آخرهم ملياردير الصلب... هل تفقد بريطانيا نخبتها المالية؟
06:26 - 31 مارس 2025
بعد عقود من الإقامة في المملكة المتحدة، يخطط قطب صناعة الصلب، الملياردير لاكشمي ميتال، لمغادرة البلاد، في تحوّل يجسد تأثير الإجراءات التي تتخذها الحكومة البريطانية، ضد المستفيدين من نظام "السكان غير المقيمين"، والتي أدت إلى نزوح العديد من الأثرياء عن بريطانيا.
وأبلغ رجل الأعمال الهندي، الذي أمضى ثلاثة عقود في المملكة المتحدة زملاءه، أن مغادرته المحتملة تأتي كرد فعل على قرار حكومة حزب العمال، بإلغاء نظام "غير المقيمين"، الذي سمح لبعض سكان المملكة المتحدة بعدم دفع الضرائب على الدخل والأرباح الأجنبية.
وبحسب تقرير أعدته "فاينشال تايمز" واطلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، فقد كشف أحد أصدقاء ميتال، أن الملياردير يدرس خياراته، وسيتخذ قراره النهائي بشأن مغادرته بريطانيا خلال هذا العام، حيث أنه وفي حال رحيله، سينضم لاكشمي ميتال إلى قائمة متزايدة من الأثرياء الأجانب، الذين يغادرون المملكة المتحدة استجابةً للسياسات الضريبية المتشددة التي يفرضها حزب العمال.
من هو لاكشمي ميتال؟
لاكشمي ميتال هو رجل أعمال هندي المولد، يسكن في لندن منذ عام 1995. واحتل وعائلته المرتبة السابعة في قائمة صنداي تايمز لأغنى أثرياء بريطانيا العام الماضي، بثروة تُقدر بـ 14.9 مليار جنيه إسترليني.
وبنى ميتال مجموعة ArcelorMittal من الصفر تقريباً، لتصبح ثاني أكبر منتج للصلب في العالم على مدار ما يقرب من خمسة عقود وتصل قيمتها حالياً إلى نحو 24 مليار يورو. ويمتلك ميتال وعائلته حصة 40 بالمئة في المجموعة التي يشغل منصب رئيس مجلس إدارتها التنفيذي.
ويمتلك ميتال العديد من العقارات في المملكة المتحدة، بما في ذلك قصر بقيمة 67 مليون جنيه إسترليني في شارع حدائق قصر كنسينغتون بلندن، حيث كان هذه القصر يُعتبر في السابق أغلى منزل خاص في العالم.
كما يمتلك قطب صناعة الصلب عقارات فاخرة في سانت موريتز بسويسرا، وآسيا، والولايات المتحدة، ودبي، وذلك وفقاً لأشخاص مطلعين على الوضع.
ما هو نظام "السكان غير المقيمين" في بريطانيا؟
نظام "السكان غير المقيمين" في بريطانيا هو نظام ضريبي بدأت البلاد بتطبيقه منذ عام 1799، ويسمح للأفراد الذين يسكنون في المملكة المتحدة ولكن لا يقيمون فيها بشكل دائم، بدفع ضرائب مخفّضة على دخلهم وأصولهم الموجودة خارج البلاد. وقد لاقى هذا النظام أو الثغرة الضريبية كما يعتبرها البعض، رواجاً بين المليارديرات المقيمين في المملكة المتحدة، وفقاً لتقرير نشرته رويترز.
ما هو الإصلاح الضريبي الجديد؟
كان وزير المالية المحافظ جيريمي هانت أول من طرح إلغاء نظام "السكان غير المقيمين" في مارس 2024، قبل الانتخابات التي أُجريت في وقت لاحق من ذلك العام.
ومن ثم أكدت وزيرة المالية العمالية، راشيل ريفز، هذا الإلغاء في الميزانية التي تم إقرارها في شهر أكتوبر 2024، على أن يطبق القرار اعتباراً من أبريل 2025، حيث بات على المستفيدين سابقاً من نظام "السكان غير المقيمين"، دفع ضرائب على أصولهم وعلى الدخل المُكتسب في الخارج. كما بات على جميع المقيمين في بريطانيا على المدى الطويل، الخضوع لضريبة الميراث البالغة نسبتها 40 في المئة، على أن يشمل هذا القرار الأموال التي يتم الاحتفاظ بها في صناديق ائتمانية خارجية.
ما تداعيات القرار؟
بحسب "فايننشال تايمز"، أثار إلغاء نظام "غير المقيمين" قلق النخبة في المملكة المتحدة، الذين يتجهون لإعادة النظر في علاقاتهم مع البلاد، فالكثير من هؤلاء يُخططون للانتقال إلى دول أكثر إعفاءً من الضرائب، مثل الإمارات العربية المتحدة وسويسرا وإيطاليا، في حين يعتقد النقاد أن إلغاء هذا النظام قد يؤدي إلى نتائج عكسية اقتصادياً، حيث أن العديد من الأغنياء الذين يستفيدون من نظام "غير المقيمين" يساهمون بشكل كبير في الاقتصادات المحلية، من خلال الاستثمارات التي يقومون بها إضافة إلى إنفاقهم على الكماليات ودفعهم للضرائب على العقارات.
وكانت دراسة أجرتها في السابق شركة التحليلات "نيو وورلد ويلث"، قد أظهرت أن 12 مليارديراً، إضافة إلى 78 شخصاً تتجاوز ثرواتهم 100 مليون دولار، غادروا المملكة المتحدة في عام 2024، بسبب السياسات الضريبية التي تستهدف الأغنياء.
