الـ AI يقود ثورة بـ "صناعة الرسوم المتحركة"
08:37 - 26 مايو 2025
تشهد صناعة الرسوم المتحركة تحولاً جذرياً بفعل التطورات التكنولوجية المتسارعة، حيث أصبح الذكاء الاصطناعي واحداً من أبرز العوامل المحركة لهذا التحول.
لم يعد إنتاج الرسوم المتحركة حكراً على الطرق التقليدية التي تعتمد على فرق ضخمة من الفنانين والمصممين، بل بات بإمكان الشركات الناشئة والمنتجين المستقلين الاعتماد على تقنيات ذكية تسرع عملية الإنتاج بشكل كبير وتخفض التكاليف بشكل ملحوظ. ويُمكن هذا التطور من تقديم محتوى بصري جذاب ومتطور بسرعة عالية، موجه بشكل خاص لجمهور منصات التواصل الاجتماعي التي تتطلب سرعة التجديد وتنوع الأفكار.
في الوقت نفسه، لا تخلو هذه القفزة التقنية من تحديات ومخاوف، سواء من الناحية القانونية المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية، أو من ناحية الحفاظ على العنصر الإنساني والإبداعي الذي يميز العمل الفني. إذ إن العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والفنان البشري ما تزال في طور التوازن، حيث تسعى الصناعة لإيجاد نموذج يدمج بين كفاءة الذكاء الاصطناعي وقدرة الإنسان على الإبداع والابتكار.
تجربة
في هذا السياق، يشير تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" على سبيل المثال إلى شركة Toonstar الناشئة في لوس أنجلوس، والتي تستخدم الذكاء الاصطناعي بشكل متكامل لتسريع وتقليل تكلفة إنتاج الرسوم المتحركة، حيث يمكنها إنتاج حلقات كاملة أسرع بنسبة 80 بالمئة وأرخص بنسبة 90 بالمئة مقارنة بالمعايير التقليدية في الصناعة.
وتعتمد الشركة على تقنيات متطورة مثل المزامنة التلقائية للصوت مع تحركات فم الشخصيات، مما يقلص وقت العمل من ساعات إلى دقائق.
الذكاء الاصطناعي يُستخدم في مراحل متعددة من الإنتاج، بدءاً من تحسين النصوص، وتصميم الصور، وصولاً إلى الدبلجة بلغات مختلفة.
وتوضح الشركة أن العملية لا تزال تعتمد على العنصر البشري في جانب الإبداع، حيث أن النظام يولد نتائج بنسبة 70 بالمئة، فيما يقوم الفنانون والمصممون بتعديل التفاصيل النهائية لإضفاء الطابع الشخصي على الشخصيات والمشاهد.
تاريخياً، صنعت شركات كبرى مثل Hanna-Barbera تغييرات جذرية في طرق إنتاج الرسوم المتحركة لتتناسب مع متطلبات التلفزيون وبميزانيات محدودة، مما أتاح إنتاج محتوى ضخم وبجودة مقبولة. والآن تسعى Toonstar لإحداث تحول مماثل لعصر اليوتيوب ومنصات البث الحديثة باستخدام الذكاء الاصطناعي، وسط رفض وتحفظ كبير من العاملين التقليديين في هوليوود الذين يخشون فقدان وظائفهم بسبب التكنولوجيا.
من أبرز التحديات التي تواجه Toonstar هي الجدل القانوني والأخلاقي حول استخدام الذكاء الاصطناعي، خاصةً ما يتعلق بحقوق النشر وحقوق المبدعين الأصليين، حيث تم رفع دعاوى قضائية ضد شركات مثل OpenAI وMicrosoft بتهم انتهاك حقوق النشر بسبب تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي على محتوى مأخوذ من الإنترنت دون تعويض أصحابها.
توفر Toonstar حلاً وسطاً باستخدام نموذج ذكاء اصطناعي "نظيف من حقوق النشر" تم تدريبه فقط على أعمال فنية تم تكليفها مباشرة، مما يقلل المخاوف القانونية ويضمن احترام حقوق الفنانين. كما يؤكد مؤسسو الشركة على ضرورة بقاء البشر في دائرة التحكم والإبداع (Humans In The Loop)، حيث لا تزال الرؤية الفنية والقرارات الإبداعية من اختصاص الفنانين.
في دورة إنتاج نموذجية، تبدأ المرحلة بكتابة النصوص يدوياً دون استخدام الذكاء الاصطناعي، بينما يستعين الفريق بأدوات تحليلية تعتمد على الذكاء الاصطناعي لدراسة تفاعل الجمهور مع المحتوى السابق لتحسين القصص. ثم يُستخدم الذكاء الاصطناعي لإنشاء الصور الأولية بناءً على أوصاف محددة، ويقوم المصممون بتعديل هذه الصور. بعد ذلك، يتم تحريك المشاهد ودمج الصوت والحوار تلقائياً، مع إضافة مؤثرات صوتية وتقديم الدبلجة بلغات متعددة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.
