الساماريوم.. كنز صيني يهدد التفوق العسكري الأميركي
05:44 - 11 يونيو 2025
تمسك الصين تمسك بكثير من خيوط اللعبة من العمق في سباق السيطرة على المستقبل الصناعي والعسكري للعالم، فمن خلال إحكام قبضتها على سوق المعادن الأرضية النادرة، عززت بكين نفوذها الاستراتيجي في واحدة من أكثر الساحات حساسية (سلاسل الإمداد المرتبطة بالصناعات الدفاعية والتكنولوجيا المتقدمة).
وتبرز المعادن النادرة، وعلى رأسها الساماريوم، كسلاح جيوسياسي صامت تستخدمه الصين لتعزيز موقعها على طاولة الكبار، ليس فقط بصفتها المُصدر الأكبر، بل بوصفها الجهة الوحيدة القادرة على المعالجة والتكرير على نطاق تجاري واسع.
وتنعكس هذه الهيمنة في اختلال واضح بموازين القوى الاقتصادية، إذ تجد الولايات المتحدة وحلفاؤها أنفسهم في موقف هش أمام تعنت صيني مدروس، يربط بين الأمن القومي والسيادة على الموارد. فالقدرة على تعطيل إنتاج الطائرات المقاتلة والصواريخ الذكية من خلال تقييد تصدير عنصر واحد فقط، تكشف عن هشاشة الاعتماد الغربي على سلسلة إمداد تسيطر عليها قوة جيوسياسية منافسة.
الساماريوم
في هذا السياق، ذكر تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" أن:
- الضوابط الصارمة التي تفرضها الصين على تصدير المغناطيسات المقاومة للحرارة المصنوعة من معادن أرضية نادرة تكشف عن ثغرة كبيرة في سلسلة توريد الأسلحة العسكرية الأميركية.
- بدون هذه المغناطيسات، سوف تجد الولايات المتحدة وحلفاؤها في أوروبا صعوبة في إعادة ملء المخزونات المستنفدة مؤخرا من المعدات العسكرية.
- لمدة تزيد على عقد من الزمان، فشلت الولايات المتحدة في تطوير بديل لإمدادات الصين من نوع محدد من المعادن النادرة التي تعد ضرورية لتصنيع المغناطيسات الخاصة بالصواريخ والطائرات المقاتلة والقنابل الذكية والكثير من المعدات العسكرية الأخرى .
- تشكل المعادن الأرضية النادرة قضية محورية في المحادثات التجارية بين الولايات المتحدة والصين الجارية حاليا في لندن.
ويضيف التقرير: "تُنتج الصين كامل إمدادات العالم من الساماريوم، وهو معدن أرضي نادر وغامض يُستخدم بشكل شبه كامل في التطبيقات العسكرية"، منوهاً بأن مغناطيسات الساماريوم تستطيع تحمل درجات حرارة عالية تكفي لإذابة الرصاص دون فقدان قوتها المغناطيسية. وهي ضرورية لتحمل حرارة المحركات الكهربائية سريعة الحركة في الأماكن الضيقة، مثل مخاريط مقدمة الصواريخ.
في الرابع من أبريل، أوقفت الصين تصدير سبعة أنواع من المعادن الأرضية النادرة، بالإضافة إلى المغناطيسات المصنوعة منها.
- تسيطر الصين على معظم إمدادات العالم من هذه المعادن والمغناطيسات.
- أعلنت وزارة التجارة الصينية أن لهذه المواد استخدامات مدنية وعسكرية، وأن أي صادرات أخرى لن يُسمح بها إلا بتراخيص خاصة.
- وفقًا للوزارة، فإن هذه الخطوة من شأنها "حماية الأمن القومي" و"الوفاء بالالتزامات الدولية، مثل منع الانتشار".
- بدأت الوزارة بإصدار بعض التراخيص لمغناطيسات تحتوي على عنصرين من العناصر الأرضية النادرة المحظورة، الديسبروسيوم والتيربيوم، لشركات صناعة السيارات في أوروبا والولايات المتحدة.
ويشار إلى أن المغناطيسات التي تحتوي على هذين العنصرين الأرضيين النادرين، والمستخدمة في أنظمة الفرامل والتوجيه، تستطيع تحمل حرارة محرك بنزين قريب، لكنها لا تتحمل الحرارة العالية التي قد تتعرض لها التطبيقات العسكرية. ولكن لم تظهر أي إشارة على موافقة الصين على تصدير الساماريوم، الذي لا يُستخدم إلا في تطبيقات مدنية محدودة.
