هل ينتصر الاتحاد الأوروبي في معركة المعادن الأرضية النادرة؟
08:17 - 02 أبريل 2025
يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى المعادن الأرضية النادرة، وإلى مواد خام حيوية لدفع جدول أعماله الاقتصادي الاستراتيجي قدما، غير أن التكتل الذي يضم 27 دولة يعتمد بشكل كبير على الواردات في هذا الشأن، من دول مثل الصين، وهو ما يجعل لديه نقاط ضعف جيوسياسية.
بادئ ذي بدء: ما هو نوع المواد التي نتحدث عنها؟ حدد الاتحاد الأوروبي 34 من المواد الخام الحيوية (سي آر إم)، وهي مواد لها أهمية بالغة لاقتصاده، لكنه يواجه مخاطر مرتفعة بسبب اضطراب الإمدادات: فمصادر هذه المعادن مركزة بشكل كبير، وسط نقص في البدائل الجيدة.
ويقول جون سيمان، الباحث لدى المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية: "بعض هذه العناصر لا يمكن الاستغناء عنها بشكل أو بآخر، حتى مقابل تكلفة عالية".
أخبار ذات صلة
ومن بين المواد الخام الحيوية الـ34، هناك 17 مصنفة مواد خام استراتيجية – وهي تلك التي تخلق صعوبة تلبية الزيادة المتوقعة في الطلب مخاطر محتملة في المستقبل القريب. وتشمل هذه القائمة الكوبالت والنحاس والتنجستن والليثيوم والنيكل.
ويتعين عدم الخلط بين المواد الخام الاستراتيجية، والمعادن الأرضية النادرة.
والمعادن الأرضية النادرة هي مجموعة منفصلة من 17 عنصرا كيميائيا. وهي في معظمها فلزات، وبعضها ليس نادرا إلى هذه الدرجة.
وتحتوي المجموعة على عناصر مثل السيريوم واليوروبيوم والإيربيوم والإيتريوم. وجميع العناصر الأرضية النادرة جزء من قائمة الاتحاد الأوروبي للمواد الخام الحيوية.
وأوضح سيمان: "كلما زاد الطلب على هذه المواد الخام، زاد بحث الناس عنها، والعثور على المزيد منها. وتكمن المشكلة في العلاقة بين تكاليف الاستخراج وأسعار السوق".
أخبار ذات صلة
لماذا يحتاج الاتحاد الأوروبي المعادن الأرضية النادرة؟
المواد الخام الحيوية والمعادن الأرضية النادرة ضرورية لخطط الاتحاد الأوروبي في سعيه للتخلي عن الوقود الأحفوري. وضرورية للمكونات الرئيسية للتحول الأخضر في التكتل، مثل البطاريات أو الألواح الشمسية.
ويتوقع أن يرتفع الطلب عليها بشكل حاد على مدار السنوات المقبلة. وبالمثل، تعد المواد الخام الحيوية جزءا من سلاسل التوريد الصناعية، وهي تستخدم لصنع منتجات شائعة مثل الهواتف المحمولة، كما أنها ضرورية لتطوير التقنيات الاستراتيجية في قطاعات مثل الدفاع.
ومثال على ذلك، تتوقع المفوضية الأوروبية زيادة الطلب في الاتحاد الأوروبي على بطاريات الليثيوم، التي تستخدم لتشغيل المركبات الكهربائية ومركبات تخزين الطاقة، بواقع 12 ضعفا بحلول عام 2030 و21 ضعفا بحلول 2050، مقارنة بالأرقام الحالية.
ومن المتوقع أن يرتفع طلب الاتحاد الأوروبي على المعادن الأرضية النادرة، التي تستخدم كذلك في توربينات توليد الطاقة من الرياح وفي المركبات الكهربائية، بما يتراوح بين خمسة وستة أمثال بحلول عام 2030، وما بين ستة وسبعة أمثال بحلول 2050.
وفي مايو 2024، دخل قانون المواد الخام الحيوية الأوروبي حيز التنفيذ، بهدف تعزيز الاستقلال الاستراتيجي للتكتل من خلال تعزيز الإمدادات وتنويعها.
أخبار ذات صلة
ويضع القانون معايير على طول سلسلة توريد إدارة الموارد الطبيعية للتكتل، لتحقيقها بحلول عام 2030، بواقع 10 بالمئة من احتياجات الاتحاد الأوروبي السنوية للاستخراج، و40 بالمئة للمعالجة، و25 بالمئة لإعادة التدوير.
وبحسب القانون، لا يجب أن يأتي أكثر من 65 بالمئة من احتياجات الاتحاد الأوروبي سنويا من كل معدن أرضي نادر من دولة واحدة من خارج الاتحاد، في أي مرحلة من مراحل المعالجة.