هذه العملية تتيح إنتاج محتوى جذاب وسريع التكلفة موجه أساساً لجمهور منصات التواصل الاجتماعي مثل يوتيوب وتيك توك.
- يشير خبراء الصناعة إلى أن الذكاء الاصطناعي سيقلل بشكل جذري الحاجة لفرق ضخمة في إنتاج الرسوم المتحركة، متوقعين أن مشروعاً كبيراً سينتج بمشاركة حوالي 50 شخصاً مقارنة بخمسمئة شخص قبل عقد من الزمن.
- مع ذلك، يواجه هذا التوجه مقاومة من العاملين في الصناعة التقليدية الذين يخشون أن تؤدي تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى تقليص فرص العمل وتقويض الإبداع البشري.
- في الوقت ذاته، يرى مؤسسو Toonstar أن تبني الذكاء الاصطناعي فرصة لخفض التكاليف وتحفيز المخاطرة الإبداعية، مما قد يؤدي إلى طفرة جديدة في صناعة الرسوم المتحركة.
تطور النماذج
من جانبه، يقول الخبير التكنولوجي، محمد الحارثي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن الذكاء الاصطناعي أصبح يشكل اختراقاً حقيقياً في مجال إنتاج وتطوير الرسوم المتحركة، إذ تطورت النماذج الذكية خلال الفترة الماضية بشكل كبير، بفضل تعلمها من كم هائل من الوسائط المتعددة المتاحة على الإنترنت.
ويوضح أن هذه النماذج قادرة اليوم على إعادة إنتاج محتوى مرئي وتحويله إلى رسوم متحركة بدقة عالية جداً، مع معدلات تشوه أقل بكثير مما كان عليه في السابق، مما يجعل من الصعب التمييز بين الرسوم المنتجة تقليديًا وتلك التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي.
ويضيف: العديد من البرامج المعتمدة في صناعة الرسوم المتحركة بدأت تعتمد بشكل كبير على الذكاء الاصطناعي لإنتاج المحتوى البصري، وهو ما جعل هذه التقنية أكثر قبولًا من قبل المنتجين والمشاهدين على حد سواء.
ويشير الحارثي إلى أن الذكاء الاصطناعي استطاع أيضاً التغلب على التحديات المرتبطة بالدبلجة والمؤثرات الصوتية، الأمر الذي يعزز من قدرة هذه التقنية على تقديم محتوى متكامل، متوقعاً أن تشهد السوق العالمية تغييرات كبيرة في هذا الإطار. كما يؤكد أن السينما بدأت فعليًا بدمج الذكاء الاصطناعي في إنتاج العديد من المشاهد، مما سيساهم في خفض تكاليف تصوير المشاهد الخارجية بشكل ملحوظ.
ثورة في عالم الرسوم
المستشار الأكاديمي في جامعة سان خوسيه الحكومية في كاليفورنيا، أحمد بانافع، يقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن الذكاء الاصطناعي أحدث ثورة كبيرة في عالم الرسوم المتحركة، مما يؤثر بشكل عميق على هوليوود وصناعة الترفيه بشكل عام.
ولخص هذا التأثير في عدة جوانب رئيسية:
- زيادة الكفاءة وخفض التكاليف، من خلال أتمتة المهام المتكررة وتسهيل إنشاء النماذج ثلاثية الأبعاد، علاوة على تخفيض التكاليف، لجهة التوفير في الوقت والجهد، مما يجعل صناعة الرسوم المتحركة أكثر جدوى اقتصادية، ويفتح الباب أمام استوديوهات أصغر ومنتجين مستقلين لإنتاج محتوى عالي الجودة.
- تسريع وتيرة الإنتاج والإبداع، بحيث يسمح الذكاء الاصطناعي بإنشاء المحتوى بسرعة أكبر بكثير. على سبيل المثال، يمكن تحويل الأوصاف النصية إلى رسوم متحركة فورًا.
- تعزيز الإبداع، فبدلاً من التركيز على التفاصيل التقنية الدقيقة، يمكن لفناني الرسوم المتحركة التركيز بشكل أكبر على الجانب الإبداعي، مثل سرد القصص وتطوير الشخصيات. يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون أداة قوية لإثراء الخيال الإبداعي للفنان.
- تجريب أفكار جديدة، إذ تسهل أدوات الذكاء الاصطناعي على المنتجين والفنانين تجربة أفكار ومفاهيم مختلفة بسرعة، مما يعزز الابتكار.
كما يُبرز تأثير الذكاء الاصطناعي على جودة المحتوى والواقعية، بالإشارة إلى إسهام التطبيقات في في إنشاء مؤثرات بصرية أكثر واقعية ودقة، مثل حركة الشخصيات وتعبيرات الوجه وإعدادات المشاهد، علاوة على أنه يمكن للذكاء الاصطناعي ضمان توافق حركات فم الصورة الرمزية تمامًا مع الكلمات المنطوقة، مما يخلق تجربة بصرية موثوقة وأصلية، لافتاً في الوقت نفسه إلى أن نماذج الذكاء الاصطناعي الجديدة تتيح مزيدًا من التحكم في أداء الشخصيات، حيث يمكن للممثلين أداء كيفية تحريك الشخصية.
