ترقب لـ "رسوم ترامب".. كيف تتفاعل الأسواق العالمية؟
11:29 - 31 مارس 2025تترقب الأسواق عن كثب يوم 2 أبريل انتظاراً لإعلانات تعرفات جمركية أميركية جديدة محتملة، حيث فرض الرئيس دونالد ترامب بالفعل وهدد بفرض المزيد من الرسوم على شركاء تجاريين رئيسيين، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك والصين.
يأتي ذلك في وقت تتزايد فيه مخاوف السوق من احتمال حدوث ركود. فيما أفاد دويتشه بنك بتوقعات متوسطة بنسبة 43 بالمئة بحدوث تباطؤ، بينما لا تزال آراء أعضاء حكومة ترامب منقسمة بشأن التأثير الاقتصادي لسياساته التجارية.
وقد تم بالفعل التهديد من جانب ترامب بزيادات في الرسوم الجمركية، ثم إلغاؤها، ثم فرضها في نهاية المطاف على شركاء تجاريين رئيسيين مثل كندا والمكسيك، مع فرض زيادات أيضاً على الواردات القادمة من الصين، علاوة على فرض رسوم جمركية بنسبة 25 بالمئة على السيارات غير المصنوعة في الولايات المتحدة، والذي يدخل حيز التنفيذ في أبريل.
وروج ترامب لبدء فرض الرسوم الجمركية المتبادلة في الثاني من أبريل باعتباره "يوم التحرير" للولايات المتحدة. فيما يقول الرئيس الأميركي ومسؤولوه إن الخطة ستُحدد فعلياً معدلات تعرفات جمركية لجميع الدول التي تفرض تعرفات جمركية خاصة بها على السلع الأميركية.
وبحسب تقرير لشبكة "سي إن بي سي" الأميركية، فقد تخضع أيضاً الدول التي تتبع سياسات تجارية أخرى غير جمركية تعارضها إدارة ترامب، مثل ضرائب القيمة المضافة، لرسوم جمركية جديدة.
وكان ترامب قد أصدر سلسلة من الإعلانات المتعلقة بالرسوم الجمركية منذ عودته إلى البيت الأبيض، مما أثار حالة من عدم اليقين بين المستثمرين والمخاوف من اندلاع حرب تجارية كبرى.
تحديات
في السياق، يقول خبير أسواق المال، محمد سعيد، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن:
- شهر أبريل يحمل في طياته العديد من التحديات للأسواق العالمية؛ خاصة في ظل التهديدات التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حيث أشار إلى نيته فرض المزيد من الرسوم الجمركية على الدول التي تفرض بدورها رسوماً على الواردات الأميركية، وذلك اعتباراً من الثاني من أبريل.
- الأسواق المالية تأثرت في الفترة الماضية بشكل واضح بالسياسات الحمائية التي ينتهجها ترامب، والتي أدت إلى تذبذب وتراجع المؤشرات الرئيسية في وول ستريت على مدار الشهر الماضي؛ لا سيما في أسهم القطاع التكنولوجي التي كانت تقييماتها مرتفعة، مما جعلها أكثر عرضة للانخفاض.
- تصاعد الحرب التجارية، خاصة مع الردود الانتقامية المتوقعة من الشركاء التجاريين مثل الاتحاد الأوروبي، سيزيد من حدة التوترات ويعمّق حالة عدم اليقين في الأسواق.
وكان مفوض التجارة بالاتحاد الأوروبي ماروس سيفكوفيتش، قد التقى الثلاثاء الماضي، مع كبار مسؤولي التجارة في إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب؛ في محاولة لتجنب فرض رسوم جمركية أميركية باهظة على سلع الاتحاد الأوروبي الأسبوع المقبل، لكن نتائج المحادثات لم تكن واضحة، بحسب "رويترز".
وقال سيفكوفيتش إنه أجرى "محادثات جوهرية" مع وزير التجارة هوارد لوتنيك والممثل التجاري الأميركي جيميسون جرير والمستشار الاقتصادي الكبير للبيت الأبيض كيفن هاسيت.
وبالعودة لتصريحات سعيد، فإنه يضيف أن "الأسواق العالمية اعتادت على مثل هذه التفاعلات، حيث تُقابل الرسوم الجمركية برسوم مضادة، مما يشعل فتيل المواجهة مجدداً".
ورغم توقعاته باستمرار الأداء السلبي في "وول ستريت" خلال أبريل، إلا أن سعيد لا يرجح أن تكون بنفس المستوى الذي حدث في فبراير، مشيراً إلى أن الصدمة الأولى كانت قوية بسبب المفاجأة في تغيير توجهات ترامب، والذي كانت الأسواق تعتبره سابقاً عاملاً إيجابياً.
