قطاع الدفاع في أوروبا.. خيارات معقدة ومساعٍ للاستقلال الذاتي
12:27 - 11 مارس 2025
تواجه أوروبا معادلة معقدة في سعيها لتعزيز قدراتها الدفاعية، بينما تبقى مقيدة بارتباطها العميق بالأسلحة الأميركية. ومع تصاعد سباق التسلح العالمي وتزايد ضغوط الحرب في أوكرانيا، تتكاثف التساؤلات حول مدى قدرة القارة العجوز على تقليل اعتمادها على واشنطن، خاصة في ظل الأرقام التي تكشف عن الهيمنة الأميركية على واردات السلاح الأوروبية.
طبقاً لبيانات حديثة صادرة عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، فإن ما يقرب من ثلثي الأسلحة التي استوردتها الدول الأوروبية الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) على مدى السنوات الخمس الماضية تم إنتاجها من قبل الولايات المتحدة، وهو ما يؤكد اعتماد القارة العميق على الأسلحة المصنوعة في الولايات المتحدة.
تضاعفت واردات الأسلحة بالدول الأوروبية بأكثر من الضعف بين عامي 2020 و2024 مقارنة بالسنوات الخمس السابقة، حيث ردت المنطقة على الحرب في أوكرانيا. وزودت الولايات المتحدة 64 بالمئة من هذه الأسلحة، ارتفاعاً من 52 بالمئة بين عامي 2015 و2019.
ووفق مدير برنامج نقل الأسلحة في معهد سيبري، ماثيو جورج، فإن الدول (الأوروبية) تحركت قدماً في قرارات شراء الأسلحة الأميركية على الرغم من الدعوات العامة "لاتخاذ خطوات للحد من اعتمادها على واردات الأسلحة وتعزيز صناعة الأسلحة في أوروبا".
ويشير تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية إلى أن:
- هذه الأرقام "تؤكد حجم التحدي الذي يواجه القادة الأوروبيين في سعيهم إلى تقليص اعتمادهم العسكري على الولايات المتحدة، حيث طالب الرئيس الأميركي دونالد ترامب أوروبا بأن تصبح أكثر مسؤولية عن أمنها".
- رغم أن حلفاء القارة في حلف شمال الأطلسي كانوا يتطلعون إلى تعزيز قدراتهم الوطنية منذ بدء الحرب في أوكرانيا قبل ثلاث سنوات، فإن عودة ترامب إلى البيت الأبيض أضافت زخما جديداً.
وبحسب الباحث البارز في معهد معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، بيتر ويزمان، فإنه في مواجهة "روسيا والضغوط عبر الأطلسي خلال رئاسة ترامب الأولى، اتخذت الدول الأوروبية الأعضاء في حلف شمال الأطلسي خطوات لإنقاذ اعتمادها على واردات الأسلحة وتعزيز صناعة الأسلحة الأوروبية".
ولكنه أكد أيضا على "الجذور العميقة" لعلاقة الأسلحة بين أوروبا وواشنطن، مشيرا إلى أن العواصم الأوروبية الأعضاء في حلف شمال الأطلسي لديها "ما يقرب من 500 طائرة مقاتلة والعديد من الأسلحة الأخرى لا تزال قيد الطلب من الولايات المتحدة".
ويشار إلى أنه طوال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، أنفقت الحكومات الأوروبية بسخاء على الأسلحة الأميركية الباهظة الثمن، معتبرة ذلك ثمناً للحفاظ على التزام واشنطن بأمن القارة.
تحديات أساسية
من بروكسل، يشير خبير الشؤون الأوروبية، محمد رجائي بركات، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى التحديات التي تواجه الاتحاد الأوروبي في تقليل اعتماده على الولايات المتحدة في مجال الصناعات العسكرية.
من بين أبرز تلك التحديات ما يرتبط بـ "الاعتماد الأوروبي على الصناعات العسكرية ا لأميركية":
- العديد من الدول الأوروبية مرتبطة بعقود لشراء الأسلحة الأميركية، مثل طائرات F-35 المتقدمة، والتي سيتم تسليمها على مدى السنوات المقبلة.
- هذه الطائرات تحتوي على تكنولوجيا متقدمة تجعلها أشبه بـ"كمبيوتر طائر"، مما يزيد من تبعيتها للولايات المتحدة.
ويتحدث بركات عن ما وصفه بـ "التحكم الأميركي في الأسلحة الأوروبية"، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة تستطيع التحكم في هذه الطائرات عن بعد، مما يعني أن أية دولة تمتلكها تبقى معتمدة على الدعم الفني والتقني الأميركي.
كما يُبرز في الوقت نفسه "التحديات المالية أمام الاتحاد الأوروبي "، لافتاً إلى أن:
- ثمة صعوبات في توفير التمويل اللازم لتطوير الصناعات العسكرية الأوروبية، إذ أن الأموال المتاحة غير كافية.
- الاتحاد الأوروبي يسعى إلى الاقتراض من الأسواق المالية الدولية، لكن حتى مبلغ 800 مليار يورو الذي أعلنت عنه رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، من الصعوبة أن يتوفر بالكامل.
- بعض الحكومات الأوروبية تناشد المواطنين لوضع أموالهم في حسابات التوفير لدعم تمويل الصناعات العسكرية.
ويؤكد بركات أن الوضع الحالي يعكس تعقيدات كبيرة تواجه الدول الأوروبية في محاولة بناء صناعة عسكرية مستقلة، نظراً لالتزاماتها السابقة مع الولايات المتحدة وصعوبة توفير التمويل اللازم لتطوير الإنتاج العسكري داخل أوروبا.
