة بناء البنية التحتية وتحسين الوصول إلى التعليم والخدمات الصحية ودعم التعافي الاقتصادي، مما يخلق أساسًا لمستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا لسكان غزة، لافتًا إلى أن استمرار الحصار الاقتصادي والقيود على الحركة، سيتسبب في تدهور شديد في الأوضاع المعيشية مستقبلًا، مما يُعرِّض السكان لخطر الجوع والفقر المدقع.
- تصر إسرائيل على أنها -على حد تعبير كبير المتحدثين باسمها العسكري دانييل هاغاري- لا تضع أي حدود على كميات المساعدات التي يمكن أن تذهب إلى غزة".
- وجه الرئيس الأميركي جو بايدن اللوم لقيادة إسرائيل في خطاب حالة الاتحاد الذي ألقاه الأسبوع الماضي، قائلاً: "لا يمكن للمساعدات الإنسانية أن تكون اعتبارًا ثانويًا أو ورقة مساومة".
- تريد منظمات الإغاثة الدولية أن تسمح إسرائيل بدخول المزيد من معدات الاتصالات إلى غزة لعمال الإغاثة والسائقين، كما يطالبون بتنسيق أفضل مع الجيش الإسرائيلي لتجنب استهداف قوافل المساعدات.
- بدأت إسرائيل العمل مع مجموعات خاصة محلية في شمال غزة لنقل المساعدات في محاولة للتحايل على سيطرة حماس المدنية، لكن مثل هذه المبادرات لا تزال محدودة وتواجه آفاقًا غير مؤكدة.
تحذير أممي
حذرت مديرة برنامج الأغذية العالمي في الأمم المتحدة الاثنين من أن "الوقت ينفد" لتجنب مجاعة في شمال قطاع غزة "الذي يواجه كارثة إنسانية" بسبب الافتقار الى كميات هائلة من المواد الغذائية.
وقالت سيندي ماكين في روما، مقر برنامج الاغذية العالمي: "الوقت ينفد.. الشعب الجائع في غزة لم يعد قادرا على الانتظار".
وأضافت: "برنامج الأغذية العالمي قلق بشدة حيال الظروف الإنسانية في قطاع غزة، وخصوصا في شماله الذي يواجه كارثة انسانية. المجاعة وشيكة إذا لم نرفع في شكل كبير حجم المساعدة التي تدخل مناطق الشمال".
وتابعت ماكين "نحتاج الى إدخال 300 شاحنة من المساعدة الغذائية يوميا الى غزة".
مساعدات عاجلة
من جانبه، يشدد مستشار المركز العربي للدراسات والبحوث، أبو بكر الديب، على حاجة قطاع غزة للمساعدات العاجلة، موضحاً أن عملية إعادة الإعمار تتطلب ما لا يقل عن 100 مليار دولار وهو أمر يستغرق ما يقرب من 15 إلى 20 عامًا.
ويشير في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أن المساعدات التي تصل إلى قطاع غزة غير كافية في ظل ما يعانيه القطاع من أزمات متتالية، ولم ترتق تلك المساعدات لمستوى المجاعة التي يعيشها المدنيون في القطاع.
وشدد الديب على ضرورة زيادة تلك المساعدات بكافة أشكالها، ومد يد العون بشكل عاجل خاصة في أماكن الإيواء، التي تحتاج إلى أنواع متعددة من المساعدات منها (مواد غذائية مختلفة، ومساعدات لوجيسيتة لاستمرار الحياة في قطاع غزة، ومساعدات طبية مختلفة، علاوة على فرق طبية مدربة من رجال القطاع الطبي من مسعفين وأطباء وأطقم التمريض).
وأكد أن الولايات المتحدة الأميركية تقدم المساعدات على استحياء، متسائلًا: أين الاتحاد الأوروبي من هذه المأساة الإنسانية التي ستبقى وصمة عار على جبين المجتمع الدولي عبر التارخ؟
وشدد على ضرورة تدفق المساعدات الإنسانية العاجلة عبر المعابر البرية والجوية وعبر الميناء المقترح من الولايات الأميركية، كما يمكن للمجتمع الدولي الضغط بقوة لوقف الحرب في غزة حتى يمكن إسعاف الناس هناك بالمساعدات الإنسانية اللازمة.
- آثار انخفاض مستويات تقديم المساعدات تفاقمت في الآونة الأخيرة، حيث فشلت الشحنات اليومية في تعويض النقص السابق والأضرار المتراكمة للحرب.
- سكان شمال غزة الذين يقدر عددهم بنحو 300,000 نسمة هم الأكثر تضررًا حيث تحملت المنطقة العبء الأكبر من الهجوم البري الإسرائيلي الأولي.
- في الأشهر الأخيرة، اضطر الناس في الشمال إلى تناول أعلاف الماشية والأعشاب والصبار.
- وكان منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية، جيمي ماكغولدريك، حذر الأسبوع الماضي من أن "الأطفال يموتون من الجوع". وأضاف أن شمال غزة وحده يحتاج إلى 300 شاحنة مساعدات يوميًا.
مبادرة
عقدت الوكالات المتخصصة في الأمم المتحدة والاتحاد الدولي للصليب الاحمر والهلال الأحمر اجتماعاً، الاثنين، في روما في إطار مبادرة "الطعام لغزة" التي أطلقتها إيطاليا، عارضة تنسيق عمل هذه الوكالات بالنسبة إلى غزة.
وأعلن وزير الخارجية الايطالية انطونيو تاياني أنه سيعرض قريبا هذه المبادرة على اسرائيل والسلطة الفلسطينية ومجموعة الدول السبع والدول الـ 27 الاعضاء في الاتحاد الأوروبي، والدول العربية التي تعهدت مساعدة المدنيين في غزة.
وأوضح أن إيصال هذه المساعدة ينبغي أن يتم عبر الممر الإنساني المرتقب إقامته من جانب الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة انطلاقا من قبرص، التي تبعد حوالى 370 كلم من غزة.
ولم يهدأ القتال ولا القصف المدفعي والغارات الجوية في اليوم الأول من شهر رمضان الاثنين في قطاع غزة حيث تتفاقم الأزمة الإنسانية التي قد تودي بغالبية السكان الى المجاعة.