هل يبدو العالم أكثر قلقاً من سيناريو "فوز ترامب"؟
16:31 - 03 نوفمبر 2024تعتبر الانتخابات الأميركية من أكثر الأحداث السياسية تأثيراً على الساحة العالمية، ذلك أن نتائجها لا تنعكس فقط على الداخل الأميركي، بل تمتد آثارها إلى الاقتصاد والسياسة الدولية. وفي هذا السياق، يُتابع العالم بترقّب مجريات السباق الرئاسي بين المرشحين، خصوصاً مع تزايد الانقسام الداخلي وتطور ملفات السياسة الخارجية التي تتجاوز حدود الولايات المتحدة.
أما في حال فوز دونالد ترامب بفترة رئاسية جديدة، فستكون لذلك دلالات عميقة على بقية العالم، خاصة في ظل مواقفه الصارمة تجاه عدد من القضايا الدولية، مثل العلاقات التجارية مع الصين، والملف النووي الإيراني، والدعم الاقتصادي لحلفاء أميركا التقليديين.
قد يفضي فوز ترامب إلى مرحلة من التوترات والاختلافات التي قد تعيد تشكيل خريطة التحالفات الدولية، وتجعل العالم في مواجهة مع سياسة أكثر استقلالية وتوجهاً نحو حماية المصالح الأميركية.
وبحسب تقرير لـ theconversation، فإن الانتخابات الحالية تشكل "لحظة محورية في تاريخ الولايات المتحدة"، وقد تكون لها تداعيات كبيرة على كيفية حكم البلاد وعلى مستقبل النظام العالمي الذي أسهمت واشنطن في بنائه بعد الحرب العالمية الثانية.
وعلى عكس أي انتخابات منذ العام 1945، فإن المبادئ الأساسية للعلاقات الأميركية مع بقية العالم مطروحة على المحك؛ فالاختيار يدور بين الحزب الجمهوري بقيادة دونالد ترامب، الذي قد يدفع باتجاه انعزال الولايات المتحدة عن المجتمع الدولي، وبين أجندة أكثر انفتاحاً بقيادة كامالا هاريس تحت مظلة الديمقراطيين، حيث من المحتمل أن تواصل الولايات المتحدة دورها المهم في حلف شمال الأطلسي، على سبيل المثال.
الرسوم الجمركية على الصين
أحد التحولات الأكثر وضوحاً في السياسة الخارجية الأميركية هو خطط ترامب لفرض رسوم جمركية عالمية بنسبة 20 بالمئة على جميع الواردات الأجنبية. وقد تصل الرسوم على الصين إلى معدلات أعلى بكثير، إذ سبق وهدد ترامب برفعها إلى ما بين 60 وحتى 200 بالمئة. ومن المحتمل أن تؤدي هذه الخطط، بالإضافة إلى كونها تضخمية وتضر بالاقتصاد الأميركي، إلى انتقام تجاري واندلاع حروب تجارية واضطرابات في الاقتصاد العالمي. وبتقليص الوصول إلى أكبر سوق استهلاكية في العالم، فإنها تعيق أيضاً الجهود الدولية للتحول نحو اقتصاد خالٍ من الكربون، بحسب التقرير.
لكن هذه الأبعاد البيئية ليست ضمن أولويات ترامب، إذ يخطط للانسحاب من اتفاقية باريس بشأن تغير المناخ، وإلغاء تدابير حماية البيئة التي أقرها جو بايدن، وفتح المجال أمام الاستغلال غير المنظم لموارد النفط والغاز في الولايات المتحدة. ومن شأن هذه السياسات، إذا تم تنفيذها، أن تضيف كميات هائلة من الكربون إلى الغلاف الجوي، مما يهدد الجهود العالمية للتصدي لتغير المناخ.
التزام الدفاع عن الأصدقاء والحلفاء
يشير التقرير إلى أنه في انتخابات 2024 تتجلى أيضاً أسئلة حول التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن حلفائها وأصدقائها ضد "الدول المعادية". فباعتبارها عضواً في حلف شمال الأطلسي، تلتزم الولايات المتحدة بمساعدة الأعضاء الآخرين بموجب المادة 5 في حال تعرضهم لهجوم من دولة أخرى، كما تلتزم بمعاهدات مشابهة مع اليابان وكوريا الجنوبية. وقد قادت إدارة بايدن حلف الناتو في تقديم الدعم العسكري والمالي لأوكرانيا لتمكينها من مقاومة روسيا.