تعويض غياب الدعم الأميركي
يقول الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي الدكتور لويس حبيقة، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن أوروبا تتغير، فالقارة كانت تحصل على دعم من الولايات المتحدة بمختلف أمور الدفاع، ولكن هذه السياسة اختلفت خلال عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إذ أبلغت أميركا الأوروبيين، أنها لا تريد الدفاع عنهم بعد اليوم، ولذلك بات على الدول الأوروبية، أن تدافع عن نفسها عبر تقوية جيوشها وطيرانها الحربي ودباباتها ومعداتها العسكرية، وهذا الأمر بحاجة الى أموال وهذه الأموال يمكن تأمينها عبر حاملي الضرائب.
ويكشف حبيقة أن الأسباب الرئيسية والواضحة التي دفعت الحكومة البريطانية إلى إلغاء نظام "غير المقيمين"، هي حاجتها كما هي حاجة كل الدول الأوروبية، للمزيد من الإيرادات التي يتم تأمينها، بفرض المزيد من الضرائب، مشيراً إلى أن الحكومة البريطانية تسعى الى تطبيق الخطة الأقل ضرراً عليها، ولذلك لجأت إلى خيار "السكان غير المقيمين" الذي يستهدف السكان الأجانب الأغنياء وليس المحليين.
مغادرة ميتال ليست "نهاية العالم"
شدد حبيقة على أن إلغاء نظام "غير المقيمين"، غير مرتبط بتطبيق العدالة الضريبية التي تتمثل بتنويع وتوزيع الضرائب على مختلف طبقات المجتمع وليس فقط على الأجانب، معتبراً أن احتمال مغادرة الملياردير ميتال للمملكة المتحدة، لا يعد بمثابة "نهاية العالم" للدولة البريطانية التي تملك مواصفات تسمح لها باستقطاب شركات ومليارديرات جدد من دول أخرى، فصحيح أن المملكة المتحدة ستفقد استثمارات بسبب إلغائها لهذا النظام، لكن في المقابل ستأتي استثمارات أخرى.
جاذبية بريطانيا ستتأثر
يؤكد الخبير الاقتصادي والاستاذ الجامعي الدكتور لويس حبيقة، أنه لا يمكن لدولة أن تربح من جميع الجهات، فقرار إلغاء نظام "غير المقيمين"، سيؤثر على جاذبية بريطانيا كمركز مالي عالمي، حيث لا يمكن لدولة أن تكون جاذبة في حال كانت تنوي فرض ضرائب وتحصيل إيرادات، ولكن يجب أن لا ننسى أن البدائل عن المملكة المتحدة ليست كثيرة ولا توازي حجم وقيمة بريطانيا، ولذلك فإن المنافسة ليست سهلة ولا يمكن للمليارديرات الذهاب الى دول خطرة ومعرضة لحصول تغييرات أو انقلابات، فالمملكة المتحدة دولة مبنية على فولاذ، حيث أنه حتى مع تغيّر الأحزاب الحاكمة يبقى النظام وأمور البلد قائمة.
ما هي الوجهة التالية للأثرياء؟
يشرح حبيقة أن أهم العوامل التي تجعل الدول وجهات جذابة للمستثمرين هي الاستقرار السياسي والمالي والاقتصادي، إضافة إلى الاستقرار القانوني وعدم تغير القوانين والأنظمة بشكل يومي أو فجائي، وأن يشعر المستثمر أن خطته قائمة على المدى الطويل، وأن تتوفر العوامل الاجتماعية كالمدارس والجامعات والمستشفيات، حيث أن الربح المالي ليس هو فقط العامل الجاذب للمستثمرين، بل ايضاً استقرار نمط الحياة والعمل، لافتاً إلى أن هذه المواصفات تتمتع بها دول مثل الإمارات وسويسرا، التي تملك إمكانية جذب المليارديرات الذين ينوون الرحيل عن المملكة المتحدة.
تأثير القرار على الاقتصاد
بدوره، يقول المحلل المالي محمد سعد في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن تأثير قرار إلغاء نظام "غير المقيمين" على الاقتصاد البريطاني، يعتمد على عدة عوامل، أبرزها عدد الأثرياء الذين سيقررون المغادرة ومدى تأثيرهم على الاقتصاد المحلي، إذ أن العدد النهائي للأغنياء الذين أكدوا رحيلهم عن المملكة المتحدة غير معروف بعد، وبالتالي لا يمكن توقع مدى الضرر الاقتصادي، الناتج عن هذا القرار، علماً أن الملياردير لاكشمي ميتال لم يحسم قراره بعد، وهناك احتمال كبير بأن يتراجع عن خططه، نظراً لما توفره البلاد من عناصر اقتصادية واجتماعية، ونمط عيش غير موجود في دول أخرى.
المستفيدون من هجرة أثرياء بريطانيا
يؤكد سعد أنه لم يتم الإعلان عن أرقام دقيقة للعائدات الضريبية المتوقعة، لكن الحكومة البريطانية ترى أن إلغاء نظام "غير المقيمين"، سيوفر إيرادات إضافية تحتاجها البلاد لتمويل خدماتها العامة، في ظل الضغوط الاقتصادية التي تواجهها، لافتاً إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة وخصوصاً إمارة أبوظبي وإمارة دبي، ستكونان من أبرز المستفيدين من نزوح الأثرياء عن بريطانيا، وذلك بفضل سياساتها الضريبية الجذابة، واستقرارها الاقتصادي، وبنيتها التحتية المالية المتطورة، كما أن جودة الحياة، وتوافر الخدمات الراقية، والبيئة الآمنة، فضلاً عن المدارس والمستشفيات العالمية، تجعل من الدولة العربية وجهة مفضلة ليس فقط للمليارديرات، بل أيضاً لعائلاتهم.