وتعتزم المفوضية الأوروبية دعم مجموعة من نحو 50 مشروعا وشركة في الاتحاد الأوروبي لتحقيق هذه الأهداف.
ونشرت المفوضية- الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي- يوم الثلاثاء الماضي قائمة تضم 47 "مشروعا استراتجيا"، تشمل فتح مناجم الليثيوم والتنجستن، في محاولة للحد من الاعتماد المفرط على الصين.
وقال نائب رئيسة المفوضية الأوروبية المسؤول عن الاستراتيجية الصناعية ستيفان سيجورنيه: "هذه لحظة تاريخية للسيادة الأوروبية كقوة صناعية."
أخبار ذات صلة
ما هي الإمدادات الموجودة داخل الاتحاد الأوروبي؟
لا يستطيع الاتحاد الأوروبي الاعتماد على الدول الأعضاء إلا في جزء بسيط من احتياجاته من بعض المعادن الأرضية النادرة. ورغم وجود بعض الرواسب المعروفة، لا توجد في الوقت الحالي أي عناصر أرضية نادرة تستخرج في أوروبا.
وعلى سبيل المثال، تمتلك البرتغال أكبر احتياطي من الليثيوم في أوروبا – وهو عنصر أرض نادر – كما أن لديها أكبر احتياطي من الليثيوم في العالم، وهي المنتج الوحيد المهم في الاتحاد الأوروبي. وقد اعترضت المجتمعات المحلية في البرتغال على استخراجه.
ويرى الاتحاد الإسباني لصناعات المواد الخام المعدنية أن أوروبا بحاجة ماسة إلى إجراء أبحاث جيولوجية شاملة لاستعادة الاستقلال الذي فقدته بسبب اعتمادها على الموارد الأجنبية على مدار 40 عاما.
وبحسب الاتحاد الإسباني، تعد إسبانيا من الدول التي تتمتع بأكبر إمكانات لتعدين المواد الخام الرئيسية. وهي بالفعل ثاني أكبر منتج للنحاس والمنجنيز في الاتحاد الأوروبي. وتحت ضغوط من بروكسل، قدمت الحكومة الإسبانية لتوها خطة لتسريع وتيرة التنقيب عن العناصر النادرة في باطن الأرض.
أخبار ذات صلة
ولكن عمليات الاستخراج تواجه مقاومة محلية وسط قلق من الإزعاج والأثر البيئي لهذه المشاريع، خاصة فيما يتعلق بمعدل الاستهلاك المرتفع للمياه واستخدام المواد الكيميائية لاستعادة المعادن الموجودة تحت الأرض.
وحذرت مجموعة أصدقاء الأرض البيئية، مؤخرا، من أن إحياء قطاع التعدين من شأنه أن يزيد مخاطر وقوع حوادث وأيضا "التداعيات الاجتماعية والبيئية الملازمة لنشاط الاستخراج"، واتهمت السلطات بانعدام الشفافية.
من أين يستورد الاتحاد الأوروبي المواد الخام؟
يستورد الاتحاد الأوروبي، حاليا، معظم المواد الخام الحيوية من الخارج. وعلى سبيل المثال، قدمت تركيا 98 بالمئة من البورون للتكتل، في حين وفرت الصين 100 بالمئة من إمدادات الاتحاد من العناصر الأرضية النادرة الثقيلة مثل اليوروبيوم والتيربيوم والإيتريوم.
وتقدم جنوب أفريقيا حوالي 71 بالمئة من احتياجات الاتحاد الأوروبي من البلاتين.
ويضم الموردون الرئيسيون الآخرون جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي مزقتها الحرب، وهي تنتج 63 بالمئة من الكوبالت في العالم – وهو يستخدم في البطاريات والسبائك الخفيفة عالية القوة لقطاعي الدفاع والفضاء.
وسعى الاتحاد الأوروبي جاهدا إلى تنويع مصادر الإمدادات، ولكن النجاح جاء متفاوتا. ووقعت المفوضية الأوروبية العام الماضي اتفاقا مع رواندا يتعلق بالمواد الخام الحيوية.
وكانت بروكسل تأمل في خفض نسبة اعتمادها على الصين بالحصول على المواد الخام مثل الليثيوم والقصدير والذهب. ومن المقرر أن تتلقى رواندا تمويلا لتطوير عمليات التعدين لديها .
ورغم ذلك، ثار جدل منذ البداية بسبب تورط مقاتلين من رواندا في اشتباكات بمنطقة حدودية غنية بالمعادن في جمهورية الكونغو الديمقراطية المجاورة.