أما ترامب، فقد أشار إلى أنه سينهي هذا الدعم ويضغط على كييف لقبول السلام بشروط موسكو. فهو يرى شبكة التحالفات كعبء ومصدر للخطر بدلاً من كونها ركيزة أساسية للقوة والنفوذ.
ويخشى عديد من المسؤولين السابقين، مثل مستشار الأمن القومي الأسبق جون بولتون، أن يسعى ترامب، في حال فوزه بولاية ثانية، إلى الانسحاب من حلف الناتو أو إضعافه عبر تقليص الدعم. وفي آسيا، جاءت تصريحاته الأخيرة بأن "على تايوان أن تدفع لنا مقابل حمايتها"، كمؤشر على تراجع التزامه بأمن الجزيرة.
قلق عالمي!
من جانبه، أوضح الخبير الاقتصادي، الدكتور علي الإدريسي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن:
- ما يبدو من قلق في بعض الأوساط العالمية من احتمالية فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية يرجع إلى عدة أسباب تتعلق بسياساته الاقتصادية والدولية المثيرة للجدل، وتأثيرها المحتمل على الاقتصاد العالمي والأمن الدولي.
- أبرز الأسباب تتمثل في تأثير وتداعيات السياسات الحمائية على التجارة العالمية، حيث شهدت فترة رئاسته السابقة اتباع سياسات حمائية تضمنت فرض رسوم جمركية عالية على عدد من الدول، مما أدى إلى تصاعد النزاعات التجارية، خاصة مع الصين.
- ثمة مخاوف من أن يعود ترامب إلى هذه السياسات التي قد تؤدي إلى اضطرابات في سلاسل الإمداد العالمية، وتقلص حجم التجارة، وتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي.
- بالإضافة إلى أن التوجهات الانعزالية في السياسة الخارجية وسياسة “أميركا أولاً” التي يتبناها تركز على تقليص التدخلات الأمريكية في الخارج، والانسحاب من بعض الاتفاقيات الدولية.
وأوضح أن هذا النهج في حالة اتباعه قد يؤدي إلى تراجع الدور القيادي للولايات المتحدة على الساحة الدولية، مما يثير القلق حول استقرار التحالفات الدولية، خاصة في ظل التوترات الجيوسياسية مع روسيا والصين، بالإضافة إلى التأثير السلبي على التغيرات المناخية والسياسات البيئية، لاسيما وأن فترة رئاسته السابقة شهدت انسحاب ترامب من اتفاقية باريس للمناخ واتخذ خطوات لإلغاء القيود البيئية، لذلك إذا تم انتخابه مرة أخرى، هناك مخاوف من أن يتراجع عن الجهود العالمية لمكافحة التغيرات المناخية، مما قد يعيق التقدم نحو الحد من الاحتباس الحراري.
كما شدد على أن العلاقات مع الحلفاء والشركاء الدوليين، سبب آخر من أسباب تخوف احتمالية فوزه في ضوء سياساته السابقة والتي شهدت توتراً مع العديد من الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة، مثل الاتحاد الأوروبي والناتو، نتيجة انتقاداته المتكررة لدورهم وتمويلهم، فضلًا عن مخاوف بشأن توجهات ترامب الاقتصادية، بما في ذلك خفض الضرائب وزيادة الإنفاق العسكري، حيث أدت إلى ارتفاع العجز في الميزانية الفيدرالية والدين العام، لذلك القلق يتزايد من احتمال عودته إلى سياسات مالية قد تزيد من الأعباء على الاقتصاد الأمريكي، مما قد يكون له تداعيات على الأسواق المالية العالمية.
بالإضافة إلى التوترات مع الصين، والحرب التجارية معها والتي كانت إحدى السمات البارزة خلال فترة ترامب الأولى، لذلك هناك قلق من أن عودته قد تؤدي إلى تصعيد أكبر في التوترات مع الصين، ليس فقط على المستوى التجاري، بل أيضًا على المستوى العسكري والسياسي، ما قد يؤثر سلبًا على استقرار المنطقة، وفق الإدريسي.
تحديات الانتخابات وسلامة العملية الديمقراطية
وبالعودة لتقرير theconversation ، فإنه بالنسبة لكثير من المراقبين، فإن الانتخابات الأميركية الحالية تحمل أهمية إضافية بسبب التشكيك في قدرة الولايات المتحدة على إجراء انتخابات حرة ونزيهة وضمان انتقال سلمي للسلطة. فمنذ دخوله السباق الرئاسي عام 2016، لم يقبل ترامب نتائج الانتخابات التي خسرها.
