كيف تتأثر أسعار الطاقة بتصاعد الصراع في الشرق الأوسط؟
16:14 - 10 أكتوبر 2024في خضم التصاعد المتسارع للصراع في الشرق الأوسط، يبرز تساؤل حيوي حول التداعيات المحتملة لهذا الوضع على أسواق الطاقة العالمية، لا سيما وأن المنطقة تعد مركزاً حيوياً لإمدادات النفط والغاز، وبالتالي فإن أي اضطرابات فيها يمكن أن تؤثر بشكل عميق على استقرار السوق.
شهدت المنطقة عديداً من التوترات في السنوات الماضية، ولكن الأحداث الأخيرة جعلت المخاوف تتزايد بشأن إمكانية تعطيل الإمدادات، في وقت يحذر فيه محللون من أن تعرض البنية التحتية للطاقة لهجمات أو صراعات مسلحة قد يؤدي إلى اضطرابات خطيرة في إمدادات النفط، مما يرفع الأسعار بشكل مفاجئ لمستويات قياسية.
على سبيل المثال، توقع بنك غولدمان ساكس أن ترتفع أسعار النفط بنحو 20 دولاراً إذا تعرضت الحقول النفطية في إيران لضربة من قبل إسرائيل.
فيما تجدر الإشارة إلى أن الطاقة الفائضة لدى كبار المنتجين تعتبر عاملاً موازنًا في مواجهة مثل هذه الأزمات، إذ تحتفظ الدول الأعضاء في تحالف أوبك+ بقدرة عالية على زيادة إنتاجها، وهو ما يسهم في تقليل تأثير الارتفاع المفاجئ في الأسعار. ومع ذلك، فإن التوترات المتزايدة قد تؤدي إلى زيادة الضغوط على هذه القدرات الفائضة.
وفي ضوء ذلك، يبقى المشهد العام لأسواق الطاقة في حالة ترقب، في وقت تشكل فيه الأحداث الجارية في الشرق الأوسط تحديات كبيرة.
ارتفاع مخاطر العرض مرة أخرى
وبحسب تحليل نشره مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS، يقول الزميل في برنامج أمن الطاقة وتغير المناخ التابع للمركز، كيفين بوك، إن الأسواق النفطية تبدو وكأنها تتجاهل منذ عدة أشهر احتمال أن تؤدي المعركة متعددة الجبهات التي تخوضها إسرائيل ضد إيران وحلفائها الإقليميين إلى تعطيل الإمدادات العالمية.
وانخفضت أسعار العقود الآجلة لخام برنت للشهر نوفمبر بنحو 20 بالمئة، من نحو 90 دولاراً للبرميل عندما تصاعدت المواجهة المباشرة بين طهران وتل أبيب في منتصف أبريل، إلى أقل من 72 دولاراً للبرميل في نهاية سبتمبر. لكن الأسبوع الماضي شهدت ارتفاعاً بنسبة تقارب 10 بالمئة أو أكثر من 7 دولارات للبرميل. وبدا أن المتداولين يأخذون في الحسبان احتمال شن ضربات على البنية التحتية النفطية الإيرانية.
لكن الأسعار عادت إلى الانخفاض مجددا هذا الأسبوع بضغط من المخاوف الخاصة بزيادة المعروض، ومع ذلك تظل الأسواق في حالة ترقب لهجوم إسرائيلي محتمل على البنية التحتية للنفط في إيران، وذلك حتى بعد تراجع أسعار الخام أمس بأكثر من أربعة بالمئة بسبب احتمال التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين جماعة حزب الله اللبنانية وإسرائيل.
وبحسب ما ذكره بوك، فإن التقديرات التقريبية لشركة "كلير فيو إنرجي بارتنرز"، تشير إلى أن العقوبات الجديدة المحتملة على إيران (أو التطبيق الصارم للعقوبات الحالية) قد تؤدي إلى تأثير يصل إلى نحو 7 دولارات للبرميل؛ في حين أن الهجمات على منشأة التصدير الرئيسية في جزيرة خرج الإيرانية قد يصل تأثيرها إلى نحو 13 دولاراً للبرميل؛ أما إذا قامت إيران بحصار مضاد لمضيق هرمز لمدة تتراوح بين ثلاثة إلى سبعة أيام، فقد يتراوح التأثير بين 13 إلى 28 دولاراً للبرميل.
من ناحية أخرى، قد تختار إسرائيل استهداف قدرة إيران على تكرير النفط. وفي هذا السياق، فمن الناحية النظرية، قد يؤدي ذلك إلى تقليل إمدادات الوقود المكرّر داخل إيران دون التأثير بشكل كبير على الإمدادات العالمية من النفط الخام. في هذه الحالة، قد تعود إيران مؤقتاً إلى الاعتماد على واردات المنتجات المكرّرة.
وقد تختار إسرائيل أهدافاً أخرى؛ فقد قدّر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في يوليو أن إيران كانت على بُعد أسبوع أو أسبوعين فقط من الانطلاق نحو إنتاج سلاح نووي. وبالتالي فإن أي ضربة إسرائيلية للمواقع النووية الإيرانية قد تؤدي إلى انتقام مشابه يستهدف الإمدادات الإقليمية. علاوة على ذلك، قد يؤدي الردي القوي من جانب إسرائيل إلى استنتاج الحكام في إيران أنهم لا يستطيعون حماية أمنهم القومي دون امتلاك سلاح نووي. ومن ثم قد تستمر احتمالات التصعيد والمخاطر المصاحبة للإنتاج والنقل في المنطقة، حتى لو هدأت التوترات الحادة.