وعلى خلفية التصعيد العسكري في شمال منطقة كيفو الكونغولية، دعا البرلمان الأوروبي في فبراير إلى تعليق الاتفاق.
ومارست بلجيكا ضغوطا مكثفة لفرض عقوبات على رواندا بسبب دعمها لجماعة "إم 23"، المتمردة في جمهورية الكونغو، وأيضا من أجل تعليق الاتفاق. ولكن المفوضية الأوروبية تعتقد أن تعليق الاتفاق من شأنه أن يسفر عن نتائج عكسية.
وقطعت رواندا علاقاتها الدبلوماسية مع بلجيكا الأسبوع الماضي.
هل غرينلاند وأوكرانيا هما الحل؟
كانت موارد غرينلاند هدفا لرغبة أميركية، ودق حديث الرئيس دونالد ترامب عن استيلاء بلاده على الجزيرة الدنماركية التي تتمتع بالحكم الذاتي جرس إنذار في كوبنهاغن وبروكسل.
ويحتوي باطن الأرض في غرينلاند على الليثيوم والجرافيت للبطاريات، والعناصر الأرضية النادرة. وتقدر هيئة المسح الجيولوجي في الدنمارك وغرينلاند حجم احتياطي العناصر الأرضية النادرة في غرينلاند بنحو 1ر36 مليار طن. ولكن، ورغم الاهتمام الواسع، فإن مشاريع التعدين المقررة محدودة للغاية، بحسب ما ذكره جاكوب كلوف كيدنج، وهو مستشار بارز لدى هيئة المسح الجيولوجي للدنمارك وغرينلاند.
وأوضح كيدينج أن "لدى جميع الشركات طموحات لبدء حفر منجم، ولكن ليس هناك كثير من المشاريع التي توشك أن تتحقق."
وتمثل صناعة التعدين حوالي 1 بالمئة فقط من اقتصاد غرينلاند.
وغرينلاند غير مستغلة بالكامل تقريبا، في الوقت الذي ينظر فيه إلى احتياطي المعادن لديها على أنه نقطة انطلاق محتملة نحو الاستقلال، وهو هدف يؤيده معظم سكان الجزيرة، التي يبلغ تعدادها 57 ألف نسمة.
وفي الواقع، لا يزال الطريق طويلا، ويمتد من الحصول على ترخيص للعمل إلى تحقيق إنتاج مربح، حيث تجعل التحديات الإدارية، والظروف القاسية في القطب الشمالي والبنية التحتية المحدودة في غرينلاند تحقيق أموال من استخراج المواد الخام أمرا صعبا.
وبالنظر شرقا، وصفت المفوضية الأوروبية أوكرانيا بأنها "مصدر محتمل لأكثر من عشرين عنصر خام مهم".
وتنتج أوكرانيا ثلاثة معادن مهمة بشكل خاص، وهي المنجنيز والتيتانيوم والجرافيت، الضروري للبطاريات الكهربائية.
ومن هذا المعدن الأخير، تستحوذ أوكرانيا على "20 بالمئة من الموارد العالمية المقدرة"، كما يشير المكتب الفرنسي للأبحاث الجيولوجية والتعدين.
ومع ذلك، فإن الكثير من المعادن الأرضية النادرة ورواسب المواد الاستراتيجية في أوكرانيا تقع في المنطقة الشرقية من البلاد التي تسيطر عليها روسيا.
وقال ترامب قبل أيام قليلة إن كييف تقترب مرة أخرى من توقيع اتفاقية بشأن المعادن مع الولايات المتحدة، وهو يمارس ضغوطا على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لتوقيع صفقات اقتصادية بهدف تعويض الولايات المتحدة عن دعمها لبلاده في التصدي للحرب الروسية.
وكان الاتحاد الأوروبي حاول الدخول في لعبة المعادن مع أوكرانيا عام 2021، وأطلق شراكة استراتيجية تتعلق بالمواد الخام، ولكن انطلاق الحرب الروسية الشاملة للأراضي الأوكرانية في فبراير عام 2022 أوقف تنفيذ هذه الخطط.
ولم يفلح الاتحاد الأوروبي في إقامة إطار عمل مشترك، ولذلك فهو الآن متأخر في هذا الشأن.
وأعلنت فرنسا الشهر الماضي أنها تجري مناقشات مع أوكرانيا للوصول إلى ثرواتها المعدنية، بما في ذلك للاستخدام العسكري.
وقال وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان ليكورنو إن المحادثات بدأت في أكتوبر وقادتها وزارتا الدفاع في البلدين.
وأشار إلى أنه على النقيض من ترامب، لم تكن فرنسا تسعى إلى الحصول على مقابل من كييف مقابل المساعدات الممنوحة لدعم أوكرانيا في التصدي للهجوم الروسي.
