استثمارات خليجية جديدة تتدفق إلى مصر.. محفز قوي للنمو؟
04:16 - 18 أبريل 2025
في خضم تحديات اقتصادية متصاعدة تواجهها مصر، تلوح في الأفق بارقة أمل متمثلة في تدفق متزايد للاستثمارات الخليجية التي يمكن الرهان عليه كمحفز حقيقي للنمو.
هذا التدفق النقدي يثير تساؤلات جوهرية: هل يمثل طوق نجاة حقيقياً للاقتصاد المصري، أم مجرد مسكن مؤقت للتحديات الراهنة؟ وهل ستنجح الحكومة المصرية في استثمار هذه الفرصة لتحقيق نمو مستدام؟
تتضمن حزمة الاستثمارات الخليجية المعلن عنها مؤخراً مؤشرات إيجابية، ذلك أنها تبرز رغبة المستثمرين الخليجيين في استكشاف الفرص الواعدة التي تتيحها السوق المصرية، فإلى جانب اهتمام المستثمرين السعوديين المتزايد، تم التوافق على حزمة استثمارات قطرية في مصر بنحو 8 مليارات دولار.
تستهدف هذه الاستثمارات قطاعات استراتيجية تعتبر محورية في تحقيق التنمية الاقتصادية، مثل التطوير العقاري والسياحة والصناعة والموانئ والمناطق اللوجستية.
تسعى الحكومة المصرية أيضاً إلى تعزيز التعاون الاقتصادي مع دولة الكويت، وتستهدف جذب استثمارات بقيمة 6.5 مليار دولار خلال العامين الجاري والمقبل، لتوجيهها نحو قطاعات تدعم جهود التنمية الشاملة.
في محاولة لفهم أبعاد هذه التدفقات الاستثمارية وتأثيرها المحتمل على الاقتصاد المصري، استضاف برنامج "بزنس مع لبنى" رئيس مركز العدل للدراسات الاقتصادية، الدكتور كريم عادل، الذي قدم تحليلاً معمقاً لهذه التطورات وتداعياتها المحتملة.
تحفيز الثقة وتعزيز التصنيف الائتماني
يرى عادل أن:
- هذه الاستثمارات المعلن عنها من دول الخليج تمثل خطوة إيجابية للغاية بالنسبة للاقتصاد المصري؛ فهي لا تعكس فقط ثقة المستثمرين الأجانب في إمكانيات النمو الكامنة في السوق المصري، بل تسهم أيضاً في تحسين نظرة المؤسسات المالية ومؤسسات التصنيف الائتماني للاقتصاد المصري وقدرته على التنمية والوفاء بالتزاماته الخارجية.
- المرحلة الحالية تتطلب توجيه هذه الاستثمارات بشكل استراتيجي نحو القطاعات الإنتاجية والتصديرية، فمن خلال تعزيز هذه القطاعات تستطيع مصر والمستثمرون العرب الاستفادة القصوى من التغيرات الاقتصادية العالمية، وحجز مقعد تنافسي في ظل التنافس الشديد الذي تشهده الأسواق العالمية.
- القطاعات التي تستهدفها هذه الاستثمارات تتوافق إلى حد كبير مع القطاعات التي تم الإعلان عنها في برنامج الطروحات الحكومية، ما يعزز من فرص نجاح هذه الاستثمارات في تحقيق أهدافها.
- قرار المستثمر العربي، سواء كان فرداً أو دولة أو حكومة، بالاستثمار في مصر يعتمد على رغبته في تنويع محفظته الاستثمارية وتقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية كمصدر رئيسي للثروة.
تخفيف أعباء الدين الخارجي
وحول مدى إمكانية مساهمة هذه الاستثمارات الخليجية المنتظرة في تخفيف الضغط الناتج عن الدين الخارجي لمصر، يؤكد عادل أن الاستثمارات تلعب دوراً محورياً في هذا الصدد. فهي تسهم في تخفيف الأعباء على النقد الأجنبي وتقليل حجم الدين الخارجي، لكن هذا الأمر مشروط بتوجيه هذه الاستثمارات نحو قطاعات إنتاجية وتصديرية مستدامة.
ويوضح أن الاستثمارات المستدامة القادرة على تكوين مصادر دولارية جديدة وخلق موارد مستمرة من العملة الصعبة هي الكفيلة بتقليل الاعتماد على الاستدانة الخارجية وتعزيز قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها وديونها الداخلية والخارجية.
ويستطرد: الاستثمارات تمثل نقطة جوهرية ومهمة جداً في تحقيق التنمية الاقتصادية والرفاهية الاجتماعية، وزيادة قدرة الدولة على مواجهة التحديات الاقتصادية المختلفة. كما أنها تسهم في جذب المزيد من الاستثمارات الجديدة وتوظيفها واستغلالها في دعم القطاعات الإنتاجية.
تحديات قائمة.. تراجع إيرادات القناة أبرزها
وعلى الرغم من الآثار الإيجابية المتوقعة لهذه الاستثمارات، يشدد رئيس مركز العدل للدراسات الاقتصادية، على أن الاقتصاد المصري لا يزال يواجه تحديات كبرى، أبرزها تراجع إيرادات قناة السويس نتيجة للاضطرابات الإقليمية.
