ما هو الخطأ الفادح الذي يدفع المشاريع الناشئة إلى الانهيار؟
04:02 - 31 مارس 2025
في خضم اندفاعهم نحو تحقيق النجاح وبناء شركاتهم الخاصة، غالباً ما يقع رواد الأعمال في فخ الحماس المفرط لأفكارهم، مؤمنين بأن مجرد ابتكار منتج ثوري أو خدمة فريدة هو المفتاح السحري للنجاح.
ولكن الحقيقة التي يغفل عنها الكثيرون هي أن أي منتج جديد، مهما بدا مميزاً، لا قيمة له إذا لم يكن هناك طلب حقيقي عليه. فغموض الحاجة الفعلية لأي منتج يحوله إلى عبء مالي، يستنزف الموارد ويبدد جهود مبتكريه، ليؤدي إلى فشله قبل أن يجد طريقه إلى السوق.
وبحسب تقرير أعدته "CNBC" واطلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، يقول ستيف بلانك، الأستاذ المساعد في جامعة ستانفورد، الذي ألّف أربعة كتب حول ريادة الأعمال، إن الكثير من رواد الأعمال يعتقدون أن الفكرة المبتكرة كفيلة وحدها بخلق مشروع ناجح، ولكن هذا الاعتقاد هو بمثابة "خطأ قاتل". فلا يجوز تطوير منتج جديد قبل التأكد من أن العملاء المحتملين بحاجة إليه. مشيراً إلى أنه رأى هذا التصرف القاتل يحدث "مليون مرة" وقد حدث معه هو شخصياً، مما تسبب في أكبر إخفاقاته المهنية.
قصة فشل ذريع
ويكشف بلانك أنه شارك في تأسيس شركة ألعاب فيديو تُدعى "روكيت ساينس جيمز" عام 1993، وجمع 35 مليون دولار كتمويل لها. كان لدى الشركة مهندسون موهوبون، وأثارت مجموعتها الأولى من الألعاب ضجة، لكن بلانك اكتشف متأخراً أن العملاء اعتبروا الألعاب التي تقدمها شركته "سيئة"، ولذلك لم تتحقق المبيعات المرجوّة.
وأغلقت شركة "روكيت ساينس جيمز" أبوابها عام 1997، لتصبح مثالاً لفشل ذريع في صناعة التكنولوجيا.
ويقول بلانك إنه ربما لم يكن ليطلق مشروع "روكيت ساينس جيمز" أبداً، لو اتبع نصيحته الحالية وسعى للحصول على آراء العملاء قبل فوات الأوان، مشدداً على أن أي رائد أعمال يفكر بمشروع جديد عليه أن يطرح على نفسه ثلاثة أسئلة هي: "من هم عملائي؟ ماذا يريدون؟ هل يمكنني بيع المنتج لشخص ما؟"
مفتاح نجاح رواد الأعمال
كما يكشف ستيف بلانك، أنه بصفته أستاذاً جامعياً، دائماً ما يحث طلابه على الخروج من المكتب أو الفصل الدراسي والاستماع إلى العملاء المحتملين الفعليين، وهي خطوة تُعتبر بمثابة مفتاح نجاح لرواد الأعمال، داعياً إلى الابتعاد عن الغطرسة في اتخاذ القرارات، وعدم تصديق رواد الأعمال لأوهامهم. فابتكار فكرة مشروع تجاري أولاً، ثم تحديد كيفية بيع هذا المنتج أو الخدمة قبل التأكد من أنه شيء يرغب فيه العملاء هو وصفة للفشل ستدمّر المشروع قبل أن يبدأ.
"عيون العميل".. مفتاح النجاح
بدوره يرى المستثمر روبرت هيرجافيك، أنه من الطبيعي أن يتعلق رواد الأعمال بمنتجاتهم أو الخدمات التي يقدمونها، ولكن النجاح يعتمد على رؤية قيمة المنتج من خلال "عيون العميل". فعدم الاستماع إلى العملاء يمكن أن يحدث الفرق بين ازدهار الأعمال وتلاشيها. بينما يعتبر ألبرتو بيرلمان، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة "Zumba Fitness"، أن "أكبر خطأ" يرتكبه رواد الأعمال هو اعتقادهم بأنهم يعرفون من هو عميلهم.
دراسة حول فشل الشركات الناشئة
وفقاً لدراسة أجرتها شركة "CB Insights" التي توفر معلومات عن السوق والشركات الخاصة والمستثمرين، فإن 42 بالمئة من الشركات الناشئة تفشل بسبب عدم وجود حاجة حقيقية في السوق للمنتجات أو الخدمات التي تقدمها. وهذا يعني أن هذه الشركات لم تتمكن من تحديد احتياجات العملاء المحتملين بشكل دقيق، مما أدى إلى عدم قبول السوق لما تقدمه.