تفوق صيني
استاذة الاقتصاد والطاقة، الدكتورة وفاء علي، تقول لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" من القاهرة:
- لا شك أن القفز على الحقائق لن يفيد الولايات المتحدة الأميركية أو الاتحاد الأوروبي، في ظل واقع بات واضحاً، لجهة كون الصين هي الملكة المتوجة على عرش المعادن النادرة.
- لقد أصبح جلياً أن أغلب المفاوضات الدولية تدور حول هذا المحور، المتعلق بالمعادن النادرة.
- في هذا السياق، فرضت الصين قيوداً صارمة على تصدير معدن الساماريوم، الذي يُستخدم في صناعة مغناطيسيات مقاومة للحرارة، مما يشكل أزمة خطيرة تهدد الصناعات الدفاعية والقدرات العسكرية لكل من الولايات المتحدة والدول الغربية.
وتضيف: لقد باتت قضية الرسوم الجمركية بين واشنطن وبكين تتركّز بشكل كبير على المعادن النادرة، وعلى رأسها هذا المعدن الاستراتيجي الذي يشكّل حجر الزاوية في محاولة تعويض أوروبا لمخزونها العسكري من الطائرات والصواريخ التي فقدتها نتيجة دعمها لأوكرانيا في حربها مع روسيا. ومهما ضخت دول الناتو من استثمارات في تطوير الوسائل الدفاعية، تبقى حاجتها إلى المعادن النادرة الصينية أعلى بكثير، ما يعكس الهيمنة الصينية على سلاسل إمداد هذه المعادن.
وتشير إلى أن الصين تنتج تقريباً كامل الإمدادات العالمية من معدن الساماريوم، وتنفرد بعمليات معالجته التي تُجرى في ظروف بالغة السرية، ليُستخدم في مختلف التطبيقات الدفاعية والعسكرية المتقدمة، موضحة في السياق نفسه أن هذا المعدن يتميّز بخصائص مغناطيسية قوية وثابتة حتى في درجات حرارة تكفي لإذابة الرصاص، ما يجعله مثالياً لصناعة مقدمة الصواريخ. وتحتاج كل مقاتلة من طراز F-35 إلى نحو 50 رطلاً من هذا المعدن النفيس.
وانطلاقاً من هذه الأهمية العسكرية والمدنية، تدرك الصين تماماً خطورة هذا المورد، لذا لا تسمح بتصديره إلا عبر تصاريح خاصة، تحت مظلة حماية الأمن القومي ومنع الانتشار. ومن هنا، تواجه الولايات المتحدة ودول الغرب معضلة حقيقية في الحصول على هذا المعدن الحيوي.
وتوضح أنه في محاولة لمواجهة هذا التحدي، كانت الولايات المتحدة قد رصدت في وقت سابق مليار دولار لإعادة تشغيل وتوسيع منجم قديم في كاليفورنيا، وهو المنجم الوحيد المتاح لديها لهذه المعادن، والذي توقف عن العمل منذ عام 1998 بسبب تسرب غازي. ومع ذلك، فإن قوة الصين لا تكمُن فقط في وفرة الموارد، بل أيضاً في احتكارها لعمليات المعالجة المركزية للمعادن النادرة، وهي عمليات لا تُقدّر بثمن، وتضع الصناعات الدفاعية الغربية في قلب العاصفة.
تحذيرات متجددة
في السياق، يشير تقرير لشبكة "سي إن بي سي" الأميركية إلى تحذيرات مسؤولين أميركيين في وقت سابق من أن هذه الهيمنة الصينية على المعادن النادرة "تشكل تحديا استراتيجيا في ظل التحول إلى مصادر طاقة أكثر استدامة".
ويشير تقرير الشبكة إلى أن العناصر الأرضية النادرة تلعب دوراً لا يتجزأ في تقنيات الدفاع الحديثة، وفقاً لشركة الاستشارات SFA-Oxford ، بما في ذلك أنظمة الرادار والسونار المتقدمة، وتقنيات التوجيه بالليزر والدفع في بيئات القتال.
ونقل التقرير عن مديرة برنامج أمن المعادن الحرجة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن، جريسلين باسكاران، قولها إن الأمر مجرد مسألة وقت قبل أن تدق صناعة الدفاع ناقوس الخطر بشأن نقص المعادن النادرة، مشيرة إلى أن العديد منها فعلت ذلك بالفعل خلف الأبواب المغلقة.
وقالت إن "شركات الدفاع في الخطوط الأمامية للتأثر، نظراً لأننا نحتاج إلى الآلاف من المعادن النادرة في كل غواصة وطائرة مقاتلة".
