هل تمثل "قمة ألاسكا" انفراجة بالنسبة لـ "الاقتصاد الروسي"؟
08:17 - 14 أغسطس 2025
يجد الاقتصاد الروسي نفسه في قلب اختبار قاسٍ مع اقتراب موعد القمة المرتقبة بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين؛ فالمشهد يتجاوز حدود الحرب في أوكرانيا، ليشكل ساحة تداخل معقد بين ضغوط العقوبات، وتوازنات التحالفات الدولية، ورسائل القوة التي تبعثها اللقاءات الدبلوماسية النادرة.
ورغم مؤشرات التباطؤ التي بدأت تلوح في الأفق، لا تزال موسكو تحافظ على قدرات مالية كافية لمواصلة مسارها العسكري والسياسي، مدعومةً بشبكة واسعة من شركائها الدوليين. لكن هذه القدرات تُختبر اليوم أمام تغيرات في المزاج الدولي، وتكتيكات أميركية تمزج بين الترغيب والترهيب في محاولة لإعادة صياغة قواعد اللعبة.
وفي الخلفية، تراقب الأسواق عن كثب، إذ تقرأ البورصة الروسية أي بادرة نحو التهدئة كإشارة لإعادة التموضع، بينما يبقى السؤال الأهم معلقاً: هل ستكون القمة المقبلة بداية مسار نحو السلام، أم محطة أخرى في سباق النفوذ والضغوط المتبادلة؟
تباطؤ الاقتصاد
وكان الاقتصاد الروسي يتباطأ حتى قبل تهديدات الرئيس ترامب الأخيرة، لكن الكرملين يملك ما يكفي من المال لمواصلة القتال في أوكرانيا، بحسب تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز".
ويشير التقرير إلى أن:
- الرئيس الأميركي دونالد ترامب يمزج المبادرات الدبلوماسية بالتهديدات الاقتصادية لإقناع روسيا بإنهاء حربها في أوكرانيا.
- رفع ترامب مستوى خطابه هذا الأسبوع، عندما أعلن عن خطط للقاء الرئيس فلاديمير بوتين، في اليوم نفسه الذي صرّح فيه بمعاقبة الهند على شرائها النفط الروسي بمضاعفة الرسوم الجمركية الأميركية.
- على مدار الشهر الماضي، هدّد ترامب مراراً بشل اقتصاد الحرب الروسي إذا لم يوافق بوتين على وقف إطلاق النار، إما بفرض عقوبات جديدة أو بإغلاق أسواق النفط الروسية المتبقية. وحتى الآن، تجاهل الكرملين إنذارات السيد ترامب، مؤكدًا عزمه على المضي قدمًا في هجومه الأخير.
ويُبرز التقرير مدى قوة الاقتصاد الروسي، مشيراً إلى أن موسكو زادت من الإنفاق الحكومي بشكل كبير بعد بدء الحرب في أوكرانيا في عام 2022، مما أدى إلى هندسة طفرة اقتصادية، لكن هذه الطفرة انتهت، بحسب التقرير، الذي يلفت إلى بعض الشواهد الأساسية:
- من المتوقع أن ينمو اقتصاد البلاد بنسبة تتراوح بين 1 و2 بالمئة هذا العام، انخفاضا من 4.7 بالمئة في العام 2024.
- عائدات النفط تتراجع.. وتوقفت معظم الصناعات المدنية عن النمو.
- تخنق أسعار الفائدة المرتفعة الاستثمار الخاص، وبدأت الشركات الكبرى بتسريح موظفيها مؤقتاً .
وقال النائب الروسي الموالي للحكومة، دميتري غوسيف، في مؤتمر صحافي عُقد يوم الثلاثاء الماضي: "إن أكبر الشركات الروسية عاجزة عن إنفاق الأموال على تطويرها، وبناء محطات طاقة جديدة، ومصانع، وخطوط أنابيب، وسكك حديدية". وأضاف: "برامج الاستثمار آخذة في التقلص".
ويلفت التقرير إلى أنه "حتى الآن، حال فريق بوتين دون تحول التباطؤ إلى أزمة. بل رحّب بعض صانعي السياسات بتباطؤ الاقتصاد. وأصبح المستهلكون والشركات الروسية أكثر حذراً في الإنفاق، مما أدى إلى انخفاض التضخم الجامح، وتباطؤ الإقراض المضاربي، وتخفيف نقص العمالة.
رسالة سياسية واقتصادية
من جانبه، يقول الأستاذ بكلية موسكو العليا، الدكتور رامي القليوبي، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- "نرى فعلياً أن استضافة الرئيس ترامب للرئيس بوتين على أراضي الولايات المتحدة الأميركية، بعد قطيعة استمرت لسنوات في عهد سياسة جو بايدن، تمثل رسالة دعم سياسية واقتصادية قوية لروسيا".