أين يخطئ رواد الأعمال؟
ويقول الخبير في تأسيس العلامات التجارية سليم الحاج، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن معظم رواد الأعمال يقعون في حب أفكارهم لدرجة تجعلهم يظنون أنها وحدها قادرة على تغيير السوق، حيث يتجاهل هؤلاء أخذ رأي العملاء المحتملين، وهم العنصر الأهم في المشروع. مشيراً إلى أن الحماس مطلوب، لكنه لا يجب أن يُبعد رواد الأعمال عن الواقع. فالشركات الناشئة الناجحة ليست تلك التي تبتكر أفكاراً غير مسبوقة فقط، بل تلك التي تعرف كيف تجعل هذه الأفكار مفيدة ومطلوبة. فلو كانت الفكرة وحدها تكفي، لما فشلت آلاف الشركات الناشئة التي انطلقت بتقنيات ثورية لكنها لم تجد من يستخدمها.
وشدد الحاج على أن الحماس المفرط للأفكار الجديدة ضروري، لكنه يصبح خطيراً عندما يُعمي رواد الأعمال عن الحقائق الصعبة. والمثال على ذلك ما حدث مع شركة "Quibi"، وهي منصة بث رقمية مدفوعة تشبه منصة "نتفليكس"، لكنها تتميز بإنتاج أفلام حصرية لا تتجاوز مدتها 10 دقائق، موجهة لمستخدمي الهواتف الذكية من جيل الألفية. وقد جمعت المنصة 1.75 مليار دولار وأطلقت أعمالها في أبريل 2020، ولكنها بعد 6 أشهر فقط أغلقت أبوابها، لأن الجمهور لم يكن بحاجة لهذا النوع من المحتوى المدفوع، وهو الرأي الذي لم تستمع إليه الشركة منذ البداية.
استراتيجيات لفهم احتياجات السوق
ويكشف الحاج أن هناك عدة طرق فعالة يمكن لرواد الأعمال استخدامها لفهم عملائهم المحتملين بشكل أفضل، أهمها "الوقوف على رأي العملاء"، حيث يتحدث مؤسسو الأعمال مباشرة مع العملاء المحتملين لفهم احتياجاتهم. كما يمكنهم اللجوء إلى تطبيق خيار ما يُعرف بـ "MVP" أو المنتج الأولي القابل للتجربة، تماماً كما فعلت "Dropbox" عندما أطلقت فيديو يوضح كيفية عمل الخدمة قبل تطوير المنتج نفسه، مما ساعدها على التحقق من وجود طلب حقيقي.
كما يمكن لرواد الأعمال اللجوء إلى أدوات وشركات تحليل البيانات التي تراقب اتجاهات السوق، مما يعطيهم صورة واضحة عن مدى احتمال نجاح مشروعهم الجديد قبل ضخ أموال ضخمة فيه.
التجربة الفردية ليست قاعدة
بدوره يقول المحلل الاقتصادي والمالي محمد الحسن، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إنه عندما يبتكر شخص ما فكرة، يكون مقتنعاً تماماً بعبقريتها، وغالباً ما يرى العالم من خلال عدسة تفكيره فقط.
فكثير من رواد الأعمال يعتقدون أنهم يعرفون احتياجات السوق لأنهم مروا شخصياً بتجربة معينة دفعتهم لابتكار منتج أو خدمة. ولكن هذا خطأ كبير، فالتجربة الفردية لا تمثل قاعدة عامة. لافتاً إلى أن الشركات الكبرى نفسها وقعت في هذا الفخ. فمثلاً شركة "كوداك" رفضت التحول إلى الكاميرات الرقمية رغم امتلاكها التقنية للقيام بذلك، لأنها افترضت أن العملاء سيظلون أوفياء للأفلام التقليدية. ولكن النتيجة كانت خسارة الشركة للسوق بالكامل. وهذا يؤكد أن الحل يكمن في الاستماع إلى بيانات السوق الحقيقية، وليست الافتراضات الشخصية.
الغطرسة عدو خفي
واعتبر الحسن أن أي شخص يُفكر في إطلاق مشروع جديد يجب أن يبدأ من العميل وليس من الفكرة، كما عليه أن يسأل نفسه إن كان هناك من سيشتري المنتج الجديد. مشدداً على أن أعظم رواد الأعمال هم أولئك الذين يمتلكون القدرة على الاستماع والتحليل والتكيف، مثل إيلون ماسك وجيف بيزوس وغيرهم، الذين لم يفرضوا أفكارهم على السوق، بل درسوها واستجابوا لاحتياجاتها. بينما تعتبر الغطرسة الريادية العدو الخفي لأي مشروع جديد. لذلك، قبل استثمار الوقت والمال في تطوير منتج أو خدمة، يجب على رواد الأعمال فهم السوق الفعلية المتمثلة في العملاء.