يهدد الأمن الغذائي.. كيف ستواجه أوروبا نقص إنتاج البطاطس؟
17:44 - 08 مايو 2024تعتبر البطاطس من أهم الزراعات التي تساهم في تحقيق الأمن الغذائي، كونها واحدة من المحاصيل الغذائية الخمسة الرئيسية المستهلكة في العالم بحسب الأمم المتحدة، فإنتاج البطاطس يدعم الجهود المبذولة للحد من الجوع وسوء التغذية والفقر، ويصون التنوع البيولوجي.
ولكن يبدو أن هذه الزراعة تعاني من مشكلة كبيرة في القارة الأوروبية سببها عوامل الطقس، حيث بات نقص البطاطس في القارة يمثل خطراً حقيقياً، ومشكلة لأحد أغذيتها الأساسية، فالفرد الأوروبي يستهلك في المتوسط نحو 90 كيلوجراماً من البطاطس سنوياً، وهي أعلى كمية استهلاك للفرد مقارنة بأي منطقة في العالم، بحسب بلومبرغ.
والمشكلة التي تعاني منها زراعة البطاطس في أوروبا مرتبطة بأزمة المناخ، فبحسب تقرير نشرته خدمة كوبرنيكوس لمراقبة المناخ التابعة للاتحاد الأوروبي والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، فإن أوروبا شهدت في الأشهر المنصرمة هطول أمطار أكثر بنسبة 7 بالمئة من النسب التي كانت تسجل في الفترات نفسها بين الأعوام الممتدة بين 1991 و2020.
تعفّن 650 ألف طن من البطاطس
والحقول المغمورة بالمياه لا تساعد على حصاد أو زراعة البطاطس، حيث أظهرت تقديرات منظمة مزارعي البطاطس في شمال غرب أوروبا، أن هناك نحو 650 ألف طن متري من البطاطس لم تصل إلى السوق، مع تعرض الكثير منها للتعفن في الظروف اللاهوائية، لأن التربة الرطبة تعني أن المزارعين غير قادرين على استخراج المحاصيل من الأرض، محذرة من انخفاض بنسبة 20 بالمئة في بذور البطاطس المتوفرة لعام 2024.
وبحسب بلومبرج، فإن البطاطس التي تمكن المزارعون في أوروبا من حصدها، كانت ضعيفة من حيث الجودة، مما يعني أنه لا يمكن تخزينها لفترة طويلة، ولذلك سارع المزارعون إلى نقلها وعرضها للبيع، لتبدأ شركات التعبئة والمعالجة بالتنافس على شراء هذا المحصول ما تسبب بارتفاع الأسعار.
ارتفاع مستمر في الأسعار
وما يعقد الأمور أكثر، هو أن زراعة المحصول الجديد من البطاطس في أوروبا، قد يتأخر بسبب مياه الأمطار التي لا تزال تغمر الحقول، مما يشير إلى أن تضخم الأسعار سيستمر طوال العام 2024.
ووفقاً لبلومبرغ فإن أسعار البطاطس البيضاء الإنجليزية، تعد مرتفعة حالياً بنسبة 81 بالمئة على أساس سنوي، وهو أعلى مستوى على الإطلاق وفقاً لشركة Mintec Ltd، المزود المستقل لبيانات أسعار السلع الأساسية في صناعة الأغذية، أما في هولندا وبلجيكا وهما منطقتان رئيسيتان في زراعة ومعالجة البطاطس المخصصة للقلي، فقد بلغت أسعار معالجة البطاطس الهولندية لشهر أبريل أعلى مستوياتها عند 370 يورو (397 دولاراً) للطن المتري، حيث يتوقع المراقبون المزيد من الزيادات في الأسعار قبل وصول المحصول الجديد للبطاطس إلى السوق في عام 2024.
ويقول المهندس الزراعي أحمد القاسم، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن البطاطس من النباتات التي يناسبها الجو المعتدل، وهي قد تتحمل الصقيع الخفيف، ولكنها لا تنمو جيداً في جو شديد البرودة أو شديد الحرارة، كما أنها قد تتعرض للتعفن في حال ارتفعت نسبة رطوبة الأرض، ما يُسهّل تغلغل الالتهابات الفطرية والبكتيرية في البطاطا، لافتاً إلى أن إنتاج الغذاء لطالما كان تحت رحمة العناصر المتعلقة بالطقس، حيث كان المزارعون يضعون خططهم الزراعية الموسمية بناءً على البيانات التاريخية للأحوال الجوية، ولكن مع التغييرات الكبيرة وغير المفهومة التي تشهدها الأحوال الجوية حول العالم، أصبح على المزارعين التعامل مع طقس يتأرجح بين الجفاف والفيضانات في موسم واحد.
ويكشف القاسم أن أسعار البطاطس في المملكة المتحدة وصلت في الأيام الأخيرة إلى مستويات غير مسبوقة، لم تشهدها منذ عقد من الزمن، حيث تشير التوقعات إلى ارتفاعها إلى ما يزيد عن جنيه إسترليني للكيلوغرام الواحد، حيث تتزايد المخاوف هناك بشأن النقص في أصناف البطاطس المختلفة، مما يؤدي إلى ما يسمى بـ "تضخم أسعار البطاطا"، وسط تحديات يواجهها القطاع الزراعي، نتيجة هطول الأمطار الغزيرة، ما يهدد بحصول فجوة بين العرض والطلب، خصوصاً أن المحاصيل الحالية تتهافت عليها الشركات، في حين أن محصول الموسم المقبل سيتأخر كثيراً.
قيود على المبيعات
ويشرح القاسم أن التأخر المتوقع في توقيت حصاد المحصول المقبل للبطاطس، سببه المياه التي كانت لا تزال تغمر الحقول في الربيع، فمثلاً بدأ المزارعون الأيرلنديون زراعة محاصيل البطاطس في الأسبوع الماضي فقط، رغم أن هذه المحاصيل كانت تُزرع في العادة في نهاية شهر فبراير، وتستمر حتى نهاية شهر مارس، ولذلك ومع إستحالة استعادة الوقت الضائع، فإنه من المتوقع أن تعاني إيرلندا من نقص في البطاطس في الصيف المقبل، حيث تحذر السلطات هناك من إمكانية أن تلجأ إلى فرض قيود على مبيعات البطاطس في الصيف عبر تقليل الكمية المسموح بيعها.
وبحسب القاسم فإن أول الحلول التي ستلجأ إليها أوروبا لمعالجة هذا النقص، ستكون عبر تعزيز حجم إستيرادها للبطاطس خلال الموسم المقبل، ولكن هذه الخطوة ستحلّ المشكلة بشكل جزئي، فأولاً المستهلك الأوروبي يفضّل أنواعاً معيّنة من البطاطس التي تحتاج عملية زراعتها خارج أوروبا للكثير من التحضيرات، وثانياً يجب الأخذ في الاعتبار الشروط القاسية التي تضعها أوروبا على استيراد مختلف أنواع البطاطس التي تشمل خلوها من العفن والبكتيريا ومن أي مادة غريبة مرئية ومن الآفات التي تؤثر على جسد الإنسان، وأيضاً خالية من أي رائحة وطعم غريب، وهذه الشروط تجعل من نسبة البطاطس المؤهلة للتصدير إلى أوروبا قليلة، وبالتالي يصبح موضوع ارتفاع أسعار البطاطس في أوروبا أمراً واقعاً وحتمياً في الفترة المقبلة.
البطاطس ليست المتضررة الوحيدة
من جهته يقول المحلل البيئي مازن عبود في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن انتشار ظاهرة الأحوال الجوية المتطرفة بسبب التلوث البيئي الذي يشهده العالم، تضع الكثير من الزراعات في أوروبا، وليس فقط زراعة البطاطس في مواجهة المخاطر وحالة عدم اليقين، حيث يكافح المزارعون هناك للوصول إلى حقولهم وزراعة البذور، مشيراً إلى أن مسحاً أجراه مجلس تنمية الزراعة والبستنة في العالم، أظهر أن المساحات المزروعة بالقمح والبذور الزيتية والشعير الشتوي في المملكة المتحدة، قد انخفضت بشكل كبير بسبب عوامل الطقس، مما أدى إلى ارتفاع أسعارها، كما تأخرت زراعة القمح الفرنسي بشكل كبير، في حين عانى مربو الماشية في أوروبا، من ارتفاع في نسب النفوق في ماشيتهم، مما أدى إلى انخفاض إنتاج الحليب وزيادة تكاليف الإنتاج.
الأمن الغذائي في خطر
وشدد عبود على أن ما يحصل اليوم بالنسبة لموضوع ارتفاع أسعار البطاطس في أوروبا، وسابقاً لناحية ارتفاع أسعار الكاكاو في غرب أفريقيا، سببه واحد وهو الطقس المتطرف، الذي يؤثر على المحاصيل الغذائية وبالتالي يعرض الأمن الغذائي للخطر، وهذا ما يدق جرس الإنذار، بوجوب التحرك سريعاً والقيام بخطوات تحافظ على البيئة، وتحد من انبعاثات الكربون، التي تلعب دوراً رئيسياً في العوامل المناخية، التي يشهدها العالم حالياً، وإلا سنكون أمام توسع مشهد التقلبات العنيفة في الطقس التي تنعكس نقصاً في الغذاء وارتفاعاً بأسعاره.