الأمن القومي
من جانبه، يقول الباحث الاقتصادي، عامر الشوبكي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- "تحتكر الصين حاليًا تقريبًا كامل الإمدادات العالمية من معدن السماريوم، وهو عنصر نادر من عناصر الأرض النادرة، يُستخدم في تصنيع مغناطيس السماريوم-كوبالت، الذي يتميز بمقاومته العالية للحرارة والتآكل".
- هذا النوع من المغناطيس يُعد من المكونات الأساسية في الطائرات المقاتلة الأميركية، مثل طائرة F-35، كما يدخل في أنظمة التوجيه الدقيقة للصواريخ، وفي المحركات الكهروميكانيكية المستخدمة في الأسلحة.
- لذلك، فإن تأمين هذه الإمدادات لا يُعد مسألة تتعلق بسلاسل التوريد فقط، بل هو جزء من الأمن القومي للدول الغربية.
ويضيف: ما نراه اليوم هو أن أي تهديد لإمدادات المعادن الأرضية النادرة، وخاصة السماريوم، يشكل تهديدًا مباشرًا للقدرات الدفاعية الغربية والأميركية؛ فالصين تسيطر على النسبة الأكبر من إنتاج هذه المعادن، وعلى 90 بالمئة من قدرات تكريرها. وأي قرار سياسي أو رد فعل صيني في إطار نزاع تجاري أو جيوسياسي يمكن أن يؤدي إلى شلل فعلي في الصناعات الدفاعية الغربية.
وينوه بأن الولايات المتحدة تعتمد على الصين بنسبة كبيرة في وارداتها من هذه العناصر. وتقرير صادر عن البنتاغون يشير إلى أن انقطاع إمدادات السماريوم يمكن أن يوقف إنتاج مكونات رئيسية في أنظمة الدفاع الجوي والبحري لمدة قد تصل إلى 12 شهرًا، خاصة في ظل غياب البدائل وسرعة الاستجابة.
وينوه بأنه "ليس الاستخدام عسكريًا فقط، فالسماريوم يدخل أيضًا في صناعات مدنية متقدمة، منها المحركات الكهربائية عالية الأداء، ومحركات الأقمار الصناعية، والطائرات بدون طيار، والمركبات الكهربائية، وأنظمة التصوير بالرنين المغناطيسي، ومكبرات الصوت الاحترافية، وأنظمة التوربينات الهوائية.. كما تكمن أهميته في قدرته على العمل تحت درجات حرارة تتجاوز 300 درجة مئوية دون أن يفقد خصائصه المغناطيسية".
ووفق الشوبكي، فإن الاعتماد شبه الكامل على الصين لتوفير السماريوم وباقي المعادن الأرضية النادرة يمثل نقطة ضعف استراتيجية في البنية الصناعية الغربية، لافتاً إلى أن بناء سلاسل توريد بديلة، كما تعمل عليه مجموعة السبع والولايات المتحدة، يتطلب من 7 إلى 10 سنوات (بخلاف التكلفة الباهظة).
كما يؤكد أن استمرار الهيمنة الصينية في هذا المجال قد يضع مستقبل التحول الطاقي والدفاعي في الغرب على المحك، ويطرح تساؤلات جدية حول استقلالية القرار الصناعي والتكنولوجي الأميركي والغربي في مواجهة الأزمات العالمية."
ميزة متزايدة
ويشير تقرير لبلومبيرغ، إلى أنه:
- بعد أن اتفقت الولايات المتحدة والصين في جنيف على خفض الرسوم الجمركية بشكل كبير، تصاعدت التوترات بشأن الوصول إلى الرقائق والمعادن النادرة. ويبدو أن بكين تتمتّع بميزة متزايدة.
- يبدو أن نقطة الخلاف الرئيسية تكمن في المعادن الأساسية، إذ يشكو المسؤولون الأميركيون من أن بكين لم تُسرّع وتيرة الصادرات اللازمة للإلكترونيات المتطورة. وقد صرّحت إدارة ترامب بأن قرار خفض الرسوم الجمركية متوقف على اتفاق صيني لرفع القيود عن بعض المعادن النادرة.
- صرحت السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض، كارولين ليفيت، في بيان لها بأن الولايات المتحدة "تتحرك بقوة نحو سلاسل التوريد المحلية الحيوية، بما في ذلك إنتاج المغناطيس". وأضافت: "تراقب الإدارة بنشاط التزام الصين باتفاقية جنيف التجارية، وسيتحدث الرئيس ترامب مباشرةً مع الرئيس شي قريبًا جدًا".
