أوروبا تواجه عملية انفصال صعبة عن الغاز الروسي
11:51 - 07 مايو 2025
بعد ثلاث سنوات على اندلاع الحرب في أوكرانيا، ما زال الأوروبيون يستهلكون كمّيات كبيرة من الغاز الروسي، لا سيّما الغاز الطبيعي المسال، لذا قدّمت المفوضية الأوروبية خطّة الثلاثاء بهدف التخلّي عن مصادر الطاقة الروسية، لكن العملية صعبة ودونها عقبات سياسية وقانونية.
ما أهمّية الغاز الروسي؟
في العام 2021، قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا، كانت 45 بالمئة من واردات الغاز إلى الاتحاد الأوروبي تأتي من روسيا، أكبر مزوّدي التكتّل على شكل منتجات غازية تنقل بالأنابيب أو غاز مسال يشحن في السفن، وفق إحصاءات الاتحاد الأوروبي.
وبعد الحرب الروسية ضد أوكرانيا في 2022، خفّض الاتحاد الأوروبي إلى حدّ كبير استهلاكه للغاز الروسي مع النضوب التدريجي للغاز المنقول بالأنابيب، تماشيا مع العقوبات الدولية المفروضة على موسكو.
غير أن الاتحاد الأوروبي ما زال يعتمد على الغاز المستورد من روسيا التي تبقى ثاني أكبر مزوّد له بعد النروج. والعام الماضي، كانت روسيا تقدّم 18 بالمئة من واردات الغاز بالأنابيب و20 بالمئة من إمدادات الغاز الطبيعي المسال الشائع الاستخدام في أوروبا والذي تشكّل روسيا ثاني أكبر مورّد له بعد الولايات المتحدة (45 بالمئة من واردات الاتحاد).
وفي نهاية أبريل، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين "لا يخفى على أحد أنه لا بدّ لنا بعد من بذل جهود كبيرة"، مشدّدة على ضرورة وضع حدّ "للاتّكال على قوّة معادية لإمدادنا بالطاقة".
ومنذ أزمة الطاقة بعد التعافي من جائحة كوفيد-19 سنة 2021 وخصوصا بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، ركّزت أوروبا كثيرا على الغاز الطبيعي المسال الذي تحمَّل شحناته في المرافئ ويعاد إلى حالة الغاز قبل ضخّه في الشبكة الأوروبية. وفي العام 2024، كان يشكّل 37 بالمئة من واردات الغاز إلى الاتحاد الأوروبي، في مقابل 63 بالمئة للغاز بالأنابيب، بحسب المركز البحثي المتخصّص في هذا الشأن "IEEFA".
هل يمكن لأوروبا أن تستغني عن روسيا؟
نعم، لكن ليس في الحال. فسوق الغاز الطبيعي المسال التي تشهد منافسة عالمية محتدمة تخضع اليوم لضغوط كثيرة نظرا لقلّة العرض. ولا بدّ من الانتظار حتّى 2026 أو 2027 لتدخل مشاريع جديدة في الخدمة.
ومن المرتقب "أن تبدأ في غضون 2028 مرحلة فائض في العرض على الصعيد العالمي"، بحسب ما قال يان-إيريك فينريش المحلّل لدى "ريستاد إنرجي".
فما العمل إذن؟ قد ينوّع الاتحاد الأوروبي إمداداته بالطاقة من خلال استيراد المزيد من الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة، على أمل تجنّب الزيادات الجمركية التي أقرّها الرئيس دونالد ترامب.
وأشار يان-إيريك فينريش في تصريحاته لوكالة فرانس برس إلى أن "أميركا الشمالية وقطر ستزيدان من طاقتهما إلى حدّ بعيد، لكن إفريقيا ستدخل أيضا على الخطّ بالنسبة إلى أوروبا، لا سيّما إذا تسنّى لموزمبيق تبديد بعض المخاوف في المجال الأمني".
وقد تلجأ أوروبا إلى بلدان أخرى أيضا، مثل النروج التي تعدّ أكبر مزوّد للغاز المسلّم إلى الاتحاد الأوروبي منذ الحرب في أوكرانيا (32 بالمئة سنة 2024). وفي أواخر أبريل، أكّدت أوساط وزير الطاقة الفرنسي مارك فيراتشي أن "النروج في وسعها زيادة قدرتها على إنتاج الغاز الطبيعي".
لمَ الأمر معقّد بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي؟
تثير مسألة الغاز الروسي انقساما في أوساط الدول السبع والعشرين للاتحاد، وعلى رأسها هنغاريا التي تجاهر بقربها من روسيا. كما تتّكل دول أخرى بالكامل على قطاع الغاز الطبيعي المسال. وفي العام 2024، وصلت 85 بالمئة من واردات الغاز الطبيعي المسال من روسيا إلى القارة الأوروبية عبر بلجيكا وفرنسا وإسبانيا، وفق الوكالة الدولية للطاقة.
وتبدو فكرة فرض حظر على الغاز الروسي، كما حال النفط الروسي، غير واردة، إذ إنها تتطلّب إجماعا من الدول الأعضاء السبع والعشرين. وقد يكون "أفضل خيار بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي" زيادة الرسوم الجمركية بشدّة على كلّ واردات الغاز الروسي (غاز الأنابيب والغاز الطبيعي المسال)، بحسب سيمون تاليابييترا الباحث المتخصّص في الشؤون الأوروبية في معهد بروغل.
وفي فبراير، حذّر المدير التنفيذي لشركة "توتال إنرجيز" باتريك بويانيه من أنه في حال طالت العقوبات حقل الغاز "يامال ال ان جي" في سيبيريا الذي تملك الشركة 20 بالمئة من حصصه، فإن "سعر الغاز الطبيعي المسال سيرتفع بسرعة". وحذر القادة الأوروبيين من "أزمة أسعار جديدة في أوروبا".
وبالنسبة إلى "ريستاد إنرجي"، تتمثل إحدى الصعوبات الرئيسية بمعرفة كيفية التعامل مع العقود القائمة مع الشركات الكبرى مثل "توتال" و"شيل"، وهي عقود طويلة الأمد يصعب فسخها.