ما الأسلحة التي تمتلكها اليابان في مفاوضاتها مع أميركا؟
05:12 - 28 مايو 2025
تشهد العلاقات الاقتصادية بين اليابان والولايات المتحدة مرحلة تفاوضية حاسمة، تتمحور حول ملف التعريفات الجمركية التي فرضتها واشنطن على واردات اليابان، والتي تهدد بخلق اضطرابات في التجارة الثنائية وتأثيرات سلبية على الاقتصادين.
تسعى اليابان من خلال هذه المفاوضات إلى تخفيف الضغوط عبر تقديم حزمة من المساهمات المالية والتقنية، تعكس رغبتها في تعزيز التعاون الاقتصادي والأمني مع الولايات المتحدة، ضمن إطار شراكة استراتيجية تجمع بين البلدين على المستويين السياسي والاقتصادي.
في هذا السياق، تستثمر اليابان في استراتيجيات تفاوضية متوازنة تركز على نقاط قوتها الاقتصادية والتكنولوجية، مثل خبرتها في قطاع بناء السفن، وامتلاكها لموارد المعادن النادرة الحيوية للصناعات المتقدمة، إضافة إلى استثماراتها الكبيرة داخل السوق الأميركية.
في المقابل، تواجه طوكيو تحديات تتعلق بالرسوم الجمركية المرتفعة على صادراتها الأساسية كالسيارات والصلب، ما يجعل من التوصل إلى اتفاق متوازن هدفاً رئيسياً للحفاظ على استقرار الاقتصادين وتعزيز المصالح المشتركة في ظل الأجواء المتوترة للحرب التجارية بين البلدين.
مساهمات
وبحسب تقرير لـ "بلومبيرغ"، فإنه في محاولة لتسهيل التوصل إلى اتفاقية تعرفة جمركية مع الولايات المتحدة بحلول منتصف يونيو المقبل، تسعى اليابان إلى تقديم مساهمات مالية وتقنية متنوعة، تشمل الاستثمار في مشروع خط أنابيب الغاز الطبيعي المسال في ألاسكا، إلى جانب خبرتها في بناء السفن.
وأشار رئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا، الأحد الماضي، إلى أن بلاده ستبرز قدراتها في بناء كاسحات الجليد، وهو مجال متنامٍ نتيجة لتزايد المخاوف الأمنية في منطقة القطب الشمالي. كما عرضت اليابان المساعدة في إصلاح السفن الحربية الأميركية التي تقوم بدوريات في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وجاء ذلك بعد عودة المفاوض التجاري المختار من قبل إيشيبا، ريوسي أكازاوا، إلى طوكيو عقب الجولة الثالثة من المباحثات مع نظرائه الأميركيين في واشنطن.
وأكد أكازاوا أنه يأمل في التوصل إلى اتفاق قبل الاجتماع الثنائي المخطط بين إيشيبا والرئيس الأميركي دونالد ترامب على هامش قمة مجموعة السبع في كندا الشهر المقبل.
وقال إيشيبا، الأحد، حول آخر لقاء بين أكازاوا ونظرائه: "كانت هناك مناقشات ملموسة حول توسيع التجارة، والتدابير غير الجمركية، والتعاون في الأمن الاقتصادي. وقد أحرزنا تقدماً في هذه المجالات. نخطط لمواصلة المناقشات مع وضع قمة مجموعة السبع في الاعتبار".
تعكس تصريحات إيشيبا زخماً متصاعداً في المفاوضات، خصوصاً في ظل تهديد الرسوم الجمركية الأميركية بدفع الاقتصاد الياباني إلى ركود فني قبيل انتخابات مجلس الشيوخ المقررة في يوليو، وفق التقرير.
ويواصل إيشيبا التأكيد على مساهمات اليابان الاستثمارية في الاقتصاد الأميركي في مسعى للحصول على مهلة من الرسوم الجمركية الإضافية.
وذكرت وسائل إعلام محلية أن اليابان قد تعرض التعاون في مشروع الغاز الطبيعي في ألاسكا ضمن محادثات التجارة، رغم وجود بعض الشكوك حول تكلفة المشروع المقدرة بـ44 مليار دولار، حسب تقرير صحيفة يوميوري. واقترح مؤسس شركة سوفت بانك، ماسايوشي سون، بشكل منفصل إنشاء صندوق سيادي أميركي-ياباني للاستثمار في التكنولوجيا والبنية التحتية، وفق ما أوردت صحيفة فايننشال تايمز.