والأمر الأكثر إثارة هو نجاحه (ترامب) في إقناع غالبية الناخبين الجمهوريين بأن انتخابات 2020 قد تم تزويرها، فيما يعتقد ثلثهم فقط أن نتائجها كانت شرعية. وعندما يتم تقويض الثقة بالعملية الانتخابية إلى هذا الحد، يصعب تصور كيف يمكن للولايات المتحدة أن تتوحد لحكم نفسها بعد الانتخابات.
غير أن معسكر ترامب يقدم رداً جاهزاً على هذه التحديات. فوفقاً لمشروع "2025"، وهي وثيقة سياسات أعدتها مؤسسة بحثية محافظة، تخطط إدارة ترامب لتفكيك الهيكل البيروقراطي في واشنطن وتعيين خمسين ألف مسؤول يدينون له بالولاء. كما يسعى المشروع إلى حل عدد من الوكالات الفيدرالية مثل وزارات العدل والطاقة والتعليم، بالإضافة إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي والاحتياطي الفيدرالي، بهدف فرض أجندته السياسية.
تهدف هذه التدابير إلى تمكين ترامب من تنفيذ مجموعة سياسات يراها البعض استبدادية، مثل ترحيل ملايين "المهاجرين غير الشرعيين"، باستخدام الحرس الوطني والجيش إذا لزم الأمر.
ويشير التقرير إلى أن التجربة الأميركية مع الديمقراطية كانت مصدر إلهام للعالم منذ تأسيسها عام 1776، ولكن لم يكن هناك وقت بدت فيه هذه التجربة عرضة للخطر كما هو الحال اليوم. فالولايات المتحدة منقسمة بعمق حول قضايا جوهرية، تشمل الضرائب والهجرة والإجهاض والتجارة والطاقة والسياسات البيئية ودورها في العالم.
وللمرة الأولى، يبدو أن هذه الانقسامات أكثر أهمية بالنسبة للعديد من الناخبين من احترام مؤسساتهم وتقاليدهم الديمقراطية. والأهم من ذلك، أن عدداً متزايداً من المواطنين الأميركيين يبدو غير قادر على قبول نتائج العملية الديمقراطية وشرعية الفائز. ومن الواضح أن نتائج هذه الانتخابات، وكيفية حكم الولايات المتحدة بناءً عليها، باتت مسألة ذات أهمية قصوى على الصعيدين المحلي والدولي.
تهديد قوي
بدوره، أفاد مستشار المركز العربي للدراسات والبحوث ورئيس منتدى تطوير الفكر العربي للأبحاث، أبوبكر الديب، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن:
- ترامب يتبنى بقوة سياسات حمائية ويفضل العزلة الاقتصادية للولايات المتحدة، ليس فقط ضد خصومها كالصين وروسيا، بل حتى مع حلفائها الأوروبيين.
- هذه التوجهات تعزز المخاوف من احتمالية عودة ترامب للساحة الدولية، خصوصاً في ظل رغبته بتجديد الرسوم الجمركية لحماية المنتج الأميركي.
- مثل هذه السياسات تلقى اعتراضات واسعة حتى داخل الحزب الجمهوري نفسه، إذ يرفض ترامب الإنفاق على التحالفات التقليدية لأميركا مثل الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.
- هناك قلق كبير من موقف ترامب تجاه الاتفاقات الدولية، لاسيما البيئية منها، إذ يعتبرها عائقاً أمام نمو الصناعة الأميركية حتى لو كانت ذات آثار سلبية على البيئة، مثل اتفاقية باريس للمناخ.
- تراجع ترامب عن هذه الاتفاقيات يهدد الجهود العالمية لمواجهة التغير المناخي وتقليل انبعاثات الكربون، مما يضرب بجهود العالم في السنوات الأخيرة للحد من آثار الاحتباس الحراري.
الحرب التجارية
في السياق، أوضح رئيس مركز القاهرة للدراسات والأبحاث، خالد الشافعي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن:
- حالة القلق التي تسود بعض دول العالم خارج الولايات المتحدة ترتبط بعدة عوامل، أبرزها المخاوف من اندلاع حرب تجارية جديدة بين الولايات المتحدة والصين، أكبر قوتين اقتصاديتين عالميتين.
- هذه المخاوف تزداد في ظل التداعيات المحتملة لأي تصعيد اقتصادي بين البلدين، والذي قد يؤثر سلباً على الاقتصاد العالمي ويضر بمصالح عديد من الدول.
- كل دولة تسعى لحماية أولوياتها ومصالحها وسط التغيرات المتسارعة، وبالتالي تختلف مواقف الدول بشأن نتائج الانتخابات الأميركية بناءً على تأثير سياسات كل مرشح على علاقاتها مع الولايات المتحدة.
- المرشح ترامب يمتلك رؤية وأولويات قد لا تتماشى مع مصالح بعض الدول، ما يثير القلق من إمكانية فوزه، خاصةً أن أسلوبه في اتخاذ القرارات يميل إلى الحسم المباشر ويفتقر إلى التحفظات السياسية التقليدية، ما قد يسبب اضطرابات في العلاقات الدولية.
- هذا القلق الدولي تجاه فوز ترامب، خاصة من دول كإيران والصين، ينبع من تجاربها السابقة مع سياساته ومواقفه تجاه التوترات الجيوسياسية الساخنة في مناطق مختلفة من العالم.
آثار اقتصادية وجيوسياسية
ويُتوقع على نطاق واسع أن تخلف الانتخابات الأميركية "آثاراً اقتصادية وجيوسياسية على بقية العالم"، بحسب تقرير لـ Global insights، الذي أشار إلى أنه:
فيما يتعلق بأفريقيا، سيسعى المرشحان إلى مكافحة النفوذ الجيوستراتيجي والتجاري للصين وروسيا في القارة. وستلتزم هاريس أكثر بالمبادرات التي تدعم المؤسسات الأفريقية، وأجندة التنمية الأوسع في المنطقة، والدفع نحو المزيد من التكامل الاقتصادي الإقليمي. وسيركز ترامب على تأمين النفوذ على الشركاء الاستراتيجيين في أفريقيا والوصول إلى مواردهم الطبيعية.
أما بشأن آسيا: ستصمد التحالفات الأمنية الأميركية في شرق آسيا تحت قيادة أي من المرشحين. لكن المطالب من الحلفاء سترتفع بشكل ملحوظ تحت قيادة ترامب. وستخضع سلاسل التوريد المرتبطة بالصين في اقتصادات جنوب شرق آسيا لتدقيق مماثل، مع احتمال اتخاذ إجراءات عقابية تحت قيادة ترامب. ومن شأن ارتفاع قيمة الدولار الأميركي تحت قيادة ترامب أن يشعل ضغوط ميزان المدفوعات من جديد لبعض الاقتصادات الآسيوية.
الصين: إن الانفصال الاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين في عهد ترامب سيكون أكثر كثافة وأوسع نطاقا مما كان عليه في عهد هاريس، وسيمتد عبر مجموعة فرعية أوسع من الصناعات ومجالات التعاون. ومن شأن فترة أكثر مواجهة مع الولايات المتحدة أن تسرع جهود الصين لتحقيق الاستقرار في علاقاتها مع حلفائها الأميركيين وتحسين علاقاتها مع الدول غير الغربية.
أوروبا: نتوقع ضغوطاً أميركية أشد على مستويات الإنفاق الدفاعي الأوروبي في عهد ترامب مقارنة بهاريس، فضلاً عن خفض أسرع للمساعدات الأميركية لأوكرانيا. ومن شأن فرض تعريفات جمركية شاملة على صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة أن يشكل صدمة كبرى للاقتصاد الأوروبي، ولا سيما اقتصاد ألمانيا، وهي الصدمة التي نتوقع أن تستفز استجابة معاكسة من الاتحاد الأوروبي.
أميركا اللاتينية: في عهد ترامب، من المرجح أن تواجه المنطقة تباطؤ النمو الاقتصادي، وارتفاع التضخم، وتكاليف اقتراض أعلى، وتعقيد العلاقات الخارجية، وخاصة فيما يتصل بالصين. ومن المرجح أن تكون التوقعات الإقليمية أكثر إيجابية في عهد السيدة هاريس، رغم أننا لا نزال نتوقع بعض التشديد في السياسات الأميركية بشأن الهجرة والعلاقات مع الصين.
الشرق الأوسط: ستظل الولايات المتحدة منخرطة عسكريًا في الشرق الأوسط بغض النظر عن نتيجة الانتخابات الرئاسية. ويضغط كل من هاريس وترامب على إسرائيل لوقف العمل العسكري في غزة ولبنان. ومن المرجح أن يتحالف ترامب مع السياسات الإسرائيلية اليمينية، في حين قد تدعو هاريس إلى حل الدولتين. وفي ظل أي من الإدارتين، ستظل إسرائيل حليفًا رئيسيًا للولايات المتحدة، مدفوعة بالمخاوف الأمنية في المنطقة، ولا سيما إيران.