- القمة تؤكد أن روسيا ليست في عزلة، وأن خلافها الأساسي هو مع أوروبا فقط، بينما ما زالت تحافظ على علاقات متطورة مع الصين والهند والدول العربية والأفريقية، والآن مع الولايات المتحدة، القوة العسكرية والاقتصادية الأولى في العالم.
ويرجح القليوبي أنه خلال المفاوضات، سيسعى ترامب – كرجل صفقات – للضغط على بوتين من خلال عرض حوافز مثل رفع أو تخفيف العقوبات مقابل وقف إطلاق النار في أوكرانيا، لافتاً إلى أن بوتين قد يقبل ببعضها وقد يرفض، وهذا ما سيتضح بعد القمة.. "لكن في جميع الأحوال، مجرد انعقاد هذه القمة يعد رسالة طمأنة للأسواق الروسية".
ما الذي تعكسه سوق الأسهم؟
في سياق متصل، يلفت تقرير لـ "بيزنس إنسايدر" إلى أن "الاقتصاد الروسي كان يعتمد على الحرب، والآن أصبحت سوق الأسهم الروسية تسعر أو تعتمد على السلام".
وورد في التقرير أن:
- سوق الأسهم الروسية تشهد ارتفاعاً بفضل آمال السلام، حتى في الوقت الذي يظهر فيه الاقتصاد الذي عانى من الحرب العالمية الثانية بعض الشقوق.
- ارتفعت الأسهم الروسية بشكل حاد بعد الإعلان عن أن الرئيس دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين من المقرر أن يجتمعا في ألاسكا يوم الجمعة.
- أغلق مؤشر بورصة موسكو، الذي يتتبع أسهم أكبر 40 شركة روسية، على ارتفاع بنسبة 1.4 بالمئة يوم الاثنين، مسجلاً مكاسب لليوم الثالث على التوالي. وقفز المؤشر بنحو 8 بالمئة منذ يوم الخميس، ويتداول بالقرب من أعلى مستوى له في ثلاثة أشهر.
كتبت المحللة الرئيسية في شركة فريدوم فاينانس غلوبال، ناتاليا ميلشاكوفا، في مذكرة يوم الثلاثاء: "يعتمد اللاعبون في سوق الأسهم على بداية تسوية للصراع الروسي الأوكراني في أعقاب اجتماع رئيسي الولايات المتحدة وروسيا".
وأضافت أن هناك تفاؤلاً متزايداً بشأن إمكانية تخفيف بعض العقوبات المفروضة على الشركات الروسية إذا أدت المحادثات إلى خفض التصعيد.
يأتي هذا التفاؤل في السوق حتى مع ظهور علامات توتر على الاقتصاد الروسي، الذي يعتمد على الحرب. فقد بدأت سنوات من الإنفاق العسكري المرتفع - المدعوم بعائدات النفط والغاز - تفقد زخمها.
الاقتصاد الروسي
من موسكو، يقول المحلل الروسي ديمتري بريجع، في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- أعتقد بأن الاقتصاد الروسي متماسك وقادر على مواجهة الضغوط بفضل شبكة واسعة من الدول الصديقة التي تمدّ يد العون وتوفر بدائل للأسواق والموارد التي حاول الغرب حرمان موسكو منها.
- نجحت روسيا في بناء خطوط تجارية فعّالة عبر هذه الدول، ما أتاح استمرار تدفق السلع والخدمات، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية في مجالات الطاقة، الزراعة، والصناعات التحويلية.
- بفضل هذا التعاون، أصبح الاقتصاد الروسي أقل اعتماداً على المراكز المالية الغربية، وأكثر قدرة على تنويع صادراته واستيراداته من أسواق بديلة.
ويضيف: "كما أن روسيا دولة تعتمد على ذاتها، إذ استثمرت خلال السنوات الماضية في تطوير قدراتها الإنتاجية الوطنية، وتوسيع القاعدة الصناعية والتكنولوجية المحلية، ما جعلها أقل عرضة للابتزاز الاقتصادي الخارجي"، منبهاً إلى أن هذه السياسة عززت الاكتفاء الذاتي في قطاعات حيوية كالغذاء والطاقة والتكنولوجيا الدفاعية، ورسخت قدرة موسكو على إدارة مواردها بكفاءة. والنتيجة أن الاقتصاد الروسي اليوم ليس فقط صامداً، بل متمكناً من تحويل التحديات إلى فرص، ومواصلة النمو حتى في بيئة دولية مليئة بالعقبات.