لكن بموازاة ذلك تبزغ مجموعة من المخاوف والإشكاليات، بما في ذلك الإشكاليات المرتبطة بحقوق الملكية الفكرية وفقدان الوظائف وفقدان الأصالة والتجانس. ويبرز بانافع في هذا السياق دعوات بعض الجهات إلى وضع تشريعات لتقنين استخدام الذكاء الاصطناعي في الصناعة لحماية حقوق المؤلفين ومنع التزييف وسرقة الأفكار.
اليابان نموذجاً
وفي نموذج آخر، يشير تقرير لـ "دويتشه فيله" إلى صناعة الأنمي اليابانية، والتي تشهد تحولاً كبيراً مع تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي، مدعومة بتشريعات محلية تسمح باستخدام المحتوى المحمي بحقوق الطبع والنشر لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي دون موافقة أصحاب الحقوق، في خطوة تهدف لجذب الاستثمارات وتعزيز التطوير التكنولوجي.
يواجه قطاع الأنمي نقصاً في العمالة بسبب ظروف العمل الصعبة والأجور المنخفضة، ما يجعل الذكاء الاصطناعي حلاً فعّالًا لتقليل الوقت والجهد اللازمين لإنتاج الأعمال الفنية، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي تحويل رسومات قليلة إلى مشاهد متحركة خلال فترة قصيرة.
رغم ذلك، يعبر 94 بالمئة من الفنانين اليابانيين عن مخاوفهم من فقدان وظائفهم بسبب الذكاء الاصطناعي، لكن الخبراء يؤكدون أن التكنولوجيا لن تستطيع استبدال الإبداع والقدرات البصرية البشرية التي تظل ضرورية في الإنتاج الفني.
وتلعب الثقافة اليابانية دوراً في تقبل التكنولوجيا، حيث يرى اليابانيون أن الذكاء الاصطناعي جزء من الطبيعة والروح، وهو ما يتجلى في أعمال الأنمي الكلاسيكية مثل "آسترو بوي" التي تمزج بين الإنسان والآلة.
على المستوى العالمي، يستخدم صناع الأفلام الذكاء الاصطناعي لتسهيل الإنتاج رغم استمرار الحاجة إلى العنصر البشري، فيما يطالب الفنانون في الولايات المتحدة بحماية حقوقهم عبر قوانين جديدة لمواجهة الاستغلال غير المرخص للتقنية، مع توقعات بأن الذكاء الاصطناعي سيعيد تشكيل صناعة السينما والفنون بصيغة أكثر ديمقراطية وابتكاراً، وفق التقرير.
واقع ملموس
الخبير التكنولوجي، محمد سعيد، يقول لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- الذكاء الاصطناعي أصبح واقعا ملموسا ويحدث تحولا جذريا في صناعة الرسوم المتحركة والأفلام خصوصا في هوليوود حيث بات يعتبر محركا أساسيا للإبداع وتغيير قواعد اللعبة بشكل جوهري.
- الذكاء الاصطناعي يسهم في تسريع الإنتاج وتخفيض التكاليف بشكل كبير خاصة في المهام التي كانت تتطلب وقتا وجهدا هائلا مثل تحريك الشخصيات أو إنشاء الخلفيات المعقدة وهذا يمكن أن يخفض تكلفة الإنتاج بنسبة تصل إلى 60 بالمئة في بعض المراحل مما يتيح حتى للاستوديوهات الصغيرة والمستقلة القدرة على المنافسة بميزانيات أقل بكثير وهذا يفتح آفاقا جديدة للمنافسة والابتكار لم تكن متاحة من قبل.
- تأثير الذكاء الاصطناعي لا يقتصر على الرسوم المتحركة بل امتد ليشمل جميع مراحل صناعة السينما من كتابة النصوص إلى المونتاج والمؤثرات البصرية.
- الـ AI قادر على تحليل آلاف السيناريوهات واستخلاص أنماط النجاح منها واقتراح أفكار وحوارات بل وكتابة مشاهد كاملة، مما يسرع عملية تطوير الأفكار ويمكن الكتاب من التركيز على الجانب الإبداعي بشكل أكبر.
- شركات مثل Runway و Stability AI تتصدر هذه الموجة وتمكن من إنشاء مشاهد كاملة من مجرد وصف نصي بسيط.
ويضيف: "الصناعة تسعى الآن إلى تحقيق توازن دقيق بين الاستفادة من كفاءة الذكاء الاصطناعي والحفاظ على الإبداع البشري الذي يعد جوهر الفن"، منبهاً إلى أن الاستوديوهات التي ستحقق النجاح هي تلك التي ستتمكن من استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة مساعدة قوية للمبدعين وليس كبديل لهم.
ويعتقد بأن المستثمرين يدركون فرص النمو الهائلة في هذا القطاع، والدليل على ذلك هو الاستثمارات الضخمة في شركات التقنيات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي للرسوم المتحركة مما يؤكد أن مستقبل الترفيه يرتبط بشكل وثيق بهذه التكنولوجيا.