ووفق تقرير لـ thediplomat، فإنه بينما سارعت اليابان إلى الانضمام إلى مفاوضات التعريفات الجمركية في محاولة لتأمين إعفاءات من التعريفات من خلال الامتثال الجزئي لمطالب إدارة ترامب، مثل توسيع وارداتها من السيارات والمنتجات الزراعية الأميركية، فإنه مع ذلك، في حرصها على التوصل إلى اتفاق، يجب ألا تغفل اليابان عن مبدأ مهم، وهو أن تعريفات ترامب أحدثت اضطراباً كبيراً في نظام التجارة الحرة الذي طالما روجت له منظمة التجارة العالمية.
ويضيف التقرير: قد تكون اليابان من بين أوائل الدول التي دخلت في مفاوضات رسمية مع الولايات المتحدة، ولكن إذا قبلت جميع الشروط التي فرضتها واشنطن لتجنب التعريفات الجمركية، فقد تصبح مثالًا ناجحًا على دبلوماسية ترامب، التي تهدد الدول الأخرى بتعريفات جمركية عالية لانتزاع شروط مواتية للولايات المتحدة.
نقاط القوة والضعف
يقول رئيس قسم الأسواق العالمية في شركة Cedra Markets في حديث خاص مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن اليابان تمتلك عدة أوراق ضغط استراتيجية يمكن أن تستخدمها في إطار الحرب التجارية مع الولايات المتحدة الأميركية، موضحاً أن "آخر ما قد يحدث هو الوصول لاتفاق شامل، إذ لا تزال اليابان تشكل عقدة تفاوضية رئيسية في هذا السياق"، على حد وصفه.
ويضيف" "عدة جولات من المفاوضات جرت بالفعل، والمفاوضون اليابانيون يدرسون بدقة طبيعة هذه الحرب التجارية وكيفية خوضها"، مشيراً إلى أنه من أبرز الإشكالات التي تواجهها اليابان في هذا السياق "الرسوم الجمركية بنسبة 25 بالمئة التي تفرض على السيارات الأساسية والفولاذ والألمنيوم".
أما عن كروت وأوراق الضغط التي تمتلكها طوكيو في المفاوضات، فمن بينها:
- اليابان تعتبر شريكًا استراتيجيًا للولايات المتحدة، وتلعب دورًا أساسيًا في احتواء الصين من الناحية الجيوسياسية والاقتصادية.. ومن هنا يكمن جزء من نقاط قوتعا.
- كما أن "اليابان تتفوق في قطاع التكنولوجيا، خاصة في مجال الرقائق الإلكترونية، وهو قطاع تعتمد عليه الولايات المتحدة بشكل كبير، ما يخلق تعاونًا مستمرًا ومثمرًا بين الطرفين".
- اليابان تمتلك أيضاً وصولاً مهماً إلى المعادن النادرة، والتي تعد أساسية في الصناعات التكنولوجية المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة النظيفة، مؤكدًا أن هذه الموارد تلعب دورًا محوريًا في موازين القوى الاقتصادية.
وعلى الجانب الآخر، أوضح أن اليابان تستورد كميات كبيرة من الغاز الأميركي، وهو ما يساهم في توازن الميزان التجاري بين البلدين، حيث تم الإعلان مؤخراً عن نية اليابان تعزيز استثماراتها في قطاع الغاز الأمريكي، بما في ذلك مشاريع محتملة في ألاسكا والتنقيب في القطب الشمالي.
كما أبدت اليابان استعدادها لدعم الولايات المتحدة بخبراتها في قطاع السفن، خاصة في مجال كاسحات الجليد، في إطار التعاون في المنطقة القطبية.
ويختتم يرق حديثه قائلاً: "سلاسل التوريد والصناعات اليابانية تظل عاملاً ثابتاً وأساسياً في العلاقات بين البلدين، ولكن الإدارة الأميركية تنتقد بشدة اعتماد اليابان على ضعف عملتها كأداة لدعم صادراتها، وقد صدرت مطالبات متكررة بتقوية الين الياباني وتفادي استخدامه كسلاح في الحرب التجارية".