- مع استمرار الصين في فرض قيود على المعادن الحيوية للأمن القومي الأميركي، تُكثّف واشنطن القيود التكنولوجية. في الأسابيع الأخيرة، منعت الولايات المتحدة شحن أجزاء محركات الطائرات النفاثة الأساسية إلى الصين، وقيّدت وصول بكين إلى برامج تصميم الرقائق، وفرضت قيودًا جديدة على رقائق شركة هواوي.
- أثار ذلك غضب ثاني أكبر اقتصاد في العالم. وتعهد المسؤولون الصينيون بالرد، واتهموا الولايات المتحدة بتقويض توافق جنيف.
تفوق صيني
من جانبه، تلفت الكاتبة الصحافية الصينية سعاد ياي شين هوا، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أنه:
- في ظل تعقيدات المفاوضات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، أصبحت المعادن النادرة حجر الزاوية في الصراع بين البلدين.
- هذه الموارد غير القابلة للتجديد لا تلبي فقط متطلبات التنمية الصناعية، بل تؤثر بعمق على خريطة الجغرافيا السياسية العالمية.
- تحدد الخصائص الاستراتيجية للمعادن النادرة مكانتها الخاصة في التجارة الدولية. تمتلك الصين حوالي 60 بالمئة من احتياطي المعادن النادرة في العالم، وتسيطر على 90 بالمئة من طاقة التكرير، وتملك 80 بالمئة من براءات اختراع فصل وتنقية هذه المعادن، مما يمنحها ميزة بارزة في سلسلة التوريد.
- في الوقت نفسه، تعتمد الولايات المتحدة بنسبة 80 بالمئة على وارداتها من الصين، لا سيما في مجال المعادن الثقيلة النادرة، ما يجعل هذا الاعتماد نقطة ضعف استراتيجية هامة لا يمكن تجاهلها.
- من حيث الطلب الصناعي، تلعب المعادن النادرة دوراً لا غنى عنه في التصنيع عالي التقنية والمعدات العسكرية، بما في ذلك إنتاج الطائرة المقاتلة الأميركية F-35. كما تعتمد أنظمة التوجيه الصاروخي والرادارات والأقمار الصناعية ومحركات السيارات الكهربائية على المعادن النادرة لتحسين أدائها وكفاءتها.
وتضيف: إن استقرار إمدادات المعادن النادرة يرتبط ارتباطاً مباشراً بقدرة هذه الصناعات على المنافسة والابتكار التكنولوجي. ومن يسيطر على هذه السلسلة التوريدية يهيمن على سوق التصنيع المتقدم عالمياً، لذا فإن المعادن النادرة ليست مجرد قضية اقتصادية بل عنصر استراتيجي في المنافسة الصناعية والتكنولوجية.
وتشدد على أنه لا يمكن إغفال الأبعاد الجيوسياسية لتجارة المعادن النادرة.. تنظر الولايات المتحدة إلى الصين كمنافس استراتيجي رئيسي، وتسعى من خلال القيود التكنولوجية والضغوط التجارية إلى تقليل اعتمادها على المعادن النادرة الصينية. وفي المقابل، تعزز الصين إدارة مواردها بشكل صارم وتدعم الابتكار لتطوير صناعة المعادن النادرة بشكل مستدام، مما يعزز مكانتها في الحوار الدولي.
وتعتقد بأنه في ظل هذا الصراع، يتعين على الطرفين التعامل بحكمة مع موضوع المعادن النادرة ودفع التعاون لتحقيق مصالح مشتركة. فإعادة بناء سلسلة توريد مستقلة من المعادن النادرة في الولايات المتحدة تتطلب أكثر من عقد من الزمن، وتواجه تحديات تقنية وبيئية. أما الصين فبإمكانها تحسين إدارة التصدير وتعزيز تطوير الصناعة ورفع مستوى التعاون الدولي. ويعد التنسيق في مجال المعادن النادرة عاملاً مهماً لتخفيف حدة النزاعات التجارية وتعزيز استقرار سلاسل التوريد العالمية وتقدم التكنولوجيا.
وتختتم الكاتبة الصحافية الصينية حديثها بالإشارة إلى أن المعادن النادرة تشكل "المفتاح الاستراتيجي" في المفاوضات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، وستؤثر نتائج هذه المفاوضات بشكل عميق على العلاقات الاقتصادية بين البلدين وعلى المشهد السياسي والاقتصادي العالمي. ومن خلال الحوار المتكافئ والتعاون، يمكن للطرفين تحقيق مكاسب مشتركة، ودفع الاقتصاد العالمي نحو مسار أكثر استقراراً واستدامة.