العراق يستعد لثورة صناعية... خارطة جديدة للاستثمار الأجنبي
07:29 - 11 أبريل 2025في لحظة مفصلية من التحول الاقتصادي الذي يمر به العراق، كشف وزير الصناعة والمعادن العراقي، خالد بتّال النجم، في مقابلة خاصة مع برنامج "بزنس مع لبنى" على قناة سكاي نيوز عربية، عن رؤية استراتيجية جديدة تهدف إلى إعادة بناء القطاع الصناعي على أسس تنافسية، والانفتاح على الاستثمارات الأجنبية، وتوطين الصناعات الحيوية، ضمن خطة متكاملة تمتد على مدى السنوات الخمس المقبلة.
لقد بدا واضحاً أن العراق لم يعد يراهن فقط على موارده الطبيعية، بل يسعى إلى إعادة تموضعه في سلاسل التوريد العالمية عبر مشاريع بنيوية ضخمة أبرزها "طريق التنمية"، وبناء مدن صناعية متخصصة، وتهيئة بيئة تشريعية وضريبية جاذبة لرؤوس الأموال الأجنبية.
"طريق التنمية"... نافذة العراق إلى الأسواق الأوروبية
قال وزير الصناعة والمعادن العراقي، خالد بتّال النجم لسكاي نيوزو عربية، إن مشروع "طريق التنمية" الذي انطلق العام الماضي، يمثل نقطة تحول محورية في موقع العراق الجيو-اقتصادي، إذ يربط ميناء الفاو الاستراتيجي بأوروبا عبر الأراضي التركية، ما يمنح العراق دوراً رئيسياً في نقل البضائع وإعادة تصديرها.
"نعتقد جازمين بأن هذا الطريق سيضع العراق في موقع مهم ومؤثر في سلسلة التوريدات العالمية"، بسحب ما أكد الوزير العراقي، كما أشار إلى أن أربع دول – العراق، الإمارات، قطر، وتركيا – وقّعت بالفعل مذكرات تفاهم لبحث النماذج الاقتصادية وآليات التنفيذ.
وبحسب الوزير، فإن المشروع لا يقتصر على البنية التحتية للنقل، بل يتضمن على جانبيه نحو 15 منطقة صناعية واقتصادية يتم العمل على تحديد مواقعها بالتعاون مع مستشارين اقتصاديين. وستكون هذه المدن بمثابة مرتكزات لإعادة تدوير الصناعة العراقية وتوطينها، إلى جانب فتح آفاق إعادة التصدير من البصرة إلى الأسواق العالمية.
مدينة صناعية عملاقة في البصرة: نموذج الشراكة العابرة للحدود
من أبرز ما كشفه الوزير هو إطلاق مدينة صناعية جديدة في محافظة البصرة بقيمة تُقدّر بملياري دولار، وهي الأولى من نوعها بهذا الحجم في تاريخ العراق الصناعي. وقد تم إنشاؤها من خلال شراكة ثلاثية تضم:
- الشركة العامة للحديد والصلب (المالكة للأرض)،
- هيئة المدن الصناعية (الجهة التنظيمية)،
- وشركة صينية ذات سمعة دولية.
وستركز المدينة على الصناعات الثقيلة مثل الحديد، الألمنيوم، والحديد الإسفنجي، وهي مكونات محورية لصناعة الصلب، التي تعاني حالياً من فجوة في المواد الأولية، رغم توفر طاقات تصميمية إنتاجية تفوق 7 ملايين طن سنوياً.
"لدينا طاقة تصميمية كبيرة، لكن غياب الحديد الإسفنجي يعيق استغلالها"، أشار الوزير، مؤكداً أن المشروع سيساهم في تجاوز هذه العقبة وتحقيق اكتفاء ذاتي يفتح الباب أمام تصدير المنتجات الصناعية من خلال ميناء الفاو.
خطة ممنهجة لخلق بيئة استثمارية جاذبة
بدا لافتاً في حديث الوزير تأكيده على انفتاح العراق الكامل على المستثمرين الأجانب، في ظل منظومة قانونية منظمة تتيح العمل بطريقتين:
- إجازة استثمارية وفق قانون الاستثمار من خلال هيئة الاستثمار،
- أو عقود شراكة بين القطاعين العام والخاص، والتي باتت تأخذ زخماً متزايداً في ظل تحسن البيئة التنظيمية.
قال النجم بثقة: "رسالتنا للمستثمرين هي الترحيب والضمانات. العراق يقدم اليوم واحدة من أعلى نسب الربحية في العالم"، مشدداً على أن ما كان يُعتبر مغامرة استثمارية في الماضي، أصبح اليوم فرصة مدروسة في بيئة مستقرة وآخذة بالتطور.
وأشار إلى أن العراق شهد عودة رؤوس أموال محلية من الخارج، بالإضافة إلى دخول استثمارات أجنبية حقيقية في القطاع الصناعي، خصوصاً في مدن مثل النجف وكربلاء والرمادي، حيث تم توقيع عشرات العقود الاستثمارية الصناعية في الأشهر الأخيرة.
الطاقة والغاز: ضمانات مسبقة لتشغيل الصناعة
من التحديات الجوهرية التي ناقشها الوزير أيضاً، كان ملف الطاقة، لا سيما تأمين الغاز لتشغيل الصناعات الثقيلة. وقد أوضح أن وزارة الصناعة نسقت بشكل مباشر مع وزارتي النفط والكهرباء، وتم اتخاذ قرارات ملزمة على مستوى مجلس الوزراء لضمان توفير الطاقة.
"نحن لا نتحدث عن التحديات الحالية، بل نحسب الأمور على مدى 4 إلى 5 سنوات، حين تبدأ هذه المصانع بالإنتاج"، بحسب ما قال الوزير، في إشارة إلى التناغم بين الخطط الصناعية ومشاريع الطاقة المستقبلية، ومنها اتفاقيات مع شركات عالمية مثل "توتال" للاستفادة من الغاز المحروق، ونتائج جولات التراخيص الأخيرة في حقول الغاز.
من الاستيراد إلى التصدير: تحوّل استراتيجي
في ختام حديثه، رسم الوزير صورة أكثر تفاؤلاً لمستقبل الصناعة العراقية، مشيراً إلى أن البلاد تستورد بضائع بمليارات الدولارات سنوياً، بينما يمكن تغطية جزء كبير منها عبر مصانع محلية تخضع لقانون حماية المنتج الوطني.
واختتم الوزير قائلا: "نحن أمام فرصة لإعادة بناء الاقتصاد على أسس إنتاجية. التحديات موجودة، لكن الربحية أيضاً موجودة، والفرق أن الوضع الأمني والاقتصادي تغير جذرياً".
مع هذه الرؤية الطموحة المدعومة بخطوات عملية، يبدو أن العراق على أعتاب مرحلة صناعية جديدة عنوانها: الاستثمار، التوطين، والتصدير. وإن نجحت الحكومة في تجاوز التحديات التنفيذية، فإن السنوات القليلة المقبلة قد تحمل للعراق تحولاً جذرياً يضعه في مصاف الدول الصناعية الصاعدة في المنطقة.