ويشار إلى أن ترامب كان قد فرض على اليابان رسوماً بنسبة 25 بالمئة على السيارات والصلب والألمنيوم، ورسومًا بنسبة 10 بالمئة على جميع السلع. ومن المتوقع رفع هذه الرسوم المتبادلة إلى 24 بالمئة في بداية يوليو إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق.
وتشكل السيارات وقطع الغيار نحو ثلث الصادرات اليابانية إلى الولايات المتحدة. ويعد قطاع السيارات محركًا رئيسياً للنمو في الاقتصاد الياباني ويوظف حوالي 8 بالمئة من القوى العاملة.
وأظهرت بيانات التجارة لشهر أبريل تراجعاً في صادرات السيارات إلى الولايات المتحدة، مما رفع خطر دخول الاقتصاد في ركود فني بعد انكماشه في الربع الأول من العام.
مفاوضات دقيقة
خبير أسواق المال، محمد سعيد، يقول في حديث خاص مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن اليابان حالياً تخوض مفاوضات دقيقة مع الولايات المتحدة بشأن الرسوم الجمركية، وهي تمتلك في جعبتها عدة أوراق ضغط فاعلة تعزز من موقفها التفاوضي.
أبرز هذه الأوراق يتمثل في حجم استثماراتها الهائل داخل الاقتصاد الأميركي؛ إذ تُعد اليابان أكبر مستثمر أجنبي في الولايات المتحدة خلال السنوات الخمس الأخيرة. وهذا الواقع يجعل من أي توتر تجاري أو تصعيد في الرسوم الجمركية تهديداً مباشراً لآلاف الوظائف الأميركية، لا سيما في قطاعات حيوية كصناعة السيارات والصلب والألومنيوم.
ويستطرد: الإدارة الأميركية تدرك جيداً أن الشراكات التي تقيمها شركات يابانية مثل "نيبون ستيل" مع نظيراتها الأميركية كـ "يونايتد ستايتس ستيل"، تمثل مصدر قوة اقتصادية، لما تخلقه من فرص عمل وتدفقات استثمارية بمليارات الدولارات، ما يضع صانع القرار في واشنطن تحت ضغط اقتصادي حقيقي يصعب تجاهله.
من جهة أخرى، تمتلك اليابان هامشاً تفاوضياً في ملفات ذات حساسية للجانب الأميركي، كملف تسهيل استيراد السيارات الأميركية وتبسيط اختبارات الأمان، وهي مسائل لطالما اشتكت منها واشنطن. كما أنه بإمكان طوكيو تقديم تنازلات مدروسة في هذا الإطار مقابل تخفيف أو إلغاء الرسوم على صادراتها الصناعية. هذا إلى جانب مقترحات أخرى مثل زيادة وارداتها من الذرة وفول الصويا الأميركي، أو توسيع استثماراتها في مشروعات الغاز الطبيعي المسال بألاسكا، وهي كلها ملفات تصب في مصلحة المزارعين والصناعة الأميركية.
ووفق سعيد، فإنه على الرغم من أن اليابان لا تميل إلى استخدام ورقة الرد الانتقامي المباشر، حفاظاً على استقرار اقتصادها في ظل الارتفاع العالمي في أسعار الطاقة والغذاء، إلا أنها لم تسحب هذا الخيار كلياً من الطاولة، مما يُبقي عنصر القلق قائماً لدى الجانب الأميركي.
دبلوماسياً، تتحرك طوكيو بذكاء، من خلال تنسيق المواقف مع دول أخرى متضررة من السياسات الحمائية الأميركية، مثل الصين وكوريا الجنوبية وبريطانيا وسنغافورة، وهو ما يعزز من موقفها التفاوضي ويُشكّل ضغطاً جماعياً على واشنطن للعودة إلى طاولة الحوار، بحسب سعيد.
وتلعب اليابان على وتر المصالح الاقتصادية المتبادلة، وتستخدم أدوات مرنة في المفاوضات، مستندة إلى ثقلها الاستثماري والتجاري، مع حفاظها على الهدوء وضبط النفس. هذا النهج يمنحها موقفاً قوياً ومتزناً يصعب على الإدارة الأمريكية تجاوزه دون تقديم تنازلات.