في العام المالي 2023/2024 انخفضت الإيرادات إلى 7.2 مليار دولار مقارنة بـ 9.4 مليار دولار في العام المالي السابق (2022/2023) بنسبة تراجع بلغت 23.4 بالمئة.
في العام 2024 تشير التقارير إلى انخفاض أكثر حدة بسبب هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، فوفق بيان سابق للرئاسة المصرية بلغت خسارة القناة نحو 7 مليارات دولار.
هل تعوض هذه الاستثمارات فجوة إيرادات قناة السويس؟
ورداً على سؤال حول ما إذا كانت هذه الاستثمارات كافية لسد الفجوة في النقد الأجنبي وتعزيز الاستقرار الاقتصادي، يوضح الدكتور عادل أن قناة السويس كانت ولا تزال تمثل أحد أهم مصادر الدخل القومي من النقد الأجنبي المستمر والمستدام، ولا يمكن الاستغناء عنها كمصدر رئيس للعملة الصعبة. ويرى أنه لا يمكن لأي استثمارات بمفردها أن تعوض هذا الدخل القومي بشكل كامل.
ومع ذلك، يشير إلى أنه في حال وجود استثمارات دائمة ومتعددة ومتنوعة في مختلف قطاعات الاقتصاد، وليس في قطاع بعينه، فمن الممكن خلال هذه المرحلة أن تساهم بشكل كبير في تعويض الفجوة الناتجة عن تراجع إيرادات قناة السويس.
مزيد من التراجع للجنيه؟
وفي سياق متصل، وفيما يتعلق بارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه المصري في الفترة الأخيرة، وتوقعات المزيد من التراجعات أو تدخل البنك المركزي، يشير الدكتور عادل إلى أنه كان قد توقع منذ ثلاثة أشهر وصول الجنيه المصري إلى مستويات تتراوح ما بين 55 إلى 58 جنيهاً للدولار.
وفي ظل الأوضاع الاقتصادية الداخلية والعالمية، وإعلان نائب محافظ البنك المركزي بعدم استخدام الاحتياطي الأجنبي للدفاع عن سعر صرف الجنيه، وتزامن ذلك مع خروج أموال ساخنة في الآونة الأخيرة،ي توقع الدكتور عادل أن يشهد الجنيه المزيد من الانخفاض مقابل الدولار الأميركي، وأن يصل إلى المستويات التي سبق وتوقعها.
وحول تأثير الخسائر التي يتعرض لها الدولار الأميركي أمام معظم العملات على الاقتصاد المصري، يوضح أن الاقتصاد المصري عملته مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالدولار الأميركي، وبالتالي يرى أن:
- الاقتصادات ذات التبعية الاقتصادية للعملة الأجنبية تكون شديدة التأثر بأي سياسات اقتصادية عالمية أو أميركية تحديداً.
- من المتوقع أن يؤثر الانخفاض في قيمة العملة الأميركية على أعباء الديون الخارجية وتكلفة سدادها بالسلب، حيث سيترتب عليه زيادة أعباء الدين وزيادة تكلفة الدين.
- مثال حي على ذلك، أنه وبرغم انخفاض قيمة الدولار الأميركي أمام كافة العملات الأجنبية، إلا أنه شهد ارتفاعاً بنسبة 2 بالمئة تقريباً أمام الجنيه المصري.
ويؤكد هنا على الدور الهام للبنك المركزي في التدخل لحماية سعر الصرف والعملة الوطنية من خلال استخدام الاحتياطي النقدي الأجنبي، لأن المزيد من الانخفاض في قيمة الجنيه سيؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم وزيادة الأعباء المعيشية والاقتصادية على المواطنين.
ويقول رئيس مركز العدل للدراسات الاقتصادية، الدكتور كريم عادل، إن تدفق الاستثمارات الخليجية إلى مصر يمثل بارقة أمل في مواجهة التحديات الاقتصادية الراهنة، منبها إلى أن هذه الاستثمارات، إذا ما تم توجيهها بكفاءة وفاعلية نحو القطاعات الإنتاجية والتصديرية، يمكن أن تسهم بشكل كبير في تعزيز النمو الاقتصادي المستدام وتخفيف أعباء الدين الخارجي وتوفير فرص العمل.
ويشدد في ختام حديثه على أن:
- هذه الاستثمارات وحدها ليست كافية لمعالجة كافة التشوهات الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد المصري.
- الحاجة لا تزال قائمة لتنفيذ إصلاحات اقتصادية شاملة وجادة، تهدف إلى تحسين مناخ الاستثمار، وتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد، وتنويع مصادر النقد الأجنبي، وتقليل الاعتماد على الاستدانة الخارجية.
- يبقى التحدي الأكبر أمام الحكومة المصرية هو كيفية استغلال هذه الفرصة الذهبية لتحويل هذه الاستثمارات إلى محفز حقيقي للنمو الشامل والمستدام، بما يعود بالنفع على الاقتصاد والمواطنين على حد سواء.