وفي الأسبوع الماضي، أقر زعماء الدول الأعضاء الـ 27 في الاتحاد الأوروبي مبادرات جديدة لتمويل الدفاع اقترحتها بروكسل، بما في ذلك أداة من شأنها توفير 150 مليار يورو في شكل قروض للعواصم لإنفاقها على القدرات العسكرية.
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين يوم الأحد إنها تريد استخدام القروض لتقليل الاعتماد على الأسلحة التي يتم شراؤها من خارج الاتحاد، مشيرة إلى أنه "من المهم للغاية" استخدام هذه القروض لتحقيق "البحث والتطوير والوظائف الجيدة هنا في أوروبا".
وأصبح الصندوق الذي تبلغ قيمته 150 مليار يورو نقطة اشتعال جديدة في معركة طويلة الأمد بين فرنسا وألمانيا بشأن حملة إعادة تسليح القارة وما إذا كان ينبغي أن يشمل دولاً خارج الكتلة. وتعتقد رئيس المفوضية أنه من المهم أن نكون "أذكياء" وأن نحافظ على علاقات جيدة مع النرويج والمملكة المتحدة.
وردد المسؤولون التنفيذيون في الصناعة دعوات مفادها أن المنطقة بحاجة إلى الحد من الاعتماد على الموردين غير الأوروبيين من أجل تعزيز قدرتها على الصمود.
ووفق تقرير الصحيفة البريطانية، فغن هناك مخاوف متزايدة من أن الولايات المتحدة قد تقرر حتى حجب الدعم الحاسم لأنظمة الأسلحة الرئيسية، مثل طائرة إف-35 المقاتلة المتقدمة.
صعوبات
بدوره، يؤكد مستشار المركز العربي للدراسات والبحوث الاستراتيجية، أبو بكر الديب، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" على التحديات التي تواجه الاتحاد الأوروبي في تصنيع الأسلحة ذاتياً، مشيراً إلى أن أوروبا تعتمد منذ أكثر من 70 عاماً على الحماية والتكنولوجيا الأميركية.
ويُبرز الديب صعوبة التصنيع الذاتي للأسلحة في أوروبا، بالإشارة إلى أن:
- أوروبا تعتمد بشكل كبير على استيراد الأسلحة من الولايات المتحدة، وهو ما يجعل عملية التصنيع الذاتي طويلة وشاقة.
- رغم ذلك، فإن استيراد الأسلحة ليس مقتصراً على الحلفاء الأوروبيين فقط، بل يشمل دولًا أخرى غير حليفة.
كذلك يشير إلى التنافس مع روسيا في الإنتاج العسكري:
- روسيا تمتلك إنتاجاً عسكرياً غزيراً مقارنةً بأوروبا، مما يضع أوروبا في سباق تسلح كبير.
- هذا السباق سيؤثر على الميزانيات الأوروبية، ما قد يؤدي إلى تحويل الإنفاق من المشروعات التنموية والصحة والتعليم إلى المجال العسكري.
وفي السياق، يشير الديب إلى أن الضغوط الاقتصادية الناجمة عن ذلك قد تؤثر على خيارات الناخبين، مما قد يؤدي إلى صعود أحزاب تفضل السلام مع روسيا بدلاً من الاستمرار في سباق التسلح المكلف.
كما يتحدث عن ضعف نسبي لأوروبا في تكنولوجيا السلاح، مشيراً إلى أنه:
- رغم أن الولايات المتحدة قد تبيع الأسلحة لأوروبا، إلا أنها لا تصدر تكنولوجيا تصنيع الأسلحة، مما يبقي أوروبا ضعيفة في هذا المجال لسنوات قادمة.
- للحصول على التكنولوجيا المتقدمة، ستحتاج أوروبا إلى اللحاق بروسيا والصين وأميركا، وهو ما قد يستغرق وقتاً طويلاً.
كما يشير الديب إلى أن أوروبا مقبلة على تحديات كبيرة، سواء في تعزيز قدرتها الدفاعية أو في إدارة تداعيات هذا السباق العسكري على اقتصاداتها وشعوبها، ما قد يغير المشهد السياسي في القارة خلال السنوات المقبلة.
أكبر مصدر للأسلحة
- أكد التحليل السنوي الذي يصدره معهد ستوكهولم الدولي لمبيعات الأسلحة العالمية كيف عززت الولايات المتحدة مكانتها كأكبر مصدر للأسلحة في العالم، حيث زادت حصتها من الصادرات من 35 إلى 43 بالمئة خلال فترة السنوات الخمس.
- وفي الوقت نفسه، أصبحت أوكرانيا أكبر مستورد للأسلحة الرئيسية في العالم خلال تلك الفترة الزمنية، حيث ارتفعت الواردات بنحو 100 مرة مع سعي البلاد لمحاربة القوات الروسية.
- لأول مرة منذ عقدين من الزمن، ذهبت الحصة الأكبر من الأسلحة الأميركية إلى أوروبا وليس إلى الشرق الأوسط.
- الولايات المتحدة تظل المورد المفضل للقدرات الهجومية المتقدمة بعيدة المدى مثل الطائرات المقاتلة، بحسب بيانات المعهد.
- أظهرت البيانات أيضا أن أكبر 10 دول مصدرة للأسلحة في السنوات الخمس الماضية كانت هي نفسها التي كانت في الفترة السابقة، لكن روسيا تراجعت إلى المركز الثالث خلف فرنسا بسبب تراجع الصادرات. وقفزت إيطاليا من المركز العاشر إلى المركز السادس.
- انخفضت صادرات الأسلحة الروسية بنسبة 64 بالمئة بين عامي 2015 و2019، وبين عامي 2020 و2024، حيث أدت حرب أوكرانيا إلى "تسريع" تراجع قدرة موسكو على تصدير الأسلحة.