تصعيد في الشرق الأوسط يعكس تراجع أسعار النفط
من جانبه، قال زميل أول في برنامج أمن الطاقة وتغير المناخ التابع لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)، رعد القديري، إنه:
- على الرغم من انتعاش أسعار النفط بنحو 10 بالمئة منذ اغتيال إسرائيل لزعيم حزب الله حسن نصر الله، إلا أن العقود الآجلة على المدى القصير لا تعكس أي شعور بالذعر.
- "تظل أسواق النفط بشكل أساسي متشائمة بسبب ضعف الطلب، ونمو الإمدادات من خارج أوبك+، والقدرة الفائضة الكبيرة من أوبك+. ولكن هناك حكم سياسي هنا أيضاً".
- تظهر هذه الاستجابة المعتدلة لأسعار النفط تجاه التوترات في الشرق الأوسط شعوراً بأن الصراع الحالي يمكن احتواؤه. وعلى الرغم من دعوات واشنطن لإسرائيل بالتحلي بضبط النفس، لم تُظهر طهران رغبة كبيرة في تصعيد النزاع أو في الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل التي تزداد عدوانية، بحسب القديري.
- ما لم تؤد انتقامات إسرائيل إلى تعطيل كبير للبنية التحتية النفطية الإيرانية، فقد تنخفض الأسعار مرة أخرى بسرعة، وحتى خسارة الصادرات الإيرانية من المحتمل أن تتسبب فقط في ارتفاع مؤقت في الأسعار بالنظر إلى القدرة الفائضة لدى أوبك.
وأشار زميل برنامج أمن الطاقة وتغير المناخ إلى أن اضطرابات الشرق الأوسط قد تؤدي في أفضل الأحوال، إلى زيادة تقلبات السوق في الأمد القريب. وفي أسوأ الأحوال، فإنها تخاطر بتأجيج دوامة تصعيدية قد تؤدي في نهاية المطاف إلى تعطيل تدفقات النفط بشكل مباشر، سواء من إيران أو من كبار المنتجين في الخليج العربي مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ودفع الأسعار إلى زيادات تاريخية.
العوامل التي يجب متابعتها فيما يتعلق بالغاز الطبيعي المسال
وبينما تعتبر إيران ثالث أكبر منتج للغاز في العالم وتملك واحدة من أكبر الاحتياطيات العالمية، فإن صادراتها الحالية تقتصر على كمية صغيرة جداً عبر خطوط الأنابيب؛ بسبب العقوبات الغربية.
وبحسب الزميل الزائر في برنامج أمن الطاقة وتغير المناخ، كونرو إيري، فإن:
- "إيران لا تصدر أي شحنات من الغاز الطبيعي المسال، وبالتالي فإن الصراع العسكري أو الهجمات على بنيتها التحتية لا تشكل تهديداً كبيراً للأسواق العالمية".
- ومع ذلك، مع وجود أسواق محدودة للغاز الطبيعي المسال مقارنة بالنفط، تظل مخاطر انقطاع الإمدادات مهمة.
- مضيق هرمز يعتبر نقطة اختناق حاسمة لصادرات النفط والغاز من الشرق الأوسط إلى السوق العالمية، حيث تصدر قطر نحو 20 بالمئة من الغاز الطبيعي المسال العالمي عبر مضيق هرمز إلى آسيا وأوروبا، وعلى الرغم من أن خطر الحصار الفعلي منخفض، لكن قد تتأثر شحنات أو سفن فردية بسبب تصاعد التوترات، في حين أن الحصار الكامل سيكون له آثار كبيرة على الأسعار، بحسب كونرو إيري.
- أن حقول الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط، مثل "تمار"، و"ليفياثان"، و"كاريش"، تنتج أكثر من 20 مليار متر مكعب سنوياً، مما يزود إسرائيل والدول المجاورة مثل مصر.
وعلى الرغم من أن مستويات تخزين الغاز في أوروبا عند أعلى مستوياتها، إلا أن السوق العالمية الضيقة تعني أن المخاوف المرتبطة بالغاز تستحق المتابعة، وفقاً لإيري.
مخاطر تهدد الولايات المتحدة
وإلى ذلك، ستواجه تجارة الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة بعض التحديات، إذا لم تتم استعادة حرية الملاحة في البحر الأحمر قريباً، بحسب ليزلي بالتي جوزمان، الزميلة في برنامج أمن الطاقة وتغير المناخ التابع لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS).
ترى جوزمان، أنه كلما طالت فترة إغلاق مضيق باب المندب أمام تجارة الغاز الطبيعي المسال الغربية، زادت الفجوة بالنسبة لمسارات السلع الأميركية إلى آسيا.
خلال الفترة من فبراير إلى أغسطس 2024، سلك 91 بالمئة من الغاز الطبيعي المسال الأميركي المتجه إلى آسيا طريق رأس الرجاء الصالح، مما أضاف نحو 20 يوماً من وقت العبور مقارنة بقناة بنما، و10 أيام مقارنة بقناة السويس، وفقاً لتقرير "سينماكس ليفياثان".
تقول ليزلي بالتي جوزمان: "بالنسبة لشحنات الغاز الطبيعي المسال، فإن المسارات الأطول تعني مزيداً من التبخر، ورغم أن معظم الناقلات الحديثة تلتقط هذا التبخر وتعيد استخدامه كوقود للدفع، فإن حرق الغاز الطبيعي المسال لتشغيل السفينة لا يزال يؤدي إلى درجات متفاوتة من انبعاثات الميثان".