وينوه بأن الأسواق عادة ما تستبق الأحداث، وقد امتصت بالفعل جزءاً من الصدمات السابقة، لذلك فمن المتوقع أن يكون التأثر محدوداً نسبياً مقارنة بما شهدته في الموجة الأولى من الانخفاضات.
موقف أكثر مرونة
يدعم ذلك أيضاً أن ترامب قد بعث برسائل مرنة نسبياً عندما قبيل أيام عن إمكانية تعليق الرسوم على كثير من الدول. فضلاً عن إشارته إلى أنه ""لن تُدرج كل الرسوم في الثاني من أبريل" مما أعطى دعماً نسبياً للأسواق التي حاولت أن تُبدد جزءاً من مخاوفها في الأسبوع الأخير من شهر مارس، مع توقع "رسوم أكثر مرونة" مما كان متوقعاً من ذي قبل منذ أن أطلق ترامب تهديداته ذات الصلة.
في هذا السياق، يشير تقرير لـ "سي إن إن" إلى أن "حيلة ترامب الأخيرة قد تجعل الرسوم الجمركية أكثر قبولاً"، ويفسر ذلك على النحو التالي:
- كانت طموحات الرئيس دونالد ترامب المتعلقة بالرسوم الجمركية صعبة المنال. فقد أثارت قلق المستثمرين، ودفعت الأسواق المالية إلى حالة من الاضطراب، وفقد دعم العديد من ناخبيه، وأثارت غضب الرؤساء التنفيذيين.
- ولكن بدلاً من التراجع وتغيير المسار بالكامل قبل أسبوع واحد فقط من "يوم التحرير" الذي وعد به ترامب في الثاني من أبريل، فإنه يستخدم استراتيجية تسويقية مألوفة: إعداد الأميركيين للأسوأ وتقديم شيء ليس من الصعب تقبله.
- قال ترامب: "في الغالب، سيكون الثاني من أبريل يوماً حاسماً"، في إشارة إلى اليوم الذي وعد فيه بفرض رسوم جمركية شاملة على جميع شركاء أميركا التجاريين.
- قبل أسبوع، غيّر ترامب مسار الحديث من المخاوف بشأن التأثيرات الاقتصادية للرسوم الجمركية إلى الشعور بالارتياح لأنه بدا وكأنه يؤجل فرض بعض هذه الرسوم أو يخففها.
ونقل التقرير عن المدير المساعد في مركز هربرت أ. ستيفل لدراسات السياسات التجارية التابع لمعهد كاتو، كولين جرابو، قوله:"أعتقد بأن إدارة ترامب تحاول الموازنة بين أهدافها المتمثلة في زيادة الرسوم الجمركية وعدم إثارة مخاوف الأسواق بشكل كبير".
تراجعات
وتحت وطأة حالة عدم اليقين المرتبطة بالرسوم الجمركية، سجلت المؤشرات الأميركية الرئيسية تراجعاً خلال الربع الاول من العام، ليسجل مؤشر ستاندرد آند بورز 500 انخفاضاً بنسبة 4.6 بالمئة، بينما انخفض مؤشر ناسداك بأكثر من 10 بالمئة خلال تلك الفترة.
ووفق تقرير لشبكة "سي إن بي سي" الأميركية، فإنه مع ذلك، قد يكون المستقبل أكثر إشراقاً مع دخول الربع الثاني، لا سيما مع انتعاش مؤشر ستاندرد آند بورز 500 خلال الجلسة الأخيرة في مارس، بحسب كبير استراتيجيي السوق العالمية في معهد ويلز فارجو للاستثمار، سكوت رين.
ويشير التقرير إلى أن أسواق الأسهم شهدت تقلبات حادة في الربع الأول؛ نتيجة تزايد حالة عدم اليقين بشأن الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب الجديدة. وفي يوم الأحد الماضي، صرّح ترامب بأن خطته لفرض "رسوم جمركية متبادلة ستبدأ بجميع الدول". وكان المستثمرون يأملون في اتباع نهج محدود في إدارة هذه الرسوم.
ومن المرجح أن يتلقى المتداولون مزيداً من المعلومات حول الوضع يوم الأربعاء 2 أبريل - عندما من المقرر أن تدخل العديد من واجبات ترامب حيز التنفيذ.
وفي آسيا، انخفض مؤشر نيكي القياسي بنسبة 4.05 بالمئة، الاثنين، ليغلق عند 35,617.56 نقطة، بخسارة تقارب 12بالمئة عن أعلى مستوى له في ديسمبر. وخسر مؤشر توبكس الأوسع نطاقاً 3.57% ليصل إلى 2,658.73 نقطة، وذلك قبل جولة جديدة من الرسوم الجمركية التي يتوقع أن يفرضها ترامب في وقت لاحق من هذا الأسبوع.
