الزراعة بالذكاء الاصطناعي.. نعمة أم نقمة؟
17:48 - 23 يونيو 2024يعيش العالم على حافة ثورة تكنولوجية، قادرة على إحداث تحول جذري في مختلف مجالات الحياة، فالتطورات السريعة التي يشهدها العالم في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي، منذ نهاية العام 2022، تنذر بحصول تسونامي رقمي ستطال أمواجه مختلف القطاعات والصناعات بما في ذلك القطاع الزراعي.
ورغم أن الزراعة قد تبدو بالنسبة للكثيرين بعيدة كل البعد عن إمكانية الاستفادة من الثورة التي يعد الذكاء الاصطناعي التوليدي بإحداثها، إلا أن الحقيقة هي عكس ذلك تماماً.
فهذه التكنولوجيا الجديدة ستحدث تغييرات ثورية في القطاع الزراعي على مستوى العالم ككل.
والذكاء الاصطناعي ليس مفهوماً جديداً في عالم الزراعة، فهذه التكنولوجيا موجودة في هذا القطاع منذ عدة سنوات، ولكن الجديد في الأمر هو بروز أشكال "توليدية" من هذا الذكاء، تتيح المعالجة السريعة لبعض المشاكل، في وقت تواجه فيه المحاصيل الزراعية، تهديدات ومخاطر بسبب الآفات والأمراض التي تزداد حدّتها.
إضافة إلى التحدي المتمثل في نقص الموارد، وتقلص الأراضي الخصبة، بسبب الجفاف الناتج عن تغير المناخ، وهذا ما يخلق وضعاً محفوفاً بالمخاطر، في ظل حاجة العالم لمزيد من الغذاء مع التزايد المستمر لعدد سكان الكرة الأرضية.
كيف يساعد الذكاء الاصطناعي المزارعين؟
سيلعب الذكاء الاصطناعي دوراً مهماً في تعزيز القدرة على إنتاج وتنوّع الغذاء، وذلك من خلال 3 مجالات رئيسية هي الآلات الروبوتية الزراعية المتطورة، مراقبة التربة والمحاصيل، التحليل والتنبؤ.
واستغلال قوة الذكاء الاصطناعي في هذه المجالات، سيبقي القطاع الزراعي متقدماً بخطوة في مسألة معالجة انعدام الأمن الغذائي.
ولا شك أن الذكاء الاصطناعي التوليدي، بفضل قدرته على تحليل البيانات الضخمة، واتخاذ القرارات، يَعِدُ بتحسين إدارة المحاصيل الزراعية، من خلال أجهزة الاستشعار عن بعد، التي ستساعد برصد صحة النباتات، وكفاءة استخدام الموارد مثل المياه والأسمدة، ما يساهم في تحقيق مبدأ الزراعة الدقيقة.
كما يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي أن يدعم تحسين استخدام موارد المياه والطاقة، وذلك عبر قيادة أنظمة الري الذكية، بما يضمن تقليل هدر المياه والتلوث الناتج عن الري الزراعي التقليدي.
ويمكن أيضاً للذكاء الاصطناعي تقييم مخاطر الطقس الجانبية من خلال تقديم توقعات دقيقة للظروف الجوية مثل حجم هطول الأمطار، درجة الحرارة المتوقعة، ومستويات الرطوبة.
حيث تساعد هذه العوامل المزارعين على اتخاذ قرارات دقيقة بشأن مواعيد الزراعة والري، وبالتالي الحصول على محاصيل أفضل من حيث الجودة والكمية.
وعلى صعيد أوسع، يعزز الذكاء الاصطناعي الاستدامة في الزراعة عبر تقنيات مثل التحليلات البيولوجية، ما يساعد في تقليل استخدام المبيدات الكيميائية والأسمدة الصناعية، والحصول على تنبؤات بالآفات والأمراض وحماية المحاصيل منها.
وسنوياً، يتم فقدان ما بين 20 إلى 40 في المئة من المحاصيل الزراعية في العالم بسبب الآفات، وبالتالي فإن الجمع بين التكنولوجيا والزراعة، يفتح أفاقاً جديدة لتعزيز إنتاجية الأراضي الزراعية وتحديد أفضل أنواع الأسمدة لتعزيز صحة المحاصيل.
أما التغيير الأكبر الذي يعد فيه الذكاء الاصطناعي في عالم الزراعة، فهو مرتبط بظهور معدات الزراعة المستقلة وذاتية القيادة، ما يتيح للجرارات والحصادات والطائرات بدون طيار التي يحركها الذكاء الاصطناعي، أن تقوم بأداء المهام الموكلة إليها، بمستوىً عالٍ من الدقة، ما يساهم في تحقيق أقصى استفادة من كل حقل تتم زراعته.
ورغم أنه يتم الترحيب بالذكاء الاصطناعي، على اعتبار أنه وسيلة لإحداث ثورة في قطاع الزراعة، إلا أن عدداً من الباحثين يحذرون من أن استخدام هذه التكنولوجيا على نطاق واسع، ينطوي على مخاطر هائلة في حال لم يتم تداركها.
فتفويض الأمور الزراعية إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي التي ستتحكم في أنظمة الري، والجرارات ذاتية القيادة والحصادات، قد يفسد الأمور ويعرض الأمن الغذائي لمخاطر، تتمثل باحتمال تسبب مهاجمين سيبرانيين في تعطيل الآلات الزراعية وإغلاق أجهزة الري، أو حتى اختراق البيانات وتضليلها، ما يؤدي إلى الإفراط في استخدام الأسمدة والمبيدات، ما يتسبب في تسميم النظام البيئي والتربة والمجاري المائية.
5 مخاوف للزراعة بالذكاء الاصطناعي
ويقول المهندس الزراعي إيلي زيادة، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الذكاء الاصطناعي أثبت فعاليّته في عالم الزراعة لا سيما خلال العقد الأخير، فالعديد من الدراسات والتجارب، دعمت تأثير الزراعة الدقيقة إيجاباً على إحقاق الأمن الغذائي وسلامة الغذاء.
كما المساهمة بتحقيق أجندة أهداف التنمية المستدامة، ولكن ورغم التقدّم السريع لتقنيات الذكاء الاصطناعيّ في الزراعة، إلا أنها تبقى سيفاً ذو حدّين.
وأوضح زيادة أن الأشكال السلبية لتقنيات الذكاء الاصطناعيّ في الزراعة، تتأرجح بين كونها قيود ومخاوف، يمكن أن تتطور لدرجة المخاطر، مشيراً إلى أن أسوأ المخاوف للانتشار السريع للذكاء الاصطناعيّ في عالم الزراعة هي:
- أوّلاً: القدرة المنعدمة أو المحدودة على تماشي الزراعة الرقميّة مع فكر المزارع، والدخول الى "فلسفته" التقليديّة، وهذا سبب رئيسي لفشل الكثير من الشركات الكبيرة، التي تعاطت شأن الزراعة الدقيقة، حيث شدّدت على تطوير تقنياتها ولم تكترث لإقناع المزارع، أو وضع برامج تدريب لمحو الأمّيّة الرقميّة، وإدخالها على مناهج الكليات الزراعيّة.
- ثانياً: خطر إفلاس المزارعين بعد الاستثمار بالزراعة الدقيقة، وهو أيضاً سبب لفشل الشركة، بحيث تعتبر حيازة تلك التقنيات، مكلفة للغاية، بالأخص للدول النامية في ظل غياب دور الدولة والحكومات بالدعم.
- ثالثاً: القدرة المحدودة للسيطرة على الأخطار الجيوسياسية، كالهجمات السيبيرانيّة واعتماد المتسللين استراتيجيات تحطيميّة للبرامج الرقميّة، وتخريب الخوارزميات الخاصة بالذكاء الاصطناعي الزراعي، وقد تضاعفت هذه الهجمات في السنوات الأخيرة، وكانت نتيجتها كارثية في خسائر المحاصيل، وتعطيل كلّي للروبوتات الزراعية، ولذلك لا بدّ من التمهّل ووضع خطط لإدارة هكذا أزمات في حال حصلت، بما يضمن استدامة الأمن الغذائي.
- رابعاً: الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي، بات يهدّد العديد من المزارعين واليد العاملة بفقدان مصادر أرزاقهم، فهؤلاء يجدون أنفسهم مضطرين لمغادرة موطنهم، والنزوح لمناطق أخرى، لتنتج عن نزوحهم مشاكل عديدة، وأهمّها الأعباء على البيئة والفقر المتجدّد. والحلول الوقائية لهذه المشكلة، تكمن بتحديد نسبة استعمال التقنيات الذكية في عالم الزراعة، ووضع قوانين عمل تراعي مهارات اليد العاملة والمزارعين.
- خامساً: النفايات الإلكترونيّة الهائلة الناتجة عن انتشار الزراعة عبر الذكاء الاصطناعي، فأغلب الأجهزة الالكترونية المستخدمة غير قابلة لإعادة التدوير، أو حتى لإعادة استعمالها مع التطوير الفنّي المتواصل والسريع للذكاء الاصطناعي، لتصبح المعضلة هنا علميّة، بيئيّة وصحيّة، بوجود مواد سامّة غير قابلة للتحلّل، قد تفتك بالمياه والهواء ولا سيّما التربة وتتراكم في الأجسام البيولجيّة وتسبب الأمراض المستعصية.
الحل الأمثل لتفادي المخاطر
وبحسب المهندس الزراعي إيلي زيادة، يبقى الحل الأمثل لتفادي المخاطر الناتجة عن الذكاء الاصطناعي في الزراعة، ووضعه في خانة آمنة، هو الإعتماد على مهارات من عدّة أطياف، وليس فقط على المهندسين الرقميين والميكانيكيين، لا بل أيضاً على المهندسين والخبراء الزراعيين، المحامين ورجال القانون، الخبراء والاستشاريين العسكريين، خبراء الإقتصاد والإجتماع كما خبراء السياسة، إضافة للأساتذة والمجازين بعلوم الأخلاقيات، حيث يساعد ذلك في إحداث توافق بين القيم الإنسانيّة والتكنولوجيا الذكيّة.
من جهته يقول المهندس الزراعي أحمد القاسم، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الذكاء الاصطناعي التوليدي، يمنح الآلات القدرة على التفكير والتصرف، بطريقة لم تكن متاحة في السابق، وهذا يعني أن الآلات ستتمكن من تفسير ما يحدث في محيطها، واستيعاب المعلومات والتعلم منها، واتخاذ الإجراء المناسب دون تدخل بشري، مشيراً إلى أن امتلاك الآلات لهذه القدرة، أمر بالغ الأهمية في عالم الزراعة، فكلما زاد عدد الأجهزة الذكية التي يمكنها تفسير المعلومات بدقة، كلما تمكن المزارعون من تحسين استخدام الموارد، ومكافحة الأمراض والآفات، وزيادة غلة المحاصيل والحد من هدر ومراقبة المحصول في الوقت الفعلي، ومنع تلفه بسبب عوامل الطقس.
ويلفت القاسم إلى أن الذكاء الاصطناعي سيلعب أيضاً دوراً متقدماً في مساعدة المختبرات على كشف أسرار الحمض النووي للنباتات، إذ يمكن من خلال هذه التكنولوجيا، فحص القواعد الجينية للنباتات، للعثور على معلومات تساعد المزارعين في جعل محاصيلهم أكثر مقاومة للأمراض، وأكثر قدرة على تحمّل الجفاف، مشيراً إلى أن الذكاء الاصطناعي التوليدي سيعيد تعريف إمكانات النباتات، عبر تحليل بياناتها الجينية.
ويشدد القاسم على أن تحقيق الاستخدام النهائي للذكاء الاصطناعي في الإنتاج الزراعي، لا يمكن تحقيقه إلا من خلال إقرار سياسات، تضمن سلامة البيانات، وتحمي المزارعين من الهجمات السيبرانية، إذ لا ينبغي المساس بالبيانات عن طريق تسريبها أو إساءة استخدامها، مع ضرورة تطوير حلول للذكاء الاصطناعي بأسعار معقولة يمكن الوصول إليها من مختلف المزارعين الذين يجب إخضاعهم لدورات تدريبية تساعدهم في التعامل مع التكنولوجيا الجديدة.
واعتبر أن معالجة هذه العقبات، ستكون بالأمر الضروري لفتح الفرصة أمام الذكاء الاصطناعي، لإنشاء زراعة عادلة وسليمة ومربحة للجميع.