ودخل المؤشر الياباني في مرحلة تصحيح، بعد أن وصل إلى أدنى مستوى في ستة أشهر مع تفاقم عمليات بيع الأسهم في آسيا بسبب رسوم ترامب الجمركية.
ترقب
بدوره، يقول رئيس قسم الأسواق العالمية في شركة Cedra Markets، جو يرق، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "أعتقد بأننا لن نشهد تطبيق كامل الرسوم التي أعلن عنها الرئيس ترامب في الموعد المقرر بداية شهر أبريل، وتحديداً في الثاني منه، والذي يُطلق عليه البعض يوم تحرير أميركا".
ويشار إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي قد يغير فيها ترامب اللهجة من خلال تقديم نهج تعرفات جمركية أخف مقارنة بالوعود السابقة التي قدمها، وفق تقرير "سي إن إن".
على سبيل المثال، بعد أيام من إعادة انتخاب ترامب، قال: "في 20 يناير، وفي إطار أحد أوامري التنفيذية العديدة الأولى، سأوقع جميع الوثائق اللازمة لفرض رسوم جمركية بنسبة 25 بالمئة على المكسيك وكندا على جميع المنتجات الواردة إلى الولايات المتحدة، وحدودها المفتوحة السخيفة". إلا أن ذلك لم يحدث، مما أدى إلى ارتفاع حاد في أسعار الأسهم، حيث تنفس المستثمرون الصعداء. ثم أُجِّل موعد فرض هذه الرسوم الجمركية مرتين. وجاء التأجيل الثاني بعد إقرارها لفترة وجيزة ثم تأجيلها جزئياً.
بالنسبة للصين، هدّد ترامب خلال حملته الانتخابية بفرض رسوم جمركية تصل إلى 60 بالمئة على جميع السلع الصينية الواردة إلى الولايات المتحدة. في الوقت الحالي، تُفرض رسوم جمركية بنسبة 20 بالمئة على الواردات الصينية، ورسوم إضافية بنسبة 25 بالمئة على الصلب والألومنيوم القادمين منها.
وبالعودة لحديث يرق، فإنه يضيف:
- وفي جميع الأحوال، فإن هذه الرسوم الانتقامية، وبحسب المعطيات الحالية، من المتوقع أن تكون انتقائية وليست شاملة، ما يعني أن تأثيرها على الأسواق سيكون محدوداً وليس كارثياً.
- الرئيس ترامب كان واضحاً في تصريحاته، والتوجه الحالي يُشير إلى أن هذه الرسوم سيتم التعامل معها بشكل مرحلي.
- كما أن البيانات الأخيرة الصادرة عن الفدرالي الأميركي تؤكد أن تأثير هذه الرسوم على التضخم سيكون مؤقتاً على المدة القصير.
يشار في هذا السياق، إلى أن اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، المسؤولة عن تحديد أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، كانت قد خفضت توقعاتها الجماعية للنمو الاقتصادي إلى 1.7 بالمئة، بانخفاض عن آخر توقعاتها البالغة 2.1 بالمئة في ديسمبر. ورفع المسؤولون توقعاتهم للتضخم، متوقعين نمو الأسعار الأساسية بمعدل سنوي قدره 2.8 بالمئة، ارتفاعاً من التقدير السابق البالغ 2.5 بالمئة.
يأتي ذلك في الوقت الذي يرى فيه البنك المركزي خطر سيناريو الركود التضخمي، حيث يرتفع التضخم مع تباطؤ النمو الاقتصادي، وهو ما يرتبط بشكل مباشر بتداعيات الرسوم. وفي بيان لها، أشارت اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة إلى أن "عدم اليقين بشأن التوقعات الاقتصادية قد زاد".
لهجة أكثر توازناً
ويضيف يرق أن هناك لهجة أكثر توازناً من جانب الإدارة الأميركية، مما يعزز من مرونة الأسواق وقدرتها على التكيف، مردفاً: "نترقب خلال الأسبوع الأول من الشهر الإعلان النهائي عن حجم هذه الرسوم، وردّة فعل الأسواق تجاهها، والتي نعتقد بأنها قد لا تكون سلبية".
ويتابع: "وبالنظر إلى الأثر متوسط المدى لهذه الرسوم، سنرصد مدى تأثيرها على معدلات التضخم والنمو الاقتصادي سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجه. ومن المرجح أنه بحلول النصف الثاني من عام 2025، ستكون الأسواق قد تكيفت مع هذه الرسوم، وستشهد بعض القطاعات استفادة منها، كما حدث مع رسوم عام 2017".
ويختتم يرق حديثه بالتأكيد على أنه في المرحلة التالية "نتوقع التوجه نحو تخفيف القيود التنظيمية وتخفيض الضرائب على الشركات، وهي خطوات من شأنها أن تعزز من أداء القطاع الخاص وتدعم الاقتصاد الأميركي في